|
ردّ القول باختصاص العصير بالمعتصر من العنب
وادّعى القائلون بحلّية العصير الزبيبي والتمري أنّ العصير اسم للمعتصر من العنب خاصّة ، وإنّ المتّخذ من الزبيب نقيع والمتّخذ من التمر نبيذ ، ولا يطلق عليهما اسم العصير إلاّ مجازاً ، وعلى هذا اعتمدوا في الجواب عن الاستدلال بعموم العصير . وفيه : أ نّهم إذا أرادوا اختصاص العصير بحسب وضعه الأصلي بالمتّخذ من العنب ، فذلك معلوم البطلان ؛ لأ نّا نقطع بأنّ واضع اللغة لم يخصّ العصير من بين المشتقّات الموضوعة للذوات المبهمة بوضع يخصّه بذات معيّنة معلومة ، كالعنب مثلا ، وإخراج هذا اللفظ من بابه ووضعه ، ودعوى اختصاصه في اللغة بوضع مخصوص خروج عن قواعد الوضع ورفض لقوانين اللغة ، وفساده ظاهر . وإن أرادوا الاختصاص به باعتبار وضع طارئ من شرع أو من عرف عامّ أو خاصّ ، وإن كان في اللغة أعمّ من ذلك ، فقد اعترفوا بالعموم اللغوي الذي قلناه ، وادّعوا النقل المخالف للأصل ، والظاهر من الاستعمال ومن كلام أهل اللغة ، كما عرفت ، والانتقال عن الأصل والظاهر لا يجوز إلاّ لدليل يقطع العذر ويوجب الانتقال ، وهو منتف في هذا المقام ، إلاّ أنّ ذلك قد يتوهّم من اُمور : الأوّل : تبادر الخاصّ ، أعني المتّخذ من العنب في لفظ العصير عند الإطلاق والتجرّد عن القرائن ، دون المتّخذ من التمر والزبيب ، والتبادر من أقوى أمارات الحقيقة . الثاني : استعمال العصير في اللغة والعرف وفي الأخبار وكلام الأصحاب في المعنى الخاصّ ، والأصل في الاستعمال الحقيقة ، وإذا كان حقيقة في الأخصّ كان مجازاً في الأعمّ ، وإلاّ لزم الاشتراك المرجوح بالنسبة إلى المجاز . الثالث : إنّ إطلاق العصير على المتّخذ من العنب حقيقة أمر ثابت لا ريب فيه ، وإطلاقه على الزبيبي والتمري كذلك مشكوك فيه ، فهو منفيّ بالأصل . الرابع : إنّ المتّخذ من التمر والزبيب إنّما يسمّى في اللغة والعرف نبيذاً ونقيعاً ، وأمّا العصير فليس إلاّ المتّخذ من العنب ، وذلك لأنّ العصير إنّما سمّي عصيراً لتحقّق العصر فيه ، والعصر إنّما يوجد في العنب ، وأمّا التمر والزبيب فالمتحقّق فيهما هو النبذ والنقع ، دون العصر . الخامس : ما تضمّن من الأخبار كون العصير من العنب ، نحو ما رواه الكليني في الصحيح ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : « قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبِتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر »[1] . السادس : إنّ العصير لو كان عامّاً لزم تخصيص الأكثر[2] ؛ لأنّ العصير على تقدير العموم لا يختصّ بهذه الأنواع الثلاثة ، بل يعمّ سائر المياه المعتصرة من الفواكه والبقول على كثرتها ، وهي محلّلة بالإجماع ، فتعيّن إخراجها من العموم ، وهو ما ذكرناه من اللازم . والجواب ، عن الأوّل : أ نّ تبادر المتّخذ من العنب من لفظ العصير على تقدير تسليمه ليس لوضع العصيريّة بالخصوص ، بل لكونه أظهر أفراد العصير وأشهرها بالقياس إلى إطلاق اللفظ ، ومثل هذا التبادر لا يقتضي النقل ولا يوجب الوضع . كيف ، وجميع الألفاظ الموضوعة للمعاني الكلّية يتبادر منها الأفراد الشائعة المقارنة ، وقلّ ما يتّفق أن يكون أفراد الكلّي متساوية في الظهور والسبق والتبادر إلى الفهم ، بل الغالب اختلافها في ذلك ، إمّا لكون الكلّي بالنسبة إليها مقولا بالتشكيك ، كأن يكون بالنسبة إلى البعض أشدّ وأولى منه في البعض الآخر ، فإنّ الأشدّ والأولى أظهر من غيره عند إطلاق المشكّك ، أو لغير ذلك من الأسباب الخارجيّة ، ككثرة الوجود وندرته ، وشدّة الاحتياج وقلّته ، واتّحاد اللفظ المستعمل تعدّده ووضوح تحقّق المعنى ، كما في الأفراد الظاهرة الفرديّة ، وخفائه ، وحصول مناط التسمية بنفسه أو بواسطة أمر خارج ، إلى غير ذلك من الأسباب التي يختلف بها حال الأفراد وضوحاً وخفاءً ، ومع ذلك فاستعمال اللفظ في الأعمّ حقيقةٌ في تلك الصور بأسرها ، ليس من المجاز في شيء ، وهكذا لفظ العصير ؛ فإنّه حقيقة في المعتصر من الشيء مطلقاً ، عنباً كان أو غيره ، لكن لمّا كان تحقّق العصر في العنب أمراً ظاهراً معلوماً حاصلا من أوّل الأمر من دون توسّط شيء مباين ، وكان التعبير عن العنبي إنّما يقع في الغالب بلفظ العصير ، بخلاف الزبيبي والتمري ، كان العصير العنبي أظهر أفراد العصير وأسبقها إلى الفهم عند إطلاق اللفظ ، وذلك لا ينافي كونه حقيقةً في الأعمّ ، ولذا لو وقع التصريح بالعموم ، كأن يقال : يحرم العصير من العنب والزبيب والتمر ، كان اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي غير معدول به عن معناه الأصلي ، ولا مراعاً فيه وجود العلاقة بينه وبين غيره ، كما هو شأن المجاز . وبالجملة ، فالتبادر الذي هو من علامات الحقيقة هو فهم المعنى من اللفظ نفسه من دون التفات إلى ما هو خارج عنه ، كالكثرة والشهرة وغيرهما ، وهو غير حاصل في العصير بالقياس إلى ماء العنب ، والتبادر الحاصل فيه هو فهم المعنى بالأسباب الخارجة عن اللفظ ، وليس ذلك من أمارات الحقيقة ، فما هو علامة الحقيقة ليس بمتحقّق في هذا المقام ، وما هو متحقّق في هذا المقام ليس بعلامة الحقيقة . ولإ ن تنزّلنا عن القطع والظهور فلا أقلّ من الإجمال الذي يبطل معه الاستدلال . لا يقال : كما أنّ الاحتمال يبطل