بناء على ما أفاده موقع سماحة آية الله العظمى الصانعي فإنّ هذا المرجع المجدّد قد ألقى خطاباً بهذه المناسبة بيّن فيه موقع هذا العيد في الثقافة الإسلامية وقال: «الغدير يعني المداراة وعمل الخير والإنصاف مع جميع الناس. ويكذب الذي يدّعي تأييده للغدير لكنّه يؤذي الناس ويضيّع حقوقهم. الغدير مثال العدالة، ولذلك يكذب من يدّعي حبّه للغدير ولا يكون من دعاة العدالة ولا العاملين بها حقّاً.»
واستناداً إلى حديث ورد عن الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم) يرى هذا المرجع أنّ مقارعة الظلم من امتيازات هذه الواقعة التاريخية، وقال: «لقد جاء الغدير لينسف معالم الحكومات الظالمة والمستبدة والدكتاتورية والاستعمار.»
وبعد إشارته إلى ما قاله الرسول (صلی الله عليه و آله و سلم) في تلك الواقعة: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)قال: «في هذا الكلام إشارة إلى عدم شرعية الحكومات الأخرى وغير الإسلامية والظالمة التي اعتمدت جلّها على التنصيب. لقد رفع الرسول يده أمام عدد غفير من حجاج ذلك العام وصرّح (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) وذلك لينصب الإمام علي (عليه السلام) إماماً للمسلمين في الهداية الدينية وفي إدارة المجتمع وفي السياسة والتدبير، فالسيادة الوطنية تعني السيادة الاجتماعية والوطنية والإسلامية.»
وأضاف فضيلته: «إمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في شؤون الدين والدنيا ممّا أكّده الله تبارك وتعالى ورسوله (عليهما السلام) أثناء تبليغ الرسالة وقال موضحاً ذلك: تعرّض القرآن لقضية الإمامة في مراحل مختلفة، وكان الغدير آخر مرحلة. بيّن في مرحلة سيادة علي (عليه السلام) من خلال الآية: {وأولو الأرحام بعضهم أولَى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} وقد قال السيد ابن طاووس وآخرون _ وقولهم الحق _ إنّ بعض أرحام الرسول أولى من بعض المؤمنين والمهاجرين. وهذا الموضوع يشمل الولاية والسيادة، ولا اختصاص له بباب الإرث، ومصداق مفردة البعض التي جاءت في الآية هو الإمام علي (عليه السلام) فقط، ولا تشمل باقي أرحام الرسول (عليهما السلام) .»
وأضاف فضيلته: «المرحلة اللاحقة لبيان الولاية تمّت من خلال الآية: {إنّما وليّكم الله ورسوله والذين يقيمونَ الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} ولا يمكن أن نجد مصادقاً لها غير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أي أنّها ليست قضية عامة بل قضية شخصية ولا مصداق لها إلاّ واحد، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولا يمكن لأحد أن يقدم في يوم من الأيّام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع ثمّ يدّعي ولاية المسلمين كمصداق لهذه الآية.»
ثمّ تحدّث هذا المرجع المجدّد عن أنّ رسالة يوم الغدير هو الأمل بانتهاء ونسف سيادة الظلم، وإبلاغ سيادة وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك من الخصائص الحقيقية للغدير، وقال: «القضية الأساسية التي طرحت في الغدير هي نسف سيادة الظلم والاستبداد وخداع العوام والاستعمار الفكري واستغلال الثروات المادية والمعنوية التي تمتلكها الشعوب وأنّ من الضروري أن تبيّن أحكام الله بنحو صحيح، أي أن تبلّغ قوانين الله على لسان الذي يخلف الرسول ويحظى بمقام العصمة ويكون مصاحباً للرسول دائماً. ومن الطبيعي بالنسبة إلى الذي يكون قريناً للرسول (عليهم السلام) دائماً أن يعلم بجميع خصائص هذا الدين ويعيه. لكنّ بيان هذا الموضوع كان مشكلاً بحيث سعى الله ليدعم الرسول ويطمئنه من خلال القول: {والله يعصمك من الناس} لأنّ البعض قد أشكل على الرسول تنصيب صهره ، ولأجل ذلك خاطب الله الرسول بالعبارة السابقة، وطمئنه بعدم تأثير تلك التهم والافتراءات على عمله.»
