موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: لا يجوز إصدار حكم الرجم وتنفيذه في عصر الغيبة
آية الله العظمى الصانعي في حوار خاص مع صحيفة (اعتماد ملي):لا يجوز إصدار حكم الرجم وتنفيذه في عصر الغيبة
في تاريخ 25/4/2008 فهيمه خضر حيدري
يندر أن يکون هناك مواطن في مدينة قم المقدسة، لا يعرف شارع صفائية بأزقّته المتشعّبة التي يحتوي کلُّ منها علي مکتب لأحد مراجع الدين وکان الزقاق الذي قصدناه مزدحماً بالمارّة، وکان واضحاً من بداية الزقاق أنَّ الدار ذات الأبواب المشرّعة والستائر المنصوبة في مداخلها، تمثّل مکتب آية الله العظمي الشيخ يوسف الصانعي.
خلعنا أحذيتنا لنضعها في الرفّ الجداري المخصّص لها ، وطأنا أرضاً مفروشة بالسجّاد البسيط، وقد ملأت الفضاء رائحة ماء الورد العطرة، رحّب بنا أفراد الحاشية مؤکّدين لنا أنّ وقت المرجع الديني محدود للغاية، أمّا المرجع نفسه فقد استقبلنا برحابة صدر ودخلنا صالة المقابلات الخاصّة في مکتبه، لنتجاوز مسألة ضيق الوقت، لقد طال بنا الانتظار لإجراء هذا الحوار عامين کاملين، وقد أجابنا المرجع عن هذه الحقيقة بالقول: إنّ صبر الله يمتدّ لمئة سنة! فما بالکم تضيقون ذرعاً، ولم يستغرق انتظارکم سوي اثنين بالمئة من هذه المدة؟
لقد حظي آية الله العظمي الصانعي بمکانة مرموقة بين المراجع العظام، بعد مدّة تزيد علي نصف قرن من الدراسة والتدقيق في الفقه الإسلامي، خرج منها بمجموعة من الفتاوي والدراسات الجديدة في مجال الفقه الإسلامي، الأمر الذي جعله غرضاً لسهام النقد في حقل الدين والتفقِّه، کما أنّه يعدّ أيضاً من أبرز العلماء المجدّدين في مجال حقوق المرأة، وقد أکّد لنا بنفسه أنّ هناك من يهاجمنا ويقول: إنّ لکم في کلّ يوم رأياً جديداً، وهو صادق في ذلك، إذ إنّنا نطبع رسالة في هذا العام ثمّ نضيف إليها أشياء جديدة في العام القادم، وهذه هي طبيعة التحقيق، وليست نتيجة للسهو والغفلة والعياذ بالله.
کانت صالة المقابلات تنعم بالدفء، في الوقت الذي تعاني فيه مناطق واسعة من البلاد انقطاعاً في الغاز، وقد أشار آية الله الصانعي إلي هذه المسألة ضاحکاً: نصحونا بتعدد الأجهزة الحرارية للوقاية من البرد، الامر الذي دعانا للبحث عن مداﻔﺊ نفطية، ولکن من غير المعقول أن ينقطع الغاز عندنا، کما يستحيل انقطاعه في المناطق الشمالية من العاصمة، وعلي کل حال فإنّنا هنا في قم نحصل علي ما يشبه الرشا، فانقطاع الغاز لا يصيب إلاّ سکّان المناطق الجنوبية من المدن(1)، وقد روي عن أحد الأئمة ما معناه: (لا تقترفوا الذنوب، فتصلح أمورکم) فبدلاً من الضغط علي المسؤولين، لا بدّ من الابتعاد عن الذنوب، وإن شاء الله ستصلح الاوضاع تلقائياً.
يواصل الشيخ آية الله الصانعي الحوار ببشاشته المعهودة، ويجيب عن اسئلتنا التي تمت صياغة أکثرها فيما يتعلّق بمسائل المرأة، ويعلن بصراحة عن عدم استعداده للإجابة عن بعض أسئلتنا الأساسية.
وکان حليماً جداً، واسع الصدر بإزاء أضواء لاقطات التصوير المتعاقبة، ويقابل الحساسيّة والدقّة المفرطة لدي المصوّر بالقول مازحاً: لو کان لك عدوّ هل کنت تصوّره بهذه الطريقة؟! لقد کان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مثالاً حقيقياً للنظم والترتيب، وکان يقول: «إنّ الله يکره العبد القاذورة»، خلافاً لبعض المغفلين من المسلمين الذين يرون المسلم الحقيقي في الشخص الذي لا يبالي بهندامه!
وبرغم حلم آية الله الصانعي ومجاراته لنا، لم يسلم حوارنا الذي امتدّ معه لساعتين من مقصّ مستشاريه، فتمّ حذف الکثير من آرائه ودعاباته رعايةً للمصالح.
ـ سماحة آية الله الشيخ الصانعي أُثيرت أخيراً بحوث حول تغيير بعض القوانين المتعلقة بالمرأة، وقد تمّ تداولها في مجلس الشوري أيضاً، فمن خلال الالتفات إلي آرائکم المختلفة في مجال حقوق المرأة، فقد قصدناکم بوصفکم مرجعاً للکثير من الشيعة، للتداول بشأن هذه الآراء، وسنبدأ البحث بنظرة إجمالية حول مسألة اختلاف دية المرأة والرجل.
* أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم، لقد قمنا ببحث دية المرأة ومساواتها لدية الرجل في مسائل الفقه والحياة بالتفصيل، إلاّ أنّها إجمالاً علي النحو الآتي:
أوّلاً: إنّ الاختلاف بين دية المرأة والرجل يعارض الأسس والقواعد الإسلامية القائمة علي المساواة بين کافة أبناء البشر ـ أعم من المرأة والرجل والأسود والأبيض والعرب والعجم ـ في جميع الحقوق، وذلك لتکافئهم في أصل الخلقة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) ، وتمّ تکريمهم بوصفهم من سلالة آدم، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) وإنّ الطينة التي خلقت منها المرأة لا تختلف عن الطينة التي خلق منها الرجل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...)، وکما ترون، فقد بيّنت هذه النصوص القرآنية الصريحة هذه الأُسس والقواعد التي لا تقبل التأويل ولا تحتاج إلي مزيد من الشرح والتفسير، وهناك في المقابل بعض الإسرائيليات التي تذهب إلي تمييز المرأة من الرجل في أصل الخلقة، وتصوّرها شيئاً زائداً أو أنّها فضلة خلقها الله لتقوم علي خدمة الرجل، وهو کما تري مخالف للقرآن الکريم وباطل، وللأسف الشديد لا نزال نجد هذه الرؤية أو تبعاتها في کلمات الکبار من علمائنا أحياناً.
ثانياً: بناء علي هذا الأصل الثابت، وغير القابل للنقاش، سيکون مصير أي کلام أو قانون يعارضه أو يخالفه هو النّبذ، طبقاً لرويات المعصومين عليهم السلام إلاّ إذا ثبت بالدليل القطعي وأمکن توجيهه، مثل قانون إرث الذکر الذي يرث ضعف ما ترثه الأنثي بصريح قوله تعالى: (... لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ...) أو کونه مستنداً للقرآن، وفي الوقت نفسه نري ـ لأهمية ذلك بسبب الاعتبارات العرفية ـ توجيهه من قبل الأئمة المعصومين عليهم السلام بنحو ينسجم مع روح العدالة والأصول الإسلامية المسلمة.
يضاف إلي ذلك أنّ الوارد في القرآن بشأن القصاص والديات هو: حرمة النفس الإنسانية، قال تعالى: (... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ...)، وقال تعالى: (... وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ...)، وأنّ التمايزبين نفس المرأة والرجل وروحيهما مخالف لهذا النوع من آيات القرآن الکريم.
ثالثاً: إنّ طبيعة التربية والثقافة الإسلامية ايضاً دليل آخر علي مساواة المرأة للرجل في جميع ما يرتبط بالأرواح والأنفس ويعدّ نوعاً من التکريم والرفع لشأنها. وعليه فإنّ الأصل والقاعدة والدليل يحکي عن مساواة دية المرأة لديةِ الرجل، وانّ کلّ کلام يخالف ذلك يحتاج إلي أدلة قوية جداً للوقوف بوجه هذهِ الادلة، وإنّ الاکتفاء ببضعة روايات مخدوشة ذات إشکالات کثيرة أثيرت في محلّها، أو الاستناد إلي بعض الاعتبارات والتحليلات المقامة في البحوث الفقهية، تحتاج إلي إثبات حجيتها واستنباطها من خلال القواعد الأصولية، لا يمکن أن تکون مستمسکاً ومستنداً صحيحاً لإسناد هذا الحکم إلي الاسلام والشريعة.
وهناك توجيهات في هذا المجال تقوم علي قيمومة الرجل ومسؤوليتة في الانفاق وإدارة شؤون الأسرة، الأمر الذي يشکل سبباً وجيهاً لعدم المساواة بين المرأة والرجل في الدية، إلاّ أنّ لهذا الحکم العام موارد نقض عديدة في المجتمع المعاصر، حيث هناك الکثير من النساء اللاتي يقمنّ وحدهنّ بإدارة شؤون الاسرة.
لقد أثير بحث دية المرأة والرجل في بداية الثورة، وأوّل من ذکر هذا التوجيه في کون الانفاق علي عاتق الرجل دون المرأة من قبل آية الله الشهيد البهشتي قدس سره، وطبعاً کان هذا التوجيه ـ وفقاً للمبني المعروف ـ توجيهاً مناسباً آنذاك ـ مع ما للسيد البهشتي من الفضيلة ـ لعدم توفّر الفرصة الکافية للخوض في تفاصيل البحث الفقهي في تلك الظروف.
