|
المبحث السادس: شهادة المرأة في إثبات القتل
ونبحث هنا في قبول شهادة المرأة في إثبات القتل الذي يوجب القصاص.
الآراء والنظريات يوجد في مسألة شهادة المرأة بالقتل الموجب للقصاص ثلاثة آراء، وتجدر الإشارة إلى أن القائلين بقبول شهادتهنّ في القتل الموجب للقصاص أو القائلين بالتفصيل، لا يقبلون الشهادة المنفردة، بل يشرطون القبول بانضمام الرجال إليهنّ. النظرية الأولى: عدم قبول شهادة النساء في القتل مطلقاً، أي إن شهادتهنّ لا توجب القصاص ولا الدية، سواء انضمت إليها شهادة الرجال أم لم تنضم، وسواء كانت منفردة أم مأخوذة شهادةُ الرجال معها. وهذا القول هو مختار فقهاء مثل الشيخ الطوسي في الخلاف،(304) وابن إدريس،(305) والمحقق الحلي في كتاب القصاص من الشرائع،(306) والعلامة في التحرير،(307) وفي قصاص القواعد،(308) وكذا قصاص الإرشاد.(309) النظرية الثانية: قبول شهادة النساء في القتل مطلقاً، وإيجابها القصاص، وقد اختار هذا القول فقهاء مثل: المحقق الحلي في كتاب الشهادات من الشرائع،(310) والعلامة في كتاب القضاء (المقصد الخامس في الشهادات) في إرشاد الأذهان،(311)وكتاب القضاء (المقصد التاسع في الشهادات) في القواعد،(312)وابن أبي عقيل،(313)وابن زهرة،(314) والمحقق الأردبيلي.(315) النظرية الثالثة: القول بالتفصيل بين القصاص فلا يثبت بشهادة النساء في القتل، وبين غيره حيث تثبت الدية، وهذا القول هو مختار الكثير من الأصحاب،(316) مثل الطوسي في النهاية،(317) وابن الجنيد،(318)وابي الصلاح،(319)وابن البراج،(320) وفخر المحققين،(321) والعلامة في المختلف.(322) وأخيراً نشير إلى أمر يستحق الذكر ولا يخلو من فائدة، وهو أنه نُسب في الكتب الفقهية القولُ بقبول شهادة النساء في القصاص مطلقاً إلى الشيخ الطوسي في المبسوط، ويبدو أن العلامة الحلّي في المختلف(323) أوّل من ذكر هذه النسبة وتبعه بعض العلماء الذين جاؤوا بعده، مثل الشهيد الأول في غاية المراد،(324)والفاضل النراقي في المستند،(325) وكل من سعى لاستخراج مصدر هذا الأمر أرجع إلى كتاب المبسوط (8: 172) مع أن الشيخ في هذا المصدر بعينه يصرّح بعدم قبول شهادة النساء في القتل الموجب للقصاص، وهذا نصّ عبارته: «أحدها لا يثبت إلا بشهادين ذكرين، وهو ما لم يكن مالاً ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال...والجناية الموجبة للقود...وقال بعضهم: يثبت جميع ذلك بشاهد وامرأتين، وهو الأقوى إلا القصاص». وشبيه هذه العبارة جاء في المبسوط (7: 248) في فصل «في ذكر الشهادة على الجنايات» حيث يصرّح هناك بعدم قبول شهادتهنّ في القتل الموجب للقصاص، ولا نعرف كيف وقع هذا الاشتباه في كتب الفقهاء؟! إلا إذا قلنا: لعلّ نظرية القبول المطلق موجودة في سطور هذا الكتاب إلا أننا لم نر شيئاً من هذا. الأدلة، نقد وتعليق أ ـ أدلة نظرية عدم الحجية يستند القائلون بعدم حجية شهادة النساء في القتل الموجب للقصاص إلى دليلين: الأول: القاعدة المشار إليها في كلمات الفقهاء والمستند إليها في موارد عديدة، وهي قاعدة عدم قبول شهادة النساء في غير الأمور المالية أو المقصود منها المال، مع إمكان اطلاع الرجال عليها، وقد جاء هذا الاستدلال في كلام الشيخ الطوسي في الخلاف،(326)والمبسوط.(327) الثاني: الروايات التي ذكرها بتمامها الحر العاملي(328) في باب مستقل، وهي عبارة عن: 1 ـ خبر أبي بصير قال: سألته عن شهادة النساء؟ فقال: «تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال النظر إليه، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل، ولا تجوز في الطلاق، ولا في الدم...».(329) 2 ـ خبر إبراهيم الحارقي عن ألامام الصادق(عليه السلام): «..وتجوز شهادتهنّ في النكاح، ولا تجوز في الطلاق ولا في الدم».(330) 3 ـ خبر محمد بن الفضيل في حديث طويل عن ألامام الرضا(عليه السلام): «..ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق، ولا في الدم».(331) 4 ـ خبر زرارة عن ألامام الصادق(عليه السلام):... قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «لا».(332) 5 ـ خبر ربعي عن الإمام الصادق(عليه السلام): «لا تجوز شهادة النساء في القتل».(333) 6 ـ خبر ابن مسلم، قال: «..ولا تجوز شهادة النساء في القتل».(334) 7 ـ خبر غياث بن ابراهيم ـ مع تغيير طفيف ـ عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ألامام علي(عليه السلام)، قال: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا في القود».(335) 8 ـ خبر موسى بن إسماعيل بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن ألامام علي(عليه السلام): «لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا قود».(336) وتؤيد هذه المجموعة من الروايات بروايتين أخريين هما: أ ـ دلالة الحصر في موثقة السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن ألامام علي(عليه السلام)أنه كان يقول: «شهادة النساء لا تجوز في طلاق...إلا في الديون، وما لا يستطيع الرجال النظر إليه»;(337) فهذه الرواية دالّة ـ بمفهوم الحصر الذي فيها ـ على عدم قبول شهادة النساء فيما يستطيع الرجال النظر إليه، والقتل من هذه الأشياء. ب ـ الروايات الدّالة على عدم قبول شهادة النساء في الحدود، فهى تؤيد القائلين بعدم قبول شهادتهنّ في القتل، ذلك أنه يطلق الحدّ على القتل أيضاً، وقد أطلق، والشاهد على ذلك رواية جميل بن دراج ومحمد بن حمران:.. تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: «في القتل وحده...».(338) ب ـ أدلّة نظرية حجية شهادة النساء في القصاص ويستند انصار نظرية حجية شهادتهنّ هنا إلى عدة روايات هي: 1 ـ صحيحتا جميل بن دراج ومحمد بن حمران فيما سألاه للإمام الصادق(عليه السلام): أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: «في القتل وحده، إنّ عليّاً(عليه السلام)كان يقول: لا يبطل دم امرء مسلم».(339) 2 ـ خبر أبي الصباح الكناني عن ألامام الصادق(عليه السلام) أنه قال: «قال ألامام علي(عليه السلام): شهادة النساء تجوز في النكاح، ولا تجوز في الطلاق، وقال: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان جاز في الرجم، وإذا كان رجلان وأربع نسوة لم يجز، وقال: تجوز شهادة النساء في الدم مع الرجال».(340) 3 ـ مضمرة زيد الشحام: سألته عن شهادة النساء؟ قال: فقال: «لا تجوز شهادة النساء في الرجم إلاّ مع ثلاثة رجال وامرأتين، فإن كان رجلان وأربع نسوة فلا تجوز في الرجم» قال: فقلت: أفتجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «نعم».