|
ثانياً: الروايات الشريفة
أما الروايات التي استدلّ بها الشيخ فهي: الرواية الأولى: خبر العلاء بن سيابة، قال: سمعته يقول: «لا بأس بشهادة الذي يلعبُ بالحمام، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه: فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أجرى الخيل وسابق، وكان يقول: إنَّ الملائكة تحضُر الرهان في الخفّ والحافر والريش، وما سوى ذلك قمار حرام»(34).ودلالة هذه الرواية غير مخدوشة، فهي كالنصّ في تحريم المسابقات مع عوض، إلاَّ أنها ضعيفة السند، لجهالة العلاء بن سيابة(35). الرواية الثانية: خبر العلاء بن سيابة: «.. إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان، وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر، والخفّ، والريش، والنصل..»(36). وهذه الرواية ـ مثل سابقتها ـ ضعيفة السند أولاً، كما أن تنفّر الملائكة ولعنها ليس دليلاً على الحرمة، بل هو أعمّ منها. يقول الإمام الخميني(رحمه الله): «وأما لعن الملائكة، وكذا لعن الله تعالى، ولعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فالظاهر منه أنّ العمل الموجب له محرّم، واستعماله في مورد الكراهة.. لا ينافي ظهوره في الحرمة، وقد ورد مادة اللعن قريب أربعين مورداً في القرآن الكريم، لا يكون موردٌ منها في أمر مكروه أو شخص مرتكب له، فراجع»(37). إلاَّ أنَّ إشكالنا هنا في: أولاً: إنَّ تمام الموارد التي تعلّق بها لعنٌ في القرآن، كانت قد أوضحت حرمتها بشكل جلي قبل تعلّق اللعن بها، لا أنّ حرمتها ثبتت بهذا اللعن المتعلّق بها. ثانياً: إنّ معنى اللعن هو طلب البُعد من رحمة الله، ونحن ندّعي أن طلب