|
المبحث الثالث: شهادة المرأة في الطلاق
خلافاً لسائر الموضوعات الفقهية يمكن بحث هذا الموضوع الفقهي في حجية شهادة الشاهد من جهتين: 1 ـ شهادة الشاهد في صحّة الطلاق وثبوته. 2 ـ شهادة الشاهد في إثبات الطلاق. 1 ـ أدلّة شهادة الشاهد في صحّة الطلاق وثبوته إن البحث عن شرطية الشهادة في صحّة الطلاق وثبوته بحسب الواقع وفيما بين المكلّف وربّه من مختصّات باب الطلاق، ولا يوجد أي حكم شرعي آخر ـ طبقاً للمذهب الشيعي ـ مشروط بشرط من هذا النوع، نعم ذهب أهل السنّة(159) إلى شرطية الشهادة في صحّة النكاح، إلا أنّ هذه الشرطية مختصّة ـ عندهم ـ بالنكاح دون الطلاق، وقد أوضح الإمام الصادق(عليه السلام) بطلان هذا المذهب بشكل واضح، مستدلاً بالآية القرآنية; وذلك في حديث داوود بن الحصين قال: سألته عن شهادة النساء في النكاح، بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال: «لا بأس به» ثم قال: «ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟» قلت: يقولون: لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين، فقال: «كذبوا ـ لعنهم الله ـ هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه، وشدّدوا وعظموا ما هوّن الله، إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد، والنكاح لم يجىء عن الله في تحريمه، فسنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ذلك الشاهدين تأديباً ونظراً; لئلا ينكر الولد والميراث».(160) ومع الأخذ بعين الاعتبار هذه المقدّمة، لابد من القول: إن ذكورية الشاهدين العادلين وعدم كفاية شهادة المرأة في صحّة الطلاق من المسلّمات الشرعية في الفقه الشيعي، ولا شك ولا مجال للشبهة في هذا المضمار، ذلك أن الكتاب والسنّة دالان على هذا الأمر دلالةً تامة. أ ـ دليل الكتاب الكريم قال الله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)(161) أي أن الطلاق حيث كان بيد الرجل وجّه الله الخطاب في القرآن إليه، فكلمة منكم متعلّقة بفعل (وأشهدوا)، أي الرجل، فمن بينكم ـ أنتم الرجال ـ اختاروا اثنين، وعليه فإذا لم تكن كلمة (منكم) موجودة، أمكننا بإلغاء الخصوصية رفع اختصاص الخطاب بالرجال، لتشمل كلمة (ذوي عدل)الرجالَ والنساء معاً، لكن دخول كلمة (منكم) على الخط في الآية الشريفة أكّد على شرطية الرجولة في صحة الطلاق بالصراحة والنصوصية. ب ـ السنة الشريفة ثمّة أحاديث متواترة ـ كما يقول صاحب الجواهر[162] ـ على هذا الشرط، وهي: 1 ـ خبر بكير بن أعين وغيره عن أبي جعفر(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «..وإن طلّقها للعدّة بغير شاهدي عدل، فليس طلاقه بطلاق، ولا يجوز فيه شهادة النساء».(163) 2 ـ خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) ـ في حديث ـ أنه قال: «وإن طلّقها.. لم يُشهد على ذلك رجلين عدلين، فليس طلاقه إيّاها بطلاق».(164) وهناك روايات أخرى دالّة على هذا الشرط، وهي الأحاديث رقم: 4، 6، 7 من الباب العاشر من أبواب مقدّمات الطلاق،(165) والحديث رقم: 3 من الباب الثالث عشر من أبواب أقسام الطلاق،(166) مما يمكن أن يُستدلّ به أيضاً. ولا يفوتنا أنّ المروي والمعمول به في باب صحّة الطلاق(167) هو أنّ المطلّق يقوم بالحضور في جماعة يحصل اطمئنان بوجود العادل بينهم، حتى لو لم يتحدّد هذان العادلان بشخصهما فيمكنه بذلك إجراء صيغة الطلاق، ويكون طلاقه نافذاً وصحيحاً، وهذا الأمر حاك ـ أولاً ـ عن شرطية الشهادة في مقام الثبوت، وإلا فمن الواضح أن باب الإثبات والشهادة المتعارفة المرتبطة بمجال الدعاوى يحتاج إلى معرفة الشاهد; ذلك أنه إذا لم يعرفوه فكيف يمكن أخذ شهادته؟! كما يدلّل ذلك ـ ثانياً ـ على عدم ضياع حقّ للمطلّق; ذلك أنه ليس لازماً أن يعرف المطلِّق الشاهدين حتى يدخل تكليفٌ زائد في عهدته. إضافةً إلى ذلك، إنّ عدم كفاية شهادة النساء في هذا المقام إنما هو بسبب الحيلولة دون سرعة حصول الطلاق في المجتمع; ذلك أنه ـ وكما ورد في رواية محمد بن سنان عن الإمام الرضا(عليه السلام)أنه قال: «.. وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهنّ عن الرؤية ومحاباتهنّ النساء في الطلاق»(168) ـ إنما يريد الإسلام وضع قوانين صعبة كي يخفف الفرقة في المجتمع ولا يبدّد جوّ الأسرة الدافيء حيث أبغض الحلال إلى الله الطلاق، وبعد أن تفشل خطوات الحَكَمين ولا يبقى أيّ سبيل لاستمرار الحياة المشتركة، توضع شروط وأحكام عديدة للحيلولة دون حصول الطلاق، مثل إجراء الصيغة باللغة العربية، وبألفاظ صحيحة، وأن لا يكون ذلك في حال الحيض، ولا في طُهر قد واقعها فيه، وكذلك يلزم وجود شاهدين عدلين رجلين، والحال أن أياً من هذه