(341) ج ـ أدلة نظرية التفصيل في الشهادة بين الدية والقصاص سعى بعضهم ـ لحلّ التعارض الموجود بين الروايات ـ إلى التصرّف في المراد في كل من الطائفتين، وقالوا: إن الروايات الدالّة على نفوذ شهادة النساء في القتل تُحمل على إثبات الدية ولا يثبت القصاص بها، أما الروايات الدالّة على عدم نفوذ شهادة النساء فتُحمل على القصاص، وتكون النتيجة عدم ثبوت القصاص في شهادة النساء بالقتل وثبوت الدية بها. وقد اعتبر أنصار هذا الجمع رواية غياث،[342] وخبر موسى بن إسماعيل[343] شاهدين عليه; ذلك أنه في هاتين الروايتين صرّح بعدم نفوذ شهادتهنّ في القود، وهو يعني القصاص، فعن الامام علي(عليه السلام) قال: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود، ولا قود»،(344)كما ورد القود في خبر موسى بن إسماعيل. وهذا الحمل يشبه الفتوى الواردة في حدّ الزنا والتي قال بها بعضهم، حيث ذهبوا إلى أنه لو شهد رجلان وأربعة نسوة على زنا المحصن فلا يجري الرجم، إلا أن حدّ الزاني أو الزانية يقام حينئذ. ومن بين من تبنّى هذا الجمع: الشيخ الطوسي في كتاب النهاية،(345)لكنّ الحلّي صاحب الشرائع(365) اعتبر هذا الجمع والقول بالتفصيل نادراً شاذاً، فيما نسبه الشهيد الثاني في مسالك الأفهام(347) إلى جمع كثير من الأصحاب، أما صاحب الجواهر فاعتبر هذا التفصيل مخالفاً للقواعد، فقال: «وإن كنا لم نتحققه مع شدّة مخالفته للقواعد»،(348)لكنه رأى أن هذا الجمع بين الروايات أولى وأفضل من القول باختصاص الروايات التي تقبل بشهادتهنّ في القتل، بأنواع القتل الذي فيه الدية فيما تفسّر الروايات الرافضة لشهادتهنّ بالقتل الموجب للقصاص.(349) والذي يبدو أن السبب في مخالفة هذا الجمع للقواعد هو أنه إذا كانت شهادة النساء حجةً يثبت بها القتل العمدي، فلا فرق حينئذ بين القصاص والدية، بل يترتب الأثران معاً، ذلك أن ترتب بعض الأحكام فقط على موضوع ثبت بالحجّة مخالفٌ للقواعد والضوابط والفهم العرفي، حتى لو كان هذا التبعيض في الحجية لا مانع فيه ثبوتاً وعقلاً من طرف الشارع والمقنّن، فبإمكان الشارع بإعمال التعبّد أن يعتبر دليلاً ما حجةً في بعض الآثار دون بعضها الآخر، إلا أن هذا الإعمال للتعبد يحسب في نظر العرف والعقلاء غير صحيح بل شاذ، وكما قلنا مراراً فإن الشارع إذا أراد إعمال التعبد فهو بحاجة إلى نصوص كثيرة وأدلّة محكمة صريحة في إفادة أن قصد الشارع إعمال هذا التعبد، الأمر المفقود في مسألتنا هنا. جمعٌ آخر بين الروايات ذكر جماعة آخرون جمعاً آخر بين الروايات وقالوا: إن الروايات التي تفيد عدم نفوذ شهادة النساء بجملة «لا تجوز» خاصة بصورة الانفراد دون انضمام شهادة الرجال إليهنّ، أما الروايات المجوّزة فتختص بحال الانضمام، وهذا معناه أنه لا تجوز شهادة النساء منفردة وتجوز مجتمعة. وعدم صحة هذا الجمع واضح بعد ملاحظة الروايات; ذلك أن نتيجته تخالف صراحة بعض الروايات، وعلى حدّ تعبير صاحب الجواهر:(350)مخالفة لظاهر بعض أو أكثر الروايات; ففي بعض الروايات جاء التصريح في كلام السائل بأن شهادة النساء في القتل منضمّة إلى الرجال، وذلك مثل خبر زرارة: سألت أبا جعفر(عليه السلام).. قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: «لا».