موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: كانت حكومة الدين واحترام آراء الناس وحرياتهم هي أبرز ميراث لها
الامام ومن خلال ثورته الاسلامية حقّق أهداف مدرسة،كانت حكومة الدين واحترام آراء الناس وحرياتهم هي أبرز ميراث لها
عندما يكون الكلام عن الامام الخميني(سلام الله عليه) لا أعلم من أي عشق أو بُعد من شخصيته أبدأ. هل أقول: هو رمز للاعمال الصالحة؟ أو أنّه فيلسوف وعارف لم يختر العزلة، وأطلق صرخات وتحمّل الالآم لاحياء القيم الدينية وبخاصة احياء واحقاق حقوق الشعب وتحرير جميع المحرومين ومن تكبّد آلام الجلد والاستبداد والاستغلال، وواجه مظاهر الاستبداد والتزوير والتحجّر، ووضع نفسه عرضة للهجمات واغتيالات لشخصيته؟
ماذا نقول مع أنّه ما زال في قمة تاريخ صانعي الثورات البشرية، وما زلنا نسمع دويّ صوته يملأ الفلك، ونتأمّل أحياناً في عطفه وأفكاره الفقهية، ونذكر جوابه على رسالة حول الانطباعات والاستنطاقات المختلفة عن الاسلام المحمدي(صلى الله عليه وآله وسلم) الأصيل، حيث يكتب بشجاعة عن حاجة الاسلام الى التضحية في سبيل تنمية الابداعات وتمييز الصحيح عن الخطأ.
نعم، أقول: انّه من خلال الثورة الاسلامية ترجم الى الواقع مدرسة كانت حكومة الدين واحترام آراء الناس وحرياتهم هي أبرز ميراث لها. والاهم من هذا أنّه أحيا مبدأ منسياً في الاسلام، هو مبدأ الجمهورية وحكومة الاكثرية، ومن خلال هذا المبدأ أفهم المتحجّرين وخادعي العوام جيداً بأنّ الشعب يفهم جيداً، وبامكانه اتّخاذه القرار وتقرير المصير بنفسه.
دخلت قم عام 1330 هـ، ش لغرض اكمال الدراسة الحوزوية، وقد تلمّذت على أيد كبار الحوزة ونلت منهم فيضاً سيّما من آية الله البروجردي. وفي تلك الايام تعرّفت على اسم الامام، وسمعت عن تبحّره في الاصول، كما سمعت بهمسات عن المخالفة مع فقهه، وبعد ذلك علمت أنّهم كانوا يرمون ابرازه ضعيفاً في مجال المباني الفقهية، وبعد سنوات من الصراع والكرّ والفرّ من الافكار المتفاوتة حوله والتي كانت تسعى لابعاد الطلاب الشباب من الالتفاف حول الحاج روح الله، التحقت بدرسه رسمياً وتشرّفت بالحضور فيه، وأدركت تدريجياً سموّ نفسه ودرايته وأفكاره العلمية.
اُلفتي وارتباطي به منحاني جسارة طرح الاشكالات العالقة في ذهني، ووجدت نفسي ملزماً بالدفاع بكل وجودي عن شخصيته وأن أذكر اسمه بصوت عالٍ في جميع مباحثاتي وأتعرّض لافكاره الفقهية.
استمرّت علاقتي بهذا الاستاذ حتّى ظهور الثورة الاسلامية، وكنّا _ كما هو حال الشعب _ بصحبة الامام والى جنبه في جميع الميادين، وكان لي تواجد جدي، لكنّي في النهاية طلبت رخصة منه للاستمرار بالتدريس والتحقيق، فرحلت الى قم، وتجلّت ألطافه آنذاك بعبارات عظيمة ودّعني بها، انّها عبارات لا أنساها أبداً، وأتمنّى أن أكون ساعياً لتحقيقها ما دمت حيّاً، لكي أكون أهلاً لحبّه وعظفه.
اليوم أسعى جاهداً لأن أجعل (تحرير الوسيلة) لتلك الشخصية العزيزة وذلك الامام المقتدى، محوراً لشروحي وبيان ما أعتمد من مبانٍ فقهية، مع رعاية عنصر الزمان والمكان وحفظ الفقه التقليدي الجواهري، والتي أراها تلبّي متطلّبات العصر المدني وتماشي التقدُّم التقني والصناعي، وبذلك يدخل الفقه ساحة البشر ويقلّل من غربة الفقهاء والشرع المقدس.
ومن الضروري للفقهاء أن ينهوا الشقاق بين الحداثة والتقليد، وذلك من خلال معرفة وتحليل الفقه بدقة، والتعرُّف الاكثر على القوانين ومشاكل المجتمعات البشرية، ومن خلال معرفة المناهج الجديدة الواردة في بيان الدور الاساس للفقه، يمكنهم أن يبرزوا الفقه ويترجمونه على أرض الواقع ويثبتوا فاعلية الثقافة الشيعية لحلّ جميع المشاكل والمتشابهات.
نحن نعيش في عصر يبدو فيه العالم كقرية صغيرة وبامكان الناس التواصل ومبادلة المعلومات ببساطة وبسرعة فائقة، وذلك عبر الانترنيت.
طال الحديث، ولا شكّ أنّ التعرّض لكلّ بُعد من أبعاد شخصية الامام بحاجة الى حديث طويل، لكن يكفينا حالياً الاشارة الاجمالية، وما ورد هنا هو اشارات لذكريات وتأمُّلات شخصية.
في الختام، مع تمنياتي الفائقة للمسؤولين والعاملين في مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني(س) آمل أن تستلهموا من الروح المقدسة لذلك العزيز الراحل ومن رؤيته العميقة للشعب والحكومة الدينية ومن أفكاره العظيمة في بسط المباني الفقهية الحديثة، وأن تهمّوا بالدفاع عن ثقافة اُريقت الدماء لأجل حفظها، فضلاً عن تحمُّل المشاق في هذا السبيل.
يوسف الصانعي
جمادى الاولى 1430 التاريخ : 2009/05/16 تصفّح: 9124