|
واجبات الوقوف بالمشعر وأحكامه
المقصد الأوّل: في واجباته. حدّ الموقف هنا هو(1) ما بين.
(1) إجماعاً حكاه جماعة[1]، ويشهد له النصوص، منها صحيح معاوية: «حدّ المشعر من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر»[2]، وصحيح زرارة: «حدّه ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض. -------------------------------------------------- [1]. المنتهي 2: 726، التذكرة 8: 207، المدارك 7: 421، الذخيرة: 657، المستند 12: 235. [2]. التهذيب5: 190، الحديث 633، وسائلالشيعة 14: 17، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 8، الحديث 1. ـ(441)ـ -------------------------------------------------- محسّر»[1]. المأزمين[2] إلى الحياض، إلى وادي محسّر[3] وعند الزحام يجوز الارتفاع إلى حاشية -------------------------------------------------- [1]. التهذيب5: 190، الحديث 634، وسائل الشيعة 14: 17، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 8، الحديث 2. [2]. فقد ذكر الجوهري: والمأزم: كلّ طريق ضيّقٍ بين جبلين، ومنه سمّي الموضع الذي بين المشعر وبين عرفة مأزمين. (الصحاح 5:1861) وعرفة المأزمين. وفي القاموس: والمأزم، ويقال المأزمان مضيّق بين جمع وعرفة وآخر بين مكّة ومني. (القاموس 4: 75). وظاهرهما: أنّ المأزم اسم لموضع مخصوص وإن كان بلفظ التثنية. المأزمان: هو الموضع الذي يسمّيه أهل مكّة الآن المضيّق بين المزدلفة وعرفة. (أخبار مكّة للأزرقي 2: 197)، وعن أبو الوليد قال: سألت جدّي عن الشعب الذي بال فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليلة المزدلفة حين أفاض من عرفة فقال: هو الشعب الكبير الذي بين مأزمي عرفة على يسار المقبل من عرفة يريد المزدلفة في أقصي المأزم ممّا يلي نمرة وبين يدي هذا الشعب الميل ومن هذا الميل إلى سقاية زبيدة التي في أوّل المزدلفة مثل الميل عندها دينها إلى المزدلفة قليلاً وهو أقصي هذا الشعب فيه. (أخبار مكّة للأزرقي 2: 198)، وفي الحديث عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: حجّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عشرين مستترا في حجّة يمرّ بالمازمين فينزل فيبول فقلت: يابن رسول الله ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال: لأنّه أوّل موضع عبد فيه الأصنام، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمي به على من ظهر الكعبة لمّا علا ظهر رسول الله فأمر بدفنه عند الباب بني شيبة، فصار الدخول إلى المسجد من الباب بني شيبة سنّة لأجل ذلك. (العلل: 450، ونقل بعض الحديث في وسائل الشيعة 14:8، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 3، الحديث 1). وعن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: حجّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عشرين حجّة مستترة كلّها يمرّ بالمازمين فينزل فيبول. (الكافي 4: 244، الحديث 2، الفقيه 2: 154، الحديث 667، التهذيب 5: 443، الحديث 9542، وسائل الشيعة 14: 9، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 3، الحديث 2). ويستحبّ التكبير بين المازمين. عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن عمران قال: قلت لجعفر بن محمّد (عليه السلام)... فقلت له: فكيف صار التكبير يذهب بالضغاط هناك؟ فقال: لأنّ قول العبد: الله أكبر معناه: الله أكبر من أن يكون مثل الأصنام المنحونة، والآلهة المعبودة من دونه، فإنّ إبليس في شياطينه يضيّق على الحاجّ مسلكهم في ذلك الموضع، فإذا سمع التكبير طار مع شياطينه وتبعتهم الملائكة حتى يقعوا في اللجة الخضراء. (الفقيه 2: 154، الحديث 668، وسائل الشيعة 14: 8، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 3، الحديث 1). وقد جوّزت الروايات الارتفاع إلى المأزمين الذي هو حدّ لمزدلفة خارجٌ عن المعدود عند الضرورة لازدحام الناس وضيق مزدلفة عليهم. فقد روي سماعة في الموثّق قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين. (الكافي 4: 471، الحديث 7، وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 9، الحديث 1). [3]. محسِّر ـ بضمّ الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة وتشديدها ـ على زِنَة اسم الفاعل. قال البلادي: محسّر وادٍ صغير يمرّ بين منى ومزدلفة وليس منها، ليس به زراعة ولا عمران والمعروف منه ما يمرّ فيه الحاجّ على طريق بين منى ومزدلفة، وله علامات هناك منصوبة. (معجم معالم الحجاز البلادي 8: 42). وادي محسّر بكسر الشين وتشديدها، هو وادٍ معترض الطريق بين جمع ومني، وهو إلى منى أقرب. وهو حدّ من حدودها، سمّي بذلك لما قيل أنّ فيه اَبرهة أعيي وكلّ فيه فحسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات. (مجمع البحرين 1:509)، وفي المعجم: وهو موضع ما بين مكّة وعرفة، وقيل: بين منى وعرفة، وقيل: بين منى والمزدلفة وليس من منى ولا المزدلفة، بل هو وادٍ برأسه. (معجم البلدان 5:62)، وقال ابن خميس في