(351) وكذلك الحال في رواية محمد بن فضيل(352) وخبر إبراهيم الحارثي،(353) حيث تتحدّثان عن حد الرجم والزنا فتريان عدم حجية شهادة ثلاثة رجال مع امرأتين، كما تم في الرواية نفسها نفي شهادة النساء في القتل، وهو ما يدلّ على أن شهادتهنّ فيه غير نافذة حتى مع انضمام الرجال; ذلك أن وحدة السياق قرينة على أن القدر المتيقن من جملة «لا تجوز» هو عدم الجواز حتى لو انضمت شهادتهنّ إلى شهادة الرجال. التعارض بين الروايات مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إمكان الجمع الدلالي والعرفي بين هاتين المجموعتين من الروايات، واستقرار التعارض وبقائه، قدّم الفقهاء ـ لحلّ مشكلة التعارض هنا ـ قولين مختلفين هما: 1 ـ القول بالتخيير بين المتعارضين، وانقسم أنصار هذا القول إلى فريقين: أ ـ ترجيح روايات عدم الحجية. ب ـ ترجيح روايات الحجية.2 ـ القول بالتساقط التام والرجوع إلى الأصول. أ ـ نظرية التخيير 1 ـ ترجيح روايات عدم الحجية رجّح بعضهم روايات عدم قبول شهادة النساء، واعتبروا أن من المرجحات كثرة السند، فروايات عدم الحجية ثماني، فيما روايات الحجية أربع أو ثلاث (إذا حسبنا صحيحة جميل وحمران واحدةً)، وعليه فالترجيح لصالح الأكثرية السندية، أي لروايات عدم الحجية. 2 ـ ترجيح روايات الحجية وفي مقابل الفريق الأول، ذهب جماعة إلى ترجيح روايات قبول شهادة النساء انطلاقاً من أمور ثلاثة: 1 ـ إن علة الحكم بقبول شهادتهنّ جاءت في صحيحة جميل وحمران، وهي: «لا يبطل دم امرء مسلم»، وبيان العلّة يعدّ بنفسه مرجّحاً على الروايات التي لا ذكر فيها للعلّة. 2 ـ إن روايات الحجية مؤيدة بروايتين تقبلان ـ إلى حدّ ما ـ شهادة النساء في القتل، وهما: أ ـ خبر عبد الله بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن امرأة شهدت على رجل أنه دفع صبياً في بئر فمات، قال: «على الرجل ربع دية الصبي بشهادة المرأة».(354) ب ـ رواية محمد بن قيس، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين(عليه السلام)في غلام شهدت عليه امرأة أنه دفع غلاماً في بئر فقتله، فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة».(355) وكيفية تأييد هاتين الروايتين هي أن الامام(عليه السلام) حكم بربع الدية بشهادة امرأة واحدة، وهذا دليل على أنّ شهادة النساء في القتل مقبولة. 3 ـ إن صحيحتي جميل ومحمد بن حمران موافقتان لبناء العقلاء وللارتكازات العقلائية. ب ـ نظرية التساقط ذهب بعضهم إلى التساقط عند التعارض، وعدم ترجيح أيٍّ من الروايات على الأخرى، وإنما نستفيد حكم هذه المسألة من عموم الحصر في موثقة السكوني، إذ جاء فيها أنه قال(عليه السلام): «شهادة النساء لا تجوز في طلاق ولا نكاح، ولا في حدود، إلا في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه».(356) فكلمة «إلا» من أدوات الحصر، ومعناها أن شهادة النساء مرفوضة في تمام الموارد إلا في حالتين وموردين، وأحد مصاديق هذا العموم وهو: عدم جواز شهادة النساء في تمام الموارد، هو شهادتهنّ في القتل، وهنا لا علاقة لنا بالمستثنى منه وهو «في طلاق ولا نكاح ولا في حدود»، وعليه لا يرد إشكال التعارض بين المستثنى منه وما دل من الروايات على قبول شهادة النساء في بعض الحدود، وإنما نعتمد على مفهوم الحصر ونستدلّ بالاستثناء، وهو يدل على حصر الجواز بهذين الموردين. الإشكالات الواردة على نظرية التساقط 1 ـ إن القاعدة في الخبرين المتعارضين المتكافئين اللذين لا مزية لأحدهما على الآخر هي التخيير، لا التساقط، فالتساقط وإن كان قاعدةً عقلائية وعقلية في المتعارضين، إلا أن التعارض بين خبرين متكافئين قامت الشهرة والسيرة الفقهية على التخيير فيهما،(357) كما أشار إلى ذلك الشيخ الكليني في مقدمة الكافي: «فاعلم يا أخي أرشدك الله، أنه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء(عليهم السلام) برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله(عليه السلام):.. ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقلّه ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم(عليه السلام)، وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله(عليه السلام): «بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم».(358) 2 ـ إن الحصر هنا لا يفيد العموم من رأس حتى يقال: إنه يرجع بعد التساقط إلى العام الفوقاني، وهو الحصر; ذلك أن الحصر في الاستثناء ـ خصوصاً في الاستثناء المنقطع ـ إنما يعني أن الاستثناء دليل على العموم في المستثنى منه أي أنه لم يخرج أي فرد من أفراد المستثنى منه ولم يُستثن، بل كل الأفراد محكومون بحكم المستثنى منه، إلا مورد الاستثناء، وهذا يدلّ في الاستثناء المنقطع بدلالة أقوى وظهور أوضح، ذلك أنّ المستثني يريد أن يقول: إنه لم يخرج أيّ فرد من أفراد عموم المستثنى منه بأي وجه من الوجوه، إلى حد أنه لو تقرّر وجود استثناء فإنه لابد أن يكون استثناءً لغير أفراد المستثنى منه. وبناءً عليه، فلا يدل الاستثناء في رواية السكوني على أزيد من عمومية المستثنى منه (وهو الحدود، والنكاح، والطلاق)، فلا يشمل الموارد الخارجة عن الموارد المذكورة في المستثنى منه، وهذا معناه أن حكم المستثنى منه ـ وهو عدم جواز شهادة النساء ـ لا يشمل غير موارد المستثنى منه، ومن جملة ذلك القتل. إضافةً إلى ذلك، يعارض التعميم في الحدود ـ وهي جزء من المستثنى منه وحكمها عدم قبول شهادة النساء فيها ـ خبر جميل(359)الذي يدل على أنّ شهادة النساء في القتل ـ وقد جعل فيه جزءاً من الحدود ـ مقبولة، حيث قال: أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: «في القتل وحده..»، وعليه فلا يمكن الأخذ بعموم خبر السكوني والاستدلال به. تحقيق واستنتاج مع الأخذ بعين الاعتبار أن القاعدة في الخبرين المتعارضين المتساويين من تمام الجهات، عملاً بسيرة الأصحاب وفتوى المشهور، هي التخيير، نعمل في الأخبار المتعارضة في باب شهادة النساء في القتل، بما دلّ على قبول شهادتهنّ، وحيث إنه لا مفرّ من ترجيح إحدى الطائفتين على الأخرى، فإننا نرجّح روايات الطائفة الثانية، والتي تدل على قبول شهادة النساء في القتل الموجب للقصاص; وذلك لوجوه نجده معها غير خال من القوّة، وهذه الوجوه هي: وجوه الترجيح 1 ـ توجد في روايات الطائفة الثانية صحيحة جميل بن دراج ورواية محمد بن حمران، والأخيرة مثل الرواية الصحيحة لها اعتبار وقيمة; ذلك أن محمد بن حمران إما محمد بن حمران النهدي وهو شخص موثوق مطمئن له، أو هو محمد بن حمران بن أعين الذي اعتبره صاحب جامع الرواة(360)متحداً مع سابقه، وحتى لو لم يكونا شخصاً واحداً، بل اعتبرنا محمد بن حمران هنا هو محمد بن حمران بن أعين الشعباني الذي لم يرد فيه توثيق، إلا أن وجود مدائح له من نوع أنه من المشايخ ونقل أصحاب الإجماع لرواياته... كلّه دال على وثاقته وحجية رواياته. وعلى هذا الأساس تكون رواياته حسنةً،(361) حتى لو جرى التعبير عادةً عن رواياته بالصحيحة.(362) أما في روايات الطائفة الأولى، فيمكن القول بوجود روايتين صحيحتين; ذلك أن احتمال أن «ربعي» قام بتقطيع خبر ابن مسلم على أساس اعتماده عليه، وحذف الواسطة ـ وهي محمد بن مسلم ـ ثم فصل جملة «لا تجوز شهادة النساء في القتل»(363)ليضعها منفصلةً في مكان آخر وبعنوان رواية مستقلة...