الإجزاء (درس69)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 69 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم جواز البدار البحث في هذه المسألة فقهي كما تقدم، وهي مسألة يكثر الابتلاء بها، فهل يجوز البدار والتيمم قبل آخر الوقت أم لا؟ في المسألة ثلاثة أقوال: القول الأوّل: عدم الجواز مطلقاً، وقد نسب هذا القول إلى الأشهر، بل إلى المشهور، وادعى عليه الإجماع السيد المرتضى في (الانتصار) و(الناصريات)[1] ، كما حكي هذا الإجماع عن بعض آخر. القول الثاني: الجواز مطلقاً، ونُقل هذا عن الشيخالصدوق في (المقنع)[2] ،لظاهر البزنطي[3]، كما نُقل عن غير واحدٍ من المتأخرين، بل نسب إلى المشهور. القول الثالث: التفصيل بين العلم ببقاء العذر فيجوز البدار وبين عدم العلم ببقاء العذر فلا يجوز البدار. أمّا العامة فلا خلاف بينهم في جواز البدار، غاية الأمر أن بعضهم قالوا باستحباب التأخير، والبعض الآخر يرفض استحباب التأخير. ولا يخفى أن مورد كلام الأصحاب وكذا كلام العامة مطلق الأعذار دون فرقٍ بين عدم وجدان الماء أو غيره من خوف الضرر أو عدم الوقت. والمستفاد من القواعد[4]، القول بالجواز، ويدل عليه الكتاب والسنة. أمّا الكتاب، فهو آيتان من القرآن، أحدهما: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)[5] ، ثانيهما: شبيه هذه الآية، بل عينها[6]. مقتضى إطلاق الآيتين جواز البدار والتيمم، ومقتضى البدار هو الإجزاء، على ما قلناه في بحث الاُصول، أي لا إعادة ولا قضاء هنا. ويؤيد هذا الإطلاق مقارنة التيمم بالوضوء والغسل في كلا الآيتين الكريمتين، والمقارنة تشعر ـ إذا لم نقل تدل ـ بجواز التيمم مطلقاً. وعلى هذا يُجزي التيمم أينما كان الوضوء واجباً. وأمّا السنة، فعلى طوائف ثلاث: الطائفة الاُولى: ما يكون مثل الكتاب في الدلالة على البدار بالإطلاق، والكلام فيه هو الكلام في الكتاب. منها: صحيحةعبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ((إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به فتيمم بالصعيد، فإن رب الماء رب الصعيد، ولا تقع في البئر، ولا تفسد على القوم ماءهم))[7]. الرواية تأمر بالتيمم عند عدم وجدان الدلو، ولم تحدد أوّل الوقت أو آخره أو وسطه، أي أنها مطلقة. ومنها: صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي أنه سأل أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو، قال: ((ليس عليه أن يدخل الركية؛ لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم))[8]. لم يفصّل الإمام ـ عليه السلام ـ هنا عند أمره بالتيمم بين ما إذا كان الوقت متسعاً أم ضيقاً. وفرق هذه الرواية عن سابقتها في أنا استفدنا المطلوب من إطلاق الرواية السابقة، بينما استفدنا المطلوب في هذه الرواية من ترك الإمام الاستفصال. الطائفة الثانية: ما يدل على جواز البدار بالظهور اللفظي. منها: صحيحةداود الرقي، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء، ويقال: إن الماء قريب منّا، أفأطلب الماء وأنا في وقتٍ يميناً وشمالاً؟ قال ـ عليه السلام ـ: ((لا تطلب الماء ولكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك، فتضل ويأكلك السبع))[9]. يثبت جواز البدار بهذه الرواية من خلال ظهورها اللفظي، فهي تقول: تيمم إذا لم تحصل على ماء. ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران، أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ عن ثلاثة نفرٍ كانوا في سفر، أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ قال: ((يغتسل الجنب، ويدفن الميت بتيمم، ويتيمم الذي هو على غير وضوء؛ لأن غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز))[10]. لم يفصّل الإمام ـ عليه السلام ـ هنا، ولم يتعرض لمسألة احتمال حصوله على الماء أو عدم حصوله، وترك الاستفصال هنا دليل على شموله لحالة احتمال رفع العذر، ويجوز بناء عليه الصلاة في أوّل الوقت. الطائفة الثالثة: ما يدل على البدار بالإطلاق، وعلى الإجزاء بالظهور، وهي كثيرة. منها: صحيحة الحلبي، قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ يقول: ((إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليتمسَّح من الأرض وليصلِّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل، وقد أجزأته صلاته التي صلّى))[11]. صدر الرواية يدل بإطلاقه على جواز التيمم، وذيلها يدل على الإجزاء بالظهور اللفظي. وغيرها من الروايات، كصحيحةالحلبي[12] وصحيحة عبد الله بن سنان[13] وصحيحة زرارة[14] وصحيحة أبي بصير[15] وحسنة معاوية بن ميسرة[16]. طائفتان من الروايات تخالفان الكتاب والسنة، وطائفة منها تدل على عدم الإجزاء، وهي ما تدل على الإعادة في الوقت، والطائفة الاُخرى هي الروايات التي تقول: أخّر إلى آخر الوقت. إذن، هناك تعارض، وينبغي الرجوع إلى المرجحات إذا عجزنا عن حل التعارض. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - الجوامع الفقهية: 99 و189. [2] - المقنع: 25. [3] - الوسائل 3: 382، أبواب التيمم، ب21، ح3. [4] - أي مقتضى الصناعة والفن. [5] - النساء: 43. [6] - المائدة: 6. [7] - الوسائل 3: 344، أبواب التيمم، ب3، ح2. [8] - الوسائل 3: 343، أبواب التيمم، ب3، ح1. [9] - الوسائل 3: 342، أبواب التيمم، ب2، ح1. [10] - الوسائل 3: 375، أبواب التيمم، ب18، ح1. [11] - الوسائل 3: 367، أبواب التيمم، ب14، ح4. [12] - الوسائل 3: 366، أبواب التيمم، ب14، ح1. [13] - الوسائل 3: 366، أبواب التيمم، ب14، ح2. [14] - الوسائل 3: 366، أبواب التيمم، ب14، ح3. [15] - الوسائل 3: 367، أبواب التيمم، ب14، ح5. [16] - الوسائل 3: 370، أبواب التيمم، ب14، ح13.
|