مجازه: ومحسِّر: وادٍ يقبل من الشمال إلى الجنوب من فجٍّ يفصل بين منى وجبالها، وبين مزدلفة وجبالها وهو منخفض يسيل عليه ما والاه منهما وما يسيل من منى أكثر، وعرض وادي محسِّر خمسأه وأربعون ذراعا. (المجاز لابن خميس: 301). ووادي محسِّر هو حدود مزدلفة من ناحية الغرب، فضفّة وادي محسّر الشرقيّة هي المدّ الفاصل بين مزدلفة ومني. وذكر في وجه تسمية بمحسّر، من التحسير أي الإيقاع في الحسرة، أو الإعياء، أوسُمّي به، لأنّه قيل إنّ أبرهة أصحابه في الحسرة أو الإعياء لمّا جهدوا أن يتوجّه إلى الكعبة فلم يفعل. (جواهر الكلام 19: 12). ومحسّر على صيغة اسم الفاعل من التحسّر، أي الإيقاع في الحسرة أو الإعياء، سمّي به؛ لأنّ فيه أبرهة أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لمّا جهدوا أن يتوجّه إلى الكعبة فلم يفعل: (كشف اللثام 6: 62). ويستحبّ الهرولة في وادي محسّر؛ للأخبار، وفي التذكرة(التذكرة 8: 212) والمنتهي (المنتهي 2: 729): لا نعلم فيه خلافا. ومائة خطوة في خبر محمّد بن إسماعيل عن أبي الحسن (عليه السلام). (الكافي 4: 471، الحديث 4، الفقيه 2: 282، الحديث 1385، وسائل الشيعة 14: 23، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 13، الحديث 3) ومائة ذراع في خبر محمّد بن عذافر عن عمرو بن يزيد. (الكافي 4: 471، الحديث 8، وسائل الشيعة 14: 23، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 13، الحديث 5). ـ(442)ـ -------------------------------------------------- الجبل(1)، والذي يجب هو مطلق الكون فيه وإن كان راكباً، بل ولو (1) المذكور في موثّق سماعة[1]: أنّهم يرتفعون إلى المأزمين، وهو المنسوب إلى جماعة[2]، وفي الجواهر: «لا أجد فيه خلافاً»[3]، وفي خبر محمّد بن سماعة زاد على ذلك: «قلت: فإن كانوا بالموقف كثّروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى الجبل»[4]، وظاهره أنّ الجبل غير المأزمين كما -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 471، الحديث 7، وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 9، الحديث 1. [2]. النهاية ونكتها 1: 521، المبسوط 1: 368، السرائر 1: 588، المهذّب 1: 254، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 518، الشرائع 1: 256، المختصر النافع: 87، المنتهي 2: 727، الجامع للشرائع: 208، الذخيرة: 657، المدارك 7: 422، مستند الشيعة 12: 236. [3]. الجواهر 19: 67. [4]. التهذيب 5: 180، الحديث 604، وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 9، الحديث 2. ـ(443)ـ -------------------------------------------------- هو جنّ، أو أغمي عليه، أو نام بعد حصول مسمّاه، دون ما إذا كان مستوعباً أيضاً صحيح زرارة[1] المتقدّم في حدّ المشعر، ومقتضي ذلك جواز الوقوف عند الزحام في خارج الحدّ على الترتيب المذكور بين المأزمين والجبل. ولكنّ الالتزام بذلك في غاية من الإشكال، لأنّ الوقوف بالمشعر من الأركان فكيف يسوّغ تركه بمجرّد الكثرة والمضايقة؟ وإن كان هو ظاهر الجماعة، فلا يبعد أن يكون المراد الوقوف إلى جنب المأزمين أو الجبل فلا يكون في خارج المشعر، ويقتضيه التعبير بـ «إلى» لا بـ «على» في النصوص وأكثر الفتاوى، ويؤيّده أنّ المشهور كراهة الوقوف المذكور اختياراً[2] ولو كان المراد الوقوف في خارج المشعر كان ذلك منافياً للقول بركنيّته، بل وللنصوص الدالّة على ذلك من غير معارض ظاهر، وكأنّ الوجه في الكراهة ما تشعر به النصوص. -------------------------------------------------- [1]. التهذيب 5: 19، الحديث 634، وسائل الشيعة 14: 17، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 8، الحديث 2. [2]. الغنية (الجوامع الفقهيّة) 580، المهذّب 1: 254، الرياض 6: 364، المستند 12: 236. ـ(444)ـ -------------------------------------------------- المتقدّمة من موثّق سماعة[1] وغيره[2] من اختصاص ذلك بحال الضرورة، فلاحظ. نحو ما مرّ في وقوف عرفة. والقدر الواجب من الوقوف هو(1) ما بين طلوع الفجر إلى (1) إجماعاً كما عن جماعة[3]، والعمدة فيه النصوص الواردة في الترخيص للنساء، والضعفاء، والخائف، وغيرهم من المعذورين في الإفاضة قبل الفجر[4]، فإنها ظاهرة في اختصاص الرخصة بهم لا غير. أمّا صحيح معاوية: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريباً من الجبل... »[5]، فالظاهر منه أنّه في مقام بيان الآداب المرغوبة في ذلك الوقت، ولا سيّما بملاحظة الأمر بالوقوف الذي هو مستحبّ إجماعاً. وعن بعض: عدم وجوبه[6]؛ لصحيح هشام[7] المتضمّن أنّ المتقدّم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار، ويصلّون الفجر في منازلهم. وفيه: أنّه محمول على المعذور جمعاً، ولصحيح مسمع[8] في من -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 471، الحديث 7، وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 9، الحديث1. [2]. نفس المصدر، الحديث 2. [3]. المدارك 7: 423، مفاتيح الشرائع: 347، الذخيرة: 