موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: القصاص في الفقه الإسلامي إبطال نظرية الفارق الجنسي والديني
نصوص معاصرةالقصاص في الفقه الإسلامي إبطال نظرية الفارق الجنسي والديني
القصاص في الفقه الإسلامي إبطال نظرية الفارق الجنسي والديني
سماحة آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي(*)
ترجمة: حيدر حب الله
مدخل
حرمة الإنسان وكرامته من الأصول الأساسية المسلّمة في الديانة الإسلامية، فنفس الإنسان، وعرضه، وكرامته، وماله وثروته، ورأيه وعقيدته.. كلّها ذات حرمةٍ وتقدير، ومن الواجب رعاية هذه الحرمة وحفظها، وقد شكّلت آليّات الحفاظ على هذه الحرمة، وأساليب مواجهة إسقاطها أو تجاوزها.. قسماً كبيراً من المعارف الدينية.
الأمر الأهمّ هنا من بين هذه الأمور نفس الإنسان وذاته، ذلك أن بقية الأشياء تابعةٌ لها، متعلّقة بها، من هنا كان تركيز القرآن الكريم على حرمة النفس البشرية ـ بعيداً عن أيّ امتيازات طارئة ـ تركيزاً ملحوظاً، جاءت فيه كلمات نورانية خالدة، فكانت الحرمة التي منحها القرآن للنفس الإنسانية لا تماثلها حرمةٌ في أىّ مذهب حقوقي آخر.
قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْس أو فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (سورة المائدة: 33).
وقد انعكس المبدأ عينه في روايات أئمة الدين (عليهم السلام)، ونشير هنا إلى نماذج ـ فقط ـ من هذه الروايات:
1 ـ عن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من أعان على قتل مسلمٍ ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله»(1).
2 ـ وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لا يدخل الجنة سافكٌ للدم، ولا شارب للخمر، ولا مشاء بنميم»(2).
ويعدّ قتل النفس في الفقه الإسلامي من كبائر الذنوب، وإنما كان تشريع الدية والقصاص فيه للحيلولة دون حصول هذا الفعل القبيح والسلوك الشنيع، كما ولأجل التعويض عن بعض الخسارات التي يُحدثها.
إنّ تخصيص قسمٍ من الكتب الفقهية لمباحث القصاص والديات إنّما يهدف إلى تشريح قوانينهما والمقرّرات الواردة فيهما.
وأحد الأسئلة الرئيسة في مسألة القصاص يتمثل في تساوي أو عدم تساوي قصاص الرجل والمرأة، وكذا المسلم والكافر، فالرأي المشهور بين الفقهاء يقوم على أساس مبدأ عدم التساوي في القصاص بين الرجل والمرأة، وكذا المسلم والكافر، ومعنى ذلك أنه لو قتل رجل امرأةً فلا يمكن لأولياء المرأة قتله، إلاّ إذا منحوا ورثته ـ أي ورثة الرجل القاتل ـ نصف دية الإنسان الكامل، أما إذا قتلت امرأةٌ رجلاً كان بإمكان أولياء الرجل اقتيادها به، وهكذا، يجري الحكم المذكور عينه في حالة قتل المسلم والكافر.
وبعبارة أخرى، إنّ الفقهاء يرون للذكورة والإسلام فضيلة وأفضليةً، لذا يعتقدون بعدم وجود مساواة في القصاص بين الرجل والمرأة، وبين المسلم والكافر أيضاً.
ويصنّف السيد المرتضى (436هـ) في كتابه «الانتصار» عدم تساوي الرجل والمرأة في القصاص مما انفردت به الإمامية واختصّت بتبنّيه(3)، كما يدّعي الفاضل الهندي في كتابه «كشف اللثام» الإجماعَ على هذا الحكم(4)، والادعاء نفسه يذكره صاحب الجواهر أيضاً، مشيراً إلى أنّ الشيخ الصدوق في كتاب «المقنع» هو الفقيه الشيعي الوحيد المعارض لهذا القول(5).
على أية حال، تعدّ مسألة عدم التساوي في القصاص بين بعض أفراد الإنسان من الملفات التي يجابه بها الفقه الإسلامي؛ حيث يصنّفها بعضهم مخالفةً لحقوق الإنسان، وللعدل والإنصاف أيضاً؛ ولهذا، نسعى في هذه الدراسة لممارسة قراءة معمّقة ومستأنفة للنصوص القرآنية وأحاديث المعصومين (عليهم السلام).
والرأي الذي توصّلنا إليه يقضي بتساوي القصاص بين جميع أصناف البشر، وأنّه لا توجد أيّة خصوصية مميّزة من ناحية الجنس والديانة، وكلّ ما كان مخالفاً لذلك فلا بدّ من توجيهه، أو ردّ علمه إلى أهله.
ولتحليل وجهة النظر المذكورة، نبحث الموضوع ضمن محاور ثلاثة:
المحور الأول: مبدأ التساوي في القصاص بين البشر في القرآن الكريم.
المحور الثاني: نقد نظرية عدم التساوي في القصاص بين الرجل والمرأة.
المحور الثالث: نقد نظرية عدم التساوي في القصاص بين المسلم والكافر.
المحور الأوّل
مبدأ المساواة في القصاص على ضوء القرآن الكريم
ثمّة في القرآن الكريم طائفتان من الآيات الدالّة على مبدأ المساواة في القصاص، ونحاول هنا استعراض الآيات ـ أولاً ـ ثم الانشغال بشرحها، وتفكيكها، وبيان كيفية دلالتها على مبدأ المساواة المذكور.
4 ـ ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ الله وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (سورة البقرة: 194).
إننا ندّعي أن في هذه الآيات إطلاقاً، وهي تدلّ ـ صراحةً ـ على تساوي الرجل والمرأة، الحرّ والعبد، المسلم والكافر، تماماً كما تحتوي على إطلاق بلحاظ اللون والعرق والقومية، ويؤيَّد هذا الإطلاق وتلك الصراحة في الدلالة بمذاق الشارع والمنحى العام في الكتاب والسنّة فيما يتعلّق بالمساواة بين الناس؛ فقد اعتبر القرآن الكريم البشر جميعهم أبناء آدم وحواء، ولم يضع أيّ فرقٍ أو تمييز بينهم في مبدأ الخلقة، وفي الطاقات الإنسانية الكامنة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ) (سورة النساء: 1)، كما عدّ التقوى في آيةٍ أخرى أساس التفضيل البشري، قال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ ) (سورة الحجرات: 13).
كما يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى جملة روايات تؤكّد المبدأ عينه:
أ ـ عن رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أيها الناس إنّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلّكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربيّ على عجمي فضل إلاّ بالتقوى»(6).
ب ـ وعن (صلى الله عليه وآله وسلم) «الناس سواء كأسنان المشط»(7).
ج ـ وعن (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «فالناس اليوم كلّهم، أبيضهم وأسودهم، وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم، وإن آدم (عليه السلام) خلقه الله من طين، وإن أحبّ الناس إلى الله عز وجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم»(8).
د ـ وعن (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «إن الناس من آدم إلى يومنا هذا، مثل أسنان المشط، لا فضل للعربيّ على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلاّ بالتقوى»(9).
هـ ـ وعن علي (عليه السلام) أنه قال: «الناس إلى آدم شرع سواء»(10).
وخلاصة القول: إن هذه الآيات والروايات المؤيّدة بآيات وروايات أخرى دالّة على تساوي الناس في القصاص، ولا تستوعب أيّ نوع من التمييز.
شبهتان ناقدتان
وفي قبال هذا الاستدلال، يمكن أن تُطرح شبهتان، نحاول هنا استعراضهما، ثم تسليط النقد عليهما:
الشبهة الأولى: قد يقال: إن الآيات المشتملة على القصاص، مثل الآية الأولى والثانية من المجموعة الأولى، وكذا آية الانتصار، وهي الآية الرابعة من المجموعة الأولى، لا إطلاق فيها ولا شمول للتساوي في القصاص بالنسبة إلى الطوائف المذكورة; ذلك أنها تدلّ على مبدأ القصاص، وحيث كان الاختلاف في القصاص بين الرجل والمرأة وكذا بين الحرّ والعبد سائداً في تلك العصور كان معنى ذلك تأييد هذه الآيات لذلك التمييز لا العكس.
وبعبارة أخرى، لا يمكن الحصول على مبدأ التساوي في القصاص من هذه الآيات، ذلك أنها دالّة على مبدأ القصاص، وقد كان اللاتساوي بين الرجل والمرأة شائعاً آنذاك، وكذا بين الحرّ والعبد، وقد كانوا يطلقون عليه القصاص، فتكون الآيات شاملةً لهذا النوع من القصاص القائم على التمييز المذكور.
وللجواب على هذا الإيراد يمكن القول:
أولاً: ثمّة آيات أخرى مثل: ( وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) (سورة الشورى: 40)، وكذا ( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (سورة المائدة: 45)، تدلّ على المساواة وعدم التمييز، وهي كافية للاستدلال.
ثانياً: إن صدق القصاص مع اللامساواة في أوساط الجاهلين من تلك الأمم مبنيّ على العقائد الباطلة التي كانوا يحملونها، وإلاّ فالعرف الإنساني ـ بفطرته الأصلية ـ يقضي بالمساواة وعدم الاختلاف، وعليه، فصدق القصاص عندهم لا يمكن أن يجعل ملاكاً لصدق الآيات القرآنية، القائمة على الحقّ والحقيقة.
ثالثاً: إنّ العرف الحاضر في عصرنا، وهو عرفٌ يقوم على الإحساس الرفيع والشعور العالي والثقافة الإنسانية السامية، يرى القصاص شاملاً للطوائف كافّة، وهذا هو ملاك صدق الآيات القرآنية.
رابعاً: حيث كانت الأحكام مترتبةً على العناوين، مثل هذه الآيات، كان ملاك الدلالة صدق العنوان، حتى لو كانت بعض المصاديق حادثةً بعد نزول الآيات، نعم لو كانت الأحكام مترتبةً على مصاديقها الخارجية، كان ملاك الدلالة حينئذ ذاك المصداق الخاصّ بزمان جعل الحكم.
الشبهة الثانية: تدلّ آية: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى)(سورة البقرة: 178)، على وجود اختلاف وتمايز بين هذه الطوائف؛ إذ تعني الآية قصاص الحرّ في مقابل الحرّ، والعبد في مقابل العبد، والرجل في مقابل الرجل، والأنثى في مقابل الأنثى، وهي ـ من هنا ـ تغدو صريحةً في عدم المساواة، ولذا تساهم في تقييد إطلاق الآيات الأخرى.