الأمور غير مشروط في حال الزواج; بهدف جعله ميسّراً وسهلاً. ومؤيد هذا الكلام كلّه حديث داوود بن الحصين(169)عن الإمام(عليه السلام)، حيث انتقد الإمام ـ بلحن حادّ من القول ـ أولئك الذين يجرون الطلاق بلا شاهد رجل، معتبراً عملهم هذا وهناً واستخفافاً بما عظم الله تعالى، فرآهم مستحقين للتوبيخ، ذلك أنهم لم يجيزوا النكاح بلا شاهد والحال أنّ الله تعالى سهّل أمر النكاح ولم يشرط فيه حضور الشهود. ومع الأخذ بعين الاعتبار ما تقدّم، إضافةً إلى دلالة الكتاب والسنّة على لزوم وجود الشاهد الرجل في صحّة الطلاق،(170) نرى ضرورة اشتراط الشاهدين العدلين الرجلين في إجراء صيغة الطلاق، وإذا ما كان هناك تمييز في هذا الأمر بين الرجل والمرأة فإنما هو رعايةً للمصالح العامة ونفع المجتمع والحيلولة دون اختلال نظم الأسرة، وهو ما يرجع نفعه في نهاية المطاف إلى النساء أيضاً. 2 ـ أدلّة إثبات الطلاق مع الشهادة نبحث هنا في شهادة الرجل الواحد مع المرأتين أو شهادة النساء الأربع لوحدهنّ على وقوع أو عدم وقوع الطلاق، والجدير ذكره أن هذا البحث يقع تحت مباحث أدلّة إثبات الدعاوى، ولا علاقة له بالشهادة التي هي شرط في صحّة الطلاق، وخلاصة القول هنا: إن البحث يقع في حجية شهادة المرأتين مع رجل أو شهادة النسوة الأربع دون رجال وفي قبول هذه الشهادة والاعتداد بها في مجال إثبات الطلاق عند حصول الخلاف حول وقوعه وعدم وقوعه، وإن كان الذي يبدو ـ ظاهراً ـ عدم وجود خلاف بين الأصحاب في عدم قبول شهادة النساء لوحدهنّ، فيما اختلفوا وتعدّدت نظرياتهم وأقوالهم في قبول وعدم قبول شهادتهنّ إذا كنّ مع الرجال. أ ـ النظريات والآراء الفقهية يدّعي ابن زهرة الإجماع على عدم الأخذ بشهادة النساء في الطلاق حيث يقول: «ولا تقبل شهادتهنّ على كلّ حال في الطلاق، ولا في رؤية الهلال، بدليل الطائفة».(171) في المقابل، يذكر الشيخ الطوسي في باب الشهادات من المبسوط أنّ القول بتحقق الطلاق بشهادة النساء المنضمات إلى الرجل قولٌ قوي، يقول: «أحدها لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين.. والطلاق.. وقال بعضهم: يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين، وهو الأقوى إلا القصاص».(172) كما نقل القول بقبول شهادة النساء مع الرجال في الطلاق عن أبي علي العماني،(173)وابن الجنيد الإسكافي،(174)كما يُفهم من احتمال كشف اللثام(175) ـ أنّ الروايات المذكورة مرتبطة بشرط الثبوت لا الإثبات ـ أنه يقول بقبول شهادة النساء المنضمّات إلى الرجال في الطلاق. ب ـ أدلّة عدم حجية شهادة النساء في الطلاق 1 ـ الاستناد إلى الأصل، قراءة نقدية استُند هنا ـ كما فعل العلامة الحلي في المختلف(176)ـ إلى استصحاب بقاء النكاح، على أساس أننا نشك هل يثبت الطلاق بشهادة النساء أم لا؟ فعليه نستصحب النكاح السابق الذي كنّا على يقين به. وبطلان الاستدلال بالاستصحاب هنا واضح; ذلك أن فائدة الاستصحاب تظهر في مقام الثبوت ورفع التحيّر الذي يقع فيه المكلّف بينه وبين ربّه، لا في مقام الاختلاف، وهو مجال الاحتجاج والدعاوى، وبشكل عام لا تجري البراءة، ولا الاستصحاب في مجال الاختلاف والدعاوى مطلقاً. 2 ـ الاستناد إلى القرآن، وقفة نقدية استدل العلامة الحلي في المختلف(177)بعدة وجوه لعدم صحة شهادة النساء لإثبات الطلاق، وكان أحدها قوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)، ببيان أن اقتصار الآية على ذكر الرجلين العدلين ـ بقرينة (منكم)ـ دالّ على حصر القبول بشهادة الرجال في إثبات الطلاق، وعدم القبول بشهادة النساء ولو كان معهنّ رجال، فكيف إذا كنّ لوحدهنّ؟! وبطلان الاستدلال بهذه الآية المتصلة بمقام الثبوت لا الإثبات واضحٌ معلوم; إلا أنه يمكن سلوك سبيل آخر للاستدلال، وهو ما بُيّن سابقاً في تقريب الملازمة العقلية عند الحديث عن الآية 282 من سورة البقرة، فنقول هنا: رغم أن الدلالة المطابقية للآية راجعة إلى مقام الثبوت وصحة الطلاق، إلا أن الشرطية في مقام الثبوت تلازمها الشرطية في مقام الإثبات، نتيجة الملازمة العقلية بين الثبوت والإثبات (التحمّل والأداء) والخروج عن اللغوية; ذلك أنه إذا لم يكن لشهادة العدلين أي أثر في مقام الإثبات فلن تكون هناك أي فائدة وأثر لهذه الشهادة في مقام الثبوت; لأن شهادة الشاهد ذات فائدة في مجال الدعاوى والاختلافات. إن هذا النمط من الاستدلال واضح البطلان; ذلك أننا نذعن بوجود ملازمة في الآية 282 من سورة البقرة، إلا أن هذه الملازمة إنما انطلقت من عدم اللغوية بين التحمل والأداء; ذلك أنه إذا لم تكن هناك فائدة للحكم بنفوذ شهادة المرأتين مكان الرجل الواحد في مقام الأداء والإثبات، فلن يكون لهذه الشهادة أي أثر شرعي آخر في باب الدعاوى ـ كما هو مورد الآية ـ أما هنا فذكورية الشاهدين العادلين شرط لصحة الطلاق بجسب مقام الثبوت والحكم الواقعي، وتحقق الطلاق بين المكلّف وربّه، وهو منشأ لترتيب آثار شرعية كثيرة لا ارتباط لها أساساً بباب الدعاوى والمحاكم وحكم الحاكم، فلا يلزم أيّ لغوية من جعل ضرورة الشاهدين لإثبات الطلاق، وعليه، وعلى مستوى نصّ القرآن، ليس هناك آية تفرض شرطية الذكورة لإثبات الطلاق. 