656، كشف اللثام 6: 84، الجواهر 19: 69. [4]. الكافي 4: 474، الحديث 3، التهذيب 5: 194، الحديث 645، الاستبصار 2: 257، الحديث 905، وسائل الشيعة 14: 28، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، الحديث1. [5]. الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14: 20، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث 1. [6]. المنتهي 2: 725، المدارك 7: 424، الجواهر 19: 70. [7]. التهذيب 5: 193، الحديث 643، الاستبصار 2: 256، الحديث 903، وسائل الشيعة 14:30، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، الحديث 8. [8]. الكافي 4: 193، الحديث 1، الفقيه 2: 284، الحديث 1393، التهذيب 5: 193، الحديث 643، الاستبصار 2: 256، الحديث 902،، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. ـ(445)ـ -------------------------------------------------- أفاض قبل الفجر: (أنّ عليه دم شاة). بناء على ظهوره في العامد كما سيأتي، لسكوته عن الأمر بالرجوع. وفيه: أنّ السكوت لا يعارض ما سبق، بل يمكن جعل الصحيح من أدلّة الوجوب، فتأمّل. طلوع الشمس من يوم النحر مستوعباً له على الأحوط(1)(2). أمّا المبيت ليلاً ففي وجوبه إشكال: أحوطه ذلك(3). ويكفي فيه صدق المبيت ولو كان بعد ثلث(4) الليل، بل. (1) وإن كان الأقوى عدم وجوب الاستيعاب. (صانعي) (2) كما عن جماعة[1]، لكن الأصل ينفيه، والأدلّة قاصرة عن إثباته، بل ظاهر صحيح معاوية المتقدّم عدمه[2]. وكذا النهي عن تجاوز وادي محسّر قبل طلوع الشمس في صحيح هشام[3]. (3) كما نسب إلى ظاهر الأكثر[4] وقوّاه في الجواهر[5] ؛ للتأسي، ولصحيح معاوية: «ويستحبّ للضرورة أن يقف على المشعر، ويطأه برجله»[6]، «ولا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة»[7]. وفيه: مع أنّه غير ظاهر في الوجوب، أنّ عدم التجاوز أعمّ من المبيت في الموقف، مضافاً إلى احتماله النهي عن الإفاضة قبل الفجر؛ لأجل ملازمته لترك الوقوف الواجب بعد الفجر. -------------------------------------------------- [1]. المدارك 7: 431، مفاتيح الشرائع: 347، الجواهر 19: 75. [2]. الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14: 20، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث 1. [3]. الكافي 4: 470، الحديث 6، التهذيب 5: 193، الحديث 640، وسائل الشيعة 14: 25، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 15، الحديث 2. [4]. المدارك 7: 423، الرياض 6: 366. [5]. الجواهر 19: 73. [6]. الكافي 4: 468، الحديث 1، التهذيب 5: 188، الحديث 626، وسائل الشيعة 14: 16، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 7، الحديث 1. [7]. الكافي 4: 468، الحديث 1، وسائل الشيعة 14: 18، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 8، الحديث 3. ـ(446)ـ -------------------------------------------------- (4) كما يفهم من الصحيح[1] الوارد في تأخير الصلاة إلى ذلك الوقت. لا يبعد كفاية(1) الكون فيه بعد انتصاف الليل أيضاً في ذلك، ويجب في الوقوف أن يكون ناوياً له، مقارناً بها لأوّله نحو ما مرّ في سائر المناسك، فإن لم يكن ممّن أدرك المبيت ليلاً فعند الفجر ينوي الوقوف الواجب لحجّ الإسلام امتثالاً لأمر الله سبحانه، وإن أدركه، الأولى أن ينوي في ابتداء مبيته الوقوف إلى طلوع الشمس امتثالاً له تعالى بلا تعرّض(2) لوجوبه، وعند الفجر يجدّدها(3) متضمّنة (1) لأنّه المتيقّن من أدلّة المشروعيّة؛ سواء كان واجباً أو مستحبّاً، ولا سيّما مع جريان استصحاب عدم الوجوب في الزمان المشكوك. (2) لما عرفت[2] من الإشكال في وجوبه. (3) ولا يلزم تجديد النيّة عند الفجر منفردا، بل يكفي نيّته مع المبيت ليلاً، بأن ينوي الوقوف في المشعر من حين وصوله إليه إلى طلوع الشمس. والظاهر أنّ ذلك (أي تجديد النيّة) لما علّله المسالك[3] بأنّ الكون ليلاً والمبيت مطلقا لا يتضمّنان النهار، فلا بدّ من نيّة أُخرى، ولا يخفي عليك أنّ التعليل إنّما يتمّ على المبني المعروف من كون ما بين الطلوعين من النهار، فقصد الكون في المشعر -------------------------------------------------- [1]. التهذيب 5: 188، الحديث 625، الاستبصار 2: 254، الحديث 895، وسائل الشيعة 14:12، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 5، الحديث 1. [2]. ص 439. [3]. المسالك 2: 284. ـ(447)ـ -------------------------------------------------- ليلاً ونيّته كذلك ليس متضمّناً لنيّة الوقوف فيما بينهما، فلا بدّ من التجديد، فأمّا على المختار من كونه من الليل فالتجديد عليه غير لازم، لكنّه الأحوط الأولى. (صانعي) لوجوبه، وإن كانت النيّة الأولى مجزية على الأقوى(1). ولو نوى أوّلاً نفس المبيت إلى الفجر جاز، والأحوط أن ينوي به القربة المطلقة، لكنّه يجب حينئذٍ أن يجدّد عند الفجر نيّة الوقوف الواجب لحجّة الإسلام. وعلي كلّ حال فمسمّي الوقوف في جزء من الليل إلىطلوع الشمس بنيّته هو الركن الذي يبطل الحجّ بتعمّد(2) (1) من كون النيّة، الداعي، وهو حاصل، وفي محكي المسالك[1]. إن لم نقل بوجوبه ـ أي المبيت ـ فلا إشكال في وجوب النيّة؛ للكون عند الفجر. وتنظر فيه في الجواهر: بأنّ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل[2]. وفيه: أنّ كونه كذلك يتوقّف على كون الواجب الجامع بين الوقوف الطويل والقصير وهو خلاف ظاهر قولهم: «الواجب ما بين طلوع الفجر» فالعمدة: أنّه لا يعتبر في نيّة العبادة الإخطار المقارن، بل يكفي الصدور عن داعي الأمر به، وهو حاصل إذا نوى الوقوف المستحبّ والواجب بعده. (2) إجماعاً[3]، ونصّاً، مثل: «إذا فأتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ»[4]، ومفهوم: «من أدرك المشعر قبل. -------------------------------------------------- [1]. المسالك 2: 284. [2]. الجواهر 19: 75. [3]. الرياض 6: 375، المستند 12: 250، الجواهر 19: 85. [4]. التهذيب 5: 292، الحديث 991، الاستبصار 2: 305، الحديث 1089،، وسائل الشيعة 14: 38، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 2. ـ(448)ـ -------------------------------------------------- زوال الشمس فقد أدرك الحجّ»[1]، فتأمّل. تركه، وأمّا خصوص ما بين الطلوعين فهو واجب غير ركنّي(1)، فلو أفاض قبل طلوع الشمس صحّ حجّه مطلقاً(2) ولا شيء عليه(3)، وإن كان الأحوط أن يجبره(4) بشاة إذا تعمّده لا لضرورة، أمّا إذا كان في الوقوف في ما بين الطلوعين ضرر أو مشقّة جازت (1) كما هو المشهور[2]، وعن الحلّي[3] وظاهر الخلاف[4]: أنّه ركن يبطل الحجّ بفواته. وفيه: أنّه مخالف لما دلّ على الصحّة مع الإفاضة قبل الفجر عمداً لا لعذر، وهو مصحّح مسمع[5] وإن تضمّن أنّه عليه دم شاة، فيتعيّن أن يكون المسمّي من أوّل الليل إلى طلوع الشمس، كما في المتن وغيره، بل المحكي عليه الإجماع[6]. (2) يعني ولو كان عمداً. (3) لما عرفت[7] من عدم وجوب الاستيعاب، فضلاً عن لزوم البطلان، أو الكفّارة على تركه. -------------------------------------------------- [1]. العلل: 450، وسائل الشيعة 14: 40، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 8. [2]. المدارك 7: 431، الرياض 6: 364، المستند 12: 249، الجواهر 19: 85. [3]. السرائر 1: 589. [4]. الخلاف 2: 344. [5]. الكافي 4: 473، الحديث 1، الفقيه 2: 284، الحديث 1393، التهذيب 5: 193، الحديث 642، الاستبصار 2: 256، الحديث 902، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. [6]. المنتهي 2: 725. [7]. ص 441 و439. ـ(449)ـ -------------------------------------------------- (4) كما عن بعضهم[1]، وكأنّه لمصحّح مسمع الآتي[2] في من أفاض قبل الفجر. وإشكاله ظاهر. الإفاضة حينئذٍ قبل الفجر(1)، لكنّ الأحوط أن تكون بعد انتصاف الليل(2)، ولو أفاض قبل الفجر بلا عذر يوجبه فإنّ كان ساهياً أو جاهلاً ولم يتنبّه إلاّ بعد خروج الوقت فلا شيء(3) عليه، ولو تنبّه قبل الفجر لزمه الرجوع لإدراك الوقوف الواجب، ولو تعمّد عدمه، أوكان متعمّداً في الإفاضة قبل الفجر بلا عذر ففي بطلان حجّه بذلك، أوصحّته، ووجوب (1) بلا خلاف ظاهر، بل عن غير واحد الإجماع عليه[3]، ويشهد له النصوص المرخّصة في ذلك للنساء، والضعفاء، والخائف[4]، وموضوعها أوسع ممّا في المتن. (حكيم، صانعي) (2) لما في صحيح أبي بصير[5] من التقييد بذلك، وظاهره الوجوب. لكن إعراض الأصحاب عنه مانع عن الاعتماد عليه فيه، فتأمّل. (3) لمصحّح مسمع: «في من وقف مع الناس بجمع، ثمّ أفاض قبل أن يفيض الناس، قال (عليه السلام): إن كان جاهلاً فلا شي، عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»[6]، فإنّ إطلاقه يشمل من أفاض -------------------------------------------------- [1]. الفقيه 2: 327، المستند 12: 249. [2]. الكافي 4: 473، الحديث 1، الفقيه 2: 284، الحديث 1393، التهذيب 5: 193، الحديث 643، الاستبصار 2: 256، الحديث 902، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. [3]. المنتهي 2: 726، المدارك 7: 427، كشف اللثام 6: 84، الجواهر 19: 77. [4]. منها: وسائل الشيعة 14: 29، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، الحديث 4. [5]. الكافي 4: 474، الحديث 6، الفقيه 2: 283، الحديث 1392، وسائل الشيعة 14: 30، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، الحديث 7. [6]. الكافي 4: 473، الحديث 1، الفقيه 2: 284، الحديث 1393، التهذيب 5: 193، الحديث 643، الاستبصار 2: 256، الحديث 902، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. ـ(450)ـ -------------------------------------------------- جهلاً قبل الفجر. نعم، يشكل الحكم في الساهي، وجعله من قبيل العذر غير ظاهر. وكذا الجاهل بناء على عدم شمول المصحّح له بدعوي ظهوره في الإفاضة قبل طلوع الشمس. لكن عرفت جواز ذلك للعالم، فلابدّ من حمله على ما قبل الفجر، فيدلّ على انتفاء الكفّارة على الجاهل في ما نحن فيه. نعم، يختصّ الإشكال بالساهي، وإن كان الظاهر اتّفاقهم