|
حرمة الثمن بما هو ثمن في الأعیان المتنجّسة
وأمّا حرمة الثمن بما هو ثمن، فاستدلّ له بوجوهٍ: أحدها: النبويّ المتقدّم من طرق العامّة: «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»([330]). ونظر فيه سيّدنا الاُستاذ بقوله: وفيه مضافاً إلى ضعف السند، إمكان الخدشة في الدلالة، بدعوى انصرافه إلى المحرّمات الأصليّـة، لا ما صار حراماً بتبع الغير، ولو نوقش فيه وقيل بإطلاقه، فلا دافع لضعفه. وقد يتوهّم جبر سنده باستناد الشيخ([331])، وابن زهرة([332])، والحلّي([333])، والعلّامة([334])، وغيرهم([335]) به. وفيه: أنّ بناء شيخ الطائفة وابن زهرة، بل والعـلّامة كالسيّد المرتضي، في إيراد الروايات التي من طرق العامّة على إلزام فقهائهم، لا على الاستناد بها في الفتوى، كما لا يخفى على الناظر في تلك الكتب. ولهذا ترى أنّ الشيخ استند في عدم جواز بيع الخمر بإجماع الفرقة، ثمّ أورد روايات من العامّة عليه، ولم يستند بواحد من روايات أصحابنا، مع كثرتها([336]). وأنّ ابن زهرة بعد الاستدلال على اشتراط كون المنفعة مباحة بالإجماع، قال: «ويحتجّ على من قال من المخالفين بجواز بيع الكلاب مطلقاً، وبيع سرقين ما لا يؤكل لحمه، وبيع الخمر بوكالة الذمّي على بيعها، بما رووه من قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»([337])، انتهى. والغفلة عن هذه الدقيقة، أوجبت توهّم جبر سند بعض الأخبار التي ليست من طرقنا، مع أنّ الجابر هو الاستناد في الفتوى، بحيث يحرز أنّ الفتوى الكذائيّـة من المشهور مستندة إلى رواية كذائيّـة، وهذا غير ثابت بذكر الرواية في تلك الكتب المعدّة لبيان الاستدلال على مذهب الإماميّـة، والردّ على مخالفيهم، ككتابي الانتصار والناصريّات([338])، وكتاب مسائل الخلاف، وكتابي المنتهى والتذكرة. وقد اقتفى ابن زهرة ([339]) أثر علم الهدى في غنيتـ ـه كثيراً، بل يشعر أو يدلّ كلامه المتقدّم على عدم اعتبار الرواية المتقدّمة عند أصحابنا، وإنّما احتجّ بها إلزاماً عليهم، وليس عندي كتاب السرائر مع الأسف. وكيف كان، فلا يمكن الاستناد بمثل النبويّ في الحكم، كما لم يستندوا عليه أصحابنا المتقدّمون، اعتماداً وفتوىً([340]). ثانيها: النبويّ المتقدّم عن عوالي اللئالي: «إنّ الله إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»([341]). ونظر (سلام الله علیه) بقوله: وسنده أوهن من سابقه، مع أنّـه في المأكول، وإلغاء الخصوصيّـة منه وإسراء الحكم إلى المشروب المحرّم أصلاً وتبعاً محلّ تأمّل([342]). ثالثها: رواية التحف والرضويّ([343]). وردّ ذلك بما مرّ([344]) من حالهما ([345]). رابعها: إلغاء الخصوصيّـة من الروايات الكثيرة الواردة في نجاسات ومحرّمات خاصّة، بأنّ ثمنها سحت. وردّها بأنّ الإلغاء مشكل بالنسبة إلى المتنجّسات؛ لاحتمال أن تكون لأعيان النجاسات خصوصيّـة توجب غلظة في الحكم لا تكون في المتنجّس بها ([346]). كما أنّـه ردّ الوجه الخامس، وهو الاستدلال على المطلوب بما وردت في العصير([347])بأنّـه غير وجيه، والوجه السادس، وهو الاستدلال([348]) بروايات أمر فيها بإهراق الماء والمرق المتنجّسين([349])، بأنّ الاستدلال بها لبطلان المعاملة بها محلّ إشكال، فضلاً عن الاستدلال لحرمة البيع أو حرمة الثمن؛ لأنّ الانتفاع بصاع من الماء ليس إلّا للتوضّي أو الشرب عادة، وهما غير جائزين بالماء النجس أو المشتبه به، وليس لهما نفع آخر، ولعلّ الأمر بالإراقة كناية عن عدم نفع له، وكذا المرق لا نفع له إلّا الأكل الممنوع منه، فلا تدلّ تلك الروايات على إلغاء ماليّـة الملاقي للنجس، وإن كان الاحتياط حسناً، بل لا ينبغي تركه([350]). -------------------- [330]. تقدّم تخريجها في الصفحة: 129. [331]. الخلاف 3: 184 ـ 185، المسألة 308 و 310. [332]. غنية النزوع 1: 213. [333]. السرائر 3: 113. [334]. مختلف الشيعة 8: 337، المسألة 39. [335]. كفخرالمحقّقين في إيضاح الفوائد 4: 152؛ والسيوري في التنقيح الرائع 2: 5، و 4: 58. [336]. الخلاف 3: 185، المسألة 311. [337]. غنية النزوع 1: 213. [338]. راجع: الانتصار: 84، المسألة 1؛ والناصريّات: 67، المسألة الاُولى. [339]. راجع: غنية النزوع 1: 52. [340]. المكاسب المحرّمة 1: 33 ـ 34. [341]. عوالي اللئالي 1: 181، الحديث 240؛ مستدرك الوسائل 13: 73، أبواب ما يكتسب به، الباب 6، الحديث 8؛ سنن أبي داوود 3: 142، الحديث 3488. [342]. المكاسب المحرّمة 1: 35. [343]. راجع: تحف العقول: 333؛ وفقه الرضا: 250، باب التجارات والبيوع والمكاسب. [344]. مرّ في الصفحة: 152 ـ 153. [345]. المكاسب المحرّمة 1: 35. [346]. نفس المصدر. [347]. راجع: وسائل الشيعة 25: 282، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 2. [348]. المستدلّ هو النراقي في مستند الشيعة 14: 70 ـ 71. [349]. راجع: وسائل الشيعة 1: 151 ـ 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 2، 4 و 14؛ و 3: 470، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 38، الحديث 8؛ و 25: 358، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 26، الحديث 1. [350]. المكاسب المحرّمة 1: 35.
|