ولکن بعد طرح مسائل جديدة مثل: الشطرنج والمعادن الطبيعية من قبل الامام الخميني (سلام الله عليه)، تمّ فتح بابٍ جديد في الفقة، ولو أنّ الشهيد البهشتي وغيره من کبار العلماء کالشهيد المطهري کان حاضراً بينناً حالياً، لما رأي تمامية مثل هذهِ التوجيهات، لأنّها تواجه الکثير من موارد النقض فيما يتعلّق بالنساء العاملات، إلي جانب الکم الهائل من الرجال العاطلين عن العمل أو الطفل حديث الولادة، هذا مضافاً إلي أنّ بحث الدية أجنبي عن مسألة الانفاق، کما أنّنا لا نري أثراً لهذا التوجيه في الروايات، وذلك لأنّ الدية تتعلق بأرواح الناس وجبران الخسارة التي لحقت بها، وکما قلنا فانّ الفقه يبحث في إقامة الدليل والجهة، ولا يمکن استنباط الأحکام الشرعية وفقاً لمثل هذهِ التوجيهات والتحليلات.
ـ هل حدثت أزمة في التاريخ الاسلامي بشأن عدم مساواة دية المرأة لدية الرجل؟
* في الحقيقة من الموارد التي تؤيّد نظريتنا: أننا لا نجد أيّ توجيه من قبل الأئمة عليهم السلام فيما يتعلق باختلاف دية المرأة عن دية الرجل، في حين کانت تثار أسئلة کثيرة من قبل الموالين والمناوئين بشأن اختلاف إرث المرأة عن الرجل الوارد في القرآن الکريم، وقد أجاب عنها الائمة عليهم السلام بسعة صدر کاملة، فهل کانت مسألة الدية علي هذهِ الدرجة العالية من الوضوح؟ وانحصار السؤال والجواب في الروايات بصورة ما لو قتلت المرأة رجلاً، فتقتل المرأة ولا يعطي الرجل شيئاً، ولو حدث العکس دفع للرجل نصف الدية، هذا في حين أنّ هناك روايات معارضة، مع أنّ مسألة الدية، لعدم ورودها في القرآن الکريم وارتباطها الواسع برقعة الحياة الاجتماعية، تشکل مهداً صالحاً للاثارة أکبر من مسألة الارث التي تعرّضت للأخذ والرد في الروايات، وعليه لا بدّ من تکرار هذهِ المسألة واشباعها بالبحث واثبات المساواة بين دية المرأة والرجل؛ حتي تأخذ طريقها الي المجلس، وتتمّ المصادقة عليها وإقرارها في الدستور إن شاء الله تعالي.
ـ يبدو أنّ مسألة عدم المساواة بين دية المرأة والرجل واردة في جراحات الرجل والمرأة أيضاً، فهي من الموارد التي تحتاج إلي إعادة النظر والبحث فيها.
* أجل، يوجد هذا التفاوت في باب الجراحات أيضاً، أي: أنّهما يتساويان في الثلث، واما فيما زاد علي ذلك، تعود دية المرأة إلي نصف دية الرجل، وهو في غاية الاشکال، بأن نفرّق بين المرأة والرجل في العين والاذن، وإنّ نسبة مثل هذه القوانين إلي الله، مع أنّ استنباطاتنا هي من الکتاب والسنة، وتوجد في قبالها استنباطات أخري، إذا کان بمعني التمسّك بالحجة الشرعية، فهناك مانع منها، کما استنبط ذلك الكثير من الفقهاء، وهم معذورون في ذلك ومأجورون، وأمّا إذا تحوّلت إلي وسيلة وأداة تکفير الآخرين ونظريات أخري فهي خطأ، وذلك لعدم حجية آراء الفقهاء في الفقه الشيعي علي الفقيه الآخر، وأنّ الاجماع عند الشيعة دليل جدلي في قبال أهل السنة، وقد استند إليه في کتب من قبيل الخلاف للشيخ الطوسي، والملفت أنّه لم يستدل علي منع المرأة من تسنّم منصب القضاء وکون القضاء مختصّاً بالرجال بسوي الاجماع، ومهما کان فلا بدّ من بيان الدين والاحکام الاسلامية بشکل قابل للفهم ومقنع؛ لأنّ ذلك من مقتضيات الشريعة السهلة السمحة، وعليه لو أننا توصّلنا إلي فهم معيّن، ولم يقنع البعض، فليس من حقّنا تکفيره، بل علينا الرجوع وإعادة النظر في فهمنا، وذلك لأنّ العلم لا يقاس بالرجال، بل العکس هو الصحيح.
ـ اذا کانت الشريعة الاسلامية سهلة وسمحة، وکان من الضروري أن تکون القوانين مقنعة، فکيف يکون موقفکم تجاه نصف أفراد المجتمع الذين يصرون علي ضرورة إعادة النظر في القوانين المنبثقة عن الإسلام، ولم يقتنعوا بمنع المرأة من القضاء، وإباحة تعدد الزوجات للرجل؟
قلنا: إنّ سماحة الدين بمعني قابليته علي الاقناع، واذا لم يتوفّر قانون علي مثل هذه القابلية يجب اعادة النظر فيه، فلو أنني غدوت مقنناً وأصدرت حکماً لم يقنع عامة الناس، أو لم يحضَ بقبول ذوي الحق، وجب عليّ إعادة النظر فيه، کما حصل بالنسبة لقانون تعدد الزوجات، الذي يبيح للرجل المتمکن مادياً والقادر علي العدالة بين زوجاته، ان يتزوج دون حصول رضي الزوجة الأولي، فإنني أري أنّ هذا السلوك مع الزوجة مخالف لما أمرنا الله به في القرآن الکريم من معاشرتها بالمعروف، إلاّ في البلدان التي جري عرف الناس فيها علي التعدد بحيث تعلم المرأة أنّ زوجها سيتزوج من غيرها، وان ذلك لا يترك أثراً سيئاً عليها، وأمّا في البلدان التي تعدُّ المرأة فيها ذلك إهانة لها، بحيث تقدم علي الانتحار، فکيف يمکن إصدار مثل هذا الحکم، وکيف يُصادق عليه مع أدائه إلي تحطيم کيان الأسرة وضياع الاولاد، أو مسألة الدية الي تحولت في العصر الحاضر إلي أزمة کبيرة بالنسبة الي الأحکام الاسلامية، فما هو الموقف الذي يجب اتخاذه حيال هذهِ المسائل؟ هل يمکن تجاوز هذه الأزمة بالتنصّل عن المسؤولية ببساطة؟ إننا توصلنا الي شيء لم يحض بالقبول، وعليه لا ينبغي لنا في مثل هذهِ الحالة ان ننسب ما فهمناه الي الله تعالي، اذ قد لا يکون کذلك في الواقع.