على انتفاء الكفّارة فيه أيضاً. الجبر عليه بشاة وجهان: لا يخلو ثانيهما عن قوّة(1) إذا كان مدركاً اختياريّ(2) عرفة، لكنّ الاحتياط شديد لا ينبغي تركه، ولو فاته الوقوف كلّياً إلى أن طلعت الشمس لنسيان أو غيره أجزأه(3) الوقوف ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، وهذا (1) كما هو المشهور؛ لحسن مسمع المتقدّم أو صحيحه[1]، وعن الحلّي[2]، وظاهر الخلاف[3]: البطلان؛ لفوات الركن، وهو الوقوف بين الطلوعين. لكنّه أشبه بالاجتهاد في مقابل النصّ. وحمله على إرادة بيان حكم الجاهل قبل طلوع الفجر بجعل ضمير كان راجعاً إلى الجاهل خلاف الظاهر. (2) كما هو المتيقّن من النصّ، فيرجع في غيره إلى الأدلّة الآخر، المقتضية للبطلان كما يأتي. (3) إجماعاً، ادّعاه غير واحد[4]، ويشهد له جملة من النصوص الواردة في من أقبل من عرفات إلى جمع فوجد الناس قد أفاضوا، وفيها: أنّه يقف قليلاً بالمشعر، ثمّ يلحق الناس بمنى، ولا شيء عليه[5]. ------------------------------------------------- [1]. مرّ تخريجه آنفاً. [2]. السرائر 1: 589. [3]. الخلاف 2: 344. [4]. منهم المختلف 2: 300. [5]. التهذيب 5: 292، الحديث 990، الاستبصار 2: 305، الحديث 1088، وسائل الشيعة 14: 44، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 24، الحديث 1. ـ(451)ـ -------------------------------------------------- وفي جملة من النصوص[1]: «من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ»، وعن السيّد[2]: امتداده إلى الغروب، ودليله غير ظاهر. هو وقته الاضطراريّ الذي يقوم مقام الاختياريّ في وجوب إدراكه لمن فاته الاختياريّ، وبطلان الحجّ بتعمّد تركه. ولا يجب الاستيعاب هنا أيضاً، بل يكفي(1) المسمّي نحو ما مرّ في اضطراريّ عرفة، ولو استمر به العذر إلى أن خرج الوقت الاضطراريّ أيضاً، فإن كان مدركاً اختياريّ عرفة أجزأه ذلك(2) وتمّ حجّه، وإلاّ (1) للتصريح به في النصوص[3]، المشار إليها آنفاً: أنّه يقف قليلاً. (2) كما هو المشهور، بل عن غير واحد: نفي الخلاف فيه[4]، والعمدة فيه خبر محمّد بن يحيي[5]، الوارد في من لم يقف بالمزدلفة، ولم يبت بها جاهلاً. لكن من القريب أن يراد من عدم الوقوف عدم المبيت فتأمّل. فحينئذٍ لا يدلّ على الاكتفاء بإدراك اختياريّ عرفة لا غير. وأمّا صحيح مسمع[6] فالظاهر أنّ -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 476، الحديث 3، الفقيه 2: 243، الحديث 1162، التهذيب 5: 291، الحديث 988، الاستبصار 2: 304، الحديث 1087، وسائل الشيعة 14: 40، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 9. [2]. الانتصار: 90. [3]. التهذيب 5: 292، الحديث 990، الاستبصار 2: 305، الحديث 1088، وسائل الشيعة 14: 404، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 24، الحديث 1. [4]. التنقيح الرائع 1: 480، المسالك 2: 278، الجواهر 19: 38. [5]. التهذيب 5: 292، الحديث 992، الاستبصار 2: 305، الحديث 1090، وسائل الشيعة 14: 46، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 25، الحديث 5. [6]. الكافي 4: 473، الحديث 1، الفقيه 2: 284، الحديث 1393، التهذيب 5: 193، الحديث 643، الاستبصار 2: 256، الحديث 902، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. ـ(452)ـ -------------------------------------------------- مورده صورة الإفاضة قبل الفجر لا عدم الوقوف بالمشعر، مضافاً إلى أنّ موردهما صورة العبور على المشعر، فلا يدلّ على حكم عدم الإدراك أصلاً، والشهرة لا تجبر الدلالة، ولذلك يشكل الخروج عن عموم الصحيح: «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ»[1] فتأمّل جيّداً. فقد فاته مطلقاً. وفي لحوق(1) المبيت ليلا مع الإفاضة قبل الفجر لعذر بالوقوف الاختياريّ في كفايته(2) بنفسه لإدراك الحجّ، ولو مع فوات اختياريّ عرفة، أو كونه (1) وجه اللحوق: إمّا إطلاق النصوص الواردة[2] في من لم يدرك عرفات، المتضمّنة أنّه إذا أدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فقدتمّ حجّه، وإمّا ما دلّ على الاجتزاء بإدراك اضطراري المشعر[3] بناء على فهم المقام منه بالأولويّة. وفيه: أنّ ظاهر النصوص الأوّل الوقوف الاختياريّ، وما دلّ[4] على الاجتزاء باضطراريّ المشعر لا مجال للعمل به؛ لمعارضته بغيره، المعوّل عليه عند الأصحاب، مع أنّ الأولوّية غير قطعيّة ولا عرفيّة. وأمّا خبر مسمع[5] الوارد في من أفاض قبل الفجر فغير ظاهر في ما نحن فيه؛ لوروده في مقام تصحيح الوقوف بالمشعر نفسه، والاجتزاء بالمبيت ليلاً عنه، لا تصحيح الحجّ، وإن فاتت عرفة. ومن -------------------------------------------------- [1]. التهذيب 5: 292، الحديث 991، الاستبصار 2: 305، الحديث 1089، وسائل الشيعة 14: 45، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 25، الحديث 1. [2]. وسائل الشيعة 14: 38، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23. [3]. التهذيب 5: 291، الحديث 989، الاستبصار 2: 