|
مقدّمة التحقيق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ذي النعم السابغة، والآلاء الوازعة، والفضائل الجسيمة، والمنن العظيمة. والصلاة والسلام على علم الهدى، والعروة الوثقى، سراج الدجى، ومن داست أقدامه بساط العُلى، أحمد الخضراء، ومحمّد الغبراء. وعلى آله الغرّ الميامين، نجوم السماء اللامعات، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، صلاةً غادية رائحة، لا معدودة ولا ممنوعة، دائمة غير منقطعة. وعلى صحبه الكرام، محيي الشريعة، وحافظي الوديعة، ومن شايعه وتابعه، واقتفى أثره، وائتمَّ بعترته. التراث هو المرآة التي ترى الاُمّة من خلالها ذاتَها وحضارتها، وتطّلع على تأريخها، وبه تتعرّف على تجاربها عبرَ القرون الماضية، كي تستفيد منها في أيامها الحاضرة. وهو العدسة التي ينظر العالَمُ إلى أيّ اُمّة، فيقيّم حضارتها جذوراً واُصولاً واُسساً. وممّا لا يشكّ فيه أحد أنّ تراثنا الإسلامي مخزون هائل، مودع بين طيّات المخطوطات والوثائق، وفي زوايا وأطراف بقاع العالم، فلا تكاد تخلو من تراثنا قارّة من القارّات، ولا مكتبة من مكتبات العالم. هذا التراث المقدّس الذي يضمّ عدداً من المصاحف المخطوطة، وكتب السنّة الشريفة، ومؤلّفات سلفنا الصالح، التي أورثونا إيّاها بسخاء منقطع النظير. لكن، ومن المؤسّف جدّاً أن نجد إهمالا كبيراً لهذا التراث القيّم، هذا الإهمال الذي أدّى إلى إخراج الآلاف من النسخ الخطّية إلى بلاد الغرب، فلا تكاد مكتبة من مكتبات الغرب تخلو من مخطوطاتنا الإسلاميّة. وهذا الإهمال هو الذي أدّى إلى ابتعاد الجيل الناشئ من مطالعة الكتب الإسلاميّة ; لرداءة خطّها وطبعها، وتوجّهَ ـ هذا الجيل ـ إلى الكتب الإلحاديّة التي تتّصف بجودة الطبع وجمال الإخراج. والذي يبعث في القلب الأمل هو اهتمام جمع من الفضلاء والأساتذة في الوقت الحاضر بتحقيق هذا التراث، ومن ثمّ طبعه ونشره بالشكل اللائق به، فنشأت عدّة مؤسسات ومراكز تحقيقيّة لأجل ذلك. وإيماناً منّا بأنّ العمل لإحياء التراث الضخم المجهول سيكون بعين الله التي لا تنام ورضاه، ومن الدوافع الأساسيّة لبعث روح العزّة والسموّ في جسد الاُمّة الإسلاميّة التي انقضى على سباتها أمد طويل، وآن لها أن تفيق لتبني نهضتها المرتقبة على اُسس حضاريّة علميّة رصينة. وهذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ « مجمع الفائدة والبرهان » لمؤلّفه الفقيه المحقّق المولى أحمد بن محمّد الأردبيلي المعروف بـ « المقدّس الأردبيلي » الذي غطّت شجرة علمه الوارفة جميع أرجاء الفقه الشيعي وشعابه، ويتجلّى ذلك واضحاً في شرحه العميق وتحقيقه الدقيق على كتاب (إرشاد الأذهان) للعلاّمة الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، الذي اعترف له العدو قبل الصديق والقاصي قبل الداني بغزارة علمه وتبحّره في كلّ ميادين المعقول والمنقول إلى يومنا هذا. وأمّا الحاشية الاستدلاليّة على المجمع، فقد خطّها يراعُ فقيه من فقهاء الشيعة، أثبتت تعليقاته العلميّة المهمّة وآراؤه الحديثة التي توصّل إليها وطرحها في الحوزة العلميّة، مدى اطّلاعه الواسع على المسائل الفقهيّة وتعمّقه في فهمها، وتوضيحها بسلاسة وسهولة قلّ نظيرهما في مثل هذه الأيام، ونعني به سماحة آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي حفظه الله ورعاه. وقد كلّف دام ظلّه مؤسّستنا بالقيام بتحقيق هذا الكتاب، وهيّأ لنا كافّة مستلزمات التحقيق، فله من الله الأجر والثواب، ومنّا جزيل الشكر والاحترام. النسخ الخطّية المعتمدة في التحقيق اعتمدنا في تحقيق هذه الموسوعة على ستّ نسخ خطّية لكتاب «مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان» معتبرة، فهي: 1) النسخة الخطّية المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة، تحت رقم (5490)، مذكورة في فهرسها 14: 271، كتبها محمّد باقر بن علي النجفي في الثالث عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 1118 هـ، وقد رمزنا لها بالحرف (ش1). 