|
مستحبّات الوقوف بالمشعر
المقصد الثالث: في المندوبات. يستحبّ(1) أن يصبح(2)
(1) ما ذكره قدسسره من المستحبّات في الوقوف فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس غير الإصباح طهرا والصلاة الغداة والحمد للّه والثناء له إلى آخر الدعاء ليس موردا للرواية والنصّ، وإنّما الرواية، وهي صحيحة معاوية بن عمّار[1] مشتملة على الإصباح وما بعده إلى آخر الدعاء من المستثنيات بلفظ الغير. نعم، جميع ما ذكره قدسسره موجود في محكي المهذّب، كما ذكره الجواهر[2]. والظاهر منه أيضا كون المحكي هو معتمده في الاستحباب فراجع. كيف كان، فالإتيان بتلك المستحبّات رجاءً للثواب لا بأس به، بل يكون مطلوبا ومرغوبا؛ لدلالة أخبار من بلغ على الاستحباب رجاءً وإن لم تدلّ على الاستحباب نفسا. (صانعي) (2) قال أبو عبد الله (عليه السلام) في صحيح معاوية: «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف قريباً من الجبل، وإن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد الله عزّوجلّ، وأثن عليه، واذكر من آلائه وبلائه ما -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14: 20، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث 1. [2]. حكاه عنه الجواهر. (الجواهر 19: 79). ـ(461)ـ -------------------------------------------------- قدرت عليه، وصلّ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ ليكن من قولك»[1]. على طهر[2] فيصلّي الغداة، ثمّ ليقف قريباً من الجبل في سفحه متوجّهاً(1) إلى القبلة، وليحمد الله، وليكبّره، وليثن عليه، وليذكر من آلائه وبلائه ما يقدر عليه، وليشهد(2) الشهادتين، وليصل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (3)، وليذكر الأئمّة واحداً بعد واحد، وليدع لهم، وليبرأ من عدوّهم، بل الأحوط(4) عدم ترك (1) كما في خبر الدعائم[3]. (2) كما عن المهذّب[4] ذكره وما بعده. (3) خروجا من الخلاف المحكي من المهذّب، فإنّه ذكرهما من الواجبات في المشعر، ولعلّ الأوّل للأمر به في الآية[5]، والثاني للأمر به في صحيحة معاوية بن عمّار[6]، إلاّ أنّ الظاهر إرادة الندب منهما؛ لما في الآية من التعليل بالهداية، ولما في الصحيح من مقارنة ذلك الأمر مع غيره من الأوامر المستحبّة، فتدبّر جيّدا. (صانعي) -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14: 20، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث 1. [2]. ويستحبّ إيقاع الوقوف ونيّته على طهارة وبعد أن يصلّي الفجر كما في النافع. (المختصر النافع: 88)، والشرائع (الشرائع 1: 256)، والمقنع(المقنع: 87)، والكافي(الكافي في الفقه: 214)، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن عمّار قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر(الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14: 21، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث1. [3]. دعائم الإسلام 1: 322. [4]. المهذّب 1: 253. [5]. البقرة (2): 198. [6]. الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14:20، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث 1. ـ(462)ـ -------------------------------------------------- (4) وعن المهذّب: وجوبه[1] وكأنّه للأمر به في الكتاب[2]، بل عن السيّد[3] والراوندي[4] احتماله أيضاً. الذكر والصلاة(1) على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وليكن(2) من قوله: «اللّهم ربّ المشعر الحرام فكّ رقبتي من النار، وأوسع على من رزقك الحلال وادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ والإنس، اللّهم أنت خير مطلوب إليه، وخير مدعوّ، وخير مسؤول، ولكلّ وافد جائزة فاجعل جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي، وتتجاوز عن خطيئتي، ثمّ اجعل التقوي من الدنيا زادي برحمتك يا أرحم الراحمين». وادع(3) الله تعالى كثيراً لنفسك، ولوالديك، وولدك، وأهلك، ومالك، والمؤمنين والمؤمنات، ثم ليكبّر(4) الله سبحانه وتعالي مائة مرّة، ويحمده، ويسبّحه، (1) وعن المهذّب: الوجوب[5]، وعن السيّد والراوندي، احتماله[6]. (2) للأمر به في صحيح معاوية المتقدّم[7]. -------------------------------------------------- [1]. المهذّب 1: 254. [2]. البقرة (2): 198. [3]. الانتصار: 