304، الحديث 1086، وسائل الشيعة 14: 39، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 6. [4]. التهذيب 5: 295، الحديث 999، الاستبصار 2: 307، الحديث 1096، وسائل الشيعة 14: 50، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 27، الحديث 3. [5]. الكافي 4: 473، الحديث 1، الفقيه 2: 284، ج1393، التهذيب 5: 193، الحديث 642، الاستبصار 2: 256، الحديث 902، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. ـ(453)ـ -------------------------------------------------- هنا كان المعروف البطلان، وخصّ القول بالصحّة بثاني الشهيدين[1]. (2) إجماعاً[2]، نصوصاً[3]، كما أشرنا إليه في اضطراريّ عرفة[4]. ملحقاً بالاضطراريّ(1) في ذلك إشكال، والأحوط لمن لم يدرك اختياري عرفة هو عدم الإفاضة لعذره. نعم، لو لم تكن الإفاضة لعذر كان ملحقاً بالاضطراريّ(2) كما تقدّم(3). (1) الذي لا يجزي على المشهور، بل عن غير واحد[5]: أنّه موضع وفاق؛0 لجملة وافرة من الصحاح المتضمّنة[6] فوات الحجّ ممّن قدم فلم يدرك المشعر إلاّ بعد طلوع الشمس، وأنّه يجعله عمرة مفردة، وعليه الحجّ من قابل. نعم، يعارضها جملة أخرى[7] تتضمّن الصحّة إذا أدرك المشعر قبل الزوال. لكن إعراض الأصحاب[8] عنها ـ عدا النادر ـ ممّا يوجب وهنها جدّاً، وحمل الأولى على الندب بعيد جدّاً عن سياقها، ولا سيّما بملاحظة الأحكام التي فيها، مع أنّ جملة منها[8] لا تخلو من إشكال في الدلالة، -------------------------------------------------- [1]. المسالك 2: 278، المدارك 7: 407. [2]. المدارك 7: 472، الذخيرة: 657. [3]. وسائل الشيعة 14: 28، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17. [4]. ص 425. [5]. التنقيح 1: 480، المستند 12: 257. [6]. وسائل الشيعة 14: 28، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 17، التهذيب 5: 291، الحديث 987، الاستبصار 2: 304، الحديث 1085، أنظر أيضاً الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر. وسائل الشيعة 14: 38، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 3 والتهذيب 5: 290، الحديث 985، الاستبصار 2: 303، ا لحديث 1083، وسائل الشيعة 14: 38، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 5. [7]. وسائل الشيعة 14: 37، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23. [8]. الانتصار: 90، المسالك 2: 277، المدارك 7: 407. [9]. نفس المصدر. ـ(454)ـ -------------------------------------------------- فالعمل على ظاهر الأولى متعيّن. (2) يعني لا يصحّ معه الحجّ؛ لعدم الدليل. ومصحّح مسمع[1] لا إطلاق له من هذه الجهة؛ لوروده في مقام الاجتزأ به عن الوقوف، لا صحّة الحجّ مطلقاً كما أشرناً إلى ذلك قريباً. (3) في من أفاض قبل الفجر من المشعر. المقصد الثاني:[أقسام الوقوف في المشعر] أنّه لمّا علم أنّ لكلّ من الوقوفين وقت اختياريّ وآخر اضطراريّ، فلإدراك الناسك لهما معاً، أو لأحدهما اختياريّاً أو اضطراريّاً أو عدم إدراكه لشيء من ذلك تسع(1) صور، (1) لأنّ لعرفة موقفين: اختياريّ، واضطراريّ، وللمشعر كذلك، فصور الأفراد أربعة، وصور التركيب أيضاً أربعة ناشئة من ضرب الاثنين في الاثنين، وصورة ترك الجميع تاسعة، فإذا ضمّ إلى ذلك صور إدراك المبيت بالمشعر ليلاً فقط، وهي ثلاثة: إدراكه وحدة، وإدراكه مع اختياريّ عرفة. وإدراكه مع اضطراريّها، تكون مع الصور اثنتي عشر. (ثلاثة) منها ـ وهي صور إدراك المشعر الاختياريّ ـ لا إشكال في صحّة الحجّ فيها. (الرابعة): إدراك اضطراريّ المشعر وحدة، وقد عرفت أنّ الصحيح المشهور البطلان. (الخامسة): إدراكه مع اختياريّ عرفة، وقد عرفت أنّه لا إشكال في صحّة الحجّ. (السادسة): إدراكه مع اضطراريّ عرفة، والمشهور الصحّة -كما يأتي- لصحيح العطّار[2] الوارد فيها بالخصوص. (السابعة): إدراك الموقف الليلي بالمشعر وحدة، وقد تقدّم أنّ الأقوى البطلان. (الثامنة): إدراكه مع اختياريّ عرفة، وقد تقدّم أنّ الأقوى والمشهور الصحّة؛ لحسن مسمع، وغيره، ومقتضاها الصمّة حتى مع كون الترك للمشعر جهلاً. -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 473، الحديث 1، الفقيه 2: 284، الحديث 1393، التهذيب 5: 193، الحديث643، الاستبصار 2: 256، الحديث 902، وسائل الشيعة 14: 27، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 16، الحديث 1. [2]. التهذيب 5: 292، الحديث 990، الاستبصار 2: 305، الحديث 1088، وسائل الشيعة 14: 44، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 24، الحديث 1. ـ(455)ـ -------------------------------------------------- (التاسعة): إدراكه مع اضطراريّ عرفة، والمعروف فيها صحّة الحجّ، بل ادّعي عليه ظهور الإجماع، وهو غير بعيد، كما يقتضيه دليل البدليّة في المقامين، فتأمّل. (العاشرة): أن يدرك اختياريّ عرفة وحدة، وقد عرفت أنّ المشهور الصحّة[1]، ولكنّه لا يخلو من إشكال. ومحصّل حكمها[2]: أنّه لو أدرك اختياريّ كلّ منهما فقد