|
النـظريـة المـختـارة
اتضحت نظريتنا من ثنايا ما قلناه حتى الآن، لكن لو أردنا جمع عناصر نظريتنا وأضلاعها في مكان واحد وقالب واضح، لكانت كما يلي:
1 ـ الأصل الأولي هو توارث الأقرباء من بعضهم، وهو ما تدل عليه آيات القرآن الكريم وأخبار أهل البيت. 2 ـ إنّ ما استثني من هذا الأصل ليس سوى الكفار الذين ينطلق كفرهم من العناد والإنكار، بحيث يصدق عليهم مفهوم الكفر حقيقةً. وقد بينا هذا الأمر معتمدين على شواهد مختلفة في استخدامات كلمة «كافر» ومشتقاتها في النصوص الدينية; وبناءً عليه; فالأقرباء الواقعون في طبقة من طبقات الإرث، إذا كانوا كافرين وكان كفرهم عن تقصير، فإنهم يحرمون من الإرث. 3 ـ عمّم مشهور الفقهاء مفهوم الكافر فاعتبروا كل من ليس بمسلم كافراً، مستندين إلى أدلّة مختلفة: عامة وخاصة، وكذا إلى الإجماع. وقد بينّا ـ من وجهة نظرنا ـ أن تعميم المشهور هنا غير صحيح ولا تام، وشرحنا ذلك لدى مناقشتنا أدلتهم، ونبين هنا مناقشةً عامة لهم في سياق استعراضنا لنظريتنا المختارة. أحد الأصول العامة للديانة الإسلامية والشريعة الغراء هو مبدأ العدالة، فالعدالة الإلهية هي عمود خيمة التكوين والتشريع، فكلاهما يقوم على أساس العدل، وقد تحدّث المولى سبحانه مرات عدة في كتابه عن هذا الأمر; فقال: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلا)([85])وقال: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ)([86]). كما أن العقل يحكم بقبح صدور الظلم من الساحة الإلهية، ويراه محالا. على صعيد آخر، كل الناس عباد الله ومخلوقاته، والله رؤوف بهم تشملهم رحمته جميعاً وتطال كل شيء، من هنا إذا لم يعتنق شخص الإسلام عن غفلة وقصور، ومنعناه ـ نتيجة ذلك ـ من حقه الطبيعي في الإرث، أو كان وجود وارث مسلم معه حاجباً ومانعاً له عن الإرث... أليس ذلك ظلماً وتمييزاً غير مقبول أبداً من جانب العقل والعرف؟ لأن العلاقات النسبية والسببية ليست أموراً تعاقدية وإنما هي ارتباط طبيعي يستدعي حقوقاً طبيعية، ولا يقبل الحيلولة دون هذه الحقوق الطبيعية... بعبارة أخرى: إن الاعتقاد الباطل عن غفلة وقصور لا يستدعي ملاحقة قانونية. ووفقاً لذلك كلِّه; وإذا لم تقبل التفسيرات المتصلة بالروايات الخاصة التي ذكرناها ضمن الفصول السابقة، مع ذلك نقول مجدداً: إن هذه الروايات مخالفة للقواعد القرآنية والعقلية العامة فلابد من وضعها جانباً، والأخذ بميزان آخر لا يعارض العقل والعدل ولا يختلف معهما; ومن الواضح أن هذا الكلام لا يأتي في الكافر بالمعنى الحقيقي للكلمة; لأن كفره جاء عن تقصير وعناد وإنكار، فيمكنه أن يمنعه من الإرث ليكون ذلك عقوبةً له، تماماً كما يقول الشيخ الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه) لدى بحثه عن مانعية الكفر، حيث يصرّح بذلك في النص التالي: «إنّ الله عزّ وجلّ إنما حرّم على الكفار الميراث عقوبةً لهم بكفرهم، كما حرم على القاتل عقوبةً لقتله، فأما المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث؟! وكيف صار الإسلام يزيده شراً؟!»([87]). |