معه الاستدلال بالتبادر على اختصاص العصير بالعنب ، فكذا يبطل به الاستدلال بتحريم العصير على العموم ؛ لأنّ الاحتمالين إذا تعارضا وجب الرجوع إلى مقتضى الأصل ، وهو بقاء العموم ، وبه يتمّ المطلوب ، كما عرفت . فإن قيل : تبادر المتّخذ من العنب كاف في وجوب حمل العصير عليه ، وإن لم يكن لوضعه له ، بل لكونه أظهر الأفراد وأشهرها على ما قلتم ؛ لأنّ المطلق إنّما يحمل على أفراده السابقة الظاهرة ، دون الخفيّة النادرة ، وبهذا يبطل الاستدلال على تحريم العصير الزبيبي والتمري بما دلّ على تحريم العصير ، كما هو المطلوب . قلنا : لا يلزم من أظهريّة العصير العنبي وأشهريّته فيما بين أفراد العصير أن يكون غيره من الأفراد الخفيّة النادرة التي لا يحمل عليها الإطلاق . كيف ، والعصير الزبيبي والتمري من الأفراد المعروفة الثابتة بين الناس في جميع الأعصار والأمصار ، وهو وإن لم يزد على العنبي شيوعاً واشتهاراً فلا ريب في أ نّه لا يقصر عنه ، غاية الأمر أنّ العصير العنبي أظهر منهما بالنظر إلى إطلاق لفظ العصير ، كما أشرنا إليه ، ومجرّد ذلك لا يقتضي التخصيص به ؛ لأنّ الإطلاق إنّما يستدعي الظهور الذي يقابل الندرة ، دون الأظهريّة والأشهريّة ، كما لا يخفى . وأيضاً فإنّ من جملة أخبار التحريم صحيحة عبد الله بن سنان المتضمّنة للعموم الوضعي بلفظ : « كُلّ »[3] الذي هو من أصرح ألفاظ العموم* ، والعموم الوضعي يتناول الأفراد الشائعة والنادرة جميعاً ، وإن اختصّ المطلق بالأفراد الشائعة . ولذا ترى أنّ الفقهاء يفرّقون بين إطلاق الإذن وعمومه ، وإطلاق التصرّف وعمومه في مثل الإجارة والعارية والوكالة والمزارعة والمساقاة ، فلو قال : « بِع هذه السلعة » وأطلق ، وجب عندهم بيعه بثمن المثل حالا بنقد البلد الغالب ، بخلاف ما لو قال : « بعها بما شئت وكيف شئت » ، فإنّه لا يختصّ بذلك . وكذا لو أعاره الثوب ، فإنّه إن أطلق لم يجز إفتراشه ولا الإلتحاف به ، ولا ابتذاله إذا كان من ثياب التجمّل ، بخلاف ما إذا سوّغ الاستعمال بـ « ما شاء ، كيف شاء » . وكذا لو آجره أرض زراعة ، فإن أطلق لم يجز له الغرس ، بخلاف ما لو قال : « اصنع بها ما شئت » . فإن قيل : لا يخلو إمّا أن يكون تبادر البعض مقتضياً للحمل عليه باعتبار أنّ الخطابات الشرعيّة إنّما يراد منها المعاني الظاهرة السابقة إلى الفهم ، أو لا يكون كذلك نظراً إلى أنّ المعتبر صدق اللفظ حقيقة ، حصل التبادر أو لم يحصل . فعلى الأوّل يجب تخصيص العموم بالأفراد الشائعة ، كالإطلاق ، وعلى الثاني يجب تعميم المطلق كالعامّ ، فالفرق بين الإطلاق والعموم لا وجه له . قلنا : الوجه فيه ظاهر ؛ لأنّ المطلق لم يوضع للعموم ، وإنّما يحمل عليه في الخطابات الشرعيّة والمقامات الخطابيّة ؛ لتوقّف الإفادة والاستفادة عليه في الكلام * . جاء في حاشية «ش» : « إنّما خصّصنا برواية عبد اللّه بن سنان لفقد العموم الوضعي في غيرها إلاّ على القول بعموم المفرد المحلّى باللام ، ونحن لا نذهب إلى ذلك وإن كان مشهوراً بين الاُصوليّين » . منه (قدس سره) المسوق للبيان دون الإبهام ، والحمل على الأفراد الشائعة يكفي في حصول هذا الفرض ، ولا داعي معه إلى الحمل على الاستغراق . وأمّا العموم الوضعي فمدلوله الاستغراق ، فيجب الحمل عليه ، وحمله على الأفراد الشائعة تخصيص لا يرتكب إلاّ لدليل . وعن الثاني : أوّلا : بمنع استعمال العصير في المعنى الأخصّ ، وإن دلّت القرائن على إرادته في بعض المواضع ؛ فإنّ إرادة الأخصّ لا يستلزم استعمال اللفظ فيه بعينه ؛ لجواز أن يكون اللفظ مستعملا في المعنى الأعمّ ، ويكون الخصوصيّة مفهومة من القرائن ، كما في قولك : « رأيت إنساناً » ، أو « أكرمت رجلا » ، و « قد رأيت زيداً » ، أو « أكرمت عمرواً » ، فإنّك لا تقصد بلفظ « الانسان » الدلالة على « زيد » بعينه ، ولا بلفظ « الرجل » الدلالة على «عمرو» بخصوصه ، وإن كان المرئى والمكرم في المثالين زيداً وعمرواً لا غيرهما ، بل يقصد بلفظ الإنسان والرجل الدلالة على الفرد المبهم من الطبيعتين ، وإن استفيد القصد إلى معيّن من الرؤية والإكرام المستدعين لمتعلّق مخصوص ، وكذا خصوصيّة الشخص من قرينة اُخرى ؛ فإنّ الإفهام بالقرينة غير الإفهام باللفظ ، فإنّه لو قصد بلفظ الإنسان والرجل الدلالة على خصوص زيد وعمرو لزم التجوّز فيهما باستعمال لفظ العامّ في الخاصّ الذي هو من أنواع المجاز ، بخلاف ما لو قصد بهما الدلالة على العموم الذي وضعا له وبالقرائن إفهام الخصوصيّة ، فإنّ ذلك حقيقة قطعاً وليس من المجاز في شيء . فالقائل بأنّ العصير موضوع للمعنى الأعمّ متى وجد العصير مستعملا في الكلام ، له أن يحمله على معناه الأعمّ الذي يعتقد كونه حقيقةً فيه ، ولا يجب عليه الحمل على الأخصّ وإن دلّت القرائن على إرادته ؛ لما عرفت من جواز استناد فهم الخصوصيّة إلى القرائن الخارجيّة ، ولو فرض انتفاء القرائن الدالّة على التعيين اتّجه منع إرادة الأخصّ نقلا عن الاستعمال فيه . وتوضيح ذلك : أنّ لفظ العصير إذا استعمل في الكلام فإمّا أن يقترن بما يدلّ على إرادة الخصوصيّة ، أي خصوص كونه ماء العنب ، أو لا يكون مقترناً بها . فإن لم يكن مقروناً بها وجب حمله على العموم قطعاً ؛ لوجود المقتضي ، وهو الوضع على القول