موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: للتعريف بالاسلام ينبغي إزاحة الحجب
مقالبة خاصة لصحيفةللتعريف بالاسلام ينبغي إزاحة الحجب
" للتعريف بالاسلام ينبغي إزاحة الحجب "
اجرت صحيفة (( اعتماد ملّي )) مقالبة خاصة مع سماحة الشيخ آية الله العظمى الصانعي تناول فيها حقوق الانسان من وجهة نظرفقهية وإنسانية، واليكم نصّ ما جاء فيها :
تعدُّ مسألة حقوق الانسان من أهم الابحاث الأنسانية المعاصرة وقد تغذَّت هذه الحقوق من مشارب دينية وغير دينية. والعالم بصورة عامة وايران بصورة خاصة تعتبركم من المفكِّرين الاسلاميين السَّباقين في تعريف الاسلام المعاصر، لذا نرجو من سماحتكم ان تقوموا اولاً بتعريف حقوق الانسان من وجهة نظر اسلامية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .... ذكرتم عن تعريف الاسلام المعاصر حين يعتبر هذا التعريف هو مسؤولية تقع على عاتق الجميع، وقولنا الاسلام المعاصرليس معناه الاسلام بمفهوم اليوم بل معناه الاسلام بمفهومه الأصيل الذي حالت الحجب دون تعريفه كما هو وساسعى بحول الله وقوته وتوجُّهات ولي العصر(عج) بإزاحة هذه الحجب التي لم يكن لها وجود في الماضي وكانت وراءها عوامل ساعدت على ظهورها.
لقد بذل علماؤنا العظام جهوداً بالغة لتعريف الاسلام كما اُعرِّفه أنا لكن تلك الحجب حالت دون ذلك، فلو أنَّ تلك الحجب اُزيحت لقالوا ما أقوله.
ذكرت قبل مدة لأحد السادة بأنني عندما كنت في شورى صيانة الدستور كتبنا لسماحة الامام الخميني(قدس سره) رسالة ذكرنا فيها مشكلة إمرأة تواجه مشاكل زوجية بحيث اصبحت لا تطيق الحياة المشتركة( الرسالة ما تزال موجودة ) وهي تطالب الزوج بالطلاق، وهو يمانع لكنه يوافق على الطلاق فيما اذا عمل ابيها عنده دون أجور، فهذه المرأة كانت تعاني ظروف العسر والحرج وكنت اطالب بتطليقها كي تستمر المرأة مزاولة حياتها الطبيعية، لكن بعض العلماء خالفوني وقالوا بأن العيوب في النكاح لا تتجاوز اربع الى خمس مسائل، وكنت أقول لهم بانَّ هذه المسألة لا تدخل في باب عيوب النكاح بل في باب العسر والحرج، لكن السادة كانوا يرفضون، وقد تمَّ تدوين جميع ما دار بيني وبينهم واُرسل الى سماحة الامام الخميني، كان جواب الامام رائعاً حيث طالب المحكمة ان تقوم بتقديم النصائح لهذا الزوج وفي حالة عدم جدوى النصائح فالمحكمة تباشر الطلاق بنفسها، ومن الطبيعي أنّه لم يوجد هناك من يتجرّأ على التفوُّه بهذا الكلام عدا الامام الخميني حيث قال : لولا خشيتي من بعض المسائل لذكرت اموراً اخرى .
لا شك بأنكم تتذكرون فتواه (قدس سره) بشأن الشطرنج وانعكاساتها وردود فعل البعض الشديدة حيالها.