(364) هذا الاحتمال قوي وقابل للاهتمام به; ذلك أنه من البعيد أن يسمع ربعي الرواية مرةً عن الإمام الصادق وينقلها عنه، ثم يرويها مرةً أخرى عن محمد بن مسلم ويسمعها منه، مع أن جمل الروايتين واحدة تقريباً، والمنقول عنه فيهما واحد، وهو الإمام الصادق(عليه السلام). 2 ـ إن روايات الطائفة الأولى (عدم الحجية) موافقه لأهل السنّة; فيما روايات الحجية مخالفة لهم، ومن المرجحات المسلّمة في باب التعارض بين الروايات الأخذُ بما خالف القوم، وهذا الوجه عمدة وجوه تقدم روايات الحجية على روايات عدم الحجية. _________________________________________________________________ (304) الخلاف 6: 252، مسألة: 4. (305) السرائر 2: 138. (306) شرائع الإسلام 4: 203. (307) تحرير الأحكام الشرعية 5: 267. (308) قواعد الأحكام 3: 613. (309) إرشاد الأذهان 2: 215. (310) شرائع الإسلام 4: 126. (311) إرشاد الأذهان 2: 159. (312) قواعد الأحكام 3: 499. (313) حكاه عنه في المختلف 8: 483، المسألة: 74. (314) غنية النزوع: 439. (315) مجمع الفائدة والبرهان 12: 427. (316) ورغم أن الحلي في الشرائع 4: 203، اعتبر هذا القول شاذاً، إلا أن الشهيد الأول في غاية المراد 4: 131، قال: إنه قولُ كثير من الفقهاء. (317) النهاية: 333. (318) مجموعة فتاوى ابن الجنيد: 327. (319) الكافي في الفقه: 436. (320) المهذب 2: 558. (321) الإيضاح 4: 434. (322) مختلف الشيعة 8: 434، مسألة 74. (323) المصدر نفسه: 483، مسألة 74. (324) غاية المراد 4: 129. (325) مستند الشيعة 18: 282. (326) الخلاف 3: 252، مسألة: 4. (327) المبسوط 8: 172. (328) وسائل الشيعة 27: 350، كتاب الشهادات، باب 24. (329) المصدر نفسه: 351، ح4. (330) المصدر نفسه: 352، ح5. (331) المصدر نفسه، ح7. (332) المصدر نفسه: 354، ح11. (333) المصدر نفسه: 358، ح27. (334) المصدر نفسه، ح28. (335) المصدر نفسه، ح 29. (336) المصدر نفسه: 359، ح30. (337) المصدر نفسه: 363، ح42. (338) المصدر نفسه: 350، ح1. (339) المصدر نفسه . (340) المصدر نفسه: 357، ح25. (341) المصدر نفسه: 359، ح32. (342) المصدر نفسه: 358، ح29. (343) المصدر نفسه: 359، ح30. (344) المصدر نفسه. (345) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 333. (346) شرائع الإسلام 4: 203. (347) مسالك الأفهام 14: 255. (348) جواهر الكلام 41: 164. (349) المصدر نفسه. (350) المصدر نفسه: 165. (351) وسائل الشيعة 27: 354، كتاب الشهادات، باب 24، ح11. (352) المصدر نفسه: 352، ح7.(353) المصدر نفسه، ح5. (354) المصدر نفسه: 359، ح33. (355) المصدر نفسه: 357، ح26، ولا يوجد أثر لجملة «بحساب شهادة المرأة» في هذه الرواية بحسب نقل الصدوق. (356) المصدر نفسه: 362، ح42. (357) الأنصاري، فرائد الأصول ج2; المشهور ـ وهو الذي عليه جمهور المجتهدين ـ الأول (التخيير); للأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة عليه. (358) أصول الكافي 1: 8، خطبة الكتاب. (359) وسائل الشيعة 27: 350، كتاب الشهادات، باب 24، ح 1 . (360) جامع الرواة 2: 105. (361) تنقيح المقال 3: 11، الرقم: 10631. (362) مجمع الفائدة والبرهان 12: 427. (363) وسائل الشيعة 27: 358، كتاب الشهادات، باب 24، ح27. (364) المصدر نفسه، ح28.
|