|
مدخل
مدخل
تحدّثنا ـ بداية الكتاب الثاني من هذه السلسلة ـ عن حرمة النفس الإنسانية و احترامها في الإسلام، و قد أشرنا هناك إلى أن القرآن الكريم اعتبر أن قتل إنسان واحد هو بمثابة قتل البشر جميعاً، و في هذا المجال قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة و هو آيس من رحمة الله».(1) و على هذا الأساس، ليس ثمة هدف من وراء تحريم قتل النفس و تشديد العقوبات الأخروية ـ إلى جانب الدنيوية ـ سوى الحيلولة دون هذا السلوك البشع و العمل الشنيع. فإذا كان قتل النفس عن عمد فحكمه القصاص، اللهم إلاَّ إذا صرف أولياء المجني عليه (المقتول) النظر عن القصاص، راضين بقبض الدية، أما في القتل الخطأ أو شبه العمد فلم يحكم الشارع بالقصاص، مكتفياً بالحكم بدفع الدية لأسرة المقتول، نعم، جاء في القرآن الكريم في صورة القتل الخطأ الحكمُ على القاتل بلزوم تحرير رقبة مؤمنة، إلى جانب دفع الدية. قال تعالى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا)(2). و من الاستفهامات الجادّة في الفقه الإسلامي حول موضوع الدية عدمُ تساويها بين الرجل و المرأة، و بين المسلم و غيره، فقد ذهب مشهور الفقهاء، بل يمكن القول: تمام فقهاء الإسلام، عدا نزر يسير، إلى أن دية المرأة تقع على النصف من دية الرجل، وأن دية غير المسلم تقلّ عن دية المسلم، على خلاف بين الفقهاء الشيعة و السنّة في مقدارها، كما ذهبوا في الجراحات إلى أن دية المرأة تساوي دية الرجل إلى الثلث، فإذا تجاوزت الثلث غدت دية المرأة نصف دية الرجل. إننا نعتقد بأن الروايات الواردة في مقام بيان الدية و مقدارها تدلّ على تساوي قيمة الدم، كما أنه ليس هناك شواهد في القرآن الكريم تدلّ على مبدأ عدم التساوي، بل إن الأصول العامة والقواعد الكلّية الإسلامية تشهد على التساوي المذكور. في هذه الحلقة من هذه السلسلة، سوف ندرس هذا الموضوع، و ندافع عن وجهة نظرنا المشار إليها، كما سنركّز على نقد نظرية المشهور، في هذا الإطار. و نبحث ذلك هنا ضمن فصول ثلاثة: الفصل الأول: تساوي دية المرأة والرجل، والمسلم و الكافر. الفصل الثاني: دراسة نظرية عدم التساوي في الدية بين الرجل و المرأة، و نقدها. الفصل الثالث: دراسة نظرية عدم التساوي في الدية بين المسلم و غيره، و نقدها. -------------------------------------------------------------------------------- (1) مستدرك، ج 18، ص 211، ح 4. (2) النساء: 92.
|