أعود لأجيب على سؤالكم ان حقوق الانسان من وجهة نظر اسلامية هي تلك المقولات التي ترتكز على أساسين أصيلين ألا وهما: كرامة وعظمة الإنسان، فهي تعتبر الإنسان هو افضل موجودات عالم المادة والطبيعة، وبعبارة اخرى : فان جميع ما في الكون والطبيعة وحتى ما وراء الطبيعة خلق جميعه للإنسان، ووفق منطق القرآن ومنطق الموحِّدين، وهو الحق، فانَّ الملائكة لها السبق على العلل والعوامل الطبيعية ((والمدبّرات امراً)) فالملائكة تقوم بتدبير أمور الكون، والكون والخلق كله للإنسان، ووفق منطق القرآن فان جميع ما في الكون مسخر للإنسان ولهذه القضية انعكاسات في ثقافتنا وفنوننا فقد ورد في أدبنا خطاب للإنسان :
((سخرت لك الرياح والغيوم والشمس والكون لتمنحك خبزاً تأكله))
وثانياً ان هذه الحقوق يجب ان تَعَرّف بحيث يتمكن جميع البشر ومن خلال هذه الحقوق من التعايش السلمي فيما بينهم فلا يَظلمون ولا يُظلمون أي تكون السيادة في المجتمع للقسط والعدالة.
ولقد كان الهدف من بعثة الأنبياء هو ايصال الناس الى مستوى يستطيعون من خلاله تأدية واجباتهم تجاه احدهم الآخر حيث لا يمكن ذلك إلاّ بالتعايش السلمي والمدنيّة.
وفقاً لتعريفكم لحقوق الإنسان من وجهة نظر اسلامية ، ماذا لو ادّعى احد بأنه لا أصالة للكرامة الإنسانية ، ويفرض لنفسه حقوقاً يستحقها بسبب سبق اعتقادة بمذهب خاص بحيث ان لم يلتزم بهذه الحقوقً يعتبر مهدور الدم. هل في الاسلام مكانة لهكذا أمور؟
ارجو إرجاء بحث مهدور الدم لفرصة اخرى لانه بحث خاص، والافضل ان تطرح السؤال هكذا: هل منح الإسلام حقوقاً لمن له هوية اسلامية؟ وهل من عرّفته هوتيه أو جنسيته بانه مسيحي او يهودي مجوسي أو أي دين آخر لا يمنحه الاسلام حقوقاً؟ وهل انّ مثل هذا الشخص محروم من تلك الحقوق؟ هل هذا يعني ان غير المسلم لا يرث المسلم؟ او اذا قتل غير المسلم مسلماً فنقتصُّ منه أمّا اذا قتل المسلم غير المسلم فلا نقتصُّ منه بل نكتفي بأخذ الدية، حيث تعادل قيمة بقرة حلوب، والحال أنّ دية المسلم،وفقاً لسعر اليوم، تعادل 24-25 مليون تومان ايراني ولكن دية غيرالمسلم وبسبب هويته غير المسلمة تعادل 2-3 ملايين؟
او مسائل تخصُّ المرأة كأن تقتل أمرأة ويطالب اولياؤها بالقصاص من القاتل، لكنَّ عليهم أن يدفعوا نصف دية الرجل لعائلة القاتل، وفي غيرها لا يقتص من الرجل بل يجب على عائلة المقتولة ان تعفو عن القاتل قبال مبلغ معينً وتنتهي بكل بساطة. وهناك الكثير من القضايا المماثلة، ومثال ذلك ما افتاه بعض الفقهاء في جواز عقد قرآن المسلم بغير المسلمة بينما لا يجوز لغير المسلم ان يعقد على المسلمة،بالطبع أنا كذلك أرى في هذه القضايا قيوداً وشروطاً.
هذه القضايا معقّدة، وبسببها اندفعت للبحث عن أجوبة لها، وانا الآن لي ما يقارب من عشرين سنة ابحث في مثل هذه القضايا.