89، (في الطبع الجديد ص 233). [4]. فقه القرآن 1: 286. [5]. المهذّب 1: 253. [6]. كما مرّ آنفاً فراجع، ونقله في الجواهر 19: 80. [7]. الكافي 4: 469، الحديث 4، التهذيب 5: 191، الحديث 635، وسائل الشيعة 14: 20، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 11، الحديث 1. ـ(463)ـ -------------------------------------------------- (3) هذا وما بعده ذكره الصدوق «ره» في من لا يحضره الفقيه[1]. (4) هذا وما بعده ذكره في المهذّب[2]. ويهلّله كذلك، ويصلّي على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ويقول: «اللّهم أهدني من الضلالة وأنقذني من الجهالة، واجمع لي خير الدنيا والآخرة، وخذ بناصيتي إلى هداك، وانقلني إلى رضاك، فقد تري مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، وذلّ لك فأكرمته، وجعلته علماً للناس، فبلّغني فيه مناي ونيل رجائي، اللّهم إنّي أسألك بحقّ المشعر الحرام أن تحرّم شعري وبشري على النار، وأن ترزقني حياة في طاعتك، وبصيرة في دينك، وعملاً بفرائضك واتّباعاً لأوامرك، وخير الدارين، وأن تحفظني في نفسي، ووالديّ، وولدي، وأهلي، وإخواني، وجيراني، برحمتك»، واجتهد في الدعاء والمسألة، والتضرع إلى الله سبحانه، والابتهال حتى تطلع الشمس، كما أنّه ينبغي الاجتهاد في الدعاء كذلك ليلة ذلك اليوم، بل ينبغي إحياؤها(1)، فإنّ أبواب السماء لا تغلق فيها، ويقول الله جلّ شأنه: «أنا ربّكم، وأنتم عبادي، أدّيتم حقّي، وحقّ على أن أستجيب لكم» وليكن من قوله فيها: «اللّهم هذه جمع، اللّهم إنّي أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللّهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي، وأطلب إليك أن تعرفني ما عرفت أوليائك في منزلي هذا، وأن تقيني جوامع الشرّ»[3]. ويستحبّ وطي قزح[4] برجله، ولا سيّما الصرورة في حجّة -------------------------------------------------- [1]. الفقيه 2: 327. [2]. المهذّب 1: 254. [3]. الكافي 4: 468، الحديث 1، التهذيب 5: 188، الحديث 626، وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 10، الحديث 1. [4]. قزح كصرد اسم جبل بالمزدلفة. (مجمع البحرين 2: 404). ـ(464)ـ -------------------------------------------------- الإسلام[1]، بل الأحوط ذلك، والصعود عليه، وذكر الله تعالى شأنه والدعاء. ويستحب (1) كما في مصحّح الحلبي[2]، وكذا ما بعده إلى آخر الدعاء. لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس[3]، ولكن يجوز(1) وادي محسّر قبل طلوعها، بل لا يدخل فيه قبل ذلك على الأحوط، وأحوط منه عدم الإفاضة قبل الطلوع، بل لو فعل جبر بشاة، وإن كان الأقوى جواز الدخول فيه. أمّا الإمام يستحبّ له التأخير حتى تطلع الشمس[4] مؤكّداً، ويستحبّ السعي في وادي محسّر للراكب والماشي، ولا أقّل من مائة ذراع[5]، ودون ذلك مائة خطوة[6] وليقل فيه: «اللّهم سلّم عهدي، واقبل توبتي، وأجب دعوتي، واخلفني في ما تركت بعدي»[7]، بل لو ترك السعي فيه جهلاً، أو عمداً، أو سهواً استحبّ الرجوع للسعي فيه، ويستحبّ لمن ورد المشعر أن يلتقط -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 468، الحديث 1، التهذيب 5: 188، الحديث 626، وسائل الشيعة 14: 16، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 7، الحديث 1. [2]. الكافي 4: 468، الحديث 1، التهذيب 5: 188، الحديث 626، وسائل الشيعة 14: 19، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 10، الحديث 1. [3]. الكافي 4: 470، الحديث 5، التهذيب 5: 192، الحديث 639، الاستبصار 2: 257، الحديث 908، وسائل الشيعة 14: 25، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 15، الحديث 1 و2. [4]. التهذيب 5: 193، الحديث 641، الاستبصار 2: 258، الحديث 909، وسائل الشيعة 14: 26، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 15، الحديث 4. [5]. الكافي 4: 471، الحديث 8، الفقيه 2: 282، الحديث 1368، وسائل الشيعة 14: 23، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 13، الحديث 4 و5. [6]. الكافي 4: 471، الحديث 4، الفقيه 2: 282، الحديث 1385، وسائل الشيعة 14: 23، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 13، الحديث 3. [7]. الفقيه 2: 282، الحديث 1384، التهذيب 5: 192، الحديث 637، وسائل