Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: البيانات
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: بمناسبة نهاية العام الدراسي المقترن بذكرى رحيل الإمام الخميني(سلام اللّه عليه)
خطاب سماحة الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي (دام ظله العالي) بمناسبة نهاية العام الدراسي المقترن بذكرى رحيل الإمام الخميني(سلام اللّه عليه)
أود أن يكون لنا اليوم حوار عن القرآن والفقه ووظائفنا تجاههما وعلاقتنا بالقرآن، وفي هذا المجال هناك عدّة مطالب:
الأول: ما هدف الأنبياء؟ باعتبارنا خلفاء للأنبياء ونموت يوماً كما ماتوا علينا معرفة ما عملوا وما علينا أن نعمل؟ ما هو منهج القرآن؟
كما تعملون فإن الأنبياء سعوا لأن يقنعوا الناس بحقوقهم، فإذا امتنع الناس بحقوقهم فلا تبقى حاجة إلى اجراء العدالة، الفرق بين العدالة والقسط الذي جاء في سورة الحديد المباركة: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) في كون العدالة ممَّا يمكن تنفيذها ويمكن ارغام الذي لا يعمل وفقها لتنفيذها، أمَّا القسط فينبع من الذات. فإذا اقتنع الناس بحقوقهم فلا يبقى ظلم ولا يضيع حق.
الهدف من إرسال الرسل والكتب السماوية هو إقامة القسط، وإذا أردنا السير في هذا الطريق فعلينا أن نعمل ونتكلم بما يشعر الناس بالقناعة الذاتية، ولو عجزنا عن ذلك، لا سمح اللّه، فضلاً عن أن الناس سوف لا يقتنعون بحقوقهم، فإنهم سيقولون: بما أن هؤلاء العلماء سيئون فالمفروض بنا أن نكون كذلك.
لو أن شخصاً أساء الظن بالدين بسببنا وأساء الظن بولاية أمير المؤمنين وباقي الأئمّة أو أساء الظن بالإسلام بسببنا فإن عذاب اللّه لنا سيتضاعف، وسوف نؤاخذ على كل ذنب يصدر من ذلك الشخص الذي أساء الظن.
جميعنا موظفون لدعوة الناس إلى الإسلام وإلى الأعمال الحسنة والعلم بها، علينا عرض الإسلام بنحو يشد الناس إليه، العالم اليوم عالم التواصل، طالعوا كتاب (الحدود) تجدون فيه كلاماً منقولاً عن أمير المؤمنين ينهى عن اجراء الحد إذا ما أدَّى إجراؤه إلى ارتداد المذنب عن الإسلام. واليوم إذا تنافى إجراء الحد مع عزّة الإسلام وأضرَّ بها فلا نقول بعدم إجرائه بل نقول بلزوم إعداد أرضيته أولاً ثم إجراؤه لكي لايستلزم الضرر المزبور ( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ).
علينا التعريف بالقرآن واحكامه بنحو ينسجم مع الفطرة الإنسانية، فطرة الإنسان لا تنسجم مع الظلم، وهذا من البديهيات العقلية، ولا ينبغي التعريف بالإسلام بنحو يظن الناس بسببه انسجام الإسلام مع الظلم، فالفطرة الإنسانية تتنافر مع تضييع الحقوق، وفطرة الإسلام فطرة المنطق والحوار والإصغاء وليست فطرة القطع.
ورد في كتاب (احياء العلوم) للغزالي بعض الموارد غير الصحيحة لكن هل هذا يعني لزوم إعدامه؟ إن المرحوم الفيض أجاب عن بعض ما ورد في ذلك الكتاب، فإذا تولدت شبهة في أذهان الناس كان علينا الإجابة عنها وإذا لم تكن متولدة فلا ينبغي إيجادها في اذهانهم، وإذا تولدت لا يمكننا القول: ما ينبغي أن تحصل لكم هذه الشبهة .