كيف يمكننا ان نرضى بان يموت المسلم ويحرم ابنه من الارث لانه قد سجِّلَ في هويته غير مسلم وكما نعرف فالولد ثمرة روح أبيه، لكنهم يحرمونه من الإرث ويعطونه لحفيد عم الميت الذي سجل مسلماً في هويته؟ كيف يمكننا قبول قضايا كهذه؟ أو تمنح قيمومة الاولاد القاصرين وقسراً للجد وله مع الطفل فرق في العمر وفي النسب بينما تحرم الأم التي عاش الطفل في احشائها وترعرع في احضانها؟
اِنّ من الصعوبة تصديق مثل هذه القضايا، واذا سُلِّّم بان الأسلام أمر بهذا فليس في الأمر شك أي كما يقول الفقهاء، لوكان هناك نصٌّ مسلَّمٌ فنحن نسلّم به كعدد صلاة الظهر الأربع، فاذا كان لمثل هذه القضايا نصوص اسلامية صريحة فليس لدينا مشكلة لكن المشكلة تكمن فيما يفهم ويستنبط من هذه النصوص، فالفقيه يستنبط من النصوص احكاماً ويأتي فقيه آخر ويستنبط من نفس النصوص أحكاماً اخرى وانا استنبطت من نفس هذه النصوص احكاماً تفيد بأن العرق، والجغرافيا والإنوثة والذكورة ليس لها أي دخل في الحقوق كما وانّه ليس للون البشرة او العلم او الجهل أي دخل في الحقوق.
المذهب كيف؟هل للمذهب دخل في الحقوق؟
ليس للمذهب أثر في الحقوق، لكن هناك بعض الحقوق المحدودة التي لا يمنحون.
وما قيل بأن غير المسلم من أهل الكتاب لا يرث المسلم فهو خطأ فادح في الفقه الاسلامي واعتقد بأن اخوتنا الشيعة والسنة لم ينتبهوا لذلك، وقد تناولت هذه القضية قبل سنتين وذلك في هيئة تشكّلت من علماء السنة، اُعجبهم ما سمعوه منّي، والآن أسعى وأتابع لتشكيل جمعية تتألف من علماء جميع المذاهب والأديان والأمم وسأبين رأي الاسلام فيها.
كيف تعرّفون الكفار؟
ليس الكافر معناه غير المسلم ، الكفر معناه الإخفاء والتغطية، والكافر هو من يعلم بحقّانية الاسلام لكنه ينكر ذلك ويشتمه ويشنُّ عليه الحملات الإعلامية ، وارفع صوتي قائلاً: ان مثل هؤلاء الأشخاص لا يحقُّ لهم ان يرثوا المسلم ولا أتصور ان هناك من يدَّعي ذلك.
كيف يمكن ان يرث مثل هؤلاء الاشخاص الذين عادوا مقدساته عن علم وقصد، والحال ان هذا المسلم كسب الأموال والثروة عن طريق معتقداته و مقدساته والتي في ظلها استطاع ان يحصل على امواله؟!!!
وعلى هذا الأساس ف(( الكافر)) ليس بمعنى ((غير المسلم)) وهذا الموضوع له دلالة عقلية وتؤيّده الآيات والروايات، وفي اصول الكافي ما يؤيد ذلك، وهنا أرفع صوتي قائلاً : ان الكفار لا يرثون المسلمين ولا يتمتَّعون بحقوق، وبالطبع اذا قُُتلوا فلهم حق القصاص لكنهم لايرثون، والزواج بهم ليس صحيحاً وانهم يتمتَّعون باستثناءات في خصوص بعض المسائل الحقوقية، وهذا لا يتعارض بتاتاً مع حقوق الإنسان، يعيش الآن على الكرة الأرضية ما يقارب سبعة ملياردات نسمة واغلبهم ليسوا بمسلمين وليسوا بكفار فهم اناس لهم عقيدتهم الخاصة فهم يؤمنون بنبوة المسيح(ع) وبأنه آخر الانبياء او أنَّهم يؤمنون بنبوة موسى(ع) وانه آخر الانبياء، وهناك العياذ بالله من يعتقد بعدم وجود إله، ولم يوضِّح له أي شخص، ولم يتحاور مع أحد في هذا الخصوص، كأن يعيش في جنوب افريقا ولم يجد لقمة يقتات بها، فكيف له بالمسائل الفكرية؟ اوِ أنّه لم يجد من يعلِّمه او أنّ ذهنه لا يستوعب مسائل كهذه فما هو الحل؟
عند تقييم الجريمة يجب ان يكون العنصر المعنوي للجريمة هو سوء النية والعداوة، وعلى هذا الاساس فالجميع في الحقوق سواسية .
أحبُّ ان أضيف ان هناك قوانين تفرضها دوله معيّنة وذلك بسبب ظروفها الخاصة كأن تمنع الرجال من الزواج بغير نساء البلد، لكي لا تبقى فتياتهم عوازب، او بالعكس بأن تجبر الدولة الرجال بالزواج من اجنبيات لقلة الفتيات في بلادهم. وهذه المسائل تشبه مسائل وقوانين الجوازات والجمارك وهي موقَّتة وتسنُّ لإدارة شؤون الناس، أما في الاصول العامة فالإسلام حذف جميع الفوارق بين بني البشر.
إنَّ كلامكم يوحي الى البيان الخاص بحقوق الإنسان، ولهذا فليس هناك فرق بين حقوق الإنسان من وجهة نظر اسلامية وبين بيان حقوق الانسان التي اصدرتها منظمة الأمم المتحدة، هل هناك فوارق بينهما في رأيكم؟
هناك فرق بينهما فهم على خلاف الإسلام لا يولون لكرامه الانسان اهتماماً، الاسلام يقول: ((ولقد كرمنا بني آدم" فاكرامه هي الأساس، انهم يعيشون حياة سلمية كما نعيشها نحن لكنهم لايؤكّدون على أنَّ كل ما هو موجود خلق للإنسان، وسرُّ الاختلاف يكمن في هذا الأمر، وهو أنَّ حقوق الإنسان التي يدّعيها الإنسان الموحِّد نجد فيها نوعاً من الضمانة التنفيذيّة، وهذه الضمانة توجد في وجدان الاشخاص، وهو ما نسميه ب(( الإيمان)) ومعناه الإيمان بالمبدأ والمعاد. وهذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم بأن الأنبياء (ع) بعثوا بالبرهان والاستدلال "ليقوم الناس؛ القسط)) أي ليصل الناس الى القناعة بحقوهم لا بمعنى أن يجبروا على القناعة، امّا بالنسبة الى حقوق الانسان فليس فيها ضما ن وجداني، فلهذا أقول: يجب ان تبذل الجهود لجعل البشر مؤمنين اولاً بالمبدأ والمعاد كي يتسنَّى لحقوق الإنسان أن تأخذ مجراها الطبيعي، ولا أقصد أن لا قيمة لحقوق الانسان بل أقصد انها قيّمة للغاية ولكن هذا ليس بكاف، انهم بسبب عدم ايمانهم بالمبدأ والمعاد لايولون لكلامي أهتماماً.
هل هذا الاشكال ناشىء عن شريعتهم؟
لا، ليس له صلة بالشريعة، فنحن نحترم جميع الشرائع، وجميع البشر محترمون، وليس هناك فرق بينهم " ولقد كرمنا بني آدم " ، فلنفرض ان هناك شخصاً يعيش في جنوب افريقا ولم ير أي نبي كي يقوم بتصديقه، وليس له معرفة بالله كي يؤمن به، لا يؤمن بأي شيء إلاّ بنفسه لكنه في الوقت نفسه لا يمسُّ احداً بسوء، فمثل هذا يتمتَّع بجميع الحقوق، ولا فرق بين كونه مسيحياً او يهوديا،ً وطبعاً فانَّ الحقوق التي جاء بها الاسلام خالدة الى يوم القيامة، ولن تنسخ بعد نبوة الخاتم (ص)، هذه الحقوق بطبيعتها تناسب جميع الازمنة والعصور، امّا الحقوق التي استنبطها المسيحي او اليهودي من الانجيل او التوراة فهي لا تناسب جميع الأزمنة والعصور فتلك الحقوق كانت خاصة بفترة معيَّنة وزمن محدود، ولهذا السبب فهي غير صالحة لأزمنة اخرى، يجب ان يعقدوا الجلسات ويقوموا بدراسة القوانين جميعاً، وحينئذٍ سنخرج بنتيجة وهي ان قوانينهم لا يمكنها أن تلبّي متطلبات الانسان العصري، وكمثال على ذلك الرهبانية والقداسة التي تدعو اليها الكنيسة لها حدود وضوابط لا يقبلها الانسان العصري، لكني الان ورغم انّي رجل دين أعيش بكامل حرّيتي وأدرس واُزاول نشاطاتي لكنهم يعتقدون بان من أراد الرهبانية فعليه ان ينعزل في زاوية، وانا لا اقول انهم مجرمون، فهم يتصرَّفون وفق عقيدتهم، واذا تمتّعوا بسلوك حسن يدخلون الجنّة، وانا أعتقد بأنّ الله يثيب جميع من يعمل صالحاً سواء في دار الدنيا او في دار الآخرة، وسواء كانت هويَّتهم اسلامية أو مسيحية ، لكني أعتقد بان الاسلام وعندما جاء نسخ ما قبله من الحقوق وحقوقهم هذه لا تناسب الانسان العصري وعلى هذا يجب علينا أن نتحاور معهم حول قابلية هذه الحقوق او عدم قابليتها.
