موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: شهادة المرأة
من الآراء الفقهية للمرجع الكبير سماحة آية اللّه العظمى الشيخ الصانعي(دام ظلّه الشريف)شهادة المرأة
بسمه تعالى
شهادة المرأة
بحث مقتبس من الآراء الفقهية للمرجع الكبير
سماحة آية اللّه العظمى الشيخ يوسف الصانعي(دام ظلّه الشريف)
تأليف: فخرالدين الصانعي
دوِّن هذا البحث في كتاب بالفارسية يحمل عنوان (بررسى فقهى شهادت زن در اسلام) أي دراسة شهادة المرأة من وجهة نظر فقهية، والكتاب لفخر الدين الصانعي، نشر مؤخراً من قبل مؤسسة فقه الثقلين الثقافية، يوزّع في أسواق ايران من قبل انتشارات ميثم التمار، وقد استقيت أفكاره من الآراء الفقهية لآية اللّه العظمى الصانعي في مجال شهادة المرأة.
أوضح المؤلف الدافع من تدوين هذا البحث في مقدمته قائلاً: «من الواضح أنَّ الشارع الحكيم لايصدِّر حكماً ظالماً، وفي الموارد التي تبدو في الظاهر مخالفتها للعدل والإنصاف ينبغي الرجوع إلى مبانيها وطرق استنباطها.
وبناءً على هذا المبدأ والمعيار في جعل الأحكام الشرعية، فان مسألة عدم تساوي شهادة المرأة مع الرجل من ضمن الموارد التي يشكل عليها. وهي مسألة مطروحة في الدعاوي وفي إثبات بعض الأحكام الشرعية مثل رؤية الهلال، وقد رفضت شهادتها في بعض الأحكام، من قبيل ثبوت الطلاق ممَّا يخلق شبهة انعدام العدالة في هذا الحكم، ومع الأخذ بنظر الاعتبار الامور المتقدمة سعينا في هذا البحث دراسة قضية شهادة المرأة في الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء، متوخين في ذلك الهدفين الآتيين:
الاول: هل صدر هكذا حكم من قبل الشارع، أي هل أن الشارع ساوى شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد مع أنّه قد نفى الظلم والتمييز عن أحكامه، أم أنَّه لم يضع هكذا حكم، فلا شبهة في البين ؟
الثاني: إذا ثبت في موارد خاصة وبأدلة متقنة ونصوص صريحة تساوي شهادة امرأتين مع شهادة رجل واحد أو أن شهادة المرأة مرفوضة بالكلية فما ينبغي فعله؟
بعد ما يتناول الكتاب البحوث الكلية والممهِّدة الموضوع شهادة في باب الحدود تصدّى للاجابة على مبنين:
المبنى الأول: عدم جواز إجراء الحدود عهد الغيبة، وباعتبار كون الحدود غير مؤهلة للتنفيذ فلا لزوم لاثباتها، ولا جدوى في دراسة شهادة المرأة ما إذا كانت معتبرة أم لا؟
المبنى الثاني: جواز أو لزوام تنفيذ الحدود عهد الغيبة، وفي هذا المجال توجد نقطتان جديرتان بالاهتمام للإجابة على شبهة انعدام العدالة:
1 ـ الحدود من حقوق اللّه وباعتبار ذلك بامكان الشارع وضع الأساليب والآليات لاثبات حقِّه، وهذا منسجم مع الاعتبار العقلي; لأنه بمثابة أحد أطراف الحق وهو مدع، والمدعي حرٌّ في كيفية استيفاء حقّه.
2 ـ يسعى الشارع للحؤول دون ثبوت الحدود ببساطة، فوضع لأجل ذلك شروطاً وقيوداً، منها: عدم اعتبار شهادة المرأة.
وفي مجال حقوق الناس تصدّى الكاتب إلى ما إذا كان الشارع قد رفض شهادة المرأة بالكلية أم لا؟ وقد اختصَّت الفصول الاخرى للكتاب بالاجابة على هذا السؤال.
في الفصل الثاني من القسم الأول بيَّن مقتضى الأصل العملي، وهو عدم حجية الشهادة; لأن الشهادة تفيد الظن، والأصل عدم حجية الظن الاَّ في موارد دلَّ دليل على اعتباره، أمَّا سيرة العقلاء والكتاب والسنة فهي تدل على اعتبار شهادة الشاهد العادل، كما أنها مطلقة من حيث التذكير والتأنيث .
اعتمد البعض ثلاثة أدلة على عدم حجية شهادة المرأة، هي:
1 ـ الأصل العملي في عدم اعتبار الشهادة إلاَّ شهادة عدول الرجال الذين وردت في حقِّهم حجج شرعية، وشهادة النساء دارجة تحت الأصل المزبور.
2 ـ النساء ممنوعات من القضاء والإفتاء بسبب ضعفهنَّ، وهن ممنوعات عن الشهادة لهذا السبب ذاته.
3 ـ ورد في صحيحة مسلم مفردة رجل، وهي تدل على اعتبار شهادة الرجل دون المرأة.
