|
أولاً: قصور الآيات القرآنية عن الشمول
أولاً: قصور الآيات القرآنية عن الشمول(25)
أ ـ قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسرِ قُلْ فِيهمَا إِثْمٌ كَبيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَفْعِهِمَا)(البقرة: 219). تدلّ هذه الآية في نفسها على حرمة المال والعوض، لكنها ـ للوجوه القادمة ـ قاصرة عن الدلالة على حرمة الفعل، أي اللعب والمسابقة، وهذه الوجوه هي: 1 ـ إن المنسبق للذهن من منافع الميسر هو المنفعة المالية والمادية له، تماماً كما هو المتعارف في منفعة الخمر من النشوة والنشاط و... رغم كون منافعهما أعم من ذلك، لكنّ المتبادر من منفعة الخمر هو المنفعة النفسية، والمتبادر من منفعة القمار هو المنفعة المالية. 2 ـ لا يمكن قبول القول بأن المنفعة في هذه المسابقات أعمّ من المالية والترفيهية والتسلية وتمضية الوقت، ذلك أن الظاهر من الميسر ـ بقرينة وحدة السياق ـ هو المنفعة المالية والمادية التي فيه، فحيث كانت الخمر عيناً فلابدّ أن يكون الميسر كذلك. 3 ـ مقتضى اشتقاق كلمة الميسر المأخوذة من اليسر، هو أن يراد به الميسر الذي يحوي منفعةً مالية، تماماً كما جاء التصريح بذلك في كلمات المقدّس الأردبيلي بقوله: «على ما فهم من اشتقاقه..»(26)، وهو ما يشير إليه كلام الزمخشري في كتاب « الكشاف»، وقد اشار المقدّس الأردبيلي نفسه إلى ذلك، حيث قال: «قال في الكشاف: الميسر القمار، مصدر من يسر، كالموعد والمرجع عن فعلهما.. واشتقاقه من اليسر; لأنه أخذ مال رجل بيُسر وسهولة من غيركدّ وتعب، أو من اليسار، لأنه سلب يساره»(27). وعليه، فالأمر كما قلنا من أنّ أساس الميسر وركنه الرئيس هو ما فيه من جانب مالي. ب ـ قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسرِ)(المائدة: 91). تعتبر هذه الآية أنّ علّة الحرمة هنا هو ما تحدثه هذه الأشياء من عداوات وشحناء وبغضاء يلقيها الشيطان، وهذا ما لا يصحّ إلاَّ مع وجود مال في البين; ذلك أنَّ خسارة هذا المال أو كسبه وربحه هو ما يوقع العداوة والحقد والضغينة، وإلاَّ فصرف التسلية والترفيه لا يوجب ذلك، فتمام المفاسد يكمن في اللعب مع الرهن والعوض، كما أشار إلى ذلك السيد أحمد الخوانساري(رحمه الله)(28). وعليه، فهذه الآية هي أيضاً قاصرة في دلالتها عن الشمول لحرمة اللعب بالآت القمار وأدواته دون عوض أو مقامرة. __________________________________________ (25) لا نتعرّض هنا لآية (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بالْبَاطِلِ); لأننا لم نعتبرها دليلاً حتى على القسم الأوّل، فضلاً عن الثاني، لظهورها في حرمة أكل المال، لا في حرمة الفعل، وهو اللعب ونحوه. (26) الأردبيلي، زبدة البيان في أحكام القرآن: 631. (27) المصدر نفسه: 628; والكشاف 1: 261. (28) الخوانساري، جامع المدارك في شرح المختصر النافع 3: 28.
|