يظهر خلال البحث في حقوق الانسان بان اهميتها تكمن في احتوائها على بنود لا تفرّق بين من ينتمي الى مذهب معين وبين من ليس له مذهب.
بالتأكيد، هذا ما اؤيده كذلك.
تنصُّ حقوق الانسان على أنَّ من ليس له دين له الحق في التعبير عن رأيه، فحقوق الانسان بنيت على أساس نفي التمييز، لذا لكلٍّ حق في الأمان، والعمل، ومزاولة الحياة الطبيعية.
وكذلك عليه اتّباع القوانين والأنظمة، كي لا يتضرّر الغير، وكالمثال الذي ذكرته سابقاً فشبابنا لا يحقُّ لهم الزواج بأجنبيّات لأن في هذا العمل ضرراً على فتياتنا حيث يبقين عوازب، وهذا ظلم لهن.
بالتأكيد، ولكن هناك من يعتقد بأن حقوق الانسان هي وليدة البعد عن الله، والذي يفهم من حديثكم ان هناك وجوه شبه واشتراك بين بيان حقوق الانسان وبين كلامكم، ومثاله بحث الكرامة الانسانية، فهم يدَّعون بانَّهم يحاولون حفظ كرامة الانسان وفق ما تمليه عليه عقولهم.
انتم تؤكِّدون على ان الاسلام جاء ليحفظ الكرامة الانسانية، لكن هناك من المسلمين ممَّن تنبض قلوبهم للإسلام يعتقدون بأن حقوق الانسان جاءت لتبعد الانسان عن خالقه، وان ادعياء حقوق الانسان بسبب بعدهم عن الله قاموا بتدوين هذه الحقوق، فما هو رأيكم في هذا؟
إنَّ المرحوم هادي السبزواري وعندما ألَّف كتابه ( المنظومة) رأى أنَّ أشعاره صعبة الفهم لذا كتب شرحاً على هذه المنظومة، وعندما رأى أنَّ في الشرح أيضاً صعوبة قام بكتابة حاشية على شرح المنظومة، وكان اول شعر في هذه المنظومة هو: (( يا من إختفى لفرط نوره الظاهر البارز في ظهوره)).
ومعناه يارب لك من الجلاء والظهور ما يجعلك موجوداً في كلِّ مكان فكيف لي أن أراك؟ وانتم تعلمون بأنَّ الله هو النور المطلق، لذا لا يمكن رؤيته بالعين العادية، وكلامي هذا قد يكون بسيطاً وقد يكون متعسراً بحيث لا يفهمه حتى العظماء من أمثالكم ولذا يوردون الاشكالات والتساؤلات، وهذا حقّكم، فالإنسانية تقدّمت بسبب السؤال والجواب، وانا أعتقد بان كلامهم يطابق ما جاء في الاسلام، وفي رأيي فآراؤهم تنبع من وجدانهم الديني وفطرتهم الإنسانية ومن معرفتهم بالله، وهم لا يشعرون بذلك، يقول الامام الخميني( سلام الله عليه) بأن الانسان يبحث عن الكمال المطلق دون ان يعلم بذلك، والكمال المطلق معناه ذات الله تعالى، ولهذا السبب فمهما وصل الانسان الى غايته فهو يحسُّ أنّه بحاجة للحصول على اشياء اخرى، وللامام حديث يقول فيه: (( ان الإنسان إستولى على الأرض لكنه يريد ان يستولي على الكواكب، واذا استولى على القمر يسعى للإستيلاء على المريخ، وهكذا فالإنسان يبحث عن الكمال المطلق دون ان يشعر بذلك، وانا اقول بأن جميع من قاموا بتدوين حقوق الانسان قد استلهموها من الفطرة التي اودعها الله فيهم ومن فطرة التوحيد)).
" يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي" هذه وديعة السماء في الإنسان، روح الانسان شعاع من العالم العلوي، فالله هو الذي أودع هذه الامور في الانسان، وجميعها نابعة من ألطافه ورحمته لكنهم يجهلون تسميتها ونحن نعلم بأسمائها، وعلى هذا الاساس فهم لم يدونوا حقوق الانسان بسبب بعدهم عن الله، فالذي يطالب بحقوق الانسان هو ليس بعيداً عن الله، فهو عندما دوّنها لجأ الى الله لكنه جهل التسمية، فلودعى الى التعايش السلمي، نحن نعتقد أنَّ في عصر ظهور الحجة(عج) يشرب الذئب والشاة من وعاء واحد فكيف بالانسان؟ وهذه من ثقافتنا الدينية.
هناك الكثير ممَّن يعتقد بان الامام (عج) حينما يظهر تعمُّ الحروب والنزاعات الكثيرة.
هذا خلاف الصواب، وجميعها بُدع دُسَّت في عقائد الناس، فالروايات تقول بانَّ المهدي (عج) يضع يده على رؤوس العباد فتكتمل به عقولهم، وهذا الكلام يفسَّر بالتطوّر العلمي للبشر، فلو قست اليوم ب50 سنة مضت او قست شيعة اليوم بالشيعة قبل 50 سنة كم ستجد الخلاف ؟ ان ما صوِّر عن أمير المؤمنين قبل 50سنة وفي يده سيفه ذولفقار وهو جالس على ركبتيه يخالف تماماً ما يصوّرونه عنه اليوم، هل يوجد هناك من يصور الأمير(ع) بسيفه ذوالفقار في زماننا هذا؟
كلا فالصورة المعروفة اليوم عن الأمير(ع) هو عدله وزهده وتقواه وعلمه وحبه للإنسان.
من الموارد التي تؤكِّد عليها حقوق الانسان هي حقوق المتَّهمين.
ماذا تقصد من المتَّهم؟ المتَّهم بالجريمة؟
نعم، اقصد المتَّهم بالجريمة، نحن اليوم نواجه فكراً يعتقد بان للشخص العادي حق الاقتصاص ممَّن تبيَّن له مروقه عن الدين وشهد له بذلك اشخاص، دون أن يكون للمحكمة دخل، فهم يسمحون لأنفسهم بمحاكمته غيابياً ويصدرون بحقه حكماً جزائياً دون ان يسمحوا له بالدفاع عن نفسه، ويظهر من بيان حقوق الانسان رفضها لهكذا أمور، فما هو رأيكم الخاص؟
من المتيقن أنَّ الاسلام لا يسمح بتاتاً لأي شخص بان يقوم بمحاكمة الغير فكيف بقتله؟ ومن المسلّم به أنَّ ذلك يجب ان يكون في المحكمة الصالحة وفق الضوابط الاسلامية، وقد ذكرت ذلك في رسالتي العملية، ونحن ليس لدينا في الاسلام مفردة مهدور الدم. فلو أنَّ شخصاً ارتكب فعلاً استحقَّ بسببه الاعدام، لكن لا يجوز لاحد ان يقتله واذا قتله اقتصَّ منه. وليس لمهدور الدم مصداقية الاّ في الحرب، والكل يتّفق على ذلك. ففي الحرب يقتل الانسان أو يُقتل وليس هناك مجاملة.وناهيك عن لزوم كسب الرخصة من القيادة الحربية، لكن في رأيي ليس هناك في الاسلام جريمة توجب هدر الدم، بحيث يستدلُّ بها أحد لتبرير قتله، وهذه وظيفة وواجب المحكمة فقط.
