|
مدخل
حرمة الإنسان وكرامته من الأصول الأساسية المسلّمة في الديانة الإسلامية، فنفس الإنسان، وعرضه، وكرامته، وماله وثروته، ورأيه وعقيدته... كلّها ذات حرمة وتقدير، ومن الواجب رعاية هذه الحرمة وحفظها، وقد شكّلت آليات الحفاظ على هذه الحرمة، وأساليب مواجهة إسقاطها أو تجاوزها... قسماً كبيراً من المعارف الدينية.
الأمر الأهم هنا من بين هذه الأمور نفس الإنسان وذاته، ذلك أن بقية الأشياء تابعة لها، متعلّقة بها، من هنا كان تركيز القرآن الكريم على حرمة النفس البشرية ـ بعيداً عن أىّ امتيازات طارئة ـ تركيزاً ملحوظاً، جاءت فيه كلمات نورانية خالدة، كانت الحرمة التي منحها القرآن للنفس الإنسانية لا تماثلها حرمة في أىّ مذهب حقوقي آخر. قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)المائدة: 33. وقد انعكس المبدأ عينه في روايات أئمة الدين(عليهم السلام)، ونشير هنا إلى نماذج ـ فقط ـ من هذه الروايات: 1 ـ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة وهو آيس من رحمة الله»(1). 2 ـ وعن الامام الصادق(عليه السلام) قال: «لا يدخل الجنة سافكٌ للدم، ولا شارب للخمر، ولا مشاء بنميم»(2). ويعدّ قتل النفس في الفقه الإسلامي من كبائر الذنوب، وإنما كان تشريع الدية والقصاص فيه للحيلولة دون حصول هذا الفعل القبيح والسلوك الشنيع، كما ولأجل التعويض عن بعض من الخسارات التي يُحدثها. إن تخصيص قسم من الكتب الفقهية لمباحث القصاص والديات إنما يهدف إلى تشريح قوانينهما والمقرّرات الواردة فيهما. أحد الأسئلة الرئيسة في مسألة القصاص يتمثّل في تساوي أو عدم تساوي قصاص الرجل والمرأة، وكذا المسلم والكافر، فالرأي المشهور بين الفقهاء يقوم على أساس مبدأ عدم التساوي في القصاص بين الرجل والمرأة، وكذا المسلم والكافر، ومعنى ذلك أنه لو قتل رجل امرأةً فلا يمكن لأولياء المرأة قتله، إلاّ إذا منحوا ورثته ـ أي ورثة الرجل القاتل ـ نصف دية الإنسان الكامل، أما إذا قتلت امرأةٌ رجلاً كان بإمكان أولياء الرجل اقتيادها به. وهكذا، يجري الحكم المذكور عينه في حالة قتل المسلم والكافر. وبعبارة اُخرى، إن الفقهاء يرون للذكورة والإسلام فضيلة وأفضليةً، لذا يعتقدون بعدم وجود مساواة في القصاص بين الرجل والمرأة، وبين المسلم والكافر أيضاً. ويصنف السيد المرتضى (436هـ) في كتابه «الانتصار» عدم تساوي الرجل والمرأة في القصاص ممّا انفردت به الإمامية واختصت بتبنّيه(3)، كما يدّعى الفاضل الهندي في كتابه «كشف اللثام» الإجماعَ على هذا الحكم(4)، والادعاء نفسه يذكره صاحب «الجواهر» أيضاً، مشيراً إلى أن الشيخ الصدوق في كتاب «المقنع» هو الفقيه الشيعي الوحيد المعارض لهذا القول(5). على أية حال، تعدّ مسألة عدم التساوي في القصاص بين بعض أفراد الإنسان من الملفات التي يجابه بها الفقه الإسلامي، حيث يصنفها بعضهم مخالفةً لحقوق الإنسان، وللعدل والإنصاف أيضاً. ولهذا، نسعى في هذه الدراسة لممارسة قراءة معمقة ومستأنفة للنصوص القرآنية وأحاديث المعصومين(عليهم السلام). والرأي الذي توصّلنا إليه يقضي بتساوي القصاص بين جميع أصناف البشر، وأنه لا توجد أية خصوصية مميّزة من ناحية الجنس والديانة، وكلّ ما كان مخالفاً لذلك فلا بدّ من توجيهه، أو ردّ علمه إلى أهله. ولتحليل وجهة النظر المذكورة، نبحث الموضوع ضمن فصول ثلاثة: الفصل الأول: مبدأ التساوي في القصاص بين البشر في القرآن الكريم. الفصل الثاني: نقد نظرية عدم التساوي في القصاص بين الرجل والمرأة. الفصل الثالث: نقد نظرية عدم التساوي في القصاص بين المسلم والكافر. -------------------------------------------------------------------------------- (1) النوري، مستدرك الوسائل 18: 211، أبواب القصاص في النفس، باب 2، ح5. (2) الحر العاملي، وسائل الشيعة 29: 13، أبواب القصاص في النفس، باب 1، ح9. (3) المرتضى، الانتصار: 539. (4) الفاضل الهندي، كشف اللثام 2: 446 (الطبعة الرحلية الحجرية). (5) النجفي، جواهر الكلام 42: 150.
|