ـ فما هو موقفکم لتجاوز هذهِ العقبة؟
* للخروج من هذا المأزق يمکننا اللجوء الي الاساليب الفقهية، والفقه الجواهري علي حدّ تعبير الامام الراحل (سلام الله عليه) الذي هو عصارة أفکار المتقدّمين من المجتهدين (قدس الله اسرارهم)، او ننتهج مسلك المقدس الاردبيلي قدس سره في الاستفادة من قواعد نفي الحرج والعسر، مع الاعتماد الکامل علي الکتاب والسنة للخروج بقانون مقنع للجميع.
ـ سؤالنا المحدد الذي نتوجّه به اليکم هو: هل تقرّ بأنّ القوانين الموجودة في مجال النساء لا تنطبق عليها موازين اليسر والسماحة، وهي هدف لاعتراض جماعة کبيرة من النساء؟
* ما هي القوانين التي يعارضنها بالتحديد؟
ـ يعارضن القوانين الموجودة في باب الديات والارث والطلاق والقضاء والحضانة وما إلي ذلك، فلما کانت القوانين عندنا تُستنبط من الفقه الاسلامي، وتقولون: إنّکم في الفقه الشيعي لا يخفي عليکم مسلك، فکيف حتي الآن لم يحصل إجماع بين المراجع العظام في خصوص إعادة النظر في هذه القوانين؟
* لقد عَرَضتُ هذه المسألة لبعض السادة قبل حوالي خمسة عشر عاماً، وذکرت أنّ الأصل الرابع من الدستور الذي يعدّ من أرقي الأصول لضمان اسلامية القوانين، خير طريق للخروج من هذا المأزق، بمعني أنّه لو قال فقيه قبل الف ومئة سنة ـ کابن الجنيد ـ بأرث المرأة من جميع أموال الزوج المنقولة وغيرها، أو فقيه عارف مثل الحاج آغا رحيم أرباب الذي يذهب الي نفس الرأي، وقد صوّت النوّاب في المجلس علي قانون طبقاً لهذا الرأي، وهو يصب في مصلحة جميع الناس وجماعة النساء، فلا ينبغي للفقهاء في مجلس صيانة الدستور، أن يرفضوا هذا القانون، بحجة مخالفته للشرع، وذلك لأنّ هذه النظرية، قد صدرت وفقاً للموازين الشرعية، وقد استنبطها فقيه من خلال القنوات الصحيحة وافتي علي طبقها، أو مسألة زواج الرجل بإذن زوجته الأولي، فقد صدرت طبقاً للمنهج الاسلامي، أو غير ذلك من المسائل المتعلّقة بأحکام وحقوق النساء، مثل تولي المرأة لمنصب القضاء والحضانة، وما إلي ذلك، ممّا توصلنا الي طريق علاجها، وعلي هذه الوتيرة لسنا بحاجة إلي إجماع الفقهاء فيما يتعلّق بمسألة التقنين، وواضح أنّ الموازين الاسلامية المذکورة في الدستور تتجاوز الفتوي، إذ في صورة اختلاف الفتوي او تغييرها او موت صاحبها، لا يحدث أي خلل في النظام القانوني، وأمّا في غير هذه الصورة، فإننا نواجه مشاکل جمّة، کما أننا نواجه حالياً هذه المشاکل بالفعل، ولکن يبدو أنّهم لم يروا إصلاح ذلك، وأنا لا اتهمهم بالتقصير، ولکنني اذکرکم السبيل والطريق إلي علاج المسألة.
ـ ربما لم أفهم المسألة، فمن جهة يقال: لا بدّ للمجتهدين العظام من إبداء رأيهم النهائي في موارد من الثياب الرياضية للنساء، بل وحضورهن في الأندية الرياضية العالمية، ومن جهة أخري فإنکم بوصفکم من المراجع المنظّرين تقولون: إنّ علي العلماء ان يبدو آراءهم المنبثقة عن الفقه وليس أکثر.
* نحن لا نقوم إلاّ بالافتاء، فنحن لا نکتب القوانين، وأنا لا أعرف مستوي معلوماتکم في الحقوق، وان کنت اقرأ مقالاتکم في الصحف.