بعموم العصير ، وانتفاء المانع وهو القرينة الصارفة عن إرادة العموم على ما هو المفروض . وإن كان مقترناً بها كان المراد هو الخصوص ؛ لوجود ما يدلّ عليه ، لكنّ لفظ العصير على هذا التقدير يحتمل وجهين : أن يكون مستعملا في الخصوص مراداً به الدلالة على الخاصّ بعينه مجازاً بواسطة القرينة الصارفة عن العموم ، وأن يكون مستعملا في العموم مراداً به الدلالة على معناه الحقيقي ، وهو الطبيعة من حيث هي ، وأن يكون القصد إلى الخصوصيّة مفهوماً في الكلام من الأمر المقترن باللفظ لا من اللفظ بشرط القرينة ، كما هو شأن المجاز . وإذا دار اللفظ بين الحقيقة والمجاز رجحت الحقيقة ؛ لأ نّها الأصل ، ولأنّ العدول عنها مشروط بالقرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة مطلقاً ، وهي منتفية هنا وإن وجد الصارف عن إرادة الحقيقة مطلقاً ، والصارف عن الإرادة من اللفظ وإن لم يكن ممتنعاً إلاّ أ نّه غير معلوم التحقّق ، وبمجرّد الاحتمال لا يجوز الخروج عن مقتضى الأصل الثابت ، وهو ظاهر . وثانياً : بمنع دلالة الاستعمال على الحقيقة ؛ فإنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز ، والعامّ لا يدلّ على الخاصّ . قوله : الأصل في الاستعمال الحقيقة[4] . قلنا : نعم ، لكن لا مطلقاً ، بل إذا اتّحد المعنى ، كما في محلّ النزاع ؛ فإنّ الأصل هو أن يكون حقيقةً في البعض مجازاً في الآخر ، دفعاً للاشتراك والنقل المرجوحين بالنسبة إلى المجاز ، وحيث ثبت وضع العصير للمعنى الأعمّ في الجملة تعيّن أن يكون مجازاً في الآخر ، وامتنع العكس ، وإلاّ لزم النقل . وثالثاً : بقلب الدليل ؛ فإنّ العصير يستعمل في المعنى الأعمّ ، فيجب أن يكون حقيقةً فيه ؛ لما ذكر من أ نّ الأصل في الاستعمال الحقيقة ، وهذا أقوى من الأصل ؛ فإنّ الاستعمال في المعنى الأعمّ يؤيّد الوضع له في اللغة ، بخلاف الاستعمال في الأخصّ ، فإنّه مسبوق بالوضع لغيره لا بالوضع له . ورابعاً : إنّ الروايات التي استعمل فيها لفظ العصير ليس فيها ما يدلّ على إرادة الأخصّ فضلا عن استعمال العصير فيه ، فإنّ منها ما هو ظاهر في العموم ، ومنها ما ينبغي العموم والخصوص فيه على الخلاف في وضع العصير ، ولم نجد في النصوص بعد التتبّع ما هو نصّ في الخصوص أو ظاهر فيه ، وكان المراد من الأخبار المدّعى دلالتها ما تضمّن منها كون العصير من العنب ، وسيأتي الكلام مستقصى إن شاء الله تعالى . وعن الثالث : أ نّه إن اُريد بنفي الريب في إطلاق العصير على المتّخذ من العنب حقيقةً نفي الريب في إطلاقه عليه لكون العصير موضوعاً له بالخصوص ، فهو أوّل النزاع وعين المتنازع فيه ، فأخذه في الدليل على إثبات الوضع للخاصّ مصادرة بيّنة . وإن اُريد منه نفي الريب في كونه حقيقةً فيه ، ولو لوضعه للمعنى العامّ الذي هو الفرد جزئيّ من جزئيّاته ، فهو مسلّم ، لكن لا يجدي نفعاً ؛ لأ نّه إنّما يقتضي كونه حقيقة في العامّ أو في أحد الأمرين منه ومن الخاصّ لا على التعيين ، وذلك خلاف المطلوب . وعن الرابع : بأنّ النبيذ والنقيع أنواع الشراب المسكر ، كما نصّ عليه أهل اللغة[5] ، ودلّ عليه قوله (عليه السلام) : « الخمر من خمسة »[6] ، وعدّ منها النقيع والزبيب والنبيذ من التمر ، وفي الحديث : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ فاغسله »[7] . قال الجوهري في الصحاح : « والنقيع شراب من زبيب ينقع في الماء من غير طبخ »[8] . وقال الفيومي في المصباح : « يطلق النقيع على الشراب المتّخذ من ذلك ـ أي : ممّـا ينقع ـ فيقال : نقيع التمر والزبيب وغيره إذا ترك في الماء حتّى ينتقع من غير طبخ »[9] . وقد يطلق النبيذ والنقيع على ما ينبذ في الماء أو ينقع فيه ، زبيباً كان أو تمراً أو غيرهما ، وهو بهذا المعنى وصف عامّ لا اختصاص له بالعصير الزبيبي أو التمري ، فلا يكون اسماً لهما . سلّمنا أنّ النقيع والنبيذ اسمان للمتّخذ من الزبيب والتمر ، لكنّ التسمية بهما لاينافي إطلاق اسم العصير عليهما حقيقةً . قوله : العصير إنّما سمّي عصيراً ، إلى آخره[10] . قلنا : التمر والزبيب بعد نبذهما في الماء وانتقاعهما فيه ، وخروج حلاوتهما يعصران ، فيصدق عليهما العصير بذلك ، غاية الأمر أنّ العصر فيهما مسبوق بالنبذ والنقع ، بخلاف العصر في العنب ، فإنّه لعدم ذهاب[11] مائيّته يعصر من أوّل الأمر ولا يحتاج إلى انضمام شيء آخر معه ، وهذا إنّما يقتضي الفرق بينهما وبين العنب بإطلاق النبيذ والنقيع عليهما دونه ، لا بإطلاق العصير عليه دونهما . والحاصل : أنّ العنب لكونه ممّـا يعصر بنفسه ابتداءً من دون احتياج إلى أن ينبذ في الماء وينقع فيه يطلق عليه العصير خاصّة ، ولا يطلق اسم النبيذ والنقيع عليه ، بخلاف التمر والزبيب ، فإنّ العصر فيهما يحتاج أوّلا إلى أن يضاف عليهما الماء ويتركا فيه زماناً حتّى يخرج ما فيهما من الحلاوة بالنقع أو المرس أو الغلي ، ثمّ يصنع ذلك ، والعصير فيهما باعتبار النبذ في الماء والنقع فيه ، يطلق عليهما اسم النبيذ والنقيع ، وباعتبار عصرهما أخيراً واستخراج مائهما يطلق عليهما العصير أيضاً ، ولا منافاة . وعن الخامس : أمّا أوّلا : فبأنّ الرواية إنّما دلّت على أنّ الخمر المسكرة المحرّمة تنقسم باعتبار أصلها الذي تتّخذ منه إلى خمسة أقسام ، لكلّ قسم منها اسم مخصوص ، وإنّ العصير اسم للخمر المتّخذ من العنب ، وليس المراد أنّ العصير اسم لمطلق المتّخذ من العنب ، خمراً كان أو غيره . قال الصدوق ـ طاب ثراه ـ في المقنع : « إنّ الله تبارك وتعالى حرّم الخمر بعينها ، وحرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ شراب مسكر ، ولعن بائعها ومشتريها وآكل ثمنها وساقيها وشاربها . ولها خمسة أسامي : العصير وهو من الكرم ، والنقيع وهو من الزبيب ، والبتع وهو من العسل ، والمزر وهو من الحنطة ، والنبيذ وهو من التمر »[12] . وفي الفقه الرضوي قال (عليه السلام) : « اعلم يرحمك الله أنّ الله تبارك وتعالى حرّم الخمر ، وحرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ شراب مسكر » . وقال (عليه السلام) : « الخمر حرام بعينها ، والمسكر من كلّ شراب ، فما أسكر كثيره فقليله حرام ، ولها خمسة أسامي : فالعصير من الكرم وهي الخمرة الملعونة ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير وغيره ، والنبيذ من التمر »[13] . والغرص الأصلي من هذا الكلام ، وهو قوله (عليه السلام) : « الخمر من خمسة » الردّ على من خصّ التحريم بالمتّخذ من العنب ، وهم جماعة من العامّة بناءً على نفي الاسم من غيره ، وذلك إمّا لاشتراك الاسم وعدم اختصاصه بالمتّخذ من العنب ، كما نصّ عليه صاحب القاموس[14] وغيره[15] ، أو لاشتراك الحكم وإن اختصّ الاسم بالمتّخذ من العنب ، كما هو المشهور بين أهل اللغة[16] ، ويدلّ عليه الروايات المنقولة آنفاً ، وقولهم (عليهم السلام) : « إنّ الله لم يحرّم الخمر لاسمها ، بل حرّم لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر »[17] ، وقولهم(عليهم السلام) : « إنّ الله حرّم الخمر بعينها ، وحرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلّ مسكر »[18] . وكيف كان ، فأقصى ما يدلّ عليه الرواية المذكورة هو أنّ العصير الذي هو اسم من أسماء الخمر المسكر يختصّ بالمتّخذ من العنب . وأمّا اختصاص العصير مطلقاً فلا يكاد يستفاد من الرواية أصلا ؛ لأنّ العصير المستعمل فيها هو المسكر لا مطلق العصير . كيف ، وقد جعل قسماً من الخمر المسكر ، والمقسم معتبر في الأقسام . وأيضاً لو كان المراد منه ما يتناول المسكر وغيره نظراً إلى توقّف الحلّ فيه على ذهاب الثلثين لزم تحريم النبيذ المتّخذ من الزبيب والنقيع المتّخذ من التمر كذلك ، وهو عين ما نقول به من تحريم العصير الزبيبي والتمري ، وقد لزم من كلام القائل بالحلّ في مقام بيان الحلّية من حيث لا يدري . وبالجملة ، فهذا الاستدلال ممّـا يقضي منه العجب ؛ فإنّ العصير وغيره ـ كالنبيذ والنقيع ـ إمّا أن يراد بهما خصوص المسكر المحرّم ، أو يراد منهما المعنى الأعمّ ، فيراد من العصير مطلق المتّخذ من العنب ، ومن النقيع مطلق المتّخذ من الزبيب ، وكذا من النبيذ مطلق المتّخذ من التمر . فعلى الأوّل : فالرواية دلّت على اختصاص العصير بالعنب ، لكن قد اُخذ مع ذلك فيه قيداً آخر وهو الإسكار ، ولا ريب أنّ العصير يطلق على غير المسكر حقيقةً ، فإمّا أن يكون تخصيصه في الرواية بالمسكر المتّخذ من العنب من باب المجاز ؛ لكونه الأشهر الأظهر في باب التحريم ، أو يكون ذلك معنى آخر للفظ العصير ، بأن يكون مشتركاً بين الخاصّ والعامّ . وكيف كان ، فاعتبار خصوصيّة العنب في الخاصّ لا يستلزم اعتبارها في العامّ . وعلى الثاني : يلزم تقسيم الشيء إلى نفسه وغيره ؛ فإنّ الخمر الذي هو المقسم ليس إلاّ المسكر المحرّم ، وكلّ من الأقسام الخمسة ينقسم على هذا التقدير إلى المسكر وغيره ، وانقسام الأقسام يستلزم انقسام المقسم ، وهو ما ذكرنا من اللازم ، وبطلانه ضروريّ. وأيضاً فالنبيذ والنقيع إن كانا محرّمين مطلقاً كالعصير كان الخبر دليلا على التحريم الذي هو نقيض المطلوب ، فكيف يتمسّك به في دفعه ، وإلاّ لزم مع التفكيك في حكم الأقسام انقسام الشيء إلى النفس والغير من وجه آخر . وأمّا ثانياً : فلأنّ الظاهر كون التسمية في المذكورات مبنيّة على الغالب ، وذلك لا ينافي تسمية بعض منها باسم الآخر حقيقةً . قال في النهاية : « وقد تكرّر في الحديث ذكر النبيذ وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك . يقال : نبذت التمر والعنب ، إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً ، فصرف من مفعول إلى فعيل. وأنبذته اتّخذته نبيذاً سواء كان مسكراً أو غير مسكر ، فإنّه يقال له : نبيذ ، ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ ، كما يقال : للنبيذ خمر »[19] . وقال فيها : « والنقيع : شراب يتّخذ من زبيب وغيره »[20] . وفي المصباح المنير : « والنَّقوع ـ بالفتح ـ : ما ينقع ، ويطلق النقيع على الشراب المتّخذ من ذلك ، فيقال : نقيع التمر والزبيب وغيره إذا ترك في الماء حتّى ينقع »[21] . وفي القاموس : « والنقيع البئر الكثير الماء ، وشراب من زبيب ، أو كلّ ما ينقع ، تمراً أو زبيباً أو غيرهما »[22] . وعن السادس : أمّا أوّلا : فبأ نّ المذهب الصحيح في تخصيص العامّ ـ وهو الذي ذهب إليه أكثر أصحابنا ، ومنهم السيّد المرتضى[23] ، والشيخ[24] ، وأبو المكارم ابن زهرة[25] ـ جواز التخصيص إلى الواحد ، وعدم اشتراط بقاء الأكثر والمساوي ، وبه قال ابن