والجواب: إنّ هذه الآية تدلّ على المساواة في هذه الفرق الثلاث، فهم متساوون فيما بينهم، ولا بدّ من إجراء عقوبة القصاص على القاتل، كائناً من كان القاتل والمقتول.
وبيان ذلك: إنّ الآية ناظرة إلى انحصار عقوبة القصاص بالقاتل دون غيره، فإذا ما قتل حرّ حرّاً آخر فلا بدّ أن يؤخذ هو نفسه به، لا غيره، فلا يكون عبده الفدية له، يقدّمه بدلاً عنه؛ لأن القاتل أفضل من المقتول، ولذا لابد أن يقدّم عبده للقصاص؛ لأن الأخير يقع في ذات الرتبة الاجتماعية للمقتول.
وهكذا الحال لو قتل العبد عبداً آخر، فلا بد أن ينال القاتل نفسه القصاص، ولا معنى لأن يقال: لما كان القاتل مرتبطاً بفريق اجتماعي ذا طبقة كان من المطلوب أن يحاسب واحدٌ منهم ويعاقب، ومثله لو قتلت امرأةٌ أخرى، فلا بد أن تعاقب على ذلك باقتيادها نفسها، لا أن يقدّم للقصاص رجلٌ مكانها بحجّة أن هذه المرأة من طبقة الأشراف وأنها لا توازي المقتول في الرتبة والمكانة، بل ترتفع عنه، مما يدفع لتقديم رجلٍ للعقوبة مكانها يكون مساوياً في المكانة للمقتول.
ووفقاً لذلك، لا تكون الآية غير دالّة على عدم التساوي فحسب، بل تكون دالّة على مبدأ المساواة وإلغاء أشكال التمييز.
ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أسلفناه، يتضح أنّه يمكن تفسير الآية بشكلين اثنين، يثبت التمييز وعدم المساواة في القصاص وفقاً لأحدهما، فيما يثبت مبدأ المساواة طبقاً للآخر، وحيث كان التفسير الأوّل غير منسجم مع مذاق الشريعة بل مستلزم لتقييد الأدلّة الأخرى، وهي أدلّة يأبى لسانها عن التقييد، كان الثاني أكثر وضوحاً وجلاءً، لذا لزم الاعتماد عليه والأخذ به.
من جهةٍ أخرى، يتناسب التفسير الثاني للآية مع شأن نزولها، فقد ورد في مجمع البيان في ذلك: «نزلت هذه الآية في حيّين من العرب، لأحدهما طَوْل على الآخر، وكانوا يتزوّجون نساءهم بغير مهور، وأقسموا لنقتلنّ بالعبد منّا الحرّ منهم، وبالمرأة منّا الرجل منهم، وبالرجل منّا الرجلين منهم، وجعلوا جراحاتهم على الضعف من جراح أولئك، حتى جاء الإسلام، فأنزل الله هذه الآية»(11)، ولم يقتصر شأن النزول هذا على الطبرسي، بل جاء في تفاسير أخرى أيضاً(12).
وإذا قيل: إنّ هذه الآية لا ظهور لها في التفسير الثاني، قلنا: لا أقلّ من احتماله، فيما الثابت إطلاق الآيات الأخرى.
وبهذا توصّلنا ـ إلى هنا ـ إلى الدفاع عن مبدأ المساواة في القصاص بين الرجل والمرأة، والمسلم والكافر، والحرّ والعبد، اعتماداً على دلالة الآيات القرآنية وأصول الشريعة الإسلامية، ونحاول ـ عقب ذلك ـ دراسة وجهات النظر المختلفة التي تعارض نظريّتنا هذه، وذلك ضمن بحثين: الأول: في الرجل والمرأة، والثاني: في المسلم والكافر.
المحور الثاني
نظرية عدم التكافؤ في القصاص بين الرجل والمرأة، دراسة ونقد
لا شبهة في الفقه الإسلامي في قصاص الرجل بقتل الرجل، والمرأة بقتل المرأة، وكذا المرأة في مقابل الرجل، أمّا فيما يتعلّق بقصاص الرجل بالمرأة، فقد ذهب مشهور الفقهاء إلى عدم إمكانية ذلك، إلاّ إذا دفع أولياء المرأة المقتولة نصف دية الإنسان إلى الرجل.
والمستفاد من هذه النظرية عدم وجود تساوٍ في القصاص بين الرجل والمرأة، وقد ادعى صاحب الجواهر الإجماع المحصّل والمنقول على هذا الرأي(13)، كما صرّح بالإجماع نفسه الفاضل الهندي في «كشف اللثام»(14).
يكتب الشيخ الطوسي في «الخلاف»: «يُقتل الحرّ بالحرّة إذا ردّ أولياؤها فاضل الدية، وهو خمسة آلاف درهم، وبه قال عطاء، إلاّ أنه قال: ستة آلاف درهم، وروي ذلك عن الحسن البصري، ورواه عن علي (عليه السلام). وقال جميع الفقهاء: إنّه يقتل بها، ولا يردّ أولياؤها شيئاً، ورووا ذلك عن علي (عليه السلام)، وابن مسعود.
دليلُنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضاً قوله تعالى: ( وَالأُنثَى بِالأُنثَى )، فدلّ على أن الذكر لا يُقتل بالأنثى»(15).
ويقول السيد المرتضى في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإمامية: أنّ الرجل إذا قتل المرأة عمداً، واختار أولياؤها الدية، كان على القاتل أن يؤدّيها إليهم، وهي نصف دية الرجل، فإن اختار الأولياء القود، وقتل الرجل بها، كان لهم ذلك على أن يؤدّوا إلى ورثة الرجل المقتول نصف الدية، ولا يجوز لهم أن يقتلوه إلاّ على هذا الشرط، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، ولم يوجبوا على من قتل الرجل بالمرأة شيئاً من الدية.
دليلُنا على صحّة ما ذهبنا إليه: الإجماع المتردّد، ولأن نفس المرأة لا تساوي نفس الرجل، بل هي على النصف منها، فيجب إذا أخذت النفس الكاملة بالناقصة أن يردّ فضل ما بينهما» (16).
ويُستنتج من هذين النصّين أن فقهاء أهل السنّة متفقون على عدم لزوم دفع نصف الدية، فيما يتفق في مقابلهم فقهاء الشيعة على لزوم ذلك، والجدير ذكره أن الفقهاء السنّة ينقلون رأيهم هذا عن الإمام علي (عليه السلام).
والمستفاد من النصّين المشار إليهما أنّ فقهاء الشيعة اعتمدوا ـ لإثبات نظريتهم هذه ـ على أدلّة أربعة هي: 1 ـ الآية 178 من سورة البقرة، أي: (وَالأُنثَى بِالأُنثَى).
2 ـ الروايات.
3 ـ الإجماع.
4 ـ عدم تساوي دية الرجل والمرأة.
ونحاول هنا رصد هذه الأدلّة وتفحّصها على الشكل التالي:
أدلّة النظرية المشهورة في عدم التكافؤ في القصاص بين الجنسين
الدليل الأوّل: القرآن الكريم
تقدم في القسم الأوّل بعض التوضيحات المرتبطة بهذه الآية، وقد قلنا هناك: إن هذه الآية يمكن أن تفسّر على نحوين، تكون ـ أي الآية ـ على أحدهما مستنداً لقول مشهور الشيعة، فيما تغدو على التفسير الآخر مستنداً للقول بتساوي القصاص بين الرجل والمرأة.
وقد انتهينا هناك إلى أن شأن نزول الآية يؤيّد الاحتمال الثاني، كما أنّه المستفاد من إطلاق آيات أخرى وصراحتها؛ وعليه رجّحنا التفسير القاضي بتساوي قصاص الرجل والمرأة.
الدليل الثاني: الروايات
أهمّ مستند للقول المشهور هو الأخبار والأحاديث، وهي أخبار يبلغ تعدادها في الكتب الحديثية المعتبرة خمسةَ عشر خبراً، عشرةٌ منها معتبر من الناحية السندية.
وقد نُقلت هذه الروايات عن كبار المحدّثين وأصحاب الأئمة (عليهم السلام)، مثل: عبد الله بن سنان، وعبد الله بن مسكان، وعبيد الله بن علي الحلبي، وفضل بن عبد الملك، وأبي العباس البقباق، وليث بن البختري، وأبي بصير المرادي وغيرهم من الرواة الموثوقين.
وهذا بعضٌ من تلك الروايات:
1 ـ محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في رجلٍ قتل امرأته متعمّداً، قال: إن شاء أهلُها أن يقتلوه قتلوه، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم»(17).
2 ـ وعن عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا قتلت المرأة رجلاً قُتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة، فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل (على دية المرأة) وأقادوه بها، وإن لم يفعلوا قبلوا الدية، دية المرأة كاملةً، ودية المرأة نصف دية الرجل»(18).
3 ـ وعنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «في الرجل يقتل المرأة متعمّداً، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه، قال: ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، وإن قتلت المرأة الرجل، قُتلت به، ليس لهم إلاّ نفسها»(19).
وهكذا الحال في الروايات: 4، 5، 6، 7، 8، 9، 12، 13، 15، 19، 20، 21، من الباب نفسه (باب 33)، وهي تدلّ على هذا المطلب.
قراءة نقدية في الروايات والآن، وبعد نقل هذه الروايات والاعتراف بعدم وجود شكّ أو جدل فيها بلحاظ السند ولا الدلالة، نحاول الإجابة عنها، ونرى أن هناك إيرادين أساسيّين عليها، بما لا يجعلها ـ بعد ذلك ـ مدركاً للاستنباط، أحدهما: مخالفة القرآن، والسنّة، والعقل، وسائر القواعد والأصول الإسلامية المسلّمة، وثانيهما: معارضتها للروايات الأخرى.
ونركّز الآن على إجلاء هذين الاعتراضين.
1 ـ مخالفة الكتاب والسنّة والعقل
أهمّ الملاحظات الناقدة لهذه الأخبار مخالفتها للكتاب والسنّة والعقل، والأهمّ من بينها مخالفة الكتاب؛ من هنا، نتحدّث عن موارد مخالفة كلّ واحد من الثلاثة، بادئين بمخالفة الكتاب العزيز:
أ ـ مخالفة القرآن: تدلّ الروايات الكثيرة في المصادر الحديثية الشيعيّة والسنّية، وعددها يتجاوز الأربعين رواية، على عدم حجيّة أيّ رواية تخالف القرآن أو لا تنسجم معه، ومن ثم يلزم تنحيتها جانباً، وإيكال علمها إلى أهلها.