3 ـ الاستناد إلى دليل السنّة جمع الشيخ الحر العاملي روايات كثيرة هنا، ولعلّه يمكن القول: إنه نقل تمام الروايات الدالة على عدم نفوذ شهادة المرأة في الطلاق مما يمكن أن يستند إليه في هذا الأمر، وهذه الروايات ولو كانت كثيرةً من حيث العدد، إلا أن كلّ واحدة منها تواجه مشكلةً، إما على مستوى السند أو على مستوى الدلالة أو على المستويين معاً على سبيل مانعة الخلو، من هنا يُشكل الاستدلال بهذه الروايات لإثبات أمر يقف على الخلاف مع البناء العقلائي ومع الأصل والارتكازات العرفية. ولمزيد من اتضاح هذا الأمر، وبيان ضعف الروايات هنا، نستعرض كل رواية على حدة; لدراستها والتأمل فيها: 1) صحيحة الحلبي، قراءة نقدية فقد روى الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام)، أنه سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: «تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان ألامام علي(عليه السلام)يقول: لا أجيزها في الطلاق..».(178) إن هذه الرواية ـ وبسبب جملة «لا أجيز» ـ لا يمكنها أن تتضمّن حكماً كلياً شرعياً دائماً، وإلا كان المفترض القول: لا تجوز، تماماً كما جاء التعبير عينه في مورد النكاح، وهو المورد الذي تجوز فيه شهادة المرأة، وبعبارة مختصرة: إن كلمة «لا أجيز» تدل على شخصية الحكم بعدم الجواز، لا أنه حكم إلهي كلّي شرعي دائمي، كما تدلّ على ارتباطه بشخص أميرالمؤمنين(عليه السلام) طبقاً لـقرينة المقابلة بين هذا التعبير وجملة «تجوز» الواردة في مورد النكاح، وإلا كان التغيير في التعبير لغواً بلا فائدة.ولا يفوتنا أن شخصية الحكم بعدم الجواز ناشئة من الظروف المرحلية في عصر الإمام علي(عليه السلام)، فهناك خصوصيات دفعته(عليه السلام) لعدم قبول شهادة النساء، ومعنى هذا كله أن صحيحة الحلبي لا تدل على عدم قبول شهادة النساء في الطلاق بوصف ذلك حكماً شرعياً دائماً، وحتى لو غضينا الطرف عن مسألة شخصية الحكم، فلا أقلّ من عدم إمكان رفع احتمال الشخصية، ومعه فلا يصحّ الاستناد إلى هذه الرواية انطلاقاً من قاعدة: إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. 2) مضمرة أبي بصير، وقفة نقدية روى أبو بصير قال: سألته عن شهادة النساء؟ فقال: «تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، ولا تجوز في الطلاق، ولا في الدم..».(179) وهنا، أولاً: ثمة في سند هذه الرواية علي بن أبي حمزة بن سالم البطائني ـ وهو واقفي المذهب ـ ويوجد اختلاف في وثاقته بين علماء الرجال، حيث يوثقه بعضهم، فيما يراه آخرون ضعيفاً.(180) ثانياً: إن أبا بصير الوارد في سند الرواية مشترك بين الثقة وغير الثقة، وهي كنية لأربعة أشخاص، نعم، قيل: إن نقل البطائني عنه شاهد على أن المراد به أبو بصير الثقة. ثالثاً: إن الرواية مضمرة. رابعاً: لم تقبل الرواية شهادة النساء في القتل (الدم)، لذا فهي تعارض ـ من هذه الناحية ـ صحيح جميل بن دراج، ومحمد بن حمران،(181)ورواية أبي الصباح الكناني،(182) فقد جاء في صحيح جميل بن دراج. عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قلنا: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: «في القتل وحده، إن علياً(عليه السلام)كان يقول: لا يبطل دم امرىء مسلم»، وكذلك جاء في رواية أبي الصباح الكناني عن الإمام الصادق(عليه السلام) عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: «تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم». وقد يحاول بعضٌ أن يحلّ هذا التعارض ويجيب عنه بالقول: إن مضمرة أبي بصير تعارض الروايات المذكورة في القتل فقط، لا في الطلاق الذي هو مورد بحثنا، إذ لم يرد في الروايات الثلاث المذكورة أيّ حديث عن الطلاق، وحينئذ وإعمالا لقانون التساقط عند التعارض، أي «إذا تعارضا تساقطا»، يسقط مضمر أبي بصير في مورد القتل فقط فيما يظلّ مورد الطلاق حجةً حيث لا معارض له. إلا أنّ هذا الجواب غير صحيح; لأن الحكم في الطلاق والدم ورد بجملة واحدة، والعقلاء لا يقبلون التبعيض في الحجية في مورد الحكم غير المستقل، رغم قبولهم بذلك في الأحكام المستقلة. 