ينقد الكاتب الأدلة الثلاثة المتقدِّمة ويعتبرها غير دالة على عدم اعتبار شهادة المرأة.
في الفصل الثالث من القسم الأول يتعرَّض الكاتب إلى دليلي تساوي شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، وهما: 1 ـ آية الدين 2 ـ الروايات .
يعتبر الكاتب دلالتها على المطلوب ليست كلية ويراها خاصة بباب الدين باعتبار الخصائص العارضة، وهي قلة معرفة النساء بالامور المالية، فساوى شهادة امرأتين برجل واحد.
بعد دراسة أسانيد ودلالات الروايات يخرج بالنتائج التالية:
تساوي شهادة امرأتين شهادة رجل واحد ليست قاعدة كلية، وإذا جعل الشارع هكذا حكم في موارد محدودة فلأجل خصائص الموارد لا المرأة ذاتها.
وفي القسم الثاني من الكتاب، وهو المحور الأساس في هذا البحث، تصدّى الكاتب لدراسة شهادة المرأة في مختلف أبواب الفقه وبرّر تساوي أو عدم تساوي شهادة المرأة مع شهادة الرجل في تلك الموارد.
البحث الأول من الفصل الأول تطرّق لشهادة المرأة في الدين والاُمور المالية، وقد فرض هناك تساوي شهادة امرأتين لشهادة رجل واحد، وبرّر هذا باحتمال النسيان لدى المرأة أكثر من الرجل وقال بعدم إمكان الحكم بهذا النحو في الموارد والأزمنة التي تنتفي فيها هذه العلة.
وفي البحث الثاني من الفصل الأول طرح موضوع شهادة المرأة في رؤية الهلال، وبعد ذكر روايات الباب والاشارة إلى كثرتها في مجال رؤية هلال رمضان وشوال يستنتج أن عدم اعتبار شهادتها ناشىء عن كون الصوم عبادة، ولايعني نفي شهادتها في مجال الرؤية بالكلية، وهذا لاينفي حقاً عنها، كما لايثبت حقاً للرجل.
وباعتبار كثرة الروايات الواردة في رؤية هلال رمضان وشوال وكون الصوم عبادة، فالكثرة مانعة من انعقاد ظهورها في مطلق الرؤية بل هي منصرفة إلى المورد الخاص.
عدم اعتبار شهادتها في الرؤية ناشىء عن ضعف نظرها، وقد صرِّح بذلك في بعض الروايات، أو لأجل بساطتها، وعليه يكون عدم اعتبار شهادتها حكماً وقتياً وخاصاً لا عاماً ولا كلياً.
وفي البحث الثالث من الفصل الأول يتناول دراسة شهادة المرأة في باب طلاق من حيثيتين :
1 ـ من حيث اللزوم لصحة الطلاق (مقام الثبوت) .
2 ـ من حيث الشهادة في مقام اثبات الطلاق.
في مقام الثبوت يرى الشارع حجية شهادة عدول الرجال فقط، وشهادة النساء لاتثبت صحة الطلاق حتى لو كنَّ عادلات، على أنَّ هذه المسألة ليست من الحقوق فلا تعدُّ ظلماً أو تمييزاً، واللّه شدَّد في شروط وقوع الطلاق لأجل عدم رغبته وفي ازدياد الطلاق في المجتمع، ففرض شاهدين عادلين واموراً اُخرى.
وفي مقام اثبات الطلاق فرغم وجود ادلة من الكتاب والسنة على عدم اعتبار شهادة المرأة إلاَّ أن الكاتب يخدش فيها ويشكك في قطعية هذه الأدلة ولايراها كافية لاثبات هذا الأمر، وفي النهاية يستنتج مايلي:
مع الأخذ بنظر الاعتبار المناقشات الواردة في مجمل أدلة عدم حجية شهادة المرأة في إثبات الطلاق فلا يخلو حجية شهادتها في هذا الباب عن قوّة.
في البحث الرابع يتعرّض لموضوع شهادة المرأة في باب النكاح ويعتبرها قضية مختلف فيها ويذكر أدلة الطرفين، ويرجِّح أدلة القائلين بحجية الشهادة باعتبار كثرة الروايات المستشهد بها والوجوه المؤيِّدة.
في البحث الخامس يطرح موضوع شهادة المرأة في الإرضاع، ويعتبر هذه المسألة اختلافية كالمسألة السابقة لكن أدلة القائلين بحجية شهادتها هنا أقوى بكثير بل يمكن القول هنا باعتبار شهادة المرأة دون الانضمام إلى شهادة الرجل .
وفي البحث السادس يتناول موضوع شهادة المرأة في باب حد القتل ويذكر هنا ثلاث نظريات:
1 ـ عدم حجية شهادة المرأة على الاطلاق .
2 ـ حجية شهادة المرأة على الاطلاق.
3 ـ حجية شهادة المرأة لاثبات الدية دون القصاص .
ثم يسرد أدلة النظريات الثلاث، وباعتبار تكافؤ وتعارض الاخبار قال بالتخيير ويختار في النهاية الروايات التي تفرض حجية شهادة المرأة.
