تاريخ علم الاُصول (درس2)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 2 التاريخ : 2008/12/26 بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بداية تدوين هذا العلم في المذهب الشيعي: فينبغي القطع بأنّه لم يحصل تدوين قبل الغيبة الكبرى التي بدأت عام 329 من الهجرة. وأنّا أرى أنَّ أوَّل من مال إلى الاُصول واستنباط الأحكام واعتمده وردّ الفروع إلى الاُصول هو الشيخ الجليل وصاحب المنزلة الرفيعة الحسن بن علي بن أبي عقيل صاحب كتاب (المتمسّك بحبل القرآن)، وهو كتاب فقهي هذَّب فيه الفقه وطرح فيه آراءً جديدة، وكان ذلك في أوائل عصر الغيبة. بعد الحسن بن علي بن أبي عقيل جاء الدور للمتكلّم الفقيه والمحدّث الأديب محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي الذي صنّف العديد من الكتب في الفقه والاُصول والأدب تبلغ الخمسين، وقد بلغ أكثر من مائة وثلاثين مجلداً، نشير إلى أشهرها وهو كتاب (المختصر الأحمدي في الفقه المحمّدي). وقد عُدَّ هذا العالم الجليل شيخ المفيد واُستاذه، ومّما لا شك فيه أنّه كان معاصراً للشيخ المرحوم الكليني، كما ذكر ذلك المحدّث القمي. وبعد ابن الجنيد جاء العهد المبارك لأبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام الملقَّب بالشيخ المفيد، ولد عام 336، وتوفي عام 413 من الهجرة. وما يمكن أن يقال في المفيد هو أنّه كان في اُصول الفقه يحذو حذو اُستاذه ابن الجنيد، وكذا ابن أبي عقيل، رغم أنّه لم يتفق مع ابن الجنيد في بعض آرائه. وقد بلغنا بعض ردوده على اُستاذه. المهم هو أنّ توسع علم الاُصول وتنميته بدأت في عهد ابن أبي عقيل وابن الجنيد، ونما بشكل جلي في عهد الشيخ المفيد. يُذكر أنَّ دروس الشيخ المفيد كانت مميّزة وتحضى بصيت جيد، وكان للشيخ تلامذة نقّادكالسيّد المرتضى المعروف بعلم الهدى، وأبي جعفر محمّد بن حسين بن علي الطوسي، وسلاّر بن عبدالعزيز الديلمي. وكانت لهم تأليفات وتصنيفات في علم الاُصول والفقه، ويُعدّون من أساطين العلم وأساتذة الفنّ، نمّوا المباني الاُصولية لاُستاذهم بتسارع متزايد، وهمّوا بنشره والترويج له في المراكز العلمية والثقافية، حتى أصبح اُصول الفقه علماً مستقلاً وموضع اعتماد وبحث ودراسة وتدريس في أوائل القرن الرابع من الهجرة، ومُذَّاك قام كبار علمائنا بنشره والترويج له والكتابة فيه، وعندها تبلورت أعمال قيّمة جداً من كتب وتقريرات. من المطالب المهمة التي يستحسن ذكرها هنا هو أنّ سير الاجتهاد في المسائل النوعية للفقه لاقى توقفاً بعد وفاة الشيخ الطوسي دام مدّة مائة عام؛ لأن تلامذة الشيخ الطوسي كانوا قد اكتفوا باستنباطاته وما قد تلقوا منه من فتاوى، فكانوا في الحقيقة مقلدين له وناقلين لفتاواه فحسب؛ وذلك لأنّ حسن ظنهم به كان قويّاً ومدهشاً نوعاً ما. استمرّ هذا الركود الطويل إلى حين دخول حفيد الشيخ ـ ابن إدريس ـ ساحة الاستنباط، حيث همَّ بنقد ما أُثر عن الشيخ وغيره من كبار العلماء من فتاوى ومطالب، وبذلك استطاع أن يمنح عجلة التكامل لاُصول الفقه تسارعاً جديداً، وليعدَّ عصره عصراً وضّاءً في تاريخ الاجتهاد. بعد هذين العلمين الجليلين جاء دور المحقق الحلي صاحب الكتاب المعروف (شرائع الإسلام)، ولد المحقق عم 602، وتوفي عام 676 من الهجرة، وقد ترك كتابين في الاُصول هما: (نهج الوصول إلى معرفة الاُصول) و (المعارج). ثمّ جاء دور تلميذ المحقّق الحلي وابن اُخته، أي العلاّمة المرحوم الحلّي، فقد دوَّن الأخير كتباً كثيرة وفي مجالات مختلفة، وكتبه في الاُصول عبارة عن: (النكت البديعة في تحرير الذريعة) و (تهذيب الوصول إلى علم