3) رواية إبراهيم الحارثي، نقد وتعليق يذكر إبراهيم الحارقي (الحارثي أو الخارقي) يقول: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: «تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا ويشهدوا عليه، وتجوز شهادتهنّ في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، ولا في الدم..».(183) إلا أنّ هذه الرواية تواجه إشكالين: الأول: إن إبراهيم الحارقي (أو الحارثي أو الخارقي) رجلٌ مجهول، لم يوثق ولم يضعّف فأعلى ما قيل فيه : إنه إمامي المذهب.(184) الثاني: إن هذه الرواية كسابقتها تعارض ـ نتيجة جملة: «ولا في الدم» ـ صحيح جميل بن دراج ومحمد بن حمران، وخبر أبي الصباح الكناني. 4) رواية محمد بن الفضيل، نقد وتفنيد: فعن محمد بن الفضيل: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو رجم؟ قال: «تجوز شهادة النساء في ما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهنّ رجل، وتجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل، وتجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم، ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق، ولا في الدم».(185) ويلاحظ، أولاً: ابن محمد بن الفضيل الوارد في سند هذه الرواية هو محمد بن فضيل الأزدي الكوفي الصيرفي الذي هو من أصحاب الإمامين: الرضا والكاظم(عليهما السلام)، وهو ضعيف، وليس هو محمد بن فضيل بن غزوان الذي وثقه الشيخ والعلامة; لأن ابن غزوان من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)، لا الإمام الرضا(عليه السلام)،(186)وحيث كان السؤال في الرواية عن ألامام الرضا(عليه السلام) فيُعلم منه أن المراد الأزدي الكوفي، لا ابن غزوان. ثانياً: لتلك الروايات السابقة، يعارض هذا الخبر صحيح جميل وابن حمران وخبر أبي الصباح الكناني. 5) رواية محمد بن مسلم ونقدها يقول محمد بن مسلم: يقول: «لا تجوز شهادة النساء في الهلال، ولا في الطلاق»، وقال: سألته عن النساء تجوز شهادتهنّ؟ قال: «نعم، في العذرة والنفساء».(187) هذه الرواية، أولاً: مضمرة، ولا يعلم من هو الذي سأله محمد بن مسلم، وإن كان لا خلل في سند الرواية من حيث إن محمد بن مسلم من الشأن والجلالة ما يبعد معه روايته عن غير المعصوم. ثانياً: لقد جاءت شهادة النساء في الهلال والطلاق معاً، وبقرينة ذكر الهلال يحتمل أن يكون نظراً شخصياً للإمام وحكماً حكومياً زمنياً صدر طبقاً لظروف خاصّة، وهو ما سنزيده توضيحاً في بحث رؤية الهلال. 6) رواية زرارة، نقد وتمحيص في خبر صحيح السند، يروي زرارة عن الإمام الباقر(عليه السلام)يقول: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن شهادة النساء: تجوز في النكاح؟ قال: «نعم، ولا تجوز في الطلاق..»، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «لا».(188) رغم أنّ هذه الرواية معارضة ـ ظاهراً ـ للروايات الواردة في شهادة المرأة في «الدم»، إلا أنه حيث كان صدرها وذيلها قابلين للتقطيع والفصل فإنّ العقلاء يقبلون بالتبعّض في الحجية في هذا النوع من الروايات التي تكون فيه المطالب مستقلّة، نعم هذا البناء العقلائي يغدو محلّ ترديد عندما نرى ورود مسألتي الطلاق والدم معاً في خمس روايات كمطلب واحد، وحتى يتمسّك ببناء العقلاء لابد من إحرازه، وهو هنا مشكوك لا يمكن التمسك به. كذلك جاء في سند الرواية مثنى الحناط الذي اكتفى علماء الرجال ـ مثل الكشي(189) ـ في توثيقه على جملة علي بن الحسن بن فضال التي جاء فيها: «لا بأس به»، وهذا ما يجعل الاعتماد على هذه الرواية بوصفها خبراً حجة مشكلاً. 7) خبر أبي الصباح الكناني ونقده فقد روى الكناني عن ألامام الصادق(عليه السلام) أن علياً(عليه السلام)قال: «شهادة النساء تجوز في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، وقال: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان جاز في الرجم، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم يجز، وقال: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال».(190) وفي سند هذه الرواية محمد بن فضيل،(191)وهو إما محمد بن فضيل الأزدي الضعيف أو محمد بن فضيل غزوان الثقة، نعم قال بعض: إنه حيث ينقل عنه الحسين بن سعيد، فلابد أن يكون فضيل غزوان، وقال بعض: إنّ الصدوق قد عمل بما رواه عن محمد بن فضيل عن أبي الصباح، إلا أن أياً من هذا الكلام ليس بحجة على الوثاقة، وعليه، فمحمد بن فضيل في هذه الرواية إما الضعيف أو المشترك بين الضعيف والثقة، فتسقط الرواية عن الاعتبار. 