|
مصباح [20 ]
[ في حكم مسّ المقتبس من القرآن ]
يحتمل في المقتبس من القرآن وجوه*، ثالثها: الفرق بين التامّ وغيره. قال السيّد الجليل صدر الدين علي (رحمه الله) في رياض السالكين: «الاقتباس تضمين النظم أو النثر بعضَ القرآن، لا على أنّه منه، بأن لا يقال: قال الله، ونحوه، فإنّ ذلك حينئذ لا يكون اقتباساً. وقد وقع في خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) ودعاء أهل البيت (عليهم السلام)كثيراً، وهو يدلّ على جوازه في مقام المواعظ و [الدعاء] (1) والثناء على الله تعالى. وأمّا جوازه في الشعر وفي غير ذلك من النثر فلم أجد فيه نصّاً من علمائنا. نعم، قال الشيخ صفيّ الدين الحلّي (رحمه الله) من أصحابنا في شرح بديعيّته: الاقتباس على ثلاثة أقسام: محمود مقبول، ومباح مبذول، ومردود مرذول. *. جاء في حاشية «ش»:«إن اعتبرنا القصد في القرآن، كما تقدّم نقله عن بعضهم (2)، فالمقتبس ليس بقرآن مطلقاً، فإنّ المتكلّم إنّما أورده على أنّه كلام له لا على أنّه قرآن، وإن قصد التلويح إليه. وإن لم يعتبر فيه القصد، فإن كان الاقتباس تامّاً لا تغيير فيه، كان قرآناً، وإلاّ احتمل أن يكون القدر المطابق منه للقرآن قرآناً دون غيره، وأن يكون الكلّ خارجاً; لخروجه عن نظم القرآن. ولا أثر للتغيير المعنوي; إذ الاعتبار تغيير اللفظ دون المعنى». منه(قدس سره). قال: فالأوّل: ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبيّ (صلى الله عليه وآله) ونحو ذلك. والثاني: ما كان في الغزل والصفات والقصص والرسائل ونحوها. والثالث على ضربين: أحدهما: تضمين ما نسبه الله تعالى إلى نفسه، كما نقل عن أحد بني مروان أنّه وقع على مطالعة فيها شكاية عمّـاله: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)(3). والثاني: تضمين آية كريمة في معرض هزل أو سخف، ونعوذ بالله من ذلك(4). ولا أعلم مستنده في هذا التفصيل. ثمّ الصحيح أنّ المقتبس ليس بقرآن على الحقيقة، بل [ كلام] (5) يماثله بدليل جواز النقل عن معناه، والتغيير اليسير فيه»(6). وقال في أنوار البديع(7): «الصحيح أنّ المقتبس ليس بقرآن حقيقةً، بل كلام يماثله، بدليل جواز النقل عن معناه الأصلي وتغيير يسير، كما سيأتي، وذلك في القرآن كفر، وهذا سرّ قول أصحابنا: لو قرأ الجنب الفاتحة على قصد الثناء جاز. قاله السيرافي. وقال في عروس الأفراح(8): المراد بتضمين شيء من القرآن في الاقتباس أن يذكر كلام ما وجد نظمه في القرآن والسنّة(9)، مراداً به غير القرآن، فلو أخذ مراداً(10) به القرآن كان ذلك من أقبح القبائح ومن عظائم المعاصي نعوذ بالله من ذلك»(11). انتهى كلامه في كتابيه. وهو صريح في اختيار أنّ المقتبس ليس بقرآن مطلقاً، وإن لم يغيّر لفظاً ولا معنى; لأنّه جعل جواز النقل والتغيير دليلا على الخروج، فيشمل الاقتباس التامّ الذي لا نقل فيه ولا تغيير(12) أصلا; لأنّهما وإن لم يتّفقا فيه، إلاّ أنّهما جائزان فيه، ولا يجوز شيء منهما في القرآن. ووجه التفصيل: أنّ الاقتباس التامّ قد وجد فيه لفظ القرآن بمعناه المراد، فيكون قرآناً; لعدم الإخلال بشيء من الألفاظ والمعاني. وجوابه يعرف ممّا ذُكر (13)، فإنّ جواز التغيير والنقل ينافي كونه قرآناً وإن لم يتّفق أحدهما. والحقّ أنّ المقتبس لم يرد به القرآن، بل التلويح إليه، فلا يكون قرآناً مطلقاً إن اعتبرنا فيه القصد، وإلاّ فالأجود التفصيل، وهو الفرق بين التامّ وغيره. -------------------------------------------------------------------------------- (1). ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر. (2). راجع: الصفحة 103. (3). الغاشية (88): 25 و 26. (4). أضاف في المصدر: «انتهى كلامه»، يعني: صفيّ الدين الحلّي في كتابه: شرح الكافية البديعيّة: 326 ـ 327. (5). ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر. (6). رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين 1: 297 ـ 298. وقد جاء في هامشه: « شرح البديعيّة: لا يوجد هذا الكتاب لدينا، ووجدناه في أنوار الربيع 2: 218 ». واعلم أنّ شرح البديعيّة طبع بمصر، سنة 1316، كما في الذريعة إلى تصانيف الشيعة 14: 31. (7). كذا في النسخ، والصحيح أ نّه « أنوار الربيع في أنواع البديع »، للسيّد صدر الدين عليّ بن نظام الدين الدشتكي الشيرازى، المعروف بالسيّد علي خان المدني (م 1120)، صاحب رياض السالكين، شرح لبديعيّته التي نظمها في اثنتي عشرة ليلة، في مائة وسبعة وأربعين بيتاً، بزيادة بيتين للنوعين من البديع على بديعيّة صفيّ الدين الحلّي (م 750) التي سمّاها بالكافية البديعيّة في مدح خير البريّة. (الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2: 426). (8). عروس الأفراح، لبهاء الدين السبكي (م 773). (9). في المصدر: أن يذكر كلام وجه نظمه في القرآن أو السنة. (10). في « د »: من أراد. (11). أنوار الربيع 2: 219. (12). في « د » و« ل »: تغيّر. (13). في « د »: « يعرف بما ذكر » وفي « ن »: « يعرف بما ذكرناه ».
|