الشيعة 14: 22، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 13، الحديث 1. ـ(465)ـ -------------------------------------------------- منه الحصى لرمي الجمار، وهي سبعون حصاة، ولو زاد استظهاراً كان أولي، ودونه في الفضل أخذها من منى، ويجوز من غيرهما من الحرم، عدا المساجد، ولا يجوز من غير الحرم، والمدار على صدق مسمي الحصى فإن خرج عن ذلك لصغر أو كبر وغير ذلك لم يجز، ويعتبر أن تكون أبكاراً لم ترم الجمار بها، والأولي، بل الأحوط طهارتها، ويستحبّ أن (1) الظاهر وقوع الغلط في النسخة. والصحيح «لا يجوز» كما يظهر من قوله، بل لا يدخل فيه. (صانعي) ـ(466)ـ -------------------------------------------------- تكون منقطة[1]، كحلية، غير مكسورة[2]، رخوة لا صلبة، ملتقطة[3] مثل رؤس الأنملة، والله العالم. الفصل الرابع: في واجبات منى[4]. يجب بعد أن أفاض من المشعر يوم النحر أن يمضي -------------------------------------------------- [1]. الكافي 4: 478، الحديث 7، التهذيب 5: 197، الحديث 656، وسائل الشيعة 14: 33، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 20، الحديث 2، والمراد منها أن تكون فيه نقط تخالف لونه. وفي المجمع «خُذها كحِلية مُنقطة»، أي فيها نقط. (مجمع البحرين 4: 276). [2]. الكافي 4: 477، الحديث 4، التهذيب 5: 197، الحديث 657، وسائل الشيعة 14: 34، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 20، الحديث 3. [3]. والمراد منها أن تكون كلّ واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة، ولا تكون مكسورة من حجر. [4]. منى كإلي، وقد تكرّر ذكرها في الحديث، اسم موضع بمكّة على فرسخ، والغالب عليه التذكير فيصرف. وحدّه ـ كما جاءت به الرواية ـ من العقبة إلى وادي محسّر، واختلف في وجه التسمية فقيل: سمّي «منى»؛ لما يمني به من الدماء، أي يُراق. وقيل: سُمّيت بذلك؛ لأنّ جبرئيل لمّا أراد مفارقة آدم عليه السلام قال له: تمنّ، قال: أتمني الجنّة. ضسمّيت منى؛ لأمنية آدم بها. (مجمع البحرين 1:401)، منى: بكسر الميم والقصر، اسم منصرف مذكّر، قاله الجوهري:(الصحاح 6: 2498) سمّي المكان المخصوص بذلك؛ لأنّ جبرئيل (عليه السلام) قال هناك لإبراهيم (عليه السلام): تمنّ على ربّك ما شئت. (المسالك 2: 292)، وقيل: لقوله (عليه السلام) لآدم (عليه السلام): تمنّ، فقال: أتمنّي الجنّة فسمّيت به لأمنية آدم. (الرياض 6: 387)، وفي علل الشرائع: إنّ جبرئيل أتي إبراهيم (عليه السلام) فقال: تمنّ يا إبراهيم فكانت تسمّي منى فسمّاها الناس منى. (العلل: 435، الحديث 2). وعن محمّد بن سنان أنّ أبا الحسن الرضا (عليه السلام) كتب إليه العلّة التي من أجلها سمّيت منى منى إنّ جبرئيل (عليه السلام) قال هناك يا إبراهيم تمنّ على ربّك ما شئت فتمني إبراهيم في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشاً يأمره بذبحه فداء له فأعطي مناه. (الذخيرة: 662). وأمّا حدّ منى: وقد اتّفقت الروايات على أنّ حدّ منى من جهة الطول من العقبة إلى وادي محسّر، ففي صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) إذا انتهيت إلى منى فقل: اللّهم هذه منى، وهذه ممّا مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمّن على بما مننت به على أنبيائك، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك، إلى أن قال: وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر. (الكافي 4: 461، الحديث 1، التهذيب 5: 177، الحديث 596، وسائل الشيعة 13: 526، كتاب الحجّ، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، الحديث 2). وجمرة العقبة هي حدّ منى من جهة مكّة. فقد قال الأزرقي في أخبار مكّة بسنده عن ابن جريح: قال: قلت لعطاء بن أبي ريا الحديث أين منى؟ قال: من العقبة إلى محسّر، قال عطاء: فلا أحبّ أن ينزل أحد إلاّ فيما بين العقبة ومحسّر. (أخبار مكّة للأزرقي 2: 172). وأمّا حدّها من ناحية العرض فهو مابين الجبلين الكبيرين بامتدادهما من العقبة حتى وادي محسّر، وقد ذكر الفاسي في شفاء الغرام: أنّ ما أقبل على منى من الجبال المحيطة بها من كلا جانبيها فهو منها وما أدبر من الجبال فليس منها. (هداية الناسكين: 205). ـ(467)ـ -------------------------------------------------- إلى منى لأداء المناسك الواجبة فيها، وهي ثلاثة:
|