الحروف (درس12)
الدرس دروس خارج الأصول مباحث الدليل اللفظي الدرس 12 التاريخ : 2008/12/26 بسم الله الرحمن الرحيم البحث في الحروف يبدأ من السؤال التالي: هل من الممكن إثباتاً أن يكون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً؟ ولابدّ هنا من بيان أمرٍ ووهم هو: أنَّ وضع لفظ لأفراد الطبيعي أمر غير ممكن؛ لانَّ الواضع إذا أراد تصوّر الأفراد والوضع لها بعد ذلك كان ذلك مستحيلاً؛ باعتبار عدم انحصار الأفراد، كمجموعة المفرد أو المذكر أو مجموعة الموصولات، أو كلّ من اُشير إليه بـ (هذا)، أو (كلّ ما ابتدأ) لوضع كلمة (مِن) له، فملاحظة الأفراد جميعها أمر غير ممكن؛ لأنّها غير متناهية. إذن ما الذي يتصوّره الواضع هنا؟ يُجاب على هذا الوهم بالشكل التالي: يكفي في باب الوضع تصوّر معنى الموضوع له ولو بالإشارة والإجمال، ولا ينبغي تصوّر الموضوع له بالتفصيل. أصل الحاجة إلى التصوّر في باب الوضع كان بحكم العقل، فهو الذي يفرض على الواضع تصوّر المعنى الذي يريد وضع لفظ له. وعلى هذا نقول: من الممكن أنْ يشير الموضوع له إذا كان خاصاً للأفراد، ككلمة (هذا) الموضوع للإشارة إلى كلّ مفرد مذكر. إذن، كلام المتوهّم في كون الوضع محل البحث غير ممكن ـ باعتبار استلزامه تصور اللامتناهي ـ غير صحيح؛ لأنَّ هناك طريقاً يمكن حلُّ الإشكال من خلاله وهو وضع اللفظ للخاص وتصوّر معنًى خاص بالإجمال والإشارة. وإن شئت فسِّم هذا وضعاً عاماً والموضوع له خاصاً، أو وضعاً عاماً والموضوع له عاماً، ولا نرفض أي تسمية ترغب بها. يقول الإمام ـ رحمه الله ـ: (فالانتقال من تصوّر العام إلى تصوّر مصاديقه أو بالعكس بمكان من الإمكان. فالظاهر الأخير، بأنّ يؤخذ العنوان المُشير الإجمالي آلة للوضع إلى الأفراد، ولا يحتاج إلى تصوّرها تفصيلاً، بل ربّما يمتنع؛ لعدم تناهيها). مقامات البحث في الحروف البحث في الحروف ينصب في مقامين: الأوّل: البحث في مدلول الحرف ومعناه مع غض النظر عن كيفية وضعه. الثاني: في وضع الحرف والموضوع له، فهل الوضع في الحرف من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص، أم من قبيل الوضع العام والموضوع له العام؟ فيما يخصُّ المقام الأوّل تُذكر أقوال في معنى الحروف: أحدها: أنّه لا معنى للحروف، بل هي علائم أو كالأعلام المنصوبة بجنب شيء فقط، ففي مثال: (سرت من البصرة إلى الكوفة)، سير يبتدأ من البصرة وينتهي بالكوفة، وعلامة الابتداء هي (من)، وعلامة الانتهاء هي (إلى). والقول هذا محكي عن شارح (الكافية) الرضي رحمه الله، ينقله عنه صاحب (نهاية الاُصول). ثانيها: وهو لصاحب (الكفاية) الذي اعتبر الموضوع له في الحروف وفي الأسماء واحداً، أي أنَّ (من) تعني الابتداء، والابتداء يعني (من)، دون أن يكون فرق بين معانيها. وبعبارة اُخرى: أنَّ المعاني الحرفية والمعاني الاسمية واحدة. وذلك عكس القول الأوّل الذي نفى المعنى عن الحرف بالكلية. ثالثها: وهو للمرحوم النائيني في (فوائد الاُصول)، اعتبر فيه أنَّ للحروف معاني آلية لا إخطارية. رابعها: نقله الإمام في (تهذيب الاُصول) عن بعض مشايخه، حيث ذهب إلى أنّ الحروف تدلّ على الحكاية وإخطار المعاني الآلية. خامسها: وهو مختار الاُستاذ السيّد الإمام ـ رحمه الله ـ الذي قسَّم فيه الحروف إلى قسمين: 1 ـ بعض الحروف حاكية عن معانٍ آلية واندكاكية، مثل أكثر الحروف. 2 ـ بعضها إيجادية، أي توجد معاني آلية لم تكن من ذي قبل. والحق هو مع الإمام، وسنتعرض مقبلاً إلى دليله. بناءً على الأقوال الثلاثة الأخيرة فإنَّ معاني الحروف آلية واندكاكية، والاختلاف فيها أنّ النائيني يعد جميع الحروف توجد معاني آلية واندكاكية، بينما القول المنقول عن بعض المشايخ يراها حاكية عن معانٍ اندكاكية دائماً. والقول الأخير يقسم الحروف إلى ما هي حاكية، وإلى ما هي إيجادية. وهذا الأخير يختلف عن قول صاحب (الكفاية) الذي ساوى بين المعاني الحرفية والمعاني الاسمية. وهنا ينبغي بيان اُمور، بعضها داخلة في المدعى، وبعضها موجبة لزيادة بعيدة عن البحث. الأمر الأوّل: المعروف عن الأدباء أنّهم يعرّفهون الاسم بما دلَّ على معنًى في نفسه. والحرف بما دلَّ على معنًى في غيره. وبهذا يكون الفرق بين الاسم والحرف واضحاً. لكن الضمير في (غيره) إذا رجع إلى (ما) أو إلى الكلمة كان كلام ورأي الشارح الرضي صحيحاً هنا، أي أنَّ الحروف علائم وكالأعلام التي تكون في جنب شيء. أمّا إذا رجع الضمير إلى المعنى كان التعريفان يتطابقان مع الأقوال الثلاثة في مجال الحرف، أي الأقوال التي تعتبره يدلّ على معنًى غير مستقل. والظاهر في المرجع هو الثاني؛ لأنَّ الأقرب يمنع الأبعد. الأمر الثاني: الموجودات ـ الشديدة والضعيفة ـ تنقسم إلى
|