8) رواية داوود بن الحصين ونقدها في خبر طويل يقول داوود بن الحصين عن الإمام الصادق(عليه السلام): سألته عن شهادة النساء في النكاح، بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال: «لا بأس به»، ثم قال: «ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟»، قلت: يقولون: لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين، فقال: «كذبوا ـ لعنهم الله ـ هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه، وشدّدوا وعظموا ما هوّن الله، إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد.. وكان أمير المؤمنين(عليه السلام)يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين»، فقلت: فأنى ذكر الله تعالى قوله: (فرجل وامرأتان)؟ فقال: «ذلك في الدَّين; إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان، ورجل واحد ويمين المدّعي، إذا لم يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام)بعده عندكم».(192) ودلالة هذا الحديث تستدعي النظر من جهات: أولاً: من الممكن أن يكون الحديث عن الطلاق والشهادة به في الرواية مما يرجع إلى صحّة الطلاق، لا إلى إثبات دعوى أو رفع اختلاف; والقرينة على ذلك قوله: «هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه، وشدّدوا وعظموا ما هوّن الله، إن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد». ثانياً: إن جملة «لا يجيز» ـ الواردة في الرواية ـ يمكن أن تكون حكماً زمنياً لا دائماً، والشاهد على ذلك أن الإمام الصادق قد نسب جملة: «يجيز»، و«لا يجيز» إلى الإمام علي، ولم يذكرهما بصورة حكم كليّ، فقد قال: «كان أمير المؤمنين(عليه السلام)يجيز شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين». 9) رواية السكوني ونقدها يروي السكوني، عن جعفر، عن آبائه، عن ألامام علي(عليه السلام)أنه كان يقول: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق، ولا نكاح، ولا في حدود، إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه».(193) أولاً: إن هذه الرواية تعارض الروايات الدّالة على قبول شهادة النساء في النكاح، مثل خبر داوود بن الحصين.(194) ثانياً: وتعارض أيضاً ما دلّ من الروايات على نفوذ شهادة المرأة في بعض الحدود،(195) وفي القتل.(196) 10) رواية محمد بن سنان ونقدها جاء في علل الشرائع وعيون أخبار ألامام الرضا(عليه السلام) أن محمد بن سنان ينقل عن الإمام الرضا(عليه السلام) حول علّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال مايلي: «وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال، لضعفهنّ عن الرؤية ومحاباتهنّ النساء في الطلاق».(197) وهنا إشكالات: بيان وجه ضعف سند الحديث الإشكال الأول: إن سند الحديث في المصدرين ضعيفٌ بمحمد بن سنان، فالشيخ الحرّ العاملي في خاتمة وسائل الشيعة يذكر ـ بدايةً ـ أسانيد الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» ثم يقوم بذكر سائر أسانيده في غير هذا الكتاب، وينقل العاملي للصدوق إلى محمد بن سنان ثلاثة طرق في العلل والعيون،(198) وكلّها ضعيفة، وهي: السند الأول: حدثنا محمد بن علي ماجيلوبه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان. وفي هذا الطريق يوجد محمد بن علي الكوفي المكنّى بأبي سمينة، وقد عدّه الفضل بن شاذان من أشهر الكذابين.(199) السند الثاني: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن عبد الله الوراق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن العباس، عن القاسم بن الربيع الصحاف، عن محمد بن سنان. وفي هذا الطريق يوجد القاسم بن الربيع وهو ضعيف أيضاً.(200) السند الثالث: حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي، وعلي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة، وأبو جعفر محمد بن موسى البرقي بالريّ، رضي الله عنهم، قالوا: حدثنا علي بن محمد ماجيلويه، عن أحمد بن عبد الله،(201) وعلي بن عيسى،(202)ومحمد بن موسى(203) ممّن لم يوثقوا، وهذا معناه أن الطرق الثلاثة تواجه مشكلةً تمنع عن تصويب الاعتماد على هذه الرواية. الإشكال الثاني: ليس من البعيد أن ترتبط الرواية بمسألة الشهادة التي أخذت شرطاً في صحّة الطلاق، ذلك أن العلّة المذكورة فيها، وهي «محاباتهنّ النساء في الطلاق» تنسجم مع الشهادة لثبوت الطلاق، لا الشهادة لإثباته. وعليه، ومن خلال دراسة الأدلّة الواردة يمكن الخروج بالنتيجة التالية وهي أنه لا دليل في الآيات القرآنية على عدم حجية شهادة المرأة في إثبات الطلاق، وأن تمام الأحاديث التي تمسّكوا بها على عدم حجية شهادتهنّ أو يمكن أن يستند إليها تحوي عناصر ضعف في السند أو في المتن، وفي بعضها في السند والمتن والدلالة معاً. احتمال الفاضل الإصفهاني في الروايات والإشكالات عليه أ ـ احتمال الفاضل الإصفهاني سجّل المغفور له الفاضل الإصفهاني إشكالاً أساسياً على تمام هذه الروايات، فقد اعتقد أنه يحتمل أن يراد من الشهادة الواردة في الأحاديث شهادة النساء حين الطلاق كشرط في صحّة الطلاق، فتكون هذه الروايات ناظرة إلى الآية الشريفة: (وأشهدوا ذوي عدل منكم)وعلى حدّ تعبيره هو نفسه: «لكنّ أخبار الطلاق يحتمل شهادتهنّ حين الطلاق».