ـ تفضلوا بالايضاح، وسوف أسألکم إن أشکل عليّ شيء من کلامکم.
* الأصل الحاکم عندنا هو: أن يحکم الفقيه طبقاً لمبناه، وفيما يتعلّق بالدليل إمّا أن تذعنوا بأنّ للاسلام نظاماً حکومياً أو لا، نحن نقول: إن للاسلام نظاماً حکومياً، ولذلك نحن بحاجة الي محاکم وقوة تنفيذية وتشريعية، وعليه لا بدّ من أخذ الخط الفقهي بعين الاعتبار، وليس الفتاوي المختلفة، وهذا ما يقوله الدستور، وإلاّ لما أمکن إدارة البلاد.
ـ تقولون انّ المرأة والرجل متساويان في الاسلام، وإنّ مقام المرأة في القرآن مقام رفيع، ولکنني کامرأة أري من الناحية العملية إجحافاً يؤدّي إلي تضييع حقوقي في القوانين المصادق عليها وفقاً لموازين الاسلام.
* حدّدي موضع الإشکال، کي أجيب عنه، فمهما کان فالمشکلة تعنيکنّ وأنتنّ أدري بها.
ـ تقدم أن ذکرتها لکم.
* صرّحنا في الکثير من المسائل مثل الدية، بل وما هو أکثر منها، وقلنا: إنّ بإمکان المرأة أن تؤمّ صلاة الجمعة والجماعة، وأن تتسنم منصب ولاية الفقيه، فماذا تردن أکثر من ذلك؟ ولکن هذه وظيفة المقنن في وضع القانون علي هذا الأساس، فاذا لم يرغب المقنن في تصويب هذهِ القوانين، فلن يکون القصور من عندنا.
ـ إذن ما هو دور المراجع العظام في تطبيق القوانين علي موازين الإسلام والتي تفضلتم بوقوفها الي جانب المرأة؟
* لا إله إلاّ الله، إنّ المرجع يفتي، وکلّ مقلّد يمکنه العمل علي المستوي الفردي بفتوي مرجعه، وان لم تبلغ مرحلة التقنين.
ـ هل ترون ضرورة تغيير القوانين الراهنة؟
* أجل، والذي يستلزم هذا التغيير في الدرجة الاولي حرّية مراجع التقليد في الافتاء، حيث يقوم الفقه الشيعي علي هذه الحرية، ولکن هناك فرق بين التقنين والافتاء، فانّ الفقيه يبدي رأيه الفقهي، والمقنن هو الذي عليه التقنين طبقاً للفتوي، مع ملاحظة المصالح الاجتماعية، والأدلة المتوفرة للفقيه تشمل الکتاب والسنة والعقل والاجماع، ليستنبط منها الحکم الشرعي، وفقاً لمتبنياته الفقهية، أمّا المقنن والمشرّع، فعليه ان يختار من بين مجموع الفتاوي ما هو أنفع للناس والمجتمع، ويقرّه في الدستور بوصفه قانوناً، فاذهبوا الي السادة المشرعين لتدرکوا ما هو الأصلح من بين الفتاوي في رأيهم، فأنا لا علم لي بما يذهبون إليه.
ـ تعقيباً علي بحث مقام المرأة في الاسلام والقرآن، لدي سؤال آخر يتعلّق بسورة النساء، حيث يؤمر الرجال بضرب نسائهم؟
* إن ما ورد في هذه السورة بشأن ضرب المرأة هو ما قاله الامام الباقر عليه السلام من الضرب بعود السواك، هل تشرفتم بالذهاب إلي مکة؟
ـ کلاّ.
* رزقکم الله زيارة بيته الحرام، إنّ هذه الأعواد موجودة في مکة وهي أدق من القلم الذي تمسکينه، وهذا الأمر أشبه بالمزاح؛ لإقرار الألفة منه بالضرب بمعني الجلد بقسوة.
ـ ماذا؟ أساساً لا ينبغي ضرب المرأة بأي أداة کان الضرب، حتي يأتي البعض ويفلسف نوعية الضرب، وأنّها يجب أن لا تؤدّي إلي الإحمرار أو ما إلي ذلك.
* تريّثي قليلاً حتي أشرح لك حقيقة الأمر، في الواقع ليس هناك ضرب، فأوّلاً لا بدّ من الوعظ، ثمّ الإعراض بالهجر في المضاجع، وليس الضرب بعد ذلك بالنحو الذي تتصورون؛ إذ لا بدّ أن يکون بنحو لا يؤدّي إلي خروج الدّم أو إحمرار البشرة، فهل يمکن تصور ضربٍ مثل هذا النوع؟
ـ لو کان الامام الخميني قدس سره حيّاً بيننا، هل کان يوافق علي تغيير القوانين الخاصة بالمرأة؟
* لا شكّ عندي في أنّ الامام (سلام الله عليه) ـ بما يتمتّع به من ذهن وقّاد، وذکاء مفعم وعميق، وحبٍّ للإسلام الذي ضحّي من أجله بکلّ شيء، وتحمل السجن والنفي ـ کان يوافق علي تغيير القوانين إذا کانت تؤدّي الي حلّ المعضلات، ورفع مشاکل الناس وجذبهم نحو الاسلام، واظهار فاعلية الاحکام الاسلامية، حتي إذا کان هذا التغيير مخالفاً لرأيه الفقهي، وقد حدث مراراً في حياته ان قدّم آراء الفقهاء الآخرين علي رأيه في تغيير القوانين للخروج من المآزق وحلّ المشاکل، وکنت أيضاً أبعث له أحياناً بعض الرسائل عند ظهور بعض المشاکل، وکان لحبه واهتمامه الخاص بي يتقبل رأيي ويأمر بتطبيقه، ويمکن مشاهده ذلك من خلال تقريضه ومدحه إيايّ، لقد أعطي الامام کلّ ما يملکه للإسلام، وبذلك امتاز من أولئك الذي يرون في الاسلام کياناً لرعاية مصالحهم.