حكومة المعصومين(عليهم السلام) جمهورية
ثمّ تابع سماحته متعرّضاً لموضوع خصائص الحكومة الإسلامية وقال: «على المجتمع العالمي أن يتقفّى آثار حكومة الإمام علي إذا أراد أن يشاهد نموذجاً من حكومة العدل الإسلامي بكامل معناها. فقد كانت حكومة اشترط فيها الإمام رضا الشعب بها. لقد كانت حادثة الغدير بمثابة رضا أكثرية الشعب، لكن عندما شاهد الإمام عدم مماشاة الناس معه اعتزل السياسة مدّة خمسة وعشرين عاماً. وهذا يعني اعتباره رأي الجمهور ورضاهم شرطاً في إقرار الحكومة. ولو لم يشترط فيها رأي الناس لكان على الإمام أن يحكم _ ونعوذ بالله _ آنذاك بالسيف ومن خلال خداع العوام والكذب والاتهامات والافتراءات والسجون والتعذيب. لكنّ هذا ممّا يخالف القوانين الإسلامية، وإذا سعى شخص لتثبيت حكومته من خلال هذه الوسائل فعمله يخالف الشرع، ويعدّ معصية، وحكومته ليست إلهية ولا شرعية. وهذا هو الموضوع الذي اعتمد في العالم هذا اليوم، فعالم اليوم عالم الجمهوريات والسيادة برضا الشعوب وآرائهم، ولأجل ذلك قال الإمام: (المقياس هو رأي الشعب).»
وبالاستناد إلى آية المودّة اعتبر المودّة والاحترام المتبادل خصيصة أخرى من خصائص الحكومة الإسلامية العلوية وقال: «على الحكّام والمسؤولين في حكومة المعصومين (عليهم السلام) أن يقوموا بما يوجب كسب ودّ الشعب، بحيث يتبرّكون بعد مماتهم بتراب مراقدهم ويحترمونهم بنحو لا يقتربون من مراقدهم إلاّ عن وضوء، ويزورون مقابرهم، بل لا يدخلون مراقدهم دون إذن، وهو ما نشاهده في مراقد المعصومين.»
الغدير عيد الوحدة
اعتبر آية الله العظمى الصانعي الغدير من الحوادث المسلّم بها في تاريخ الإسلام نقلت متواتراً في كتب الشيعة والسنة. كما اعتبر الغدير عيداً لجميع العالم الإسلامي ووضّح قائلاً: «الغدير ليس عيداً للشيعة فحسب، وحريّ بأهل السنة أن يحتفّوا بهذا العيد، وهو ليس سبباً للاختلاف. إذا اهتمّ الشيعة بالغدير فلا يعني ذلك عداءهم لإخوانهم من أهل السنة؛ لأنّ الغدير نقل بنحو متواتر عن طرق الفرقتين، وقدمه يعود إلى عهد رسول الله (عليه السلام) وحتّى هذا اليوم. على أنّهم يقولون كون المراد من الولاية في حديث الغدير هو الحب، وعلى المؤمنين أن يزرعوا حبّ أمير المؤمنين في قلوبهم، لكنّا نقول: إنّ المراد من المولى هو الإمام واجب الطاعة. وعليه حري بهم أن يحتفلوا بالغدير، ولا عداوة بيننا من هذه الناحية؛ لأنّهم _ وبناء على ما يفسرون به حديث الغدير _ فإنّ علياً (عليه السلام) شخصية لا نقص يشوبها، ودعى الله المؤمنين لأن يحبّونه، ما يعني أنّه شخصية جليلة ويحظى بكرامة عالية للنفس ما أهّله لدعوة المؤمنين للتوادد معه.»
ومع تأكيده على ضرورة تكريم المنحدرين من نسل الرسول (عليه السلام) في يوم الغدير قال سماحة الشيخ: «إذا احتفينا بعد الغدير فلأجل أنّ ذلك يعدّ طاعة لله، فهو يعبّر عن حبّنا للعدالة والحرية والكرامة والمداراة والإنصاف، فالغدير امتداد لخط الأنبياء الربانيين.»
التاريخ : 2013/10/23