(204) ب ـ إشكال صاحب الجواهر على احتمال كشف اللثام وقد تعرّض احتمال الفاضل الإصفهاني لاعتراض صاحب الجواهر، إذ ذهب إلى أن حمل الروايات على شرط الصحّة بعيد، كما أنه لا ينسجم مع بعض هذه الروايات نفسها، يقول: «نعم في كشف اللثام احتمال كون المراد شهادتهنّ حين الطلاق، وهو مع بُعده، فيها ما لا يقبله، كالمروي عن العلل والعيون بأسانيده إلى محمد بن سنان عن ألامام الرضا(عليه السلام) في ما كتب إليه من العلل: ج ـ الرد على كلام المحقق النجفي صاحب الجواهر مما أشكل به صاحب الجواهر على صاحب كشف اللثام في حمله الروايات التي أخذ بها الفقهاء على عدم قبول شهادة النساء في الطلاق، حملها على شرط الصحة وثبوت الطلاق.. بعيد، إلا أن كلام صاحب الجواهر فيه عدّة شبهات وذلك: أولاً: لا يعلم ما هو المراد من الاستبعاد هنا؟! هل بمعنى أن هذا الحمل بعيد عرفاً مما يعني أنّ هذا الاحتمال (حمل الروايات على الصحة) يصبح خلاف الظاهر; لأن العرف لا يقبله، وكل ما كان خلاف الظاهر فليس بحجة، مما يعني أن الروايات أريد بها الشهادة في مقام إثبات الطلاق أم أنّ المراد بالبعد هنا محض الاعتبار الذي لا يضرّ بالظهور العرفي، ويسمح بحمل الروايات على شرط الصحة؟ معنى ذلك أن هناك احتمالين في معنى «البُعد»، كما أن الروايات صار فيها احتمالان: احتمال عدم النفوذ والحجية في مقام أداء الشهادة، واحتمال عدم النفوذ في مقام الثبوت وشرط الصحّة; وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال; لهذا لا يمكن العمل بهذه الروايات للاستدلال بها على عدم قبول شهادة النساء في إثبات الطلاق. ثانياً: إن مقولة «البعد» إنما ترتبط بما إذا كان هناك مفهومان أحدهما بعيد في نظر العرف، مع أن «لا تجوز» هنا مفهوم واحد له معنى واحدّ، وهو عام له مصاديق متعدّدة، منها عدم الجواز في مقام الإثبات، وعدمه في مقام الصحة والثبوت، فالمصاديق مختلفة عن بعضها، حيث يقول الإمام(عليه السلام)فيه: «..إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد..».(208) ومن الواضح أن كلمة «أجازوا» مربوطة بشرط الصحّة; لأن الله تعالى في القرآن الكريم أمر بالشاهدين العدلين في الطلاق على مستوى الصحّة والثبوت، وقد استخدم الإمام كلمة «أجازوا» في هذا المعنى والمفهوم العام، مطبقاً إياه على أحد مصاديقه ألا وهو النفوذ في باب شرط الصحّة، من هنا; فإن استعمال: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق» في الروايات لا بُعد في حمله على معناه وتطبيقه على عدم النفوذ بحسب الثبوت. استنتاج ومع الأخذ بعين الاعتبار الإيرادات والإشكالات السندية والدلالية في الروايات المتقدّمة، نستنتج أن هذه الروايات لا يمكنها أن تكون حجةً في عدم نفوذ شهادة النساء في مقام الإثبات، وقد قيل: إنه لا يمكن بهذه الروايات إثبات حكم مخالف لبناء العقلاء وارتكازات العرف، والشاهد على هذه الارتكازات في الروايات ما جاء في خبر داوود بن الحصين المتقدم، إذ بعد أن قال الإمام(عليه السلام): «لا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين» عمد السائل فوراً ـ ونتيجة البناء العقلائي المركوز في ذهنه ـ إلى الاستشهاد بالقرآن الكريم، فسأل الإمام: «أنى ذكر الله (فرجل وامرأتان)؟» وهذا معناه أنه مركوز في ذهن السائل أن شهادة النساء لابد أن تقبل وأن القرآن قد قبلها، لذا سأل عن السبب في عدم قبول شهادتهنّ. أدلّة بعض القائلين بعدم جواز شهادة النساء في الطلاق أ ـ استدلال صاحب الجواهر يستدلّ صاحب الجواهر لإثبات عدم جواز شهادة النساء في الطلاق بوجهين: أحدهما الأصل وثانيهما الروايات، فيقول: «للأصل، ونصوص كثيرة كصحيح الحلبي...(209)وخبر إبراهيم الحارثي...(210) وخبر محمد بن فضيل(211) إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى كونه مقطوعاً به منها إن لم يكن دعوى تواترها، مع كونها سالمة عن المعارض بالخصوص..».(212) ب ـ نقد استدلالات صاحب الجواهر ثمة إشكالات ثلاثة في استدلال صاحب الجواهر هي: الإشكال الأول: إنه يقول: إنه يقطع بالحكم من هذه الروايات، ولكننا نقول في جوابه أنه مع هذه الإشكالات المتقدمة في الرواية من ناحيتي: السند والمتن، كيف يمكن تحصيل اليقين منها؟ قد يقول شخص: أنه عندما يحصل اليقين لفقيه كبير مثل صاحب الجواهر فلابد أن يكون هذا اليقين معتبراً عند الآخرين، إلا أنه لابد لنا أن نعرف أن يقين مجتهد حصل له من الروايات ليس حجةً شرعية على المجتهدين الآخرين، فمن البديهي أنه لا يكون يقين أيّ فرد منشأ ليقين فرد آخر; ذلك أنّ لكل يقين حاجته إلى مبادئه ومقدماته. الإشكال الثاني: يقول صاحب الجواهر: «إن لم يكن دعوى تواترها» والإشكال هنا أن هذه الروايات لا يوجد فيها تواتر لفظي، لهذا إما تواترها تواتر إجمالي أو معنوي بحيث يقصد صاحب الجواهر أحدهما، وفي التواتر الإجمالي يجري التمسّك بالرواية التي تكون الأخصّ مضموناً والأضيق دائرةً ـ كما يقول صاحب الكفاية ـ والقدر المتيقن من هذه الروايات هو: «لا أجيز» لا «لا تجوز»، ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا المعنى للتواتر لن يكون التواتر دليلاً لصاحب الجواهر; ذلك أن جملة: «لا أجيز» لا تعبر عن حكم كلي ودائم. الإشكال الثالث: ويرى صاحب الجواهر أن هذه الروايات سالمة عن المعارض، فإذا كان مقصوده من السلامة عن المعارض بالخصوص عدم وجود رواية واردة في خصوص باب الطلاق فكلامه صحيح، أما إذا أراد عدم وجود معارض يجعل حجية هذه الروايات موضع إشكال أو تساؤل، فإن كلامه ليس صحيحاً، ذلك أننا عرفنا من المباحث السالفة أن هناك بالفعل معارضاً لهذه الروايات بهذا المعنى، ولا فرق في المعارض بين المعنى الذي ذكرناه وبين ما أسماه صاحب الجواهر: المعارض بالخصوص. ج ـ استدلال صاحب المستند ونقده يقول النراقي في مستند الشيعة: «تشترط في ثبوت الطلاق: الذكورة المحضة أيضاً، ولا يقبل فيه شهادة النساء مطلقاً على الأظهر الأشهر بين من تقدّم وتأخر، للصحاح الثلاث.. والروايات التسع».(213) وواضح أن استناد صاحب المستند كان بروايات الباب، وكلّها ـ كما أسلفنا بحثها بالتفصيل من قبل ـ محل إشكال إما من ناحية السند أو من ناحية الدلالة. د ـ استدلال آخر، وقفه نقدية ومن الأدلة الأخرى التي يمكن طرحها في خصوص حجية شهادة النساء في إثبات الطلاق والهلال هو القاعدة التي ذكرها الإمام(عليه السلام) في عدة روايات(214) وهي: «تجوز شهادة النساء في ما لا يستطيع للرجال النظر إليه» فحيث كان هذا القيد في مقام بيان الضابط من جانب الإمام، فإنّ مفهومه أن شهادة المرأة ـ سواء منفردةً أم منضمّةً إلى شهادة الرجال ـ ليست جائزةً ولا نافذةً في الموارد التي يمكن للرجال النظر إليها، وهذا العموم والإطلاق في المفهوم يستدعي عدم حجية شهادة النساء في بعض الموارد والموضوعات الفقهية، وبناءً عليه فهذا المعيار رادع عن بناء العقلاء والارتكازات العقلائية القائمة على الأخذ بشهادة النساء في تمام الموضوعات، فيكون هذا المعيار موجباً لسقوط حجية بناء العقلاء ـ وهو العمدة في قبول شهادة النساء ـ في بعض الموارد، والتي من بينها شهادتهنّ في إثبات الطلاق. وللجواب عن هذه الشبهة يمكن القول: أولاً: لم يرد هذا الاستدلال ولا هذا المفهوم في أيّ من أدلّة الفقهاء الذي بحثوا هذه المسألة، وبالخصوص صاحب المستند القائل بعدم الأخذ بشهادة النساء في الطلاق، وكان ممّن بذل جهداً وافراً في جمع الروايات النافية لقبول شهادتهنّ، فلم يذكروا هذا المفهوم إطلاقاً. ثانياً: إن استفادة المعيار العام من هذه الروايات إنما هو عبر المفهوم، والحال أن الروايات نفسها اعتبرت شهادة النساء حجةً في موارد يمكن للرجال النظر إليها، مثل الدَّين والنكاح والحدود و.. ومن الصعب ـ وإن أمكن الإشكال في هذا الوجه ـ أن يكون هذا المفهوم في مقام بيان القاعدة في رفض شهادة النساء في صورة الانفراد، من هنا لم يستند إليه صاحب المستند، والذي يبدو أنه إشكال وجيه. ثالثاً: إن الاستدلال بهذا النوع من المفاهيم لإثبات الردع عن بناءات العقلاء وارتكازاتهم تمسّكٌ بدليل ضعيف لا يصلح للوقوف في وجه هذه البناءات; ذلك أنه من الواضح أن الردع عن الارتكازات العقلائية الراسخة والسائدة يحتاج إلى وجه قوي ـ كماً وكيفاً ـ يضارع هيمنة هذا الارتكاز من حيث الكيفية والكمية، وإلا فلا يرى العقلاء لغير هذا الرادع معنى ومفهوماً. استنتاج وتحقيق مع الأخذ بعين الاعتبار المناقشات السالفة لأدلة القائلين بعدم حجية شهادة النساء في إثبات الطلاق، نتوصّل إلى أن القول بحجية شهادتهنّ في هذه المسألة لا يخلو من قوّة، والدليل على ذلك وجوه ثلاثة هي: عمومات حرمة كتمان الشهادة، وصدق لفظ العادل والعدول على النساء كصدقه على الرجال، وبناء العقلاء والارتكازات العرفية القاضية بقبول شهادتهنّ في تمام الدعاوى وعدم الردع من طرف الشارع، والدليل الأخير هو العمدة عندنا في إثبات حجية شهادة النساء في الطلاق، مؤيدةً هذه الأدلّة كلها بخبر عبد الكريم،(215) ومرسلة الشيخ الطوسي،(216)يضاف إليه ذهاب بعض الفقهاء