2) النسخة الخطّية المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة أيضاً، تحت رقم (1852)، مذكورة في فهرسها 5: 237، كتبها صالح بن سعيد في أواخر شهر جمادي الاُولى سنة 1091 هـ، وقد رمزنا لها بالحرف (ش2). 3) النسخة الخطّية المحفوظة في مركز إحياء التراث الإسلامى في قم المقدّسة، تحت رقم (3568) كتبها محمّد حسن بن ملاّ عبداللّه، سنة 1284، وقد رمزنا لها بالحرف (ج). 4) النسخة الخطّية المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران، تحت رقم (3378)، مذكورة في فهرسها 10: 1227، كتبت سنة 1087 هـ، وقد رمزنا لها بالحرف (م). 5) النسخة الخطّية المحفوظة في مكتبة المدرسة الفيضيّة في مدينة قم المقدّسة، تحت رقم (125)، مذكورة في فهرسها 1: 228، كتبت سنة 1252 هـ، وقد رمزنا لها بالحرف (ض). 6) النسخة الخطّية المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة، تحت رقم (8909)، مذكورة في فهرسها 23: 89، كتبها محمّد تقي الطباطبائي في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1222 هـ، وقد رمزنا لها بالحرف (ش3). 7) وقد استفدنا كثيراً من الطبعة الحجريّة لهذا الكتاب المطبوعة سنة 1202 هـ، والتي تحتوي على كافّة أبواب الكتاب. منهجيّة التحقيق 1) اعتمدنا في تحقيق هذا الكتاب طريقة التلفيق بين النسخ الخطّية التي تقدّم وصفها، وذلك لعدم وجود نسخة خطّية صحيحة يمكن الاعتماد عليها كأصل في التحقيق، ولم نثبت كافّة الاختلافات الواردة بين النسخ، بل ذكرنا ما هو ضروري منها. 2) وضعنا في أعلى الصفحة متن الكتاب « إرشاد الأذهان »، ثمّ وضعنا أسفله الشرح (مجمع الفائدة والبرهان)، ثمّ الحاشية الاستدلاليّة لسماحة آية الله العظمى الشيخ يوسف الصانعي مدظله العالى، ثمّ الهامش الذي يحتوي على الاستخراجات والتوضيحات والتعليقات الضروريّة. 3) استخرجنا كلّ ما يحتاجه المتن والشرح والتعليقة من استخراجات، كالآيات القرآنيّة الكريمة، والأحاديث الشريفة، وأقوال العلماء في مختلف العلوم، كلّ ذلك من المصادر الرئيسيّة المعتمدة عند علماء المسلمين، وفي حالة عدم توفّر المصدر نقلنا عنه بواسطة مصادر اُخرى متوفّرة لدينا. 4) حدّدنا كلّ ما صرّح المؤلّف بتقدّمه أو مجىء ذكره. فإنّه كثيراً ما قال: تقدّم، مرّ، سيأتي و أمثالها، فبذلنا جميع ما في وسعنا من تفحّص هذه المواضع. 5) بيّنا الكلمات اللغويّة الصعبة التي تحتاج إلى إيضاح، معتمدين في ذلك على اُمّهات المصادر اللغويّة المتوفّرة لدينا. 6) أوضحنا الأماكن والبقاع والمدن الواردة في الكتاب، والتي تحتاج إلى إيضاح. 7) قمنا بعمل فهارس عامّة لكافّة أجزاء الكتاب ; ليستفيد منها المحقّق والاُستاذ وطالب الحوزة العلميّة وغيرهم. والجدير بالذكر أنّا اعتمدنا في متن الإرشاد على ما ورد في كتاب غاية المراد المطبوعة المحقّقة فى مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة. وأخيراً نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكافّة الإخوة المحقّقين والفضلاء الذين شاركوا في إخراج هذا الكتاب. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير الأنام نبيّنا ومقتدانا محمّد المصطفى، وعلى أهل بيته الطيّبين الكرام. فخرالدين الصانعي مدير مؤسّسة فقه الثقلين
|