كمل -------------------------------------------------- [1]. الإرشاد 1: 330، الدروس 1: 425، الروضة 2: 278، المسالك 2: 276، الجامع للشرائع: 220، وقال بعض العلماء: أنّه المعروف بين الأصحاب، كصاحب الذخيرة وكفاية الأحكام، الذخيرة: 658، كفاية الأحكام: 69. [2]. لتسهيل الأمر وتكميل البحث نذكر جميع صور الوقوفين المتصوّرة بملاحظة أحد الموقفين أوكليهما، اختياريّاً، أو اضطراريّا، فردا وتركيبا، عمدا أو جهلاًً أو نسيانا، ونترك التعليقة على مواضع الاختلاف مع المتن اعتماداً على ذلك، وهي كما يلي: الأوّل: إدراك اختياريّهما، فلا إشكال في صحّة حجّه من هذه النّاحية. الثاني: عدم إدراك الاختياري والاضطراري منهما، فلا إشكال في بطلانه عمدا كان أو جهلاً أو نسيانا، فيجب عليه الإتيان بعمرة مفردة مع إحرامه الذي للحجّ، والأولي قصد العدول إليها، والأحوط لمن كان معه الهدي أن يذبحه. ولو كان عدم الإدراك من غير تقصير لا يجب عليه الحجّ إلاّ مع حصول شرائط الاستطاعة في القابل، وإن كان عن تقصير يستقرّ عليه الحجّ، ويجب من قابل ولو لم يحصّل شرائطها. الثالث: درك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر النهاري، فإن ترك اختياريّ المشعر عمداً بطل، وإلاّ صحّ. الرابع: درك اختياريّ المشعر مع اضطراريّ عرفة، فإن ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل وإلاّ صحّ. الخامس: درك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر الليلي، فيحكم بالصحّة على الأقوى. السادس: درك اضطراريّ عرفة واضطراريّ المشعر الليلي، فإن كان صاحب عذرٍ وترك اختياريّ عرفة عن غير عمد، صحّ على الأقوى، وغير المعذور إن ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل حجّه، وإن ترك اختياريّ المشعر عمدا فالأقوى الصحّة، كما أنّ الصحّة جارية في غير العمد أيضا. السابع: درك اضطراريّ عرفة واضطراريّ المشعر اليومي، فإن ترك أحد الاختياريين متعمّدا بطل، وإلاّ فلا يبعد الصحّة، وإن كان الأقوى الحجّ من قابل لو استطاع فيه. الثامن: درك اختياريّ عرفة فقط، فإن ترك المشعر متعمّدا بطل حجّه، وإلاّ الأقوى الصحّة؛ قضاءً للقواعد العامّة، والأخبار الخاصّة المؤيّدة بالنبويّ: «الحجّ عرفة» وعليها الشهرة. التاسع: درك اضطراريّ عرفة فقط، فالحجّ باطل. العاشر: درك اختياريّ المشعر فقط، فصحّ حجّه إن لم يترك اختياريّ عرفة متعمّدا، وإلاّ بطل. الحادي عشر: درك اضطراريّ المشعر النهاري فقط فيبطل حجّه. الثاني عشر: درك اضطراريّ الليلي فقط، فإن كان من أولي الأعذار ولم يترك وقوف عرفة متعمّدا صحّ على الأقوى، وإلاّ بطل. (صانعي) ـ(456)ـ -------------------------------------------------- الحادية عشر: أن يدرك اضطراري عرفة وحدة، وعن جماعة: الإجماع على البطلان[1]. وفي الدروس: أنّه لا يجزي قولاً واحداً[2]، وهو الأقوى؛ لعدم الدليل على الصحّة، والأصل العدم؛ لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه. الثانية عشر: أن يفوته الجميع، والبطلان حينئذ إجماعي، بل نسب إلى إجماع علماء الإسلام[3]، ووجهه ظاهر. هذا كلّه مع العذر في الفوات، وإن كان جهلاً في بعض الصور، أمّا مع عدمه فقد تقدّم بطلان الحجّ في ترك بعضها عمداً. -------------------------------------------------- [1]. في الذخيرة: أنّه لا أعرف فيه خلافا. (الذخيرة: 659)، وقال صاحب الرياض: فلا يجزي بلا خلاف أجده، (الرياض 6: 354)، التنقيح الرائع 1: 481، مرآة العقول 18: 139. [2]. الدروس 1: 426. [3]. المستند 12: 251. ـ(457)ـ -------------------------------------------------- حجّه(1)، وإن فاته المبيت ليلاً بالمزدلفة، بل ومع تعمّده لذلك وإن أثم بذلك على ما هو الأحوط فيه من الوجوب كما تقدّم. ولو فاته الجميع اختياريّاً واضطراريّاً فقد فاته الحجّ، وإن كان ناسياً أومعذوراً بأيّ عذر وإن كان هو التقيّة(2)، وكان مخالفونا وقفوا يوم التروية بدعوي رؤية الهلال، ولم يمكن التخلّف عنهم ولو لإدراك اختياريّ أحدهما، أو الاضطراريّين، أو إدراكهما (1) بلا إشكال ظاهر كما يفهم وجهه من الحاشية السابقة. (2) الذي يقتضيه عموم: «التقيّة ديني ودين آبائي»[1] أنّه إذا حكم القاضي للمخالفين بثبوت الهلال نفذ حكمه، وجاز ترتيب الآثار عليه، ويقتضيه السيرة القطعيّة في زمن الأئمّة (عليه السلام) على متابعتهم في المواقف، من دون تعرّض لشيء من ذلك، وفي خبر أبي الجارود: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم تصوم الناس»[2]. وقد أشرنا إلى ذلك في شرح الصوم من العروة[3] وبعض المراسيل الدالّة على خلاف ذلك في الصوم غير صالحة للحجيّة، وأنّه من التقيّة في ترك الواجب، ودليلها لا يقتضي الإجزاء؛ لاختصاصه بالتقيّة في أدائه، ومنه ما نحن فيه، فالمقايسة بين المقام وإفطار يوم العيد غير ظاهرة. هذا بالنسبة إلى الوقوف، وأمّا بالنسبة إلى سائر الأعمال مثل مناسك منى ومكّة فمقتضي السيرة، وخبر أبي الجارود جواز الإتيان بها يوم الشكّ، وأمّا عمومات التقيّة فلا تقتضي ذلك. هذا كلّه