إن الأئمة المعصومين أولي أمرنا ولا قيد ولا شرط في لزوم إطاعتهم (...أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ...)فإذا ادّعى شخص بأن غير المعصوم يكون اولي الأمر كذلك، علينا فتح حوار معه ومطالبته بمراجعة (الميزان) على اقل تقدير. الإمام الخميني (سلام اللّه عليه) بعد ما سمع بأن البعض يقول بكون الإمام أولي الأمر اتصل مباشرة وطالب بالرجوع عن هذا الكلام.
رغم أن طاعة الأئمة مطلقة إلاَّ أنها من وجهة نظرهم ووجهة نظر ربِّهم تعدٌّ محدودة رغم ما أعطوا من قدرة.
في باب المقتول الذي لا ولي له تعدُّ الحكومة هي ولي أمره ودمه، وفي ذلك وردت روايات، وبإمكان الحكومة أن تقتص من القاتل، ولا يمكنها العفو عنه مجاناً; لأن المعصوم قال هنا: (دمه حق الناس، ولا حق للإمام أن يتصرّف بحقوق الناس).
وللحق معاني واسعة تختلف بحسب الأمكنة والأزمنة، ففي يوم ما قد يكون لنا مائة حق وفي يوم آخر قد يكون لنا عشرة حقوق، وقد جاء في الحديث (ما للناس فللناس).
منهج القرآن منهج التساهل، وجميع الآيات تصرّح بالتساهل والتوادد والمحبة إلاّ سورة البراءة (وما أرسلناك إلاَّ رحمةً للعالمين)(يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) «بعثت على الدين السهل السمح» ولم يقل: بعثت على دين الإكراه والقوّة بحيث تجبر الآخرين على الاستعطاف والتملق.
في يوم قطع أمير المؤمنين أصابع شخص وكان المتحجر ابن أبي الكواء يترصّد هذه اللقطة ويأنس إليها، وبعد انتهاء العملية سأل الذي اُجري عليه الحد: من الذي قطع أصابعك؟ فطلب منه أن يذهب إلى مكان يجتمع فيه الناس ليجيب عن سؤاله، فذهبا إلى مكان من هذا القبيل وارتقى مرتفعاً وقال: «ليث الحجاز، وكبش العراق، و وصادم الأبطال، المنتقم من الجهال، كريم الأصل، شريف الفضل، محل الحرمين، وارث المشعرين، أبو السبطين، أول السابقين، وآخر الوصيين من آل ياسين، المؤيد بجبرائيل، المنصور بمكيائيل، الحبل المتين، المحفوظ بجند السماء الجمعين، ذلك واللّه أمير المؤمنين على رغم الراغمين».
وبعدما أطلعوا الإمام علي الحادث دعى ابنه الحسن(عليه السلام) قائلاً له: «هات بعمك الأسود» أي أن المجرم أصبح أخاً للإمام خليفة المسلمين، وبعدما أتى أرجع الإمام إليه أصابعه ودعى له.
كما كان يحصل شيء من هذا القبيل هنا، فإن المرحوم السيد حسن البهشتي كان قاضياً أوائل الثورة، وكان المجرم يقبّل يديه عندما يحكم عليه بالعقوبة.
الإسلام دين الرحمة، والناس فيه يقومون بالقسط ،فهو دين الناس، كان منهج الإمام في الإدارة بنحو خاص يقول في توصيفه: إذا تضرر أحد من الناس لا يقول الإسلام أضرّني، ولا يقول: العمائم أضرتني، ولا يقول: المؤسسة الفلانية أضرتني، بل يقول: أنا السبِّب في الضرر، وردت الجملة التالية عن الإمام بتاريخ 27/ 11 / 1357 هـ ش:
«حالياً حيث ظهرت مجاميع مشاغبة علينا معالجة الأمر لتهدء الأمور، وإذا هدءت ووقعت الحكومة بيد الناس فلا اشكال يرد على أي واحد، فإذا عيَّن الناس وكلاءهم تصبح الحكومة بيدهم، وهذا يعني عدم الإكراه والفرض على الناس، ولا إشكال يرد على أحد، لأن الشعب هو الذي اختار ذلك...» ويضيف قائلاً: «إن النظام الحالي جمهوري إسلامي لكنه برأيي غير قانوني إلاَّ إذا أفتى الشعب لصالحه، ولذلك علينا الرجوع إلى الناس ومطالبتهم بإيذاء رأيهم لكي تتشكل حكومة منسجمة مع رغباتهم».