وفي البحث السابع، وهو آخر بحث في هذا الفصل يتعرّض للقاعدة الكلية
القائلة بعدم ثبوت الدعاوي غير المالية إلاَّ بشهادة عدلين من الرجال، ويصرّح بعدم وجود نصٍّ من القرآن أو السنة يدعم هذه القاعدة، وبناء العقلاء القائم على قبول شهادة الرجل والمرأة وإلغاء الخصوصية للرجل، يلغي هذه القاعدة .
وفي الفصل الثاني من القسم الثاني يتعرّض إلى موارد قبول شهادة المرأة ويتساءل عمّا إذا تساوى عدد الموارد التي تقبل فيها شهادة المرأة مع الرجل والموارد التي تساوى فيها شهادة امرأتين مع رجل واحد؟
في البداية يطرح القول بالتساوي العددي ويبيَّن أدلته ويستنتج قائلاً:
مع الأخذ بنظر الاعتبار الأدلة التي يذكرها القائلون بعدم التساوي والاشكالات الواردة عليهم وعدم تمامية هذه الأدلة لاثبات عدم التساوي، وباعتبار كون أدلة التساوي تامة يثبت لدينا حجية شهادة المرأة الواحدة في الموارد التي تقبل شهادتها على الانفراد ودون رجل. وفي حجية الشهادة لافرق بين صدورها من الرجل أو المرأة ; وذلك باعتبار إلغاء الخصوصية كما أنّه لايوجد لدينا روايات مطلقة وروايات خاصة، ومع إلغاء الخصوصية عن أدلة قبول شهادة المرأة منفردة وتعديتها إلى الموردين الآخرين (شهادتها منضمة إلى شهادة الرجل أو منضمة إلى اليمين) يثبت تساوي شهادة المرأة مع شهادة الرجل; وذلك لأن العرف يرى الملاك في القبول هو العدالة والرؤية والاطمئنان إلاَّ أن يثبت خلاف ذلك بدليل، وهو منعدم حسب الظاهر .
يختص الفصل الثالث من القسم الثاني بدراسة شهادة المرأة في باب الحدود، وقد توزَّع على بحثين، الأول: بحث الحدود ذات العلاقة بالعرض والشأن وماء الوجه. والثاني: الحدود غير ذات العلاقة بالعرض .
في البحث الأول يصرّح بأن الفقهاء يرفضون شهادة المرأة في باب الحدود إلاَّ في الموارد التي دلَّ عليها دليل، ويعتبر هذا داعماً للأدلة المتقنة.
والموارد التي استثنيت واعتبرت فيها شهادة المرأة عبارة عن:
1 ـ حدّ الزنا (وهو الجلد) الذي يثبت بشهادة ثلاثة رجال وامرأتين أو رجلين وأربع نساء. وهذا هو رأي بعض الفقهاء، لكن البعض الآخر يرفض هذا. والكاتب يسرد أدلة الرأيين ويقول في النهاية: مع الأخذ بنظر الاعتبار بما ثبت سابقاً من أن حدّ الرجم يثبت بأربعة شهود من الرجال أو ثلاثة من الرجال وامرأتين يثبت الجلد كذلك برجلين وأربع نساء.
2 ـ يرى بعض الفقهاء حجية شهادة النساء في اثبات السحاق واللواط، وبعد مايذكر الكاتب أدلة الموافقين والمخالفين يقول: المقارنة بين أدلة الفريقين تثبت قوة عدم قبول شهادة المرأة في السحاق واللواط; وذلك لوجود روايات صحيحة دالة على عدم قبول شهادة المرأة، والخروج عن عموم هذه الروايات الصحيحة بحاجة إلى دليل قوي، وهو مانفقده .
البحث الثاني من هذا الفصل يتناول شهادة المرأة في الحدود غير ذات العلاقة بالعرض، ويذكر إدعاء الاجماع على عدم قبول شهادة المرأة هنا ويقول: لايبعد وجود فقيه يقول بنفوذ شهادة المرأة هنا منفردة أو منضمة إلى رجال وفي غير الزنا; باعتبار ما تقدَّم من المناقشات والجمع بين الروايات وإلغاء الخصوصية وتنقيح المناط، فإن العدالة والرؤية هما الملاك في الشهادة، مضافاً إلى عمومات الروايات الواردة في الشهادة، وأينما قبلت نفذت شهادتها، كما هو الحال في حقوق اللّه وغير الاموال والديون فانها لاتختلف عن الرجال من حيث العدد.
وفي آخر بحث من هذا القسم يذكر بأن شهادة المرأة في باب التعزيرات يتبع شهادتها في باب الحدود، فإذا قبلت شهادتها في الحدود قبلت في التعزيرات من باب أولى، وإذا لم تقبل في الحدود لم تقبل في التعزيرات كذلك.
في النهاية نود القول بإنّ طرح مباحث من هذا القبيل ونشر هكذا كتاب يعدُّ خطوة نحو تعميق المباني الفقهية ويفتح آفاقاً جديدة وفرصاً اُخرى للتقييم والنقد من قبل النقاد. التاريخ : 2007/02/23 تصفّح: 12427