مع احتمال الموافقة في حكمهم، أمّا مع العلم بالخلاف فالسيرة في مثله غير ثابتة، وخبر أبي الجارود يختصّ بيوم الشكّ، فلا يشمل المقام، فلم يبق إلاّ عمومات التقيّة، واقتضاؤها للإجزاء يتوقّف على بنائهم على صحّة حكم الحاكم، مع العلم بالخلاف كما هو الظاهر. وحينئذ إذا اقتضت التقيّة التقديم فهو، وإلاّ -كما هو الغالب ـ فاللازم الاتيان بها في زمان يصحّ فيه الإتيان بمقتضي مذهبنا عملاً بالأدلّة الأولّيّة من غير مزاحم. (حكيم) بل غير التقيّة، فإنّ مقتضي أدلّتها، كأدلّة غيرها من الأحكام إجزاء الإتيان بالمأمور به بتلك الأحكام على ما حققناه في محلّه، ثمّ أنّ الظاهر، الإجزاء في حكم الحاكم من العامّة حتى مع العلم بالخلاف؛ قضاءً لعموم أدلّة التقيّة. (صانعي) -------------------------------------------------- [1]. الكافي 2: 174، الحديث 12، وسائل الشيعة 16: 204، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 24، الحديث4. [2]. التهذيب 4: 317، الحديث 966، وسائل الشيعة 10: 133، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، الباب 57، الحديث 7. [3]. المستمسك 8: 320. ـ(458)ـ -------------------------------------------------- جميعاً ليلة النحر، ويتحلّل(1) عن إحرامه بعمرة مفردة، ثمّ يحجّ من قابل مع استقرار الوجوب أو بقاء الاستطاعة مع سائر الشرائط. ولو أدرك اختياريّ أحدهما فقد صحّ حجّه؛ سواء أدرك اضطراريّ الآخر أم لا، مع عدم تقصيره فيه، وإن كان المدرك هو اختياريّ عرفة، لكنّه لا يخلو عن خلاف(2)، (1) كما هو حكم من فاته الحجّ، كما تضمّنته النصوص، ففي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام): «من أدرك جمعاً فقد أدرك الحجّ» قال: «وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيّما حاجّ سائق للهدي، أو مفرداً للحجّ أو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ قدم وقد فاته الحجّ فليجعلها عمرة، وعليه الحجّ من قابل»[1]، ونحوه صحيح الحلبي[2]، وصحيح حريز[3]، وخبر محمّد بن سنان[4]، وغيرها، وقد جمعها في الحدائق[5] وادّعي إجماع الأصحاب[6] على أنّ من فاته الوقوفان في وقتهما فقد فاته الحجّ، وسقط عنه بقيّة أفعاله، ويحلّل بعمرة مفردة. (حكيم) ـ فإنّه حكم من فاته الحجّ، لكن لا يخفي عليك تحقّق الفوت في غير عذر التقيّه، وأمّا فيه فقد مرّ الإجزاء وعدم تحقّق الفوت. (صانعي) (2) وإشكال كما سبق[7]. -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 476، الحديث 2، الفقيه 2: 284، الحديث 1394، التهذيب 5: 294، الحديث 998، وسائل الشيعة 14: 48، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 27، الحديث 1. [2]. التهذيب 5: 289، الحديث 981، الاستبصار 2: 301، الحديث 1076، وسائل الشيعة 14:36، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 22، الحديث 2. [3]. التهذيب 5: 480، الحديث 1704، وسائل الشيعة 14: 50، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 27، الحديث 4. [4]. التهذيب 5: 290، الحديث 984، الاستبصار 2: 303، الحديث، وسائل الشيعة 14: 38، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 4. [5]. الحدائق 16: 461. [6]. الذخيرة: 660، الحدائق 16: 461. [7]. ص 445. ـ(459)ـ -------------------------------------------------- ولو أعاده كان أولي وأحوط. ولو أدرك أحد الاضطراريين وحدة فقد فاته الحجّ، وإن كان المدرك هو اضطراريّ المشعر علىالأقوى(1)، بل وإن أدركه ليلاً وأفاض لعذر على ما هو الأحوط(2) فيه كما تقدّم. ولو أدرك الاضطراريّين فالأقوى صحّة حجّه(3) وإن كانت الإعادة أحوط. والله العالم. (1) كما سبق[1]. (2) بل الأقرب كما عرفت[2]. (3) كما هو المشهور[3]؛ لصحيح العطّار: «إذا أدرك الحاجّ في عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات، ولم يدرك الناس بجمع، ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلاً بالمشعر الحرام، وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه»[4]، المعتضد بعموم من أدرك المشعر قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك[5] الحجّ، فتأمّل. -------------------------------------------------- [1]. ص 448. [2]. ص 448 و449. [3]. النهاية: 273، التهذيب 5: 291، علل الشرائع: 451، الانتصار: 90، الكافي في الفقه: 197، الشرائع 1: 254، المنتهي2: 728،، الغنية (الجوامع الفقهيّة): 508، المدارك 7: 406، الذخيرة: 658، كشف اللثام 6: 100. [4]. التهذيب 5: 292، الحديث 990، الاستبصار 2: 305، الحديث 1088، وسائل الشيعة 14:44، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 24، الحديث 1. [5]. الكافي 4: 476، الحديث 3، الفقيه 2: 243، الحديث 1162، التهذيب 5: 291، الحديث 988، الاستبصار 2: 304، الحديث 1087، وسائل الشيعة 14: 40، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 23، الحديث 9. ـ(460)ـ --------------------------------------------------
|