ـ ما هو رأيکم في أحکام من قبيل الرمي من شاهق، وقطع الأعضاء، والرجم التي صدرت مؤخراً؟
* لا تخرجي من الموضوع، فأنا لا أتمکن من الإجابة.
ـ هذا مجرد سؤال في حقل إعادة النظر في القوانين التي أبديتم بشأنها وجهة نظرکم الايجابية، وقلتم: لو أنّ الامام کان حياً لکان رأيه کذلك أيضاً، وسؤالي يصبّ في ذات الموضوع وليس خارجاً عنه.
* لا تسألي عن شيء لا استطيع الاجابة عنه.
ـ من باب المثال لا بدّ لي من الحصول علي جواب بشأن عقوبة الرجم، وهذا ليس خارجاً عن بحثنا، فهل نسخ هذا النوع من العقوبات؟
* کلا، لم ينسخ، وکما ذکرت مراراً ولم يصغ أحد لکلامنا، لا بدّ من القيام بتغييرات في قانون العقوبات الاسلامي، ليس بسبب نسخها، بل للمبني الذي ذکره الميرزا القمي قدس سره من اختصاص إجراء الحدود بعصر الامام المعصوم عليه السلام لأنّه وحده العالم بتفاصيل ذلك، وأمّا في عصر الغيبة، فالطريق الوحيد للحدّ من الجرائم هو اتباع التعزيرات التي يمکن للمجلس المصادقة عليها، بمعونة الخبراء وعلماء النفس والاجتماع، مع رعاية التناسب بين الجرم والعقوبة، وهذا هو الاسلوب المتبع في جميع انحاء العالم، وقد ثبت تأثيره في الحدّ من الجرائم.
ـ هل تشتمل الحدود التي ذکرتموها علي الاعدام أيضاً؟
* نعم، فانّ التعزيرات تضم الاعدام أيضاً، فمثلاً ان التجارة بالمخدرات التي تؤدي الي إفساد الشباب، لا بدّ من الحکم علي من يمتهنها بالاعدام، وليس صحيحاً أنّ الاعدام غير مؤثر في مثل هذه الحالات.
ـ إذن فالرمي من شاهق او الرجم الذي يقام حالياً غير جائز في عصر الغيبة؟
* لا يجوز بناءً علي مبني الميرزا القمي، ومن جهة أخري طبقاً لقانون المحاکم، فانّ إثبات مثل هذه الامور التي تؤدي الي إقامة مثل هذهِ العقوبات في غاية الاشکال، وذلك لاستحالة إقامة الشهادة من قبل المتدينين العدول؛ لأنّهم يتورّعون عن النظر إلي هذهِ المظاهر، فالطريق المنحصر هو إقرار المتهم علي نفسه أربع مرات، شريطة أن يکون إقراره نابعاً من وجدانه الديني وايمانه بالقيامة والخلاص من عذاب الآخرة، ومثل هؤلاء نادرون جداً، نعم کان يحدث ذلك أحياناً في عصر الأئمة عليهم السلام علي ما يذکر في بعض الروايات، وفي مثل هذهِ الحالة يمکن للمحکمة ان تعفو عنه.
ـ حتي لو کان حکمه الرجم؟
* أيّاً کان، فإنّ الاقرار إن کان بسبب صحوة الضمير، لا الضغط والاکراه، يمکن معه العفو عن الذنب.
ـ وهذا لا يمکن تحديده بسهولة، ويتوقف علي علم القاضي.