إدريس[26] ، وحكي الخلاف في ذلك عن ابن الجنيد[27] ، وهو قول العلاّمة طاب ثراه[28] . وظاهره انتفاء الخلاف فيه بين الأصحاب حيث نسب الخلاف في ذلك إلى العامّة[29] . قال الشيخ البهائي (رحمه الله) : « والأكثر على جواز الأكثر من الباقي فضلا عن مساواته » [30]. والدليل على ذلك من وجوه : الأوّل : وجود المقتضي للصحّة ، وانتفاء المانع عنه . أمّا من جهة المخصّص فذلك ظاهر ، وإن كان متّصلا ؛ لانّ الاستثناء موضوع لمطلق الإخراج ، كالشرط لمطلق الاشتراط ، والغاية لمطلق التحديد . وأمّا من جهة العامّ فلتحقّق الوضع فيما يصحّ فيه الإخراج قبل الحكم ، ووجود العلاقة المصحّحة للتجوّز ، وهي علاقة العموم والخصوص ، دون المشابهة والكلّ والجزء أو الكلّي والجزئي فيما لا يصحّ فيه ذلك ، كما في التخصيص المنفصل . الثاني : وقوع ذلك في التنزيل الذي هو أبلغ الكلام وأعلاه . قال الله تعالى : ( إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ )[31] ، مع قوله تعالى حكايةً عن إبليس : ( وَلاَُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلَصِينَ )[32] ؛ فإنّ المخلصين إن كانوا أقلّ كان الغاوون أكثر ، وقد استثنوا من الاُولى ، وإن كانوا أكثر ـ وقد استثنوا من الثانية ـ لزم استثناء الأكثر ، فاشتراط الأكثر باطل بمجموع الآيتين . وقد يكتفى بالاُولى لأنّ الغاوين هم الأكثر ، وقد استثنوا منها . الثالث : وقوع التخصيص المذكور في كلام الفصحاء والبلغاء وفي الأخبار وكلام الأصحاب ، كما يظهر بالتتبّع . احتجّ القائلون بالاشتراط[33] بوجهين : الأوّل : قبح قول القائل : « أكلت كلّ رمّانة في البستان » ، وفيه آلاف ، وقد أكل واحدة أو اثنتين أو ثلاثة . وقوله : « أخذت كلّ ما في الصندوق من الذهب » ، وفيه ألف ، وقد أخذ ديناراً إلى ثلاثة . وكذا قوله : « كلّ من دخل داري فهو حرّ » ، أو « كلّ من جاءك فأكرمه » ، وفسّره بواحد أو اثنين ، فقال : أردت زيداً ، أو هو مع عمرو . وكذلك لو اُريد من اللفظ في جميعها كثرة قرينة في مدلوله[34] . الثاني : لو صحّ لكان مجازاً ، لكنّه ليس بمجاز ، فلا يصحّ . أمّا الملازمة فلأنّ التخصيص من أنواع المجاز ، وأمّا بطلان التالي فلأنّ المجاز مشروط بالعلاقة المصحّحة للتجوّز ، والعلاقة بين الكلّ والباقي ليست إلاّ المشابهة ، أعني الاشتراك في صفة الكثرة ، فبدونها تنتفي العلاقة فينتفي المجاز . والجواب : عن الأوّل : أنّ القبح في الأمثلة المذكورة ليس لاشتراط الواضع بقاء الأكثر في تخصيص العامّ ، بل لأمر عارض للاستعمال مزايل له إذا روعي فيه الجهات المحسّنة والاعتبارات اللائقة ، وليس القبح فيها إلاّ كالقبح في قول القائل في الإقرار بالعشرة : « له على واحد وواحد » يكرّره عشرة ، أو « اثنان واثنان » يكرّره خمسة ، أو « خمسة وخمسة » ، أو « اثنان وثلاثة وخمسة » ؛ فإنّ ذلك وإن كان مستقبحاً في العرف وضيعاً في المحاورات سمجاً فيها إلاّ أنّ ذلك ليس لأمر راجع إلى وضع اللغة أو العرف ، ولذا ترى أ نّه متى تصرّف في مثله المتكلّم تصرّفاً يخرجه عن الصفة والابتذال حسن وملح وخلص عن القبح والسماجة ، كما في قوله : « بنت سبع وأربع وثلاث » ، وقول أبي نوّاس : أقمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً***ويوماً له يوم الرحيل خامس[35] وقول قريش للنبيّ (صلى الله عليه وآله) : « جئناك لنسئلك عن ثلاثة وواحدة »[36] ، وقول من سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) : « أخبرني عن ثلاثة وثلاثة وواحدة »[37] ، وقول من سئل عن الخلفاء بعد النبىّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال : « أربعة أربعة أربعة » ، إلى غير ذلك ممّـا يعدّ سَمِجاً مستهجناً في العرف لولا مراعاة النكات الرائقة واللطايف اللائقة ، ولو كان القبح في أمثال ذلك مستنداً إلى مخالفة اللغة أو الخروج عن قوانين العربيّة لوجب أن يستمرّ القبح مع اللفظ ولا يزول عنه أبداً ، وإن روعي فيه أنواع اللطايف والنكات ، أو اختلفت معه الأحوال والمقامات ؛ فإنّ الكلام الفاسد الملحون المخالف للقانون اللغوي الخارج عن ضوابط اللفظ العربيّ يستحيل أن يصحّ أبداً ما اُبقي على لحنه وما للوجوه المحسّنة والمزايا الفاضلة البديعة ولا للبدائع البديعة في تلك الألفاظ ـ كما قيل ـ إلاّ كالكسوة الفاخرة على الشمطاء القبيحة ، تزداد بها قبحاً وشناعة وفضيحة وفظاعة[38] . نعم ، إذا صحّ الكلام ووافق القانون العربيّ ولم يخرج عن ضوابط اللغة ، لكن كان فيه نوع سماجة واستهجان ، أو ضِعة وابتذال ، أمكن أن يزول ما فيه من القبح أو الابتذال بمراعاة فنون البلاغة فيه ، وإيراده على وجه يطابق مقتضى الحال ، وربما التحق بواسطة التصرّف فيه بالكلام البليغ المرتفع الذي يتنافس به ويتسابق عليه . ألا ترى أنّ التكرار الذي تمجّه الأسماع ولا تقبله الطباع كيف حسنه في سورة الرحمن التقرير بالنعم المختلفة المعدودة ، حيث إنّه كلّما ذكر فيها نعمة أنعم بها قرّر عليها ، ووبّخ على التكذيب بها ، حتّى اكتسى الكلام لأجله ملاحة فوق الملاحة ، واكتسب به بلاغة فوق البلاغة ، ومقبوليّة وحسناً فوق المقبوليّة والحسن . ثمّ انظر إلى الخطاب الذي هو موضوع للموجود الحاضر في ذوي العقول ، كيف يصحّ توجيهه إلى