ويرى الشيخ الأنصاري (1281هـ) أنّ هذه الروايات قد بلغت في تعدادها حدّ التواتر، يقول: «والأخبار الواردة في طرح المخالِفة للكتاب والسنّة، ولو مع عدم المعارض، متواترة»(20).
ونكتفي هنا ـ لذلك ـ بنقل ثلاث من هذه الروايات هي:
1 ـ صحيحة هشام بن الحكم عن الإمام الصادق (عليه السلام): «خطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى، فقال: أيها الناس! ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله»(21)، وقد ذكرت هذه الرواية بسندٍ آخر أيضاً(22).
2 ـ ينقل الإمام الجواد (عليه السلام)، في مناظرته مع يحيى بن أكثم، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع: «قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر، فمن كذب علي متعمداً فليتبوّء مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنّتي، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به»(23)، وقد نقلت هذه الرواية بسند آخر أيضاً(24).
3 ـ موثقة السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ على كلّ حق حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه»(25)، وهذه الرواية حالها حال ما سبقها من أنها نقلت أيضاً بأسانيد أخرى(26).
إن مدّعانا أن روايات عدم التساوي في القصاص بين الرجل والمرأة مخالفة للقرآن الكريم، فلا بد من تنحيتها، وتتجلّى هذه المخالفة مع ثلاث طوائف من الآيات القرآنية، نبيّنها كما يلي:
الطائفة الأولى: الآيات الدالّة على أن كلام الله وأحكامه قائمان على العدالة والحقيقة، وأنه لا يرضى الظلم والإجحاف بحقّ عباده، لا تكويناً ولا تشريعاً، مثل: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً)(سورة الأنعام: 115)، (اِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ)(سورة الأنعام: 57)، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلام لِّلْعَبِيدِ ) (سورة فصّلت: 46، وسورة آل عمران: 182، وسورة الأنفال: 51، وسورة الحج: 10، وسورة ق: 29)، (إنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(سورة يونس: 44)، (إنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة وَإِن تَكُ حَسَنَةً...)(سورة النساء: 40)، (وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ) (سورة غافر: 41)، (وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (سورة آل عمران: 57، 140).
إنّ هذه الآيات تنفي الظلم والجور عن الله تعالى، وتنزّهه عنهما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يرى الناس أنّ وضع تمييزٍ في القصاص بين الرجل والمرأة، وإجبار أولياء المرأة على دفع نصف الدية ظلمٌ، بعيد عن الحقيقة والعدالة، ذلك أنّ النساء يساوين الرجل في الهوية الإنسانية وفي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والعقل يشهد على هذا التساوي، كما يؤيّده الكتاب والسنّة.
يقول الله تعالى في كتابه عن الرجل والمرأة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)(سورة النساء: 1)، فقد تحدّثت هذه الآية عن التقوى لله بوصفه رباً ومدبّراً ومربياً للناس، خلافاً لآيات أخرى جاء فيها الأمر بالتقوى مطلقاً مثل: (اتَّقُواْ) (سورة البقرة: 103، 212) و..
والذي يبدو أن هذه النسبة والإضافة (رَبَّكُمُ) تريد إيصال فكرة ما، وهي أنّ الناس متساوون في حقيقة الإنسانية، وأنه ليس ثمّة فرق أبداً بين الرجل والمرأة، والكبير والصغير، والقادر والعاجز، وبعد ذلك تأمر بالتقوى والورع، وعدم ظلم بعضِكم بعضَكم الآخر، الرجل للمرأة، الكبير للصغير، القادر للعاجز، المولى للعبد، كما أن مساحة هذه التقوى واسعة أيضاً تستوعب تمام الميادين الاقتصادية، والسياسية، والقانونية و..
وعليه، يغدو البشر مأمورين ـ بهذه الآية ـ بتجنّب كل ما يعدّه العرف والعقلاء ظلماً، والله أولى وأليق أن لا يفعل ذلك.
وبناءً على ما تقدّم، تكون الآية دالةً على تساوي الناس، ونفي أشكال التمييز في الأحكام والقوانين بينهم، دلالةً واضحةً لا تقبل التشكيك.
وثمّة آيات أخرى عديدة أيضاً تدلّ على هذا التساوي مثل: (اِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ)(سورة الحجرات: 13)، و(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (سورة المؤمنون: 14).
كما تدلّ الروايات التي أوردناها سابقاً على هذا التساوي أيضاً.
الطائفة الثانية: من الآيات القرآنية التي تعارضها روايات التمييز في القصاص بين الرجل والمرأة هي قوله تعالى : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) (سورة المائدة: 45).
تدلّ هذه الآية ـ بصراحة ـ أن لا تفاوت في أرواح الناس، فدمُ أحدهم ليس بأشدّ لوناً من الآخر، ومعنى ذلك أننا لو رأينا هذا التمييز في الدم في روايةٍ من الروايات فلا بد من طرحه جانباً.
إلاّ أن التمسّك بهذه الآية وإطلاقها، يواجه جملةً من الانتقادات المذكورة، التي نحاول هنا استحضارها، ثم نقدها، وهي:
الانتقاد الأوّل: إنّ هذه الآية بصدد تشريع مبدأ القصاص، فليس لها إطلاق من ناحية كيفية إجرائه وتطبيقه، من هنا، فما ذكرته الروايات يحتمل أن يكون شرحاً وتوضيحاً لهذا المبدأ العام، دون أن يعني مغايرةً له أو منافاة.
وفي الجواب عن هذا الانتقاد يقال:
أولاً: إنّ القاعدة الأولية في تمام آيات القرآن هي الإطلاق والتبيين، ذلك أنه وصف نفسه بـ (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْ)(سورة النحل: 89)، (لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)(سورة النحل: 103).
ثانياً: إن تعداد مصاديق القصاص في الأعضاء من قبيل العين، والأنف، والأذن، والسن (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)، ثم بيان القاعدة الكلية العامّة في قصاص الجراحات: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) شاهد صارخ على وجود الإطلاق في الآية، وكونها في مقام تشريعه وتقنينه.
ثالثاً: لقد فهم فقهاء ومحدّثون كبار ـ مثل الشيخ الطوسي ـ من هذه الآية الإطلاق والشمولية؛ ففي كتاب تهذيب الأحكام وعقب نقله رواية أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السلام): «في امرأةٍ قتلت رجلاً، قال: تقتل ويؤدّي وليها بقية الدم»(27)... يكتب الشيخ الطوسي: «هذه الرواية شاذة، ما رواها غير أبي مريم الأنصاري، وإن تكرّرت في الكتب في مواضع، وهي مع هذا مخالفة للأخبار كلّها، ولظاهر القرآن، قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)، فحكم أن النفس بالنفس ولم يذكر معها شي آخر»(28).
وبهذه الفقرة يُعلم أن الشيخ الطوسي يرى الآية في مقام البيان، ويقرّ بأن لها إطلاقاً وشمولاً، وهو ـ لذلك ـ يطرح الرواية بوصفها مخالفةً للقرآن الكريم.
الانتقاد الثاني: ذكر بعضُهم أن هذه الآية تحكي عن تلك الأحكام التي تتعلّق في التوراة ببني إسرائيل، وعلاوةً على ذلك فقد نسخت بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى)(سورة البقرة: 178).
وقد صُرّح بهذا الأمر أيضاً في بعض الروايات الشيعية؛ فعن علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) قال: يعني في التوراة، (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)، فهي منسوخة بقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى)، وقولُه: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) لم تنسخ»(29).
وبناءً عليه، فمخالفة الروايات لهذه الآية لن يغدو مشكلاً بعد فرض كونها منسوخة.
والجواب عن هذا الانتقاد:
أولاً: إنّ هذه الآية عامة لا تختصّ ببني إسرائيل، يشهد لذلك ذيلها، قال تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة: 45)، ذلك أنّ عمومية الموصول (من) دالّة على عمومية الحكم.
ثانياً: إنّ هذه الآية غير منسوخة؛ إذ ورد عن زرارة عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق (عليهما السلام) أنها من محكمات القرآن، فعن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «في قوله عز وجل: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ) قال: هي محكمة»(30).
ومن الواضح أن الآية المحكمة لا تكون منسوخةً، كما أنّ رواية علي بن إبراهيم لا يمكن الاعتماد عليها، ذلك أنه لا يُحرز صحّة نسبة هذا الكتاب إليه، فضلاً عن أن نسبة هذه المنقولات الواردة فيه إلى المعصوم (عليه السلام) غير ثابتة، كما أن سند هذه الرواية الخاصّة بالمقام ضعيف أيضاً.
وقد صرّح محدثون وفقهاء كبار مثل الشيخ الطوسي(31) والفاضل المقداد السيوري(32) وسائر المفسّرين بعدم نسخ هذه الآية.
يكتب العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان يقول: «ونسبة هذه الآية: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ)(سورة البقرة: 178) إلى قوله تعالى: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)(سورة المائدة: 45)، نسبة التفسير، فلا وجه لما ربما يقال: إنّ هذه الآية ناسخة لتلك الآية، فلا يُقتل حرّ بعبد ولا رجل بامرأة»(33).
وبناءً عليه، تبيّن آية سورة البقرة المصاديق، وتقع في مقام نفي بعض الأوهام والخرافات الجاهلية في مجال القصاص، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
الطائفة الثالثة: قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(سورة البقرة: 179)؛ فمعنى الآية ـ بتوضيح ما ـ أنّ القصاص، ويعني المقابلة بالمثل، لا يمكن تحقّقه إلاّ إذا اكتفي في مورد قتل الرجل والمرأة بالقتل فقط، أي أنه إذا قتل رجلٌ امرأة أو قتلت المرأة رجلاً فإنهما يقتلان بفعلهما، أما إذا حصلت ضميمةٌ إلى جانب القتل، كما هو رأي المشهور في قصاص الرجل، حيث يذهبون إلى لزوم إعطاء أوليائه نصف دية الإنسان كاملةً.. فإنّ المقابلة بالمثل لا تتحقّق.
وخلاصة القول: إنّ الأخبار والروايات التي ذكرناها تخالف هذه الطوائف القرآنية الثلاث، ومن ثم يجب طرحها جانباً، ولا يمكن الاعتماد على مثلها في الحكم والإفتاء.
