|
مصباح [ 16 ]
[ في عدم اختصاص تحريم المسّ بما تحلّه الحياة ] لا يختصّ التحريم بما تحلّه الحياة من الأجزاء، خلافاً للشهيد الثاني (رحمه الله)، حيث خصّ المنع بما تحلّه الحياة، وعلّله بأنّ ما لا تحلّه الحياة لا يتعلّق به حكم المحدث(1). وضعفه ظاهر; فإنّ الحدث معنى قائم بالمجموع، دون الأجزاء، ويرتفع بالوضوء والغسل المتعلّقين بما تحلّه الحياة وما لا تحلّه، كالأظفار والجلود الميتة قبل انفصالها عن البدن، ملتصقةً كانت أو متجافيةً، فإنّه يجب غسلها في الوضوء والغُسل إجماعاً، وكذا الشعر، فإنّه قد يجب غسله في الوضوء، وإن لم يجب في الغُسل. وأيضاً فالتحريم منوط بمسّ المحدث، سواء كان العضو الماسّ ممّـا يتعلّق به حكم الحدث، أو لا، كسائر الأعضاء التي لا يتعلّق بها غَسل ولا مسح. والأولى بناء الحكم على تحقيق معنى المسّ، وأنّه هل هو بمعنى اللمس، كما في القاموس(2)، والنهاية(3)، والطراز(4)، أو أعمّ منه، كما هو الظاهر؟ فعلى الثاني يصدق المسّ بما لا تحلّه الحياة، بخلاف الأوّل; لأنّ الإحساس مأخوذ في اللمس ولا يتحقّق إلاّ بما تحلّه الحياة. ولكن(5) ظاهر الأصحاب عدم اعتبار الإحساس، حتّى أنّ جماعة منهم، كالفاضلين(6) والشهيد(7)، أناطوا الحكم باللمس، وفسّروه بمطلق الملاقاة، مصيراً إلى اللغة، وظاهرهم عدم أخذ الإحساس في معنى المسّ واللمس لغةً. وقد يقال: بالعموم، وإن أُخذ الإحساس فيهما، نظراً إلى أنّ علّة الحكم تعظيم القرآن بمنع المحدث عن ملاقاته، سواء وجد معه الإحساس أو لم يوجد. وكيف كان، فينبغي القطع بتحريم الإصابة بمثل الجلود الميتة المتّصلة بالبدن، فإنّها من أجزاء البشرة، وأمّا غيرها كالظفر والسنّ والعظم والشعر، ففي جامع المقاصد: «والظاهر أنّ الإصابة بنحو الشعر والسنّ لا يعدّ مسّاً»(8). وفي منهج السداد: «ولا بأس بالشعر والسنّ، وفي الظفر تردّد»(9). وفي المدارك: «وفي الظفر والشعر وجهان»(10). وفي الذخيرة: «والظاهر أنّه لا يحصل بالشعر، وفي الظفر وجهان»(11). وفي البحار: «الظاهر عدم حصوله بالشعر ولا بالظفر، وفي الأخير نظر»(12). وفي عيون المسائل وشارع النجاة: عدم حصوله بالسنّ والشعر وأطراف الأظافير(13). والأقرب: حصوله بالظفر والسنّ والعظم. وفي الشعر وجهان. وقد ذكر المحقّق الكركي في مسّ الميت أنّه إن كان بالظفر أو الشعر أو السنّ أو العظم الموضح من الحيّ ففي وجوب الغُسل بذلك تردّد، من صدق اسم المسّ وعدمه. ثمّ قال: «ولعلّ المسّ بالشعر لا يوجب شيئاً، بخلاف الظفر والعظم; نظراً إلى المعهود في التسمية، وفي السن تردّد»(14). والشهيد الثاني في الروض، بعد حكمه باشتراط حلول الحياة في الماسّ والممسوس، قال: «وفي العظم إشكال، وهو في السنّ أقوى، ويمكن جريان الإشكال في الظفر»(15). فعاد إلى التردّد بعد القطع. -------------------------------------------------------------------------------- (1). روض الجنان 1: 145، قال فيه: « وهل يحرم المسّ بما لا تحلّه الحياة من أجزاء البدن، كالشعر والظفر ؟ الظاهر لا; لعدم كونهما محلّ الحياة، وحكم الحدث من توابعها، ومن ثَمّ يسقط بالموت ». (2). القاموس المحيط 2: 251، « مسس ». (3). النهاية (لابن الأثير) 4: 329، « مسس ». (4). الطراز في اللغة (مخطوط)، لا يوجد لدينا الجزء الذي ورد فيه هذا اللفظ. (5). في « ل »: لكن. (6). المحقّق في المعتبر 1: 176، والعلاّمة في منتهى المطلب 2: 154. (7). ذكرى الشيعة 1: 266. (8). جامع المقاصد 1: 232. (9). منهج السداد (مخطوط): 3. (10). مدارك الأحكام 1: 279. (11). ذخيرة المعاد: 52، السطر 24. (12). بحار الأنوار 81: 57، أبواب الأغسال وأحكامها، الباب 3، وفيه: « والظاهر أ نّه لا يحصل بالشعر ولا بالظفر، وفي الأخير نظر ». (13). عيون المسائل (المطبوع ضمن إثنا عشر رسالة): 26، شارع النجاة (المطبوع ضمن إثنا عشر رسالة): 41. (14). جامع المقاصد 1: 464. (15). روض الجنان 1: 311، وفيه: « أمّا العظم فقد تقدّم الإشكال فيه.... ».
|