المعدوم أو إلى[39] الغائب وإلى غير ذوي العقول إذا قصد منه حقيقة الخطاب ، أعني طلب التوجّه والإقبال ، ثمّ إذا نزّل المعدوم منزلة الموجود ، والغائب منزلة الحاضر ، وغير ذوي العقول منزلة ذوي العقول ، ثمّ وجّه إليهم الخطاب مجازاً كما في «النادب المندوب » ، وفي قوله تعالى : ( يَا أرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ وليس الوجه في إزالة القبح في الأمثلة المذكورة منحصراً فيما ذكرنا ؛ فإنّ الوجوه المصحّحة لإخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لا تحصى في عدد ، ولا تضبط في حدّ ، وإنّما يستنبطها في محالّها ومواضعها من أخذ من فنون البلاغة بالحظّ النافع ، ويقف عن التصرّف في ذلك وأمثاله من لم يعضّ في تلك الصناعة بضرس قاطع . وعن الثاني : بأنّ العلاقة بين الكلّ والباقي هي علاقة العموم والخصوص ، وهي غير علاقة المشابهة والاشتراك في الصفة ، وغير علاقة الكلّ والجزء بقسميه ، وكذا غير علاقة الكلّي والجزئي ؛ لأنّ المشابهة إنّما هي بين العامّ والأكثر ، بخلاف العموم والخصوص ، فإنّه يتحقّق فيه وفي الأقلّ ، وليس العامّ مركّباً من الأفراد حتّى يكون العلاقة بينه وبين الأفراد علاقة الكلّ والجزء ، ولا صادق عليها صدق الكلّي على جزئيّاته حتّى تكون علاقة الكلّي والجزئي ، بل علاقة العموم والخصوص هي نوع مستقلّ من أنواع العلاقة ، مغاير لما عداه من الأنواع ، وقد أثبتها علماء الاُصول . قال الشيخ البهائي في الزبدة : « وحصرت ـ أي العلاقة ـ في خمسة وعشرين »[45] ، ثمّ فصّلها في الحاشية ، وعدّ من جملتها الخاصّ للعامّ ، كزيد للعلماء ، وعكسه ، كعكسه[46] . وردّها ابن الحاجب[47] والعضدي[48] وغيرهما[49] إلى خمسة ، هي : الاشتراك في الشكل ، والاشتراك في صفة[50] ، والكون عليها[51] ، والأوْل إليها[52] ، والمجاورة . قال العضدي : « وهذا ـ أي الخامس ـ يعمّ ما كان أحدهما في الآخر ، ككون الجزء في كلّه ، أو الحال في محلّه ، أو المظروف في ظرفه ، وما لا يكون كذلك ، بل هما في محلّ واحد ، أو في محلّين أو حيّزين متقاربين ، بل وما هما متلازمان في الوجود ، كالسبب والمسبّب ، وفي الخيال ، كالضدّين. ـ قال : ـ ووجه الضبط أن يقال : إمّا أن يكون بين ذاتيهما اتّصال أو لا ، والأوّل المجاورة ، والثاني إمّا أن يحصلا لذاته أو لا ، والأوّل وصفان بينهما تقدّم وتأخّر ، إذ لو اجتمعا لزم خلاف الفرض ، فإن استعمل المتقدّم لمتأخّر فالكون عليها ، أو بالعكس فالأوّل إليها ، والثاني أمران لا اتّصال بينهما بالذات ، ولا هما في محلّ ، فإن لم يكن لهما حال يشتركان فيها فلا علاقة قطعاً ، وتلك الحال إمّا صورة محسوسة ، وهو الشكل ، أو غيرها ، وهو الصفة »[53] . والعلم بتحقّق العلاقة بين العامّ والخاصّ مع حصر أنواع العلاقة في الخمس ، وخروج هذه العلاقة عمّا عدا المجاورة منها يقتضي أ نّها من أقسام المجاورة الخياليّة ، كعلاقة الكلّ والجزء ، والكلّي والجزئي ، على أنّ التحقيق أنّ العلاقة غير متوقّفة على السماع ، ولا محصورة فيما ذكروه من الأنواع ؛ فإنّهم عرّفوا العلاقة بأ نّها اتّصال ما[54] للمعنى المستعمل فيه بالمعنى الموضوع له[55] ، وهو غير محصور ، ولذا ترى أنّ الاُصوليّين وأرباب البيان لم يقفوا فيها على حدّ مضبوط ، ولا على عدد معلوم ، فإنّ من الآخر منهم يزيد على الأوّل بحسب استقرائه وتتبّعه حتّى حكي عن صفيّ الدين الهندي أ نّه قال : « الذي يحضرنا من أنواعها إحدى وثلاثون نوعاً »[56] ، وعدّدها . وقلّل الأقسام من المتأخّرين[57] حتّى ردّوها إلى اثني عشر ، أو الخمس ، أو الإثنين ، وحال القصر والجمع لكونه أقرب إلى الضبط ، وادّعى إلى الحفظ ولم يرد النقص والإسقاط . وما ذكره المتأخّرون بإيجازه أجمع لشواذّ العلاقات ، وأشمل لنوادر الاتّصالات ممّـا فصّله القدماء وأطبقوه . وأمّا ثانياً[58] : فلأ نّا لو سلّمنا امتناع تخصيص الأكثر وبقاء الأقلّ فذلك لا يقتضي وضع العصير للخاصّ ؛ لجواز أن يكون باقياً على وضعه الأوّل ، ويكون العموم فيه مبنيّاً على صفة مقدّر ، أو مصروفاً إلى الأنواع الشائعة المعروفة وهذه الأنواع الثلاثة ، أو متوجّهاً إلى الأفراد دون الأنواع ، فإنّ أفراد هذه الأنواع أكثر من أفراد تلك الأنواع ، وإن كانت تلك الأنواع أكثر من هذه . سلّمنا أنّ ذلك يقتضي نقل اللفظ من المعنى العامّ ، ووضعه لما هو أخصّ منه ، لكنّ الخاصّ المنقول إليه لا يجب أن يكون خصوص ماء العنب ، بل الظاهر على تقدير النقل كونه منقولا إلى ما يتّخذ منه الدبس المتناول للعنبي والزبيبي والتمري ؛ لقربه من المعنى الأصلي ، ومطابقته لما يقتضيه ظاهر كلام الفقهاء ؛ فإنّهم يطلقون العصير على الأنواع الثلاثة دون غيرها ، ولأنّ العصير الزبيبي والتمري يشاركان العنبي في الكثرة والشيوع والتداول في الأعصار والأمصار ، بخلاف غيرهما من أنواع العصير . وأيضاً فإنّ هجر استعمال العصير في الزبيبي والتمري غير معلوم ، والهجر بالنسبة إلى غيرهما لو سلّم لا يقتضي الهجر فيهما ، وإذا لم يعلم الهجر الذي هو شرط النقل وجب الحكم بالبقاء ، ومقتضى ذلك كون العصير حقيقة في المعنى الأعمّ من الثلاثة ، وبه يتمّ المطلوب . فإن قيل : ها هنا احتمال آخر ، وهو أن يكون العصير باقياً على معناه الأصلي اللغويّ ، ويكون مع ذلك موضوعاً بوضع آخر للمعنى الخاصّ الذي هو ماء العنب ، من دون نقل ولا هجر للمعنى الأوّل ، وحينئذ فلا يعلم أنّ المراد من العصير الوارد في الأخبار ما هو ؟ لأنّ العصير على هذا التقدير لفظ مشترك قد وضع للعامّ والخاصّ ، ولا يتعيّن المراد منه إلاّ بالقرينة ، ومع قيام الاحتمال في لفظ العصير يسقط الاستدلال به على العموم . قلنا : لفظ العصير لو كان موضوعاً لماء العنب لكان بوضع جديد غير أصلي ، ولو كان موضوعاً بوضع جديد لكان منقولا مشروطاً بالهجر ، لا مشتركاً ، فإنّ الارتجال[59]في مثله بعيد قطعاً ، بل مقطوع بفساده ، مع أنّ الاشتراك ـ كالنقل ـ مخالف للأصل ، فلا يحكم به إلاّ بدليل . ثمّ إنّا لو سلّمنا أنّ العصير قد وضع لماء العنب بوضع جديد ، إمّا مع هجر المعنى الأصلي أو بقائه ، فذلك إنّما يقتضي الحمل عليه ، أو التردّد بينه وبين المعنى الأصلي إذا علم ثبوت الوضع والتعيّن له قبل صدور الروايات المتضمّنة للفظ العصير ، وأمّا إذا لم يعلم ذلك ، سواء علم تأخّر الوضع أو جهل التأريخ ، فالوضع للخصوص لا يوجب حملا ولا تردّداً . أمّا على الأوّل فظاهر ، وأمّا على الثاني فلأنّ الأصل بقاء الثابت وتأخّر الحادث ، على أ نّا لو سلّمنا سبق الوضع للمعنى الجديد على ورود هذه الأخبار فالمناسب اللائق حمل العصير فيها على ما هو أعمّ من العنبي ، وذلك من وجوه : أحدها : دلالة الكلّية والعموم في قوله (عليه السلام) : « كلّ عصير أصابته النار »[60] على ذلك ؛ إذ الظاهر أنّ المراد الكلّية بحسب الأنواع دون الأشخاص ؛ فإنّ استعمال لفظ العموم إنّما يحسن مع احتمال توهّم الاختلاف في أفراد العامّ ، واختلاف أفراد العصير العنبي باعتبار أصله المتّخذ منه ، وهو هذا العنب وذلك العنب ممّا لا يكاد يتوهّمه أحد من الناس ، فإنّ أشخاص العصير العنبي وجزئيّاته متساوية بالنظر إلى إطلاق لفظ العصير وثبوت التحريم ، وليس لبعضها أولويّة بالقياس إلى البعض الآخر ، لا من جهة الموضوع ولا باعتبار الحكم ، بخلاف أنواع العصير ؛ فإنّ العصير بالقياس إليها متفاوت النسبة ، وصدقه على العنبي أظهر من غيره وأولى ، والحكم بالتحريم فيه أيضاً مشهور بين العامّة والخاصّة ، بخلاف غيره . الثاني : أنّ إطلاق العصير في الأخبار يجب أن يراد منه ما هو شائع معروف في بلاد السائل والمسؤول ، والموجود المتداول من أفراد العصير في الحجاز ـ وهي بلاد المسؤول ـ وعراق العرب ـ وهي بلاد السائلين ـ إنّما هو العصير التمري ، وأمّا العنبي فإنّه على تقدير وجوده فيها فلا ريب أ نّه في غاية القلّة والندرة ، فلا يحمل عليه الإطلاق في السؤال والجواب ، بل ولا إطلاق ما دلّ على التحريم من دون تقدّم سؤال ، فإنّ الغرض الأصلي منه بيان ما يحتاج إليه المخاطب في الغالب . وإرادة التمري من إطلاق العصير لكونه الفرد الشائع المعروف في بلاد المتكلّم والمخاطب ، لا ينافي إرادة العنبي منه أيضاً ، نظراً إلى كونه أظهر أفراد العصير وأقربها إليها بحسب المفهوم ، كما مرّ ، فلا يرد أنّ شيوع غير العنبي مع قضيّة[61] حمل الإطلاق على الشائع المعروف يقتضي خروج العنبي عن الإطلاق ؛ فإنّ شيوع بعض أفراد المطلق إنّما يستدعي إرادته ، ولا ينفي إرادة غيره . وأيضاً فإنّ التخصيص بغير العنبي خلاف الإجماع ؛ فإنّ القائلين بحلّية غير العنبي قيّدوا الإطلاق به ، والقائلين بالتحريم ذهبوا إلى أنّ المراد هو الأنواع الثلاثة ، فالعنبي مقطوع بإرادته من الإطلاق ، وإنّما الكلام في غيره ، وشيوعه في بلاد السائل والإمام يقتضي إرادته أيضاً ، كما قلناه . الثالث : إنّك قد عرفت أنّ قدماء الأصحاب أطلقوا القول بتحريم العصير[62] كما في الأخبار ، ولم يقيّدوه بالعنبي ، وإنّ الظاهر من ذلك ومن عدم تعرّضهم لحكم الزبيبي والتمري بالخصوص أنّ التحريم عندهم يتناول الأنواع الثلاثة ، وقد استندوا في التحريم الذي ذكروا إلى الأخبار المتضمّنة لتحريم العصير ، وليس إلاّ لأنّ إطلاق العصير في الأخبار لا يختصّ عندهم بالعنبي ، بل يراد منه العموم ، كما هو المطلوب . وحاصل الكلام[63] : أ نّا نقول : إنّ لفظ العصير باق على معناه العامّ الأصلي ولم ينقل عنه إلى معنى آخر أخصّ منه . سلّمنا النقل ، لكن لا نسلّم أ نّه نقل إلى خصوص ماء العنب ؛ لجواز أن يكون منقولا إلى ما يعمّ الأنواع الثلاثة . سلّمنا النقل إلى خصوص ماء العنب ، لكن لا نسلّم سبق النقل إليه على صدور الروايات المتضمّنة له حتّى يحمل عليه ؛ لجواز أن يكون النقل إليه متأخّراً عن صدور الروايات ، فيكون المراد منها العموم . سلّمنا سبق النقل وتأخّر الصدور ، لكن ذلك لا يمنع عن إرادة العموم مع قيام القرينة ، وهي هنا موجودة ، كما عرفت . -------------------------------------------------------------------------------- [1]. الكافي 6 : 392 ، باب ما يتّخذ منه الخمر ، الحديث 1 ، التهذيب 9 : 117 / 441 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 177 ، وسائل الشيعة 25 : 279 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 1 . [2]. زاد في «ر 2 » : منه ، وقد منع عن ذلك أكثر المحقّقين من علماء الأصول حيث اشترط في التخصيص بقاء قدر يقرب من مدلول العامّ ، وإنّما لزم تخصيص الأكثر . [3]. تقدّم ذكرها في الصفحة 306 . الكافي 6 : 419 ، باب العصير الذي قد مسّته النار ، الحديث 1 ، التهذيب 9 : 140 / 516 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 252 ، وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 . [4]. تقدّم في الصفحة 315 ، وهو جزء من التوهّم الثاني . [5]. انظر : لسان العرب 14 : 17 ، «نبذ» ، و 14 : 266 ، «نقع» . [6]. الكافي 6 : 392 ، باب ما يتّخذ منه الخمر ، الحديث 1 ، التهذيب 9 : 117 / 441 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 177 ، وسائل الشيعة 25 : 279 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 1 . [7]. الكافي 3 : 405 ، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر ... ، الحديث 4 ، التهذيب 1 : 295 / 818 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، الحديث 105 ، الاستبصار 1 : 189 / 661 ، باب الخمر يصيب الثوب ... ، الحديث 2 ، وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 3 . [8]. الصحاح 3 : 1292 ، «نقع» . [9]. المصباح المنير : 622 ، « نقع » . [10]. تقدّم في الصفحة 315 . [11]. في «ش» بدل «فإنه لعدم ذهاب» : فإنّه يعد من ذهاب . [12]. المقنع : 451 . [13]. فقه الرضا(عليه السلام) : 279 ـ 280 . [14]. القاموس المحيط 2 : 106 ، «خمر» . [15]. انظر : إفاضة القدير 1 : 73 ـ 74 . [16]. انظر : المغرب 1 : 271 ، «خمر» ، لسان العرب 4 : 211 ، «خمر» . [17]. الكافي 6 : 412 ، باب أنّ الخمر إنّما حرّمت لفعلها ... ، الحديث 1 ، التهذيب 9 : 130 / 485 ، باب الذبائح والأطعمة ، الحديث 221 ، بتفاوت يسير ، وسائل الشيعة 25 : 342 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 1 . [18]. ورد بهذا النصّ في بصائر الدرجات : 398 ، الحديث 3 . وانظر : فقه الرضا(عليه السلام) : 279 ، الكافي 6 : 408 ، باب أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) حرّم كلّ مسكر ، الحديث 2 ، الفقيه 4 : 57 ، باب حدّ شرب الخمر ، كلام والده ذيل الحديث 2 ، وسائل الشيعة 25 : 326 ـ 332 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 4 و 23 ـ 25 . [19]. النهاية (لابن الأثير ) : 5 : 7 ، « نبذ» . [20]. النهاية (لابن الأثير ) : 5 : 109 ، « نقع» . [21]. المصباح المنير : 622 ، «نقع» ، وفيه : إذا ترك في الماء حتّى ينتقع . [22]. القاموس المحيط 3 : 90 ، «نقع » . قال فيه : والنقيع : ... وشراب من زبيب أو كلّ ما ينقع تمراً أو زبيباً أو غيرهما ... . [23]. الذريعة 1 : 297 . [24]. العدّة 1 : 379 . [25]. غنية النزوع 2 : 321 ـ 322 . ونقل عنه الشيخ حسن في معالم الدين (قسم الأصول) : 110 . [26]. لم نقف عليه . [27]. لم نقف عليه . [28]. نهاية الوصول 2 : 213 ، تهذيب الوصول : 136 . [29]. نسبه في تهذيب الوصول : 136 ، إلى أبوالحسين البصري. انظر : المعتمد 1 : 236 . [30]. لم نجد هذه العبارة في زبدة الاُصول ، بل هو قال في الزبدة : 321 : « ويجوز في الأخيرين (أي: في الاستثناء المتّصل والمنفصل) إلى الواحد » . [31]. الحجر ( 15 ) : 42 . [32]. الحجر ( 15 ) : 39 ـ 40 . [33]. أي : باشتراط بقاء الأكثر والمساوي . [34]. في «ش» : من مدلوله . [35]. طبقات الشعراء 1 : 61 ، مغني اللبيب 1 : 133 . وفي المصادر : يوم الترحل . [36]. لم نجد بهذا اللفظ في كتب الحديث والتاريخ . [37]. الغيبة (للطوسي) : 153 . [38]. فَظُع الأمر: بالضمّ ، يفظع فظاعةً ، فهو فظيع وفَظِعٌ ... وأفظع الأمرُ : اشتدّ وشَنُعَ وجاوز المقدار وبرّح . انظر: لسان العرب 10 : 291 ، «فظع» . [39]. «إلى» لم يرد في «ش» . [40]. هود ( 11 ) : 44 . [41]. «بصيح وما الإصباح منك بأمثل» . البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس. انظر: شرح المعلّقات السبع : 29 . [42]. مغني اللبيب 1 : 20 . [43]. مغني اللبيب 2 : 357 . [44]. في بعض النسخ : «تقول » ، والصحيح ما أثبتناه . [45]. زبدة الاُصول : 74 . وفي حاشية العطار على شرح الجلال المحلي 3 : 25 : «والمشهور بلوغها إلى خمسة وعشرين نوعاً » . [46]. زبدة الاُصول : 76 ـ 77 . [47]. منتهى الوصول والأمل (مختصر ابن الحاجب) : 20 . [48]. شرح مختصر المنتهى : 44 . [49]. التقرير والتحبير (لابن أمير الحاج) 2 : 7 . ونقله في مفاتيح الأُصول : 56 عن الآمدي ، ولم نجده في كتابه «الإحكام» . [50]. قال ابن الحاجب في مختصره : «ثانيها: الاشتراك في صفة ويجب أن تكون ظاهرة ... » . [51]. ورد في مختصر ابن الحاجب : «ثالثها : أنّه كان عليها ، أي المستعمل فيه على الصفة » . [52]. ورد في مختصر ابن الحاجب : « رابعها : أنّه آيل إليها » . [53]. شرح مختصر المنتهى : 44 . [54]. «ما» لم يرد في غير «ش» . [55]. شرح التلويح على التوضيح 1 : 280 . [56]. التمهيد 1 : 186 . [57]. منهم: الفخر الرازي في المحصول 1 : 323 . [58]. وهو الردّ الثاني على التوهّم الخامس ، وقد تقدّم قوله «أمّا أولاً» في الصفحة 323 . [59]. «فإنّ الارتجال » لم يرد في «ش» . [60]. تقدّم في الصفحة 306 . [61]. «قضيّة» لم يرد في «ش» . [62]. راجع : الصفحة 271 وما بعدها . [63]. بدل «وحاصل الكلام» في «ش» : وقد قيل .
|