الامام الخميني (سلام الله عليه) تناول هذا البحث بصورة مفصَّلة في كتابه تحرير الوسيلة وقد قمت بدوري بشرحه بصورة وافية، وحتى في مقولة سبِّ النبي(ص) نعوذ بالله وسواء صدر من متعمِّد أو جاهل فله عقوبة صارمة، والكلُّ يتَّفق على ذلك مع هذا لا ينبغي اجراء الحكم اِلاّ في المحكمة ذات الصلاحيّة. اِنّ للتعدي على القيادة عقوبة تختلف عمّن تعدّى على بقية الناس، وهذا ليس بسبب ان القائد له خصائص بل بسبب ان هناك اختلافاً في الحقوق تستوجب الاختلاف في اجراء الحكم. إنَّ دساتيرالدول شيء تختلف عن صكوك التاجر، ان احراق علم او دستور لدولة ما يوجب العقوبة الصارمة. بعض الروايات تشير الى انّ سابَّ النبي(ص) يجوز قتله لكن ورغم ذلك يجب أن تقام له محكمة. ومن جهة اخرى نرى ان علينا صيانة كيان الاسلام، فالرأي العام لا يقبل بقتل سابّ النبي(ص) وكما قلتم فلعلّ لديه ما يقوله ويدافع به عن نفسه بأنه لم يرد الإساءة الى النبي(ص) وما جاء في الروايات له موارد خاصة.اذن لا يجوز قتل سابّ النبي(ص) إلاّ عن طريق المحاكمة ناهيك عن شرب الخمر او السرقة، فالمجرم لا يعدم إلاّ بأمر من المحكمة حيث لا يتمُّ ذلك ؟ إلاّ بمراحل قانونية موازية للشرع، وعندي اشكالات على المحاكم وعلى قوانين العقوبات فيما يخصُّ الأمور العرضية.
ما المقصود من الامور العرضية؟
الأمور العرضية هي تلك المسائل المعيّنة كالزنا والحدود كالسرقة، زنا المحصنة وغير المحصنة... وهي لا تزيد عن ست أو سبع موارد،ولهذه الموارد قانونها القضائي الخاص، فقانون زنا المرأة ليس كقانون اختلاس بيت المال، وقانون الامور العرفيه ما يلي: الإقرار اربع مرّات، وليس اي اقرار بل الإقرار الذي يتم على أساس الوجدان والضمير الديني والانساني، كأن يأتي المجرم ويعترف وضميره هنا هو الذي حفّزه على ذلك، وحكاية المرأة التي جاءت اربع مرّات الى أمير المؤمنين (ع) قائلة: (( إنّي زنيت فطهِّرني)) مصداق لما ذكرت، فضمير المرأة هو الذي ساقها الى الاقرار والاعتراف، قال الأمير(ع) : إنصرفي لشأنك، وقد تكرر هذا المشهد اربع مرّات وفي جميعها يدعوها الأمير(ع) الى الانصراف.رغم اقرارها ومطالبتها باجراء الحد، وفي المرة الرابعة جاءته حاملة طفلاً ولد لها قبل مدة غير طويلة، جلبته معها للإقرار، فرفض الامير(ع) رجمها إلاّ بعد ان يبلغ الطفل مبلغه، فخرجت المرأة باكية، وصادفها في الطريق رجل حاول مساعدتها متسائلاً عن سبب بكائها فاجابته بما حدث، وقد كان رجلاً جاهلاً، وحكايته حكاية كثير من المسلمين، وبسبب اعمالهم الصادرة عن جهلهم يضرّون بدلاً عن ان ينفعوا.
وهناك كثير من الافعال لا تنشأعن جهل بل تعدُّ جريمة، فنحن لايمكننا ان نقول بأن عبد الرحمن بن ملجم كان جاهلاً ولم يكن مجرماً، كما ولا يمكننا ان نقول بان من يهدر الدم وسط الشوارع هو انسان مؤمن.