إلاّ أن انتقادات وإيرادات وشبهات يمكن أن تسجّل على استدلالنا هذا، لابد لنا من ذكرها، ثم نقدها والجواب عنها، وهي:
الملاحظة الأولى: إنّ النسبة بين الأخبار القائلة بالتمييز في القصاص وبين الآيات المذكورة المدّعى وقوع التنافي معها، هي نسبة الإطلاق والتقييد، بمعنى أن آيات القصاص تشرّع القاعدة العامة والصورة الكلية والقانون المطلق فيه، فتبيّن قانون التساوي في القصاص، أمّا الروايات والأخبار فتقيّدها في بعض الصور، كصورة القصاص من الرجل القاتل، حيث تشير إلى ضرورة دفع نصف الدية في مورده.
ومن الواضح أنّ علاقة الإطلاق والتقييد لا تعني ـ على الإطلاق ـ أي مخالفة أو مغايرة حتى تسقط هذه الروايات المقيّدة عن الحجية والاعتبار، وبعبارة أخرى: كلّما كانت المخالفة بين الآيات والروايات على نحو التباين الكلي لزم طرح الأخبار المخالفة للقرآن جانباً، أمّا إذا كانت هذه المخالفة على نحو العموم والخصوص المطلق، فإن العلاقة بين الآيات والروايات سوف تغدو علاقة الإطلاق والتقييد، ممّا يعني أن خروج الحكم المقيّد عن دائرة الحكم الكلي العام ليس نحواً من المخالفة للكتاب.
والجواب: إنّ بعض الإطلاقات ربما تجيء آبيةً عن التقييد والاستثناء، فهل يمكن القول: إن الله تعالى لا يظلم عباده كما نصّ على ذلك: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلام لِّلْعَبِيدِ) (فصلت: 46، آل عمران: 182، الأنفال: 51، الحج: 10، ق: 29)، إلاّ في مورد قصاص الرجل والمرأة، فيكون ظالماً لهم؟!! هل يمكن القول: إنّ حكم الله تعالى قائم على الحق والحقيقة، كما قال: (اِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ...) إلاّ في مورد قصاص الرجل والمرأة، بحيث لا يكون حكمه هناك على الحق!!؟
فالإباء عن التقييد يعني أنّ العرف يرى نسبة هذا الاستثناء إلى الله تعالى وإلى أئمة الدين ـ وهم حافظو الأحكام والحدود الإلهية ـ قبيحاً.
الملاحظة الثانية: إنّ المخاطب الرئيس في الآيات القرآنية هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام)، وإذا ما صدر عنهم رواية أو حديث نظنّه نحن مخالفاً للقرآن، فإنّ هذا يعني أن مضمون هذا الحديث لم يكن ـ من وجهة نظرهم ـ مخالفاً للكتاب، وعندما لا يكون كذلك لا يسقط عن الاعتبار والحجية، ومعنى ذلك وحصيلته: إمكان الأخذ بهذه الروايات والعمل على وفقها.
والجواب: إنّ عرض الحديث على الكتاب إنما جاء لتمييز الأحاديث المعتبرة عن غيرها، ولكشف الأحاديث الباطلة، فلكي نكتشف الروايات المجعولة على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) منحنا أهلُ البيت (عليهم السلام) سبيلاً ومعياراً يمكن عبره الوقوف على مدسوس الأخبار، فالمخاطب بأخبار العرض عرف المسلمين، فإذا ما رأى هذا العرف خبراً أو روايةً مخالفةً للكتاب بعد عرضها عليه، كان لزاماً عليه طرحها وإقصاؤها، أما إذا قلنا بأن تحديد مخالفة روايةٍ للكتاب أمرٌ يتكفل به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) أنفسهم لا غير فإن هذا يعني فقداننا المعيار، ومن ثم أيّ معنى لأخبار العرض على الكتاب؟! أفهل يمكن الوصول إلى المعصوم دائماً؟! ماذا يفعل عموم المسلمين إزاء ظاهرة الوضع والدسّ في الأحاديث؟! وبعبارة أخرى جامعة وأكثر وضوحاً: إن معنى هذا الكلام لغوية تعيين معيار وميزان لكشف الأحاديث.
وقد صوّر المحقق النجفي صاحب الجواهر هذا المطلب عندما بحث تعارض أخبار «المواسعة والمضايقة»(34)، تصويراً رائعاً، ورأى أن أخبار العرض جاءت: «للتمييز بين الصادق والكاذب، من حيث إنه كثر الكذابة من أهل الأهواء والبدع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في حياتهم وبعد موتهم; لتحصيل الأغراض الدنياوية، ولما رأى جماعة منهم أن الأئمة (عليهم السلام) حكموا بكثير مما اشتهر خلافه بين الناس، ولا سيما العامّة، وكشفوا عن المراد بكثير من الآيات والروايات مما هو بعيد إلى الأذهان، بل لا يصل إليه ـ عدا المعصوم ـ أحدٌ من أفراد الإنسان، جعلوا ذلك وسيلةً إلى الاقتحام على نسبة كثير من الأكاذيب إليهم، واختلاق الأضاليل والبدع عليهم، فمن هنا أمر الأئمة (عليهم السلام) بالعرض على الكتاب; لسلامته من الكذب والاختلاق، لكن من المعلوم إرادة النصوص القرآنية منه أو الظواهر التي لا يحتاج فهم معناها إلى العصمة الربانية، أو احتاج لكن على سبيل التنبيه للغير بحيث يكون بعد الوقوف هو الظاهر المراد لديه، لا الآيات التي ورد تفسيرها بالأخبار الظنّية التي تلحق من جهتها بالبطون الخفية، وعلى فرض صحّتها بالسرّ المخزون والعلم المكنون، إذ ذاك في الحقيقة عرض على الخبر الذي لا مزية له على المعروض، ضرورةَ أن الكذوب كما يمكنه اختلاق الكذب على الأئمة (عليهم السلام) فيما لا يتعلّق بالتفسير، كذلك يمكنه الاختلاق فيما يتعلّق به، بل قيل: لقد طعن في الرجال على جملة من أرباب التفسير الذين شأنهم نقل الأخبار في ذلك عن الأئمة (عليهم السلام)، كما طعن على أرباب الأخبار، ووجد في التفاسير المنقولة عنهم (عليهم السلام) أكاذيب وأباطيل، كما وجدت في غيرها من الأخبار، فدعوى بعض الناس إرادة الأعمّ من ذلك مما لا يصغى إليها، وإن بالغ في تأييدها وتشييدها، بل شنّع على الأصحاب بما غيرهم أولى به عند ذوي الألباب»(35).
الملاحظة الثالثة: ومن الممكن أن يقال: إن تشريع التمييز بين الرجل والمرأة في القصاص يعدّ ـ في النظام الإلهي الأتمّ والأكمل ـ عين العدل والإنصاف، ذلك أن الله تعالى يعلم من المصالح ما لا نعلمه نحن، (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85)، وعليه، فمن الممكن أن يكون الحكم الذي نراه بنظرنا ظالماً غير عادل ولا منصف عينَ العدل والعدالة والحقيقة عند الله سبحانه، وهو خير الحاكمين.
والجواب: إنّ الأمر كذلك في عالم الواقع والثبوت؛ ذلك أنه لو ثبت حكمٌ من الأحكام على نحو القطع واليقين من قبل الله تعالى، فيما كان من وجهة نظرنا مخالفاً للعدل والحقيقة، لوجبت نسبته إلى الله تعالى، وسيكون في علمنا نقصٌ وخلل، أما في مقام الإثبات واكتشاف أو تمييز الحكم الإلهي كما واستنباطه واستخراجه من الأدلّة الظنيّة ـ التي يعتمد عليها معظم الفقه ـ فإن الأمر لا يكون كذلك، وإنما يلزم في البداية أن لا يكون هذا الحكم المستخرج من الأدلّة الظنية غير منسجم مع الظواهر القرآنية، وإذا ما قلنا هنا بإمكان أن يكون هذا الحكم المدلول عليه بالأخبار الظنية عدلاً وحقاً عند الله سبحانه، فإنّ معيارية العرض على الكتاب سوف تتلاشى تلقائياً.
وبعبارةٍ أخرى: لابد ـ لتمييز الخبر الصحيح عن غيره ـ من عرضه على ظاهر الكتاب، أما لو كان الحكم قد ثبت بالقطع واليقين، وتمّ التأكد من قول أئمة الدين له بوصفه حكماً إلهياً تبليغياً، فإن احتمال كونه عدلاً وحقاً عند الله تعالى في نظامه التشريعي سوف يكون مؤثراً وسيمنعنا عن رفضه أو ردّه، وفي غير الأدلة اليقينية الثابتة، وهي التي جاءت أخبار العرض لتمييزها وتقويمها، لا يمكن إثارة احتمال من هذا النوع أو التمسّك به، إذ لازمه إلغاء نظام العرض على الكتاب من رأس.
وللأستاذ الشهيد مرتضى مطهري كلامٌ رائع وبديع في هذا المجال، إنه يقول: «مبدأ العدالة من المقاييس الإسلامية، التي لابد من النظر لمعرفة ما يوافقه وينطبق عليه، فالعدالة تقع في سلسلة علل الأحكام، لا معلولاتها، فليس كلّ ما قاله الدين عدل، بل كلّ ما هو عدل قاله الدين، وهذا هو معنى معيارية العدالة للدين، إذاً، فلا بد من أن نبحث: هل الدين معيار العدالة أو العدالة معيار الدين؟ إنّ النظرية التقديسية تقضي بأن نقول: الدين معيار العدالة، إلاّ أن الحقيقة ليست كذلك، فهذا يشبه تماماً ما يقال في باب الحسن والقبح العقليين، فالسائد في أوساط المتكلّمين الشيعة والمعتزلة الذين أصبحوا به عدليةً، أن العدل مقياس الدين لا الدين مقياس العدل. من هنا، كان العقل واحداً من الأدلّة الشرعية، حتى قالوا: «العدل والتوحيد علَويان، والجبر والتشبيه أمويان».
لقد عدّوا الدين ـ في الجاهلية ـ مقياساً للعدالة والحسن والقبح، ولهذا ينقل الله سبحانه عنهم في سورة الأعراف أنهم ينسبون كلّ عمل قبيح إلى الدين، والقرآن يقول: (.. قُلْ إِنَّ الله لاَ يَأمر بِالْفَحْشَاء..) (الأعراف: 27 ـ 28)»(36).
الملاحظة الرابعة: قد يقال: إن لازم كلامكم هذا طرح اعتبار خمسة عشر حديثاً، نقلها المحدّثون الكبار، ومن بينها روايات صحيحة.