* نعم، فحتي الآن لم يبلغ الناس هذا المستوي الحضاري الذي يتقدم فيه الجاني ويقر بذنبه طواعية، وخلافاً لما هو وارد في قانون المحاکم بشأن حجية علم القاضي، حيث إننا لا نري حجية علم القاضي فيما يتعلق باقامة الحدود، إذ کيف يکون حُجة والحال انّ العلم يحصل بالاقرار الثاني والثالث بالشرائط المذکورة ومع ذلك لا بد من الاقرار الرابع لإجراء الحدّ، ومنه يتّضح أنّ مجرد علم القاضي والحاکم لا يعدّ حجّة في مجال الحدود، وللتأکيد من هذه الحقيقة يمکن التدبّر في الرواية الواردة بشأن إقرار امرأة علي نفسها بالزنا عند امير المؤمنين عليّ عليه السلام والتي تعدّ شاهداً قويّاً علي عدم حجية علم القاضي في الحدود، إذ مع حصول العلم لدي القاضي في المرّة الاولي أو الثانية، إلاّ انّ الامام أصر علي الاقرار أربع مرات، ومع ذلك فبعد امر الامام بالتحقق من سلامة المرأة من الناحية العقلية لم يقم بأي اجراء، بل بعد ان علم بکونها حبلي أمرها بالصبر حتي تضع جنينها، وبعد ان وضعت أمرها برعاية الوليد حتي يدرك، ولکن بعد ان خرجت تبرع شخص بحضانة الطفل سفهاً وتطفلاً منه ـ وهذا للأسف أحد أسباب المآسي التي نعانيها ـ فلمّا رجعت إلي الامام استقبلها بوجه غاضب، وذلك لانّ الامام کان يريد بذلك صرفها عن الإصرار علي إقامة الحد علي نفسها حتي بعد ثبوته عليها في المحکمة.
فبعد الالتفات الي هذه الرواية التي تحکي سياسة الامام هل يمکن القول بانّ الامام لم يحصل له علم ويقين بعد الاقرار الثالث؟ أم أنّه مع حصول اليقين بوقوع الجرم يري عدم حجّية علم القاضي في الحدود، او عدم جواز إجراء الحد حتي بعد شهادة ثلاثة عدول لا يشك في عدالتهم، مع أنّ العادة تقضي بحصول العلم من هذه الشهادة، بل للحيلولة دون هتك الناس يقام الحد علي الشهود الثلاثة الذين تأخر رابعهم عن موعد الشهادة لاي سبب کان، حتي لو کان بسبب ازدحام الطريق أو عطل في سيارته، فقارنوا بين هذا الحکم بما نقوم به من اعتماد اشرطة التسجيل ومراقبة الهواتف، وما الي ذلك من الأساليب للوصول الي مبررات إجراء الحدود.
ـ تماماً بعکس التعجيل الذي نشاهده حالياً في إجراء مثل هذهِ الاحکام.
* طبعاً انا لا أوافق علي تعليقك هذا، إذ أنّ جواب ما تقولينه کالآتي: (ليس في الحدود نظرة ساعة) وعليه لا يمکن التعلّل في إجراء الحدود بعد ثبوتها قانونياً، بل لا بدّ من حصر طرق الثبوت.
ـ اذن لو صدر تعميم بعدم إجراء الحکم بالرجم بعد ثبوته، کان ذلك التعميم مخالفاً للموازين الاسلامية؟
* اري انّ هذا لا ينسجم مع الموازين الفقهية، لوجود دليله، ولذلك لا بدّ من حل المسألة جذرياً من خلال تغيير قوانين المحاکمات وحصر أدلة الاثبات بالطريقين المستصعب تحققهما، أو يتمّ التقنين وفقاً لرأي الميرزا القمي في ان الحدود لا تقام في عصر الغيبة، وإنّما يکتفي بالتعزير، وهذا ينسجم مع الدستور الذي يصاغ طبقاً للموازين الاسلامية، ولست أدري ما هو سبب إصرار البعض علي حلّ العقدة بأسنانه، مع التمکن من حلّها باصابعه، إنّ الحيلولة دون إجراء القوانين بعد ثبوتها، من خلال إصدار التعميمات مخالف للديمقراطية، مضافاً الي تعارضه مع منطق التقنين في العالم المعاصر، ولا يعدّ حلاً جذرياً للمشکلة.
ـ أشرتم في کلماتکم الي ضرورة تعديل القوانين، فبالالتفات الي الظروف الراهنة وما يثار من العلاقات العالمية، وما يحضي به هذا الموضوع من الأهمية لجميع البلدان، علينا بدورنا أيضاً مواکبة ما عليه التوجه العالمي بالنسبة لحقوق الانسان، فما هو البديل برأيکم لعقوبة الاعدام التي وصفت بالقاسية؟
* الاعدام قاسٍ، وليس القصاص.
ـ الموضوع يتعلّق بتنفيذ الاعدام.
* کلا، فليس الاعدام قبيحاًَ أو قاسياً في جميع الاحوال، بل العکس، فأحياناً ـ کما في موارد القصاص ـ لا يکون في الاعدام أي قبح وقسوة، بل هو من أروع وأجمل القوانين والاحکام الاسلامية، وهذا ما تشهد به جميع خلايا جسدي، بمعني اذا حصل ارتکاب متعمد للقتل، تقول الآية: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ويعطي الحق في القصاص لثلاثة:
الاول: أولياء الدم.
الثاني: الدولة.
الثالث: المجتمع.
وفي هذا القانون قد تمّ تأکيد حقّ المجتمع في الحياة والحرية، فضمن الاسلام من خلال ذلك حق أولياء الدم، وأرسي قواعد الدولة في الحفاظ علي حقوق الناس، والحدّ مهما أمکن من التدخل في حريات الآخرين، ممّا يعدّ امتيازاً للقوانين الاسلامية مقارنة بما عليه الدول الغربية التي تعطي الخيار لأولياء الدم بالقصاص أو قبول الدية أو العفو وفي الوقت نفسه لا تمنحهم الحق في التعرّض للقاتل بسوء، والذين يرون في القصاص عنفاً وقسوه عليهم ان يأخذوا فعل القاتل بنظر الاعتبار أيضاً، حيث أقدم علي جريمة نکراء، لم تتوقف عند حدود القتل، بل وتجاوزتها إلي إصابة أولياء المقتول بحزن عميق، نتيجة لفقدهم عزيزاً لهم، وانتهاك حقّ کبير لهم، وطبعاً فإنّ الله قد أوصاهم مع ذلك بالعفو عند القدرة، وحثّهم علي ذلك للحفاظ علي حقوق الجميع.