أحيوا فقه الإمام، فقه الإمام في هذه المجالات مظلوم بدرجة أني كنت مع أصدقائي أجوب الفيضية وأناقش الآخرين لإثبات علميته، ومن المؤسف أن فقهه لازال مظلوماً، قلَّما يلاحظ كرّ الإمام وفرّه في المسائل، بل قلّما نجد كراً وفراً حالياً مثلما كان للإمام .
في ذكرى رحيله أطلب طلباً ملحاً من كبار الحوزة ومدرسي السطوح العالية أن يهتموا بتدريس (تحرير الوسيلة) إلى جنب تدريسهم اللمعتين، كما أدعو مدرسي (المكاسب) و (الرسائل) أن يقارنوا البحوث الواردة في هذين الكتابين مع ما ورد عن الإمام من المكاسب والبيع والخيارات وما شابهها، لكي يحيى بذلك فقه الإمام، ويعد فقهه الحلقة المفقودة بين زمان الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس حوزة قم وحتى زماننا هذا.
مباني الحاج الشيخ منتقاة من الحاج السيد محمد الفشاركي ومن الميرزا الشيرازي، ولا تفقدوا هذه الحلقة.
أعزتي أنقذوا الإمام من مظلوميته الفقهية، لماذا أحيى الجميع الإمام في بعده السياسي لكنا نسيناه في بعده الفقهي؟ كل ما للحوزة هو من الإمام وممَّن تبعه .
جيل الشباب حالياً يتطلع إلى الإسلام، قد تكتب المسألتان في مكان واحد، والناس يقبلون على المسألة التي ينسجم حكمها مع الفطرة والعقل، ولا أقصد من العقل البرهان العقلي بل ما يدركه العقل، وهو نفسه الذي حرّم به الإمام في النجف الحيلة في الربا، وهو نفسه الذي تحدّث عنه المقدس الأردبيلي في نهاية كتاب الديات حول تنصيف دية المرأة فيما زاد عن الثلث وقال: (هذا الحكم المعروف والمشهور يخالف القواعد النقلية والعقلية).
ليبق باب الاجتهاد مفتوحاً، المعايير هي المهمة لا الآراء، فالمعايير هي المطروحة في البلاد وفي الفقه وعلى المنابر وفي التقنين. وقد أقَرَّ بها الأصل الرابع من الدستور، فلو أن مجلس الشورى صادق على قانون يطابق فتوى نادرة لمثل ابن أبي عقيل فلا يعد القانون مخالفاً للموازين حتى لو أشكلنا عليه وعلى الفتوى بعشر اشكالات: لأنه اعتمد فتوى صدرت من ابن أبي عقيل أو المقدس الأردبيلي أو الشيخ أو الإمام.
السيد المرتضى والشيخ كانا يختلفان في مائة مسألة كلامية فضلاً عن المسائل الفقهية.
أختم الدرس بكلمة: للإمام حديث وصف به صاحب (الجواهر) وأنا أقول في توصيف الإمام: أيها الإمام، اللسان عاجز عن توصيفك، أيها الإمام، العصر عقيم وما كاد أن ينجب مثلك في التحقيق والتدقيق وحل المسائل وسعة الفكر والإلمام بالمسائل الفقهية وآثارها وأدلتها، وكنت عالماً في المعقول وعالماً في المنقول ومحققاً في كليهما، وأنت الذي بيّنت موارد الخلط بين المسألة التكوينية والمسألة التشريعية.
التاريخ : 2005/05/30
تصفّح: 9263





جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org