مثل الشيخ في المبسوط،(217)والعماني،(218)والإسكافي(219) إلى قبول شهادتهنّ في الطلاق منضمّةً إلى الرجال. _______________________________________________________________ (159) الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة 4: 16، قال: «وأما الشروط التي تتعلّق بالشهادة، فإن الشهادة أولاً في ذاتها شرط لصحّة عقد النكاح، فلابدّ منها». (160) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35. (161) الطلاق: 2. (162) جواهر الكلام 32: 102. (163) وسائل الشيعة 22: 26، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشرائطه، باب 10، ح2. (164) المصدر نفسه: 26، ح3. (165) المصدر نفسه: 26 ـ 27. (166) المصدر نفسه: 134، أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، باب 13. (167) المصدر نفسه: 50، أبواب مقدّماته وشرائطه، باب 21، ح1، 2، 3. (168) المصدر نفسه 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح50. (169) المصدر نفسه: 360، ح35. (170) المصدر نفسه 22: 25، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، باب 10، وقد جمع صاحب وسائل الشيعة هذه الروايات في هذا الباب. (171) غنية النزوع 1: 438. (172) المبسوط 8: 172. (173) حكاه عنه العلامة الحلي في مختلف الشيعة 8: 474، المسألة: 74. (174) المصدر نفسه. (175) الفاضل الهندي، كشف اللثام 10: 326. (179) مختلف الشيعة 8: 480. (177) المصدر نفسه: 482. (178) وسائل الشيعة 27: 351، كتاب الشهادات، باب 24، ح2. (179) المصدر نفسه: 351، ح4. (180) تنقيح المقال 2: 26، الرقم: 8111. (181) وسائل الشيعة 27: 350، كتاب الشهادات، باب 24، ح1. (182) المصدر نفسه: 357، ح25. (183) المصدر نفسه: 352، ح5. (184) تنقيح المقال 1: 39، الرقم: 216. (185) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، باب 24، ح7. (186) تنقيح المقال 3: 170، الرقم: 11230. (187) وسائل الشيعة 27: 352، كتاب الشهادات، باب24، ح8. (188) المصدر نفسه: 354، ح11. (189) رجال الكشي: 338، رقم: 623. (190) وسائل الشيعة 27: 357، كتاب الشهادات، باب 24، ح25. (191) انظر: تنقيح المقال 3: 170، الرقم: 11230. (192) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35. (193) المصدر نفسه: 362، ح42. (194) المصدر نفسه: 360، ح35. (195) المصدر نفسه: 351، ح3، و 352، ح5. (196) المصدر نفسه: 350، ح1. (197) المصدر نفسه: 365، ح50.(198) المصدر نفسه 30: 120، الفائدة الأولى، مشيخة الصدوق في الفقيه. (199) وذكر الفضل في بعض كتبه: الكذابون المشهورون: أبو الخطاب، ويونس بن ظبيان، ويزيد الصائغ، ومحمد بن سنان، وأبو سمينة أشهرهم. انظر: اختيار معرفة الرجال 6: 823. (200) القاسم بين الربيع الصحاف، كوفي، ضعيف في حديثه، غال في مذهبه، لا التفات إليه ولا ارتفاع به. انظر: المصدر نفسه 2: 389. (201) تنقيح المقال 2: 266، الرقم: 8158. (202) المصدر نفسه: 301، الرقم: 8426. (203) المصدر نفسه 3: 192، الرقم: 11410. (204) كشف اللثام 10: 327. (205) وسائل الشيعة 27: 365، كتاب الشهادات، باب 24، ح50. (206) المصدر نفسه: 360، ح35. (207) النجفي، جواهر الكلام 41: 160. (208) وسائل الشيعة 27: 360، كتاب الشهادات، باب 24، ح35. (209) وسائل الشيعة 27: 351، كتاب الشهادات، باب 24، ح2. (210) المصدر نفسه: 352، ح5. (211) المصدر نفسه، ح7. (212) جواهر الكلام 41: 160. (213) النراقي، مستند الشيعة 18: 274. (214) وسائل الشيعة 27: 351 ـ 354، كتاب الشهادات، باب 24، ح4، 5، 7، 10، 12. (215) عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور، عن أبى جعفر(عليه السلام) قال: «تقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كنّ مستورات من أهل البيوتات، معروفات بالستر والعفاف، مطيعات للأزواج، تاركات للبداء والتبرج إلى الرجال في أنديتهم». انظر: المصدر نفسه 27: 398، كتاب الشهادات، باب 41، ح 20. (216) وروي قبول شهادتهنّ في الطلاق مع الرجال، فهذه الرواية وإن ذكرها صاحب الرياض 2: 441، واعتبر موضعها كتاب المبسوط، إلا أننا لم نجدها فيه، كما أن صاحب الرياض ذكر ورود هذه الرواية في الكفاية، ويبدو أنه اعتمد على كلام السبزواري صاحب الكفاية في هذه الرواية، ولا يفوتنا أن النراقي اعتبر هذه الرواية من الأدلّة، وذكر محققو المستند أن مرجعها هو كتاب الرياض (انظر: مستند الشيعة 18: 276)، ومعه فمن الواضح عدم وجود رواية للطوسي من هذا النوع في المبسوط، والله العالم. (217) المبسوط 8: 172. (218) حكاه عنه في المختلف 8: 474، مسألة: 74. (219) مجموعة فتاوى ابن الجنيد: 327.
|