دلالة الأمر على المرة والتكرار (درس58)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 58 التاريخ : 2008/12/21 بسم الله الرحمن الرحيم أمّا الروايات التي حكت أن الله يختار الأكمل منهما، أو يعتبر الأكمل منهما، فهي لا تتعلق بالمكلف، بل تتعلق بذات الله تعالى، فهو الذي يختار أو ينتخب الأكمل، وهو يمكن أن يكون الصلاة الاُولى أو الصلاةالثانية، وقد تكون الجماعة هي الأكمل وقد تكون الفرادى هي الأكمل. لا يقال: لماذا يختار المولى الأكمل منهما، ولم يثب على كليهما؟ لأنّا نقول: هذه الرواية لا ترتبط بالثواب، بل بالمرتبة العليا التي هي الأكمل، وبناءً على ذلك لا ارتباط لها بالثواب، والثواب يترتب على كليهما؛ لأن المكلف أتى بعملين مختلفين، لكلّ منهما ثواب مستقل. أمّا الصحيحتان ففيهما احتمالات: أحدها: يحتمل أن يكون المراد من ((يصلي معهم ويجعلها الفريضة)) ما يرتبط بأثناء الصلاة، كما حمله الشيخ رحمه الله. ولا يخفى أنّ ها هنا سؤالاً وهو: ما المراد من أثناء الصلاة؟ قلت في جواب هذا السؤال: (إن من صلّى ولم يفرغ بعد من صلاته ووجد جماعة فليجعلها نافلة ثم يصلي في جماعة، وليس ذلك لمن فرغ من صلاته بنية الفرض؛ لأن من صلّى الفرض بنية الفرض فلا يمكن أن يجعلها غير فرض)[1]. وبناءً على هذا الاحتمال لا ارتباط للموضوع بتبديل الامتثال بامتثال آخر، ويشهد على ذلك قرينتان: خارجية وداخلية. أمّا القرينة الداخلية فهي كلمة ((يصلي)) في الرواية، فهي فعل مضارع، وهو دليل على استمراره. وبعبارة اُخرى: يُفهم منه الاستدامة والاستمرار. وأمّا القرينة الخارجية، فهي رواية نقلها هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام. محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن رجلٍ دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينا هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة، قال: ((فليصلِّ ركعتين ثم يستأنف الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوعاً))[2]. ولا يخفى عليكم أنّ المراد من (يصلي الصلاة وحده) يصلي في الأثناء ثم يجد جماعة، أي يجد في أثناء الصلاة جماعة، ولهذا الحمل شاهد داخلي وخارجي. ثانيها: يحتمل أن يكون المراد من ((يجعلها الفريضة)) يجعل الصلاة الثانية فريضة قضائية، فمن أراد أن يجعل صلاته فريضة محضة بدّل صلاته إلى الصلاة الاُولى، وهو تبديل الامتثال إلى امتثال آخر، وذلك غير صحيح قطعاً. وهناك شاهد على هذا الحمل، وهو موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: تقام الصلاة، وقد صليت، فقال: ((صلِّ واجعلها لما فات))[3]. ثالثها: يحتمل أن يكون المراد من ((ويجعلها الفريضة)) إذا أردت الاقتداء بإمام الجماعة فاقتدِ في الصلاة بعنوان كونها ظهراً مثلاً، وصلاتك تكون عندئذٍ صورة للفريضة لا نفس الفريضة، أي اقتدِ بصلاة الظهر بما هي ظهر لا بما هي واجبة. كلمة (فريضة) الموجودة في الرواية، في الحقيقة يفهم منها الصلاة الواجبة، وهي صلاة الجماعة؛ لأنها كانت واجبة وهي حالياً واجبة كذلك. وهذا الاحتمال ليس من باب تبديل الامتثال بامتثال آخر؛ لأنه يقول أعد الصلاة جماعة كعمل مستحب، مثل الروايات الآمر بالإعادة. رابعها: يحتمل أن يكون المراد من ((ويجعلها الفريضة)) هو جعل الصلاة المعادة الواجب السابق، والواجب السابق جعله نافلة. ونتيجة ذلك: أن الصلاة السابقة مستحبة والصلاة اللاحقة واجبة؛ لأنّ المولى لم يرد واجبين منّا. إذن يوجد أربعة احتمالات في الصحيحتين، ولا يدل على ما نحن فيه إلاّ احتمال واحد وهو الرابع، ولا شاهد عليه لا من الخارج ولا من الداخل، أمّا الاحتمال الأوّل فعليه قرينة داخلية وقرينة خارجية. وفي الختام أقول: الاستدلال بهذه الروايات غير تام؛ لأنها لا تدل على تبديل الامتثال بامتثال آخر، هذا أوّلاً. وثانياً: سلمنا أن هذه الروايات تدل على جواز تبديل الامتثال إلى امتثال آخر، وفي هذه الصورة الاستدلال بها غير تام كذلك؛ لأن الظاهر لا يقاوم البرهان. وبناءً على هذا تبديل الامتثال بامتثال آخر غير جائز بحكم العقل، فإذا أتى المكلف بالمأمور به فقد حصل الغرض، وإذا حصل الغرض سقط الأمر، وإذا سقط الأمر فإتيان العمل من جديد يحتاج إلى أمر آخر، وهو ها هنا مفقود، فتبديل الامتثال بامتثال آخر غير جائز. وذلك هو الحق، ولا تدل على التبديل الروايات السابقة، وعلى فرض دلالتها فإن الاستدلال بها غير تام؛ لكون الظاهر لا يقاوم البرهان، فهي تحتاج إلى توجيه آخر، كما فعل ذلك بعض الأعاظم. -------------------------------------------------------------------------------- [1] - تهذيب الأحكام 3: 50 ذيل الحديث 176. [2] - الوسائل 8: 404 ـ 405، أبواب صلاة الجماعة ، ل56 ، ح1. [3] - الوسائل 8: 404، أبواب صلاة الجماعة، ب55، ح1.
|