أي ايمان هذا؟ هل هم يوافقون ويرضون بأن يقتلوا بهذه الصورة؟ يجب ان يحاكم هكذا اشخاص كي يستريح منهم المجتمع ، وعلى أي حال فقد سأل الجاهل المرأة عن سبب انزعاجها فقالت: ان الأمير يرفض رجمها بسبب الطفل.فقال لها الرجل: أنا أضمن لك هذا الطفل فاذهبي الى الأمير(ع) ليجري عليك الحد.وعندما دخل الرجل على الأمير(ع) رآه غاضباً وقد احمرت عيناه، فسأله الرجل بانَّه جاء لضمان المرأة فلماذا يغضب الامير(ع).فقال له الامير(ع): ان غضبي بسبب ضمانك لها لأجل الرجم ، وقد امرتها بالإنصراف وانت تضمنها؟
لهذا فان الأمور العرضية ذات طابع خاص من قوانين القضاء، حيث لا تنعقد إلاّ بالاقرار اربع مرّات، او بجلب اربع شهود.ولم تسجَّل في التاريخ ولو لمرَّة واحدة ان هناك أربعة شهود عاديين او حتى أربعة مراجع تقليد أو حتى أربع اشخاص معروفين بالتقوى شهدوا حادثة فصّلوا فيها دقائق عن زنا فلان بفلانة، لأن نفس الرؤية والنظر في هكذا أمور يعدُّ حراماً. فعلى هذا الأساس كيف يمكن ان نحصل على هكذا شهود؟ وفي هكذا مسألة يجب التعزير فقط. والميرزا القمي يقول : الحدود خاصة بزمان الحضور، ولا يجوز اجراء الحدود كالجلد والرجم في زمن الغيبة.
شيخنا الجليل ما هو رأيكم في خصوص الإرتداد؟
أعتقد بانّ من عرف الاسلام وفهمه وعلم بحقانيّته لكنه أنكره وروّج ضده كي يُصرف الآخرين عنه فله عقوبة صارمة، أمّا من شاهد سلوكاً لمسلم أو مسيحي وخرج بنتيجة مفادها ان المسيحي ذو سلوك حسن، ثم قارنه بمسلم يفعل بإسم الاسلام ما حلى له وطاب فارتدَّ عن الاسلام و لجأ الى المسيحية وأصبح مسيحياً متديناً، ففي رأيي ان مثل هذا الشخص لا يعاقب بل يجب ان يعاقب الفاعل المسلم، فالذي فهم وعرف حقّانيّة الاسلام وارتدَّ عنه فمثله يعاقب، أمّا الذي يسأل ويتحاور ويبحث، والبحث مفتوح للجميع فهذا يطرح دليلاً وذلك يأتي بآخر فليس به بأس، ولو ساعدتك ذاكرتك بأن الشهيد بهشتي وخاصة في اوائل انتصار الثورة الاسلامية في ايران كان كثيراً ما يجري الحوارات مع الغير ولم يعاقب أحداً.
فيما يخصُّ حقوق الانسان هناك قضية تثار، وهي أنَّ الاستحقاق لا يتوقَّف على كون الحقوق حقّة، وبمعنى آخر فأنا حُر بأن يكون لي حق الزواج، وحق العمل، وحق التعبير عن الرأي،هل الاسلام يعتقد بانه ليس هناك ملازمة بين الاستحقاق وبين وجود الحقوق؟
لك الحق في ان تسأل عمّا تشاء، وهذا هو ما نسمّيه بحرية التعبير،لكن سؤالك فيه غموض، إنَّ الحق ثابت للجميع، فلا يقبل الناس الباطل بأنه حق.وهذه الجملة فيها غموض وتفسيرها صعب، فلو اننّي ذكرت اموراً خاطئة، فهي خاطئة، لكني أملك الحق في التعبير عنها، لأنّني اعتقد بصحة ما أقوله، أمّا لو كنت أعتقد بخطأها فلا يحقّ لي التعبير عنها: لأنّه يعدُّ ظلماً للبشرية.فلا يجوز جعل الباطل أساساً للحق. التاريخ : 2006/01/31 تصفّح: 12250