ـ ألا ترون أنّ تنفيذ عقوبة الاعدام يؤدّي الي توسيع العنف وزيادة القسوة؟
* کلاّ، فالقسوة إنّما تکمن في الجريمة التي ارتکبها القاتل، وعلي کلّ حال فنحن مسؤولون أمام أولياء الدّم، فهم بشر ولهم حق مضيّع لا بدّ لهم من استيفائه، فإن کان في ذلك قسوة، فلا بدّ من العمل علي رفع المستوي الحضاري في المجتمع، وتعويد الناس علي التسامح، ولست أدري أين مکمن القسوة في هذهِ العملية؟ بدأنا نشعر بالتعب والإعياء...
ـ سماحة آية الله الصانعي، لديّ أسئلة أخري، واعتذر إذا کنت قد أتعبتکم، ولکننا جئنا الي قم لنحصل علي أجوبة لاسئلتنا منکم، لا بدّ وانکم اطلعتم مؤخراً فيما يتعلّق بحجاب المرأة، ونوع الثياب التي ترتديها، قد حصلت بعض الضغوط، فهل هناك نوع محدّد من الثياب يفرضه الاسلام علي المرأة؟
* لقد اکتفي الاسلام فيما يتعلق بثياب المرأة ببيان بعض الأسس والقواعد، وهي کالآتي:
أوّلاً: أن تکون ثيابها بحيث تحفظها من النظرات المريبة، او علي حدّ تعبير الشهيد المطهري (تعمل علي صيانتها).
ثانياً: أن تؤدّي الي صيانة المجتمع من الفساد والضياع، کما أنني أذهب وللسبب ذاته الي أن يکون للرجل مثل هذا النوع من الملبس.
ثالثاً: الحفاظ علي شخصية المرأة ومکانتها وحرمتها، ولا بدّ أنکم تدرکون أنّ المشاهير أيّاً کانت ثقافتهم أو دينهم، بل حتي لو کانوا متحررين دينيّاً، ولکنهم مع ذلك لا يظهرون علي الملأ بأيّ نوع من الثياب، بل ينتقون منها ما يحفظ مکانتهم، ولکن فيما يتعلق بنوع وشکل الثياب، فإنّ للافراد کامل الحرية في اختيار ما يروقهم، وليس للاسلام أيّ دخل في ذلك، بل ترکه لعرف المجتمع وتشخيص الناس.
مضافاً الي موضوع العباءة، هناك مسألة تغيير نوع الثياب للنساء والرجال، تبعاً لتغيُر الفصول، وقد خلق هذا الأمر بعض المشاکل للنساء في الشتاء المنصرم، فاُعلن مثلاً أنّ ارتداء المرأة للبوتين يندرج في مسألة التبرّج، وعليه لا يحق للمرأة ارتداء البوتين.
فما هو المحذور في ذلك؟ ففي الشتاء يتمّ ارتداء البوتين بحکم المناخ، وفي الصيف يعتمرون القبعات للوقاية من الشمس، فهذا لا يدخل في التبرّج، إنّما التبرج يعني: الزينة التي قد تبادر إليها بعض النسوة ـ والعياذ بالله ـ لغرض الفحشاء، ولسنا بصدد الدخول في التفاصيل، وإنّ قوله تعالي: (...وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى...) إشارة الي إبراز الزينة والمفاتن.
ـ ما هي جذور التبرج من الناحية اللغوية؟
* لا أودّ الدخول في هذا البحث.
ـ لماذا؟
* لأنّ موضوع الحجاب والمفاسد الاجتماعية تحوّل هذه الايام الي مسألة سياسية، ولا أجد فائدة من کلامي، ومن جهة أخري قد تختلف رؤية السادة التنفيذيين عن رؤيتنا لموضوع التبرّج.
ـ لهذا السبب بالضبط نري الإطّلاع علي رأيکم في غاية الأهمّية.
* ما أقوله هو مجرد عدم إظهار الزينة والمفاتن، سواءٌ في ذلك المرأة والرجل، فتبرّج المرأة لإغواء الرجل حرام، والعکس کذلك، والسلام.
ـ إذن فارتداء البوتين هل يعدّ مصداقاً للتبرّج؟
* وما هو ربط البوتين بالتبرّج، فالبوتين إنّما يلبس للوقاية من الثلوج التي تهطل في فصل الشتاء.
الهامش
_________________
1. مصطلح المناطق الشمالية والجنوبية من المدن تعبير سائد في ايران يرمز به الي التمايز الطبقي بين فئة الاغنياء والفقراء من المواطنين، المترجم. التاريخ : 2008/06/25 تصفّح: 12851