الاُصول) و (نهج الوصول إلى علم الاُصول)، و (منتهى الوصول إلى علمي الكلام والاُصول) و (غاية الوصول) و (مبادئ الوصول إلى علم الاُصول). لقد لاقت كتب العلاّمة إقبالاً ضخماً من قبل أعاظم الشيعة وأفاخمهم، ونهلوا منها الكثير، خاصة كتابه (نهج الوصول)، وقد علَّق على هذا الكتاب وشرحه فطاحل بارزين، مثل السيّد عميد الدين عبد المطلب بن محمّد الحسيني، وأخيه السيّد ضياء الدين عبدالله بن محمّد، وكلاهما ولدان لاُخت العلاّمة. كانت كتب العلاّمة تُدرَّس وتُبحث حتى عهد الشهيد الثاني، أي كانت الكتب المعتمدة في حوزات التدريس في القرن الثامن والتاسع وجزء من القرن العاشر، ولم يدوّن خلال هذه الفترة شيءٌ غير الشروح والتعليقات على الكتب المزبورة. ما وصلنا عن العالم هذا[1] الجليل من كتب في هذا المجال هو (تمهيد القواعد)، وقد كان يُعدُّ هذا الكتاب منهجاً دراسياً في ذلك العصر. استشهد الشهيد الثاني عام 966 من الهجرة. ثمّ جاء الدورلأبي منصور جمال الدين حسن بن زين الدين نجل الشهيد الثاني، الذي توفي عام 1011، وترك كتاباً يُدعى (معالم الدين) في الاُصول، ولا زال يُدرَّس، وقد كُتبت عليه شروح وتعليقات مختلفة. ويبدو أن أفضل شرح له هو كتاب (هداية المسترشدين) للشيخ محمّد تقي الذي توفي عام 1248 من الهجرة. ثم جاء بعد صاحب (المعالم) الشيخ ميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي الذي دوّن كتاباً في الاُصول سمّاه (قوانين الاُصول)، وفي نفس العصر كتب الشيخ محمّد حسين ـ تلميذ الشيخ محمّد تقي ـ كتاب (الفصول)، إلاّ أنَّه لم يلق إقبالاً في المدارس العلمية والحوزات، عكس ما كان عليه كتاب (قوانين الاًُصول) للشيخالقمي، حيث كان قد أخذ موقعه ولاقى إقبالاً جيداً. إذا تجاوزنا ذلك العهد نصل عهد الشيخ الأنصاري الذي كتب كتابه الشهير في علم الاُصول أي (فرائد الاُصول)، والذي يعرفه العام والخاص. لقد منح الشيخ عبر كتابه هذا الاُصول ترتيباً خاصاً وجيداً جداً، ويمكن أن يقال: إنّه هذَّب الاُصول من الزوائد. وقد توفي الشيخ عام 1281 من الهجرة. وفي بداية القرن الرابع عشر استطاع الملاّمحمّد كاظم الخراساني ـ المعروفبالآخوند الخراساني ـ أن يطرح الاُصول ولأوّل مرّة بشكل مضغوط ومتقن واستدلالي، وأن يجعله في في متناول أيدي المحقّقين والراغبين في دراسة هذا العلم بثوبه الجديد. إن كتاب الآخوند (كفاية الاُصول) لا زال منهجاً دراسياً في الحوزات العلمية ، ويُعدُّ أهم ما دوّن في هذا العلم عند كبار الشيعة وأفاضلها. ورغم أن الكثير من علماء هذا القرن كتب في هذا العلم، إلاّ أنّه لا أحد من كتبهم لاقى إقبالاً واهتماماً مثل ما لاقى كتاب الشيخ الآخوند. بعد المرحوم الخراساني جاء الدور للشيخ النائيني الذي تبحّر بشكل مدهش في علم الاُصول، وترك أعمالاً وكتباً كثيرة في الفقه والاُصول، ويمكن عدُّ كتابه (فوائد الاُصول) الأبرز في مصَّنفات عصره. ثمّ جاء الدور للمرحوم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم، الشهير في علمه ومعرفته عند العام والخاص. ثمّ يأتي بعده المرحوم السيّد البروجردي، والمرحوم السيّد الإمام، والمرحوم السيّد الخوئي، وآخرون من فقهاء الشيعة وأفاضلهم ـ قدست أسرارهم ـ والذين يُعبّر عنهم بمتأخري المتأخرين. كان ذلك نبذة تاريخية مختصرة عن تطوّر علم الاُصول وما كتب فيه من تصنيفات. ونذكّر هنا أنَّ ذكرنا لبعض الأفاضل دون بعض ولبعض الكتب دون آخر لا يعني تناسينا لذلك ولا إنكارنا، بل كان البناء على الاختصار وذكر الأشهر فالأشهر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - المراد به الشهيد الثاني.
|