والجواب: إن هذا مجرّد استبعاد ليس إلاّ، ولا يمكن أن يصمد مقابل القواعد والضوابط العلمية لتقويم الأحاديث، ألم تدلّ الروايات الكثيرة على تحريف القرآن؟! لقد بلغ عدد هذه الروايات حدّاً دفع العلامة المجلسي (1111هـ) للقول بتواترها، وأنها تضارع ـ من حيث الكمّ ـ الروايات المرتبطة بموضوع الإمامة نفسها(37)، لكن مع ذلك كلّه لا يمكن التسليم بمضمونها، ذلك أنها تخالف القرآن المجيد.
من جانبٍ آخر، ثمّة روايات في الكتب الأربعة تبدو مخالفتها للقرآن ومغايرتها له أوضح من الشمس وأبين من الأمس، ففي الكافي(38)، ومن لا يحضره الفقيه(39)، وتهذيب الأحكام(40)، ثمّة رواية تتحدّث عن حكم الرجم في القرآن الكريم، وهذه هي الآية ـ بحسب الرواية طبعاً ـ: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، فإنهما قضيا الشهوة»، أفهل يمكن القول: إن هذه الآية حذفت من القرآن الكريم؟!
نعم، مع هذا الدسّ والجعل الوافر في الأحاديث والأخبار لا يغدو هناك وجه لمثل هذه الاستبعادات.
لقد تحدّث الإمام الصادق عن أن المغيرة بن سعيد قد وضع الكثير من الروايات، كما لعن الإمام الرضا (عليه السلام) أبا الخطاب؛ حيث دسّ هو وأصحابه الكثير من الروايات في مطاوي أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) (41).
الملاحظة الخامسة: وربما يورد علينا أن الدسّ والجعل في هذه الموضوعات، التي لا تملك بُعداً سياسياً ولا عقائدياً، لا فائدة منه.
والجواب: إن إيجاد النفور وتشويه صورة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) بين الناس، لا سيما النساء منهم، يمكن أن يكون دافعاً من دوافع الوضع والدسّ هنا، تماماً كما يصدق هذا الاحتمال في مورد أخبار تحريف القرآن، فأهل السنّة لم يكونوا قائلين بتحريف القرآن، ولذا كان وضع هذه الأخبار لإحداث القطيعة والنفور مع المذهب الشيعي.
الملاحظة السادسة: قد يقال: إن التمييز في القصاص بين الرجل والمرأة إنما جاء من كون نفقة المرأة على الرجل، وأنّ الأخير هو أساس اقتصاد الأسرة وعمودها، ولهذا فإذا كان القاتل رجلاً ثم أرادوا القصاص منه لزمهم أن يدفعوا إلى أسرته نصف دية الإنسان.
والجواب: إن هذا التبرير لا أساس دينيّ ولا علمي له؛ ذلك أنه من اللازم صدقه على الأطفال الصغار، والعجزة الكبار، والرجال المقعدين و.. ممّن لا يرتهن لهم اقتصاد الأسرة، وكذا يلزم صدقه على المرأة العاملة، وهي كثيرة اليوم، رغم أنهم لا يرضون بذلك.
إضافةً إلى ذلك، فالدية مقابل الدم، أي أنّها قيمته، كما جاء معناها كذلك في كتب اللغة مثل مفردات الراغب الإصفهاني(42)، ومن ثم لا علاقة لها إطلاقاً بموضوع الاقتصاد والمعيشة.
ب ـ مخالفة الروايات والأخبار
وتخالف الرواياتُ هنا ـ إضافةً إلى آيات القرآن كما تقدّم ـ الأخبارَ الدالّة على عدل الله سبحانه وحكمته، والتي تنفي ـ كذلك ـ الظلم عنه والجور، وهذه الروايات كثيرة لا ترديد في يقينيتها وتواترها.
ج ـ مخالفة العقل
لا ينسجم التمييز في القصاص مع القواعد العقلائية المسلّمة والأحكام العقلية اليقينية؛ ذلك أن العقل يعدّ الظلم من الله قبيحاً، وصدوره عنه تعالى محالاً، ومن الواضح أن التمييز في الدية والقصاص مصداق بارز وظلم شاخص.
2 ـ معارضة الروايات الأخرى
تعارض ـ كما أشرنا لذلك ـ رواياتُ التمييز في القصاص بين الرجل والمرأة عدّةَ روايات تثبت خلافها وهي:
1 ـ صحيحة أبي مريم الأنصاري ـ وهو عبدالغفار بن القاسم ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «في امرأة قتلت رجلاً، قال: تقتل ويؤدي وليها بقية المال»، وفي رواية محمد بن علي بن محبوب: «بقية الدية»(43).
وقد نقلت هذه الرواية ـ كما صرّح الشيخ الطوسي ـ في كتب متعدّدة، رغم أن راويها أبو مريم وكونها شاذّة(44).
2 ـ موثقة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام): «إن أميرالمؤمنين (عليه السلام) قتل رجلاً بامرأة قتلها عمداً، وقتل امرأةً قتلت رجلاً عمداً»(45).
3 ـ خبر إسحاق بن عمّار عن جعفر (عليه السلام): «إنّ رجلاً قتل امرأة، فلم يجعل عليّ (عليه السلام) بينهما قصاصاً، وألزمه الدية»(46).
إنّ هذه الروايات الثلاث مختلفة من حيث المضمون، فالأولى منها تقضي بلزوم دفع نصف الدية ـ في قصاص المرأة ـ لأسرة الرجل المقتول، أما الرواية الثانية فلا تضع فرقاً بين الرجل والمرأة في القصاص، فيما تنفي الرواية الثالثة القصاص عن الرجل القاتل، لكن رغم هذا الاختلاف كلّه ما بين هذه الروايات الثلاث إلاّ أنها تعارض الطائفة الأولى من الروايات.
وعليه، فالعمل بمضمونها مشكل وصعب، والمفترض الحكم بالتساقط في الجميع، ومن ثمّ جعل المستند في تساوي القصاص الأدلّة القرآنية، وعليه، فالرواية الثانية، وهي موثقة السكوني، تصرّح بمبدأ التساوي في القصاص، خلافاً للروايات السابقة التي تضع فرقاً فيه بين الرجل والمرأة، وبعد إيقاع المعارضة بين الطرفين يمكن القول برجحان كفّة موثقة السكوني; نظراً لموافقتها للكتاب، ومن ثمّ جعلها أساساً للعمل.
نعم، على فرض صدور الروايات الأخرى ينبغي التزام الصمت والسكوت فيها، أو إيكال علمها إلى أهلها.
الدليل الثالث: الإجماع
ثالث أدلّة القائلين بالتمييز في القصاص بين الرجل والمرأة هو الإجماع، كما أشرنا إليه لدى نقل كلمات الفقهاء.
إلاّ أن المفترض القول هنا: إن المسائل الاجتهادية التي ذكرت أدلّتها، كما ووقع فيها الخلاف، لا مجال للاستناد فيها إلى الإجماع; إذ الإجماع مدرك يمكن الأخذ به عندما لا يتسنّى مدرك آخر من قرآن أو سنّة.
إضافةً إلى ذلك، يخدش المحقق الأردبيلي في الإجماع هنا، معبراً عنه بقوله: «كأنه إجماع».
أضف إلى ذلك، إن هذا الإجماع منقول، وقد لمسنا من مدّعيه ـ مثل الشيخ الطوسي ـ نقضاً من جانبهم له في مواضع كثيرة، يقول صاحب الحدائق: «قد وقفت على رسالة لشيخنا الشهيد الثاني، قد عدّ فيها الإجماعات التي ناقض الشيخ (الطوسي) فيها نفسه في مسألة واحدة، انتهى عددها إلى نيف وسبعين مسألة»(47).
الدليل الرابع: التمييز في الدية بين الرجل والمرأة
ومن أدلّة القائلين بالتمييز في القصاص بين الرجل والمرأة تفاوتهما في الديات، ولازم هذا التفاوت لزوم دفع نصف الدية لأولياء الرجل القاتل على تقدير الاقتصاص منه.
إلاّ أن هذا الدليل ناقص من جهات عدّة هي:
أولاً: إذا صحّ ذلك، لزم على المرأة القاتلة دفع نصف دية الإنسان لأولياء الرجل المقتول، على تقدير أخذ القصاص منها، والحال أنّ مشهور الفقهاء لا يذهبون إلى ذلك.
ثانياً: ورد في بعض روايات القصاص التعليل التالي: «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»(48)، فهذا الكلام اجتهادٌ في مقابل النص.
ثالثاً: إننا نرفض أصل المبنى، وهو وجود تفاوت في الدية بين الرجل والمرأة، فالأقوى تساوي الرجل والمرأة فيها، وقد بحثنا ذلك في رسالة أخرى بشكل مفصّل(49).
تكملة: قصاص الأعضاء
ما قلناه حتّى الآن مختصّ بقصاص النفس، وقد استنتجنا عدم وجود أي اختلاف في قصاص النفس بين الرجل والمرأة، وأن القاتل بالقتل العمدي يؤخذ منه القصاص، كائناً من كان، دون حاجة إلى دفع نصف الدية.
وهذا ما نراه تماماً في دية الأعضاء، أي أنه لا اختلاف في قصاصها بين الرجل والمرأة، فلا حاجة لإتمام القصاص إلى دفع الدية، إلاّ أن مشهور الفقهاء يذهبون إلى أنه لو تجاوزت الجراحات ثلث الدية فإن دية المرأة ستكون نصف دية الرجل، فإذا ما أرادوا الاقتصاص من الرجل فإن عليهم أن يدفعوا نصف دية ذلك العضو إلى أسرته، والمدرك الذي اعتمده المشهور لذلك أمران: أحدهما مجموعة من الروايات الواردة في الموضوع، وثانيهما اختلاف الدية بين الرجل والمرأة، ونحاول هنا رصد هذين الدليلين، وتحليلهما على نحو الإجمال.
الدليل الأول: الروايات
لا تتعدى الروايات المنقولة في هذا المضمار العشرة، وهذه بعضها:
1 ـ صحيحة جميل بن درّاج قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص، قال: نعم، في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة»(50).
2 ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «جراحات الرجال والنساء سواء، سنّ المرأة بسنّ الرجل، وموضحة المرأة بموضحة الرجل، وإصبع المرأة بإصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة»(51).
3 ـ عن أبي بصير، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الجراحات، فقال: جراحة المرأة مثل جراحة الرجل حتى ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية سواء، أضعفت جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة، وسنّ الرجل وسن المرأة سواء..»(52).
إلاّ أن الاستدلال بهذه الروايات يواجه مشكلات جادّة، حتى أنها تمنعها من أن تتحوّل إلى مستند فقهي، فتلغي فيها اعتبار المدركية، وهذه المشكلات والإيرادات هي:
الإشكال الأوّل: تعارض هذه الأحاديث الكثير من الآيات والروايات التي تصنف التشريع الإلهي بالحقّ والعدل، وتنزّه ساحة المولى سبحانه وتعالى عن الظلم والجور والإجحاف، فكيف يمكن الحكم بلزوم أن تدفع المرأة التي قطعت أصابعها ـ ظلماً وعدواناً ـ تفاوت الدية عندما تطالب بقصاص الرجل الجاني؟!
إن هذا الكلام يغاير ـ كما تقدّم معنا في قصاص النفس ـ تمام تلك الآيات والروايات، ولا يمكن جعل هذه الروايات مخصّصةً للآيات والأخبار الدالّة على تشريع العدل والحق؛ ذلك أن الفئة الأخيرة آبية عن التخصيص، كما أوضحناه في المباحث السابقة.
الإشكال الثاني: تخالف هذه الروايات الآيات الخاصّة بالقصاص، قال تعالى: (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) (المائدة: 45)، وقال: (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ) (البقرة: 194)، ومقتضى القصاص ـ في نظر اللغة والعرف ـ التساوي، فإذا عنى القصاص في مورد أذية الرجل للرجل أو المرأة للمرأة خصوص إيراد نفس الأذية والجراحات على الجاني، لزم أن يعني في مورد قصاص الرجل والمرأة ذلك أيضاً، فيما يكون دفع المبلغ الإضافي مخالفاً للمعنى اللغوي والعرفي، وعليه فهذه الروايات تخالف مقتضى الآيات المذكورة، كما أن احتمال التخصيص منتف هنا نظراً لإباء الآيات عنه.
ولا يمكن القول أيضاً بحكومة (53) هذه الروايات على تلك الآيات، فمعنى القصاص وإن كان التساوي في حدّ نفسه إلاّ أن هذه الروايات تقوم بتوسعته، وتمارس بسطاً فيه؛ ذلك أن لسانها ليس لسان التفسير وبيان الموضوع، بل لسان التشريع وبيان الحكم، ولا تصدق الحكومة إلاّ عندما تكون العلاقة بين دليلٍ وآخر علاقة المفسِّر بالمفسَّر، أي علاقة التفسير وبيان الموضوع.
الإشكال الثالث: يلزم من هذه الروايات تساوي الرجل والمرأة في الدية في قصاص العضو ما لم يبلغ الثلث، فإذا بلغه تتحوّل دية المرأة إلى نصف دية الرجل، ومعنى ذلك أنه سواء كان الجارح رجلاً أو امرأةً يلزم عند إجراء القصاص دفع نصف دية ذلك العضو للرجل، فإذا جنى الرجل على المرأة جناية جروح يؤخذ بالقصاص، ويدفع ما زاد على الدية، وإذا ما جنت المرأة على الرجل جناية جروح أخذت هي الأخرى بالقصاص وعليها أن تدفع الزائد من الدية، والحال أن رأي المشهور في هذه الأخبار اختصاص دفع الزائد عن الدية بصورة كون الجارح رجلاً لا غير.
الإشكال الرابع: تخالف هذه الروايات بعضَ الروايات الأخرى الواصلة إلينا في هذا الموضوع ذات مضمون مختلف.
وتوضيح ذلك: إن هناك ثلاثة مضامين أخرى في الروايات غير الروايات التي أشرنا إلى بعضها، جاء فيها الحديث عن قصاص الأعضاء في الرجل والمرأة، وكلّها متنافية مع بعضها، وهذه الطوائف الثلاث هي:
أ ـ الطائفة الدالّة على تساوي الرجل والمرأة حتى الثلث، أما ما زاد عنه فتكون دية الرجل فيه ثلثين فيما دية المرأة الثلث، ففي صحيحة الحلبي، قال: «سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء؟ فقال: الرجال والنساء في القصاص السنّ بالسن، والشجّة بالشجة، والإصبع بالإصبع سواء، حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجل في الجراحات ثلثي الدية، ودية النساء ثلث الدية»(54).
ب ـ الطائفة الدالّة على أن دية الجراحات في النساء نصف دية جراحات الرجال دائماً، ففي موثقة أبي مريم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «جراحات النساء على النصف من جراحات الرجل في كلّ شيء»(55).
ج ـ الطائفة الدالّة على تساوي دية الرجل والمرأة إلى ثلث دية المرأة، لا ثلث دية الإنسان كاملة، وبعد ذلك تغدو دية الرجل ضعفي دية المرأة، فعن ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قطع إصبع امرأة، قال: تقطع إصبعه حتى تنتهي إلى ثلث المرأة، فإذا جازت الثلث أضعف الرجل»(56).
وبناءً عليه، هناك أربعة تصوّرات في باب قصاص الأعضاء بين الرجل والمرأة، وهي تصوّرات مختلفة قدّمتها لنا الروايات نفسها، ولا يمكن إقرار جمع عرفي بين هذه الطوائف الأربع من الأخبار الدالّة على هذه المضامين الأربعة، كأن نفترض بعضها عاماً كالطائفة الثانية من الطوائف الثلاث الأخيرة، فيما تكون الأخرى مقيدةً، ذلك أن لسان جميعها لسان بيان الحكم الشرعي والقاعدة الكلية والضابطة العامة، فعلى سبيل المثال، يلاحظ الطائفة الثانية المذكورة في تعبيرها: «في كلّ شيء»، كيف تبيّن قاعدة عامّةً، دون أن تفسح في المجال لتخصيصها.
مضافاً إلى ذلك، فقد جاءت الروايات العامّة في عصر الإمام الباقر (عليه السلام)، فيما الروايات المقيدة في عصر الصادق (عليه السلام)، وذلك فيما نقل إلينا، ومن الواضح هنا أنه لو كان هناك تقييد للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وعليه، وبعد استقرار التعارض بين هذه الروايات، وعدم إمكان الجمع بينها، تصل نوبتها إلى التساقط، لتعود الآيات القرآنية المعيار الأساس في الحكم هنا، ولا يمكن القول هنا بالتخيير؛ إذ إنّ روايات التخيير منصرفة عن الموارد التي يكون فيها بين الطوائف المتعارضة اختلافٌ فاحش.
وقد يقال بترجيح الطائفة التي استند إليها المشهور على الطوائف الثلاث الأخرى؛ وذلك باعتبار دعمها من جانب الشهرة نفسها، فتكون الشهرة موجبةً لتقديمها على نظيراتها.
إلاّ أنه يمكن الجواب عن ذلك:
أولاً: لا نحرز في المسألة شهرةً فتوائيةً قوية، كما لا يوجد ادعاء للإجماع سوى في كتابي: الخلاف، والغنية، كما أنّ صاحب الجواهر إنما نقل الإجماع عن كتاب الخلاف.
ثانياً: لا تحكي هذه الشهرة عن انعقاد شهرة عملية لهذه الطائفة في أوساط رجال الحديث والروايات عصر الإمامين: الباقر والصادق (عليهما السلام)، ذلك أنه نقلت روايات مختلفة في هذا الإطار، ومن ثم لا مرجع نستند إليه يكشف لنا انعقاد الشهرة العملية في أوساط أهل الحديث، وهي الشهرة التي تصنّف مرجّحاً من مرجّحات باب التعارض(57).
المحور الثالث
نظرية عدم التساوي في القصاص بين المسلم وغيره، دراسة ونقد ـ ـ ـ
تقتضي الآيات القرآنية ـ كما بيّناه في المحور الأول ـ تساوي القصاص بين المسلم وغير المسلم، ومن ثم لا يكون التماثل في الدين شرطاً للمساواة فيه.
إلاّ أن مشهور فقهاء الشيعة يخالفون هذا الرأي، ويشرطون في إجراء القصاص وإنفاذه الإسلامَ، ويختلف رأي المشهور بين قتل المسلم لغيره، وقتل غيره له؛ لهذا نحاول بحث الصورتين معاً، كلّ واحدةٍ منهما على حدة.
الصورة الأولى: قتل المسلم لغير المسلم المشهور بين الفقهاء أنّ المسلم لو قتل غير المسلم فلا يُقاد به، وإنما عليه ـ فقط ـ دفع دية غير المسلم لأسرته، يقول صاحب الجواهر: «لا يُقتل مسلمٌ بكافر مع عدم الاعتياد، ذمّياً كان أو مستأمناً أو حربياً، بلا خلافٍ معتدّ به أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه»(58).
والمخالف الشيعي الوحيد هنا هو الشيخ الصدوق (381هـ) في كتاب المقنع، إذ يقول: «وإذا قطع المسلم يد المعاهد خُيّر أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا دية يده، وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم، وأدّوا إليه فضل ما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صُنع كذلك»(59).
ويذهب الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه إلى قتل المسلم الذي يقتل كافراً ذمياً، إلاّ أن ذلك ليس من باب القصاص، وإنّما من جهة مخالفته لإمام المسلمين في المعاهدات التي أمضاها، يقول في هذا الإطار: «وعلى من خالف الإمام في قتل واحدٍ منهم متعمّداً القتلُ; لخلافه على إمام المسلمين، لا لحرمة الذمي»(60).
وهكذا يفتي فريق من الفقهاء ـ كابن الجنيد والحلبي ـ بقتل المسلم المعتاد قتلَ الكافر بحيث تكرّر منه الفعل، لكن لا من باب القصاص، بل بعنوان العقوبة.
من هنا، لا يصحّ عدّ رأي هذين الفقيهين، وكذا رأي الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، رأياً مخالفاً للقول المشهور هنا، فالمخالفة الوحيدة إنما صدرت من الصدوق في كتاب المقنع.
أدلّة النظرية المشهورة، وقفات نقدية
هذا، وقد استند مشهور الفقهاء ـ لإثبات ما ذهبوا إليه ـ إلى القرآن، والسنّة، والإجماع.
الدليل الأول: النصّ القرآني
والآية الوحيدة التي استدلّ بها هنا هي: (وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء: 141)؛ فقد وقع الاستدلال بها للمرّة الأولى من جانب الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف، حيث كتب ـ يبيّن الاستدلال ـ ما يلي: «والمراد بالآية النهي لا الخبر، لأنه لو كان المراد الخبر لكان كذباً»(61).
إلاّ أننا نرى أنه لا يمكن الاستدلال بهذه الآية، وذلك:
1 ـ إذا كان هذا هو معنى الآية، فلا بدّ أيضاً من عدم إجراء حدّ السرقة وسائر الحدود والتعزيرات على المسلمين، أي أنّه لو سرق مسلمٌ غيرَ مسلم فلا يقام عليه الحدّ، وهكذا يلزم علينا أن لا نعتبر المسلم ضامناً ـ بالضمان القهري أو الجعلي ـ بما يعود نفعه لغير المسلم.
2 ـ إن تشريع القانون بغية حصول الناس على حقوقها لا يعدّ في نظر العرف والعقلاء سلطةً أو سيطرة.
3 ـ إذا سلّمنا أن جعل القوانين لتحصيل الناس حقوقها نحوٌ من السلطة والسيطرة، فعلينا أن نقرّ بأن الآية المذكورة قد نفت هذا النوع من السلطة عن الكافر، إلاّ أن الكافر في المصطلح القرآني أخصّ من غير المسلم، بمعنى أن القرآن لا يرى كل شخص غير مسلم كافراً، إنما خصوص العالم بالحقيقة، المعرض عنها، الجاحد لها، وهؤلاء لا يشكّلون من مجموع غير المسلمين سوى فئة قليلة.
وعليه، فلا يمكن الحكم بعدم تساوي القصاص بين المسلم ومطلق من لا يصنَّف مسلماً، نعم، سوف يكون هذا الحرمان القانوني في حقّ مثل هذا الكافر نوعاً من العقوبة له والجزاء، يقول الشيخ الصدوق في بداية باب ميراث أهل الملل: «وأنّ الله عزوجل إنما حرّم على الكفار الميراث; عقوبةً لهم بكفرهم، كما حرّمه على القاتل عقوبةً لقتله»(62).
وبعيداً عن ذلك، يلزم على تقدير القول بعدم تساوي الكافر والمسلم في القصاص انتفاء هذا التساوي عندما يكون وارث المقتول مسلماً، إذ لا تكون هناك سلطةٌ للكافر على المسلم، والحال أنّ أحداً لم يُفْتِ بذلك.
4 ـ وتخطّياً لتمام ما تقدّم، نرى أن هذه الآية تماثل قاعدتي: لا ضرر، ولا حرج، في نفيها السلطة والسبيل من جانب الله تعالى، أي أن تلك السلطة الناتجة عن التشريعات والقوانين الإلهية لم تُجعل للكافر على المسلمين، وعليه، فإذا أقدم مسلم على أمر، كالإقدام على الضرر، فإن قاعدة «لا ضرر» لا تكون شاملةً له، وهكذا إذا أقدم على قتل غير المسلم، فإنه يكون قد منح الآخرين سلطةً على نفسه، لا أنّ الله منحهم إياها بتشريعه، حتى يكون هذا العطاء الإلهي منتفياً بالآية الكريمة.
الدليل الثاني: السنّة الشريفة
الدليل الثاني من أدلّة القائلين بهذه النظرية عبارة عن خمس روايات منقولة في المصادر الحديثية الشيعية، لكن مع ذلك، فقد عدّها الشهيد الثاني كثيرةً(63)، فيما اعتبرها صاحب الجواهر مستفيضةً أو متواترة(64).
والروايات الخمس هي:
1 ـ صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دماء المجوس واليهود والنصارى هل عليهم وعلى من قتلهم شيء، إذا غشوا المسلمين وأظهروا العداوة لهم؟ قال: لا، إلاّ أن يكون متعوّداً لقتلهم، قال: وسألته عن المسلم هل يُقتل بأهل الذمّة وأهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا، إلاّ أن يكون معتاداً لذلك لا يدع قتلهم، فيُقتل وهو صاغر»(65).
2 ـ وعن إسماعيل بن الفضل، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المسلم هل يقتل بأهل الذمّة؟ قال: لا، إلاّ أن يكون متعوّداً لقتلهم، فيقتل وهو صاغر»(66).
3 ـ وعن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «قلت له: رجل قتل رجلاً من أهل الذمة، قال: لا يقتل به، إلاّ أن يكون متعوّداً للقتل» (67).
4 ـ صحيحة محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام).. وذكر نص الحديث الأوّل بعينه(68).
5 ـ صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا يُقاد مسلمٌ بذمّي في القتل، ولا في الجراحات، ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمّي، ثمانمائة درهم»(69).
والذي يبدو أن الاستدلال بهذه الروايات الخمس على رأي المشهور ليس محكماً; وذلك:
أولاً: إن الأحاديث الأربعة الأولى لا ترتبط بقصاص المسلم أمام غيره، إنما بعقوبة المسلم الذي اعتاد قتل غير المسلمين، فالحكم هنا بقتله إنما جاء من باب معاقبته ومجازاته لا من باب القصاص أو القود.
والشاهد على ذلك، إضافةً إلى تعبير «متعوّداً» المكرّر في الأحاديث الأربعة، عدم استخدام تعابير القصاص والقود وما شابههما في جملة هذه الأحاديث، إذ لو كان الحكم في سياق موضوع القصاص لكان لابد ـ كما هي الحال في سائر روايات القصاص ـ من استخدام هذه التعابير وأمثالها.
والشاهد الآخر الذي يمكنه دعم هذا الاستنتاج أنه لا يوجد أيّ إشارة في الروايات الأربع إطلاقاً إلى مطالبة أولياء الدم بالقصاص، وأيّ أسرة من أسر المقتولين يلزمها المطالبة به، جميعها أو الأخيرة؟ كما أن الروايات الأربع لم تتحدّث عن ردّ تفاوت الدية، وأنه إلى أيّ أسرة يرجع؟ إنّ عدم إثارة هذه الموضوعات شاهد دالّ على عدم ارتباط هذه الأحاديث بباب القصاص، وإلاّ لزم تورّطها في إبهامٍ شديد من هذه الجهات.
وعليه، فهذه الروايات الأربع ظاهرة في الحدّ والعقوبة، لا القصاص والقود، ومن ثم لا يمكن جعلها مستنداً للحكم هنا، وإذا ما شكّك شخصٌ ما في ظهور هذه الروايات فيما قلناه، فلا أقلّ من وجود احتمال حقيقيّ جادّ، ومعه لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالقصاص؛ لانتفاء ظهورها فيه مع وجود احتمالٍ بهذه القوّة هنا.
وعليه، فلا يوجد في الحقيقة سوى حديث واحد للقول المشهور، وهو الحديث الخامس.
ثانياً: وبعيداً عن الإيراد الأوّل، تعارض هذه الروايات جملةَ روايات أخرى تجوّز قصاص المسلم بغير المسلم مثل:
1 ـ صحيحة ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إذا قتل المسلم يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، فأرادوا أن يقيدوا، ردّوا فضل دية المسلم وأقادوه»(70).
2 ـ وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: «إذا قتل المسلم النصراني، فأراد أهل النصراني أن يقتلوه، قتلوه، وأدّوا فضل ما بين الديتين» (71).
3 ـ موثقة سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام): «في رجل قتل رجلاً من أهل الذمّة، فقال: هذا حديث شديد لا يحتمله الناس، ولكن يعطي الذمي دية المسلم، ثم يقتل به المسلم»(72).
والظاهر أن مقصود الإمام من شدّة الأمر بحيث لا يحتملها الناس، أن المسلمين يظنون عدم قصاص المسلم بغيره; نظراً لأفضلية الإسلام وعظمته، بينما يجيب الإمام (عليه السلام) بالقصاص، غايته أنه يلزم دفع تفاوت الدية إلى عائلة المسلم الجاني قبل قصاصه.
وحيث كانت روايات الباب معارضةً لروايات أخرى، لزم ترجيح الروايات الثلاث الأخيرة؛ انطلاقاً من موافقتها لآيات القصاص، فتكون هذه الأحاديث ـ في المحصّلة النهائية ـ أساساً للاستنتاج الفقهي هنا.
وقد أعمل صاحب الجواهر الترجيح بين هذه الروايات بطريقة أخرى، إنه يقول: إن هذه الروايات الثلاث الأخيرة تخالف آية نفي السبيل، ومن ثم يلزم ترجيح تلك الروايات عليها(73)، إلاّ أنه ـ وكما مرّ سابقاً ـ لا تملك آية نفي السبيل دلالةً فيما نحن فيه، وهذا معناه فقدان مخالفتها للمعنى، ومن ثم لا تكون سبباً للرجحان.
والمطلب الذي بيّناه في معارضة الروايات الثلاث وترجيحها يقع على حسب رأي المشهور في باب دية المسلم وغيره، وإلاّ فإن هذه الروايات تخالف هي أيضاً النص القرآني; طبقاً لما مرّ معنا في المحور الأوّل من أن الآيات القرآنية لا ترى الدين شرطاً في القصاص، ومعنى ذلك أن هذه الروايات عينها ينبغي طرحها أيضاً.
ومن بين مجموع الروايات المنقولة، أي الروايات الخمس الأولى والروايات الثلاث اللاحقة ليس هناك من رواية تامّة سنداً ومتناً موافقة للقرآن الكريم عدا صحيحة محمد بن قيس، وهي التي تدلّ على أن قصاص المسلم وغيره يقع دون حاجة إلى دفع فاضل الدية.
وبعبارة أخرى، أربع روايات من مجموع الروايات الثماني التي مرّت معنا، تتعلّق بالعقوبة والحدّ، وهي التي تدلّ على حالة اعتياد المسلم قتل غير المسلمين، فيما تخالف ثلاث أخرى القرآن الكريم من حيث دلالتها على تفاوت المسلم وغيره في القصاص، ومن ثم لا تكون حجةً، وعليه، فلا يبقى في البين عدا رواية واحدة تامّة سنداً ومتناً، ألا وهي صحيحة محمد بن قيس، ولكنّها غير موافقة للقرآن الكريم.
الدليل الثالث: الإجماع
الإجماع ثالث أدلّة المشهور هنا، بيد أنه غير تام أيضاً، وذلك:
أولاً: يخالف الشيخ الصدوق المشهور في كتاب المقنع، ممّا بإمكانه أن يُحدث خللاً في الإجماع.
ثانياً: لا مجال للاستدلال بالإجماع مع وجود الآيات والروايات القرآنية والحديثية (74).
الصورة الثانية: قتل غير المسلم للمسلم
ذهب مشهور الفقهاء إلى أن الكافر الذمي إذا قتل ـ عمداً ـ إنساناً مسلماً كان هو وأمواله تحت تصرّف أولياء المسلم المقتول، فيتخيّرون بين قتله أو استرقاقه وجعله عبداً لهم، يقول صاحب الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في الانتصار (للمرتضى) والسرائر (لابن إدريس) والروضة (للشهيد الثاني) وظاهر النكت الإجماع عليه»(75).
أدلّة النظرية المشهورة ومناقشتها
وقد اعتمد المشهور في قولهم هذا على دليلين اثنين: أحدهما السنّة الشريفة، وثانيهما الإجماع، ونحاول هنا تحليل هذين الدليلين ودراستهما:
الدليل الأول: السنّة
لم ينقل في هذا المجال سوى حديثان اثنان: أحدهما صحيحة ضريس، وثانيهما صحيحة عبدالله بن سنان، وهذا نصّ الخبرين:
1 ـ صحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام): «في نصراني قتل مسلماً، فلمّا أخذ أسلم، قال: أقتله به. قيل: وإن لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا، وإن شاؤوا استرقّوا، قيل: وإن كان معه مال، قال: دفع إلى أولياء المقتول هو وماله»(76).
2 ـ صحيحة عبدالله بن سنان، عن الصادق (عليه السلام): «في نصراني قتل مسلماً، فلمّا أخذ أسلم، قال: أقتله، قيل: فإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو وماله»(77).
إلاّ أن الاستدلال بهاتين الروايتين مشكل وذلك:
أولاً: تخالف الروايتان القواعدَ المسلّمة شرعاً وعقلائياً في باب القصاص، كما تخالف احترام مال الآخرين، وحيث كانت حجيّة خبر الواحد من باب السيرة العقلائية، فلا يشمل دليل الحجية مورداً من هذا النوع.
ثانياً: إن السؤال في الروايتين معاً يدور حول نصراني قتل مسلماً، إلاّ أن جهة السؤال غير محدّدة، ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود مثل هذا الإبهام يمكن أن يكون الجواب خاصّاً بذلك المورد، فتكون الرواية قضيةً شخصية لا يمكن تعميم حكمها، وبذلك لا يبقى إطلاق لهذين الحديثين ولا عموم.
ثالثاً: مورد السؤال في الحديثين معاً اليهودي، ووفقاً لذلك لابد من تخصيص الحكم باليهودي، كا تقتضيه ظواهر الحديثين، أو تعميم الحكم لمطلق غير المسلم، وهذا معناه أنه لا دليل على اختصاص الحكم بالذمي كما هو الوارد في كلمات الفقهاء.
وبملاحظة الانتقادات المذكورة على الروايتين، لا يمكن الأخذ برأي المشهور، فيكون العمل بالقواعد الشرعية والعقلائية أكثر انسجاماً مع الاحتياط.
الدليل الثاني: الإجماع
الدليل الثاني الذي ذكروه داعماً لهذا الرأي هو الإجماع، لكن لا يمكن الاعتماد عليه هنا، وذلك:
أولاً: إنه إجماع منقول غير محصّل، يخالفه الشيخ الصدوق، كما ينقل ذلك المحقق الأردبيلي(78).
ثانياً: إنه إجماع مدركي مع وجود هاتين الروايتين؛ فلا يمكنه أن يكون دليلاً مستقلاً للحكم هنا(79).
خلاصة واستنتاج
وحصيلة الكلام في باب القصاص عدم اشتراط التساوي في الجنسية (الذكورة والأنوثة) في القصاص، ولا التساوي في الدين (الإسلام)، بل تدلّ الآيات القرآنية وتقتضي احترامَ نفس الإنسان، فكلّ من يُقدم ـ عمداً ـ على قتل الآخر يحقّ لأولياء المقتول إجراء القصاص عليه، دون دفع فاضل الدية.
أما الروايات الواردة في المسألة فهي أعجز من أن تقع مرجعاً للإفتاء أو إبداء الرأي الفقهي; نظراً لمخالفتها القرآن الكريم، إضافةً إلى جملة من الإيرادات المسجّلة عليها على صعيد فقه الحديث.
* * *
الهوامش:
________________________________________
(*) أحد مراجع التقليد الشيعة في مدينة قم الإيرانية، له آراء فقهية عديدة مخالفة للمشهور، سيما في فقه المرأة.
1 ـ النوري، مستدرك الوسائل 18: 211، أبواب القصاص في النفس، باب 2، ح5.
2 ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 29: 13، أبواب القصاص في النفس، باب 1، ح9.
3 ـ المرتضى، الانتصار: 539.
4 ـ الفاضل الهندي، كشف اللثام 2: 446 (الطبعة الرحلية الحجرية).
5 ـ النجفي، جواهر الكلام 42: 150.
6 ـ الحرّاني، تحف العقول: 34؛ والمجلسي، بحار الأنوار 76: 350، ح13.
7 ـ الهندي، كنـز العمال 9: 38، ح24882؛ وبحار الأنوار 78: 215، ح108.
8 ـ بحار الأنوار 22: 118، ح89.
9 ـ المصدر نفسه: 348، ح64.
10 ـ المصدر نفسه 78: 57، ح119.
11 ـ الطبرسي، مجمع البيان 1: 264.
12 ـ راجع: الزمخشري، الكشاف 1: 221؛ والأردبيلي، زبدة البيان: 671.
13 ـ النجفي، جواهر الكلام 42: 82.
14 ـ الفاضل الهندي، كشف اللثام 2: 446، سطر 7 (رحلي).
15 ـ الطوسي، الخلاف 5: 145، مسألة 1.
16 ـ المرتضى، الانتصار: 539.
17 ـ وسائل الشيعة 29: 80، باب 33، ح1.
18 ـ المصدر نفسه: 81، ح3.
19 ـ المصدر نفسه، ح3.
20 ـ فرائد الأصول، مجموعة آثار الشيخ الأنصاري 24: 245.
21 ـ وسائل الشيعة 27: 111، ح15.
22 ـ بحار الأنوار 2: 225.
23 ـ البرقي، المحاسن: 221، ح130.
24 ـ بحار الأنوار 2: 229.
25 ـ المصدر نفسه، ح2، ص165، 227، 24.
26 ـ وسائل الشيعة 27: 110، ح10.
27 ـ الطوسي، تهذيب الأحكام 10: 183، ح717.
28 ـ المصدر نفسه.
29 ـ تفسير القمي 1: 169؛ والبروجردي، جامع أحاديث الشيعة 31: 187، ب17، ح20.
30 ـ تهذيب الأحكام 10: 183، ح718.
31 ـ المصدر نفسه، ح717.
32 ـ كنـز العمال 2: 355.
33 ـ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 441.
34 ـ المواسعة والمضايقة اصطلاحان فقهيّان يستعملان في المورد الذي يقع على عهدة المكلّف فيه مسؤولية قضاء الصلوات، فهل يمكنه إقامة الصلاة اليومية في أيّ فترة من وقتها ولو في أول الوقت (المواسعة) أم أنّ عليه تأخيرها إلى آخر وقتها الممكن؛ نظراً لوجود صلوات قضائية عليه تعدّ مقدَّمةً على اليومية (المضايقة)؟
35 ـ جواهر الكلام 13: 98 ـ 99.
36 ـ مرتضى مطهري، مباني اقتصاد إسلامي: 14 ـ 15.
37 ـ المجلسي، مرآة العقول 12: 525.
38 ـ الكليني، الكافي 7: 177، ح3.
39 ـ الصدوق، من لا يحضره الفقيه 4: 17، ح32.
40 ـ الطوسي، تهذيب الأحكام 10: 23، ح7.
41 ـ الطوسي، اختيار معرفة الرجال: 489؛ وجامع أحاديث الشيعة 1: 317، ح469.
42 ـ الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 518.
43 ـ وسائل الشيعة 21: 85، ب 33، ح17.
44 ـ تهذيب الأحكام 10: 183، ح717.
45 ـ وسائل الشيعة 21: 84، ب33، ح14.
46 ـ المصدر نفسه، ب33، ح16.
47 ـ البحراني، الحدائق الناضرة 9: 368.
48 ـ وسائل الشيعة 29: 83، ب33، ح10.
49 ـ راجع: مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد الأوّل، شتاء 2006م.
50 ـ وسائل الشيعة 29: 164، ح3.
51 ـ المصدر نفسه: 163، ح1.
52 ـ المصدر نفسه، ح2.
53 ـ الحكومة: اصطلاح في علم أصول الفقه، يستعمل عندما يوسّع دليلٌ ما أو يضيّق موضوعَ دليل آخر على نحو التعبّد.
54 ـ وسائل الشيعة 29: 165، ح6.
55 ـ المصدر نفسه: 384، ح2.
56 ـ المصدر نفسه: 164، ح4.
57 ـ لمزيد من الاطلاع، راجع: صانعي، فقه الثقلين (كتاب القصاص): 205 ـ 208، 583 ـ 588.
58 ـ النجفي، جواهر الكلام 42: 150.
59 ـ الصدوق، المقنع: 534.
60 ـ من لا يحضره الفقيه 4: 92، ذيل الحديث: 299.
61 ـ الطوسي، الخلاف 5: 145، المسألة: 2.
62 ـ من لا يحضره الفقيه 4: 234.
63 ـ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 15: 142.
64 ـ جواهر الكلام 42: 150.
65 ـ وسائل الشيعة 29: 107، ب47، ح1.
66 ـ المصدر نفسه: 109، ب47، ح6.
67 ـ المصدر نفسه، ح7.
68 ـ المصدر نفسه: 107، ب47، ح1.
69 ـ المصدر نفسه: 108، ب47، ح5.
70 ـ المصدر نفسه: 107، ب47، ح2.
71 ـ المصدر نفسه: 108، ب47، ح4.
72 ـ المصدر نفسه، ح3.
73 ـ جواهر الكلام 42: 150.
74 ـ لمزيد من الاطلاع يراجع: صانعي، فقه الثقلين (كتاب القصاص): 230 ـ 247.
75 ـ جواهر الكلام 42: 156.
76 ـ وسائل الشيعة 21: 110، ب49، ح1.
77 ـ الطوسي، تهذيب الأحكام 10: 190، ح750.
78 ـ الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 14: 30.
79 ـ لمزيد من الاطلاع يراجع: صانعي، فقه الثقلين (كتاب القصاص): 250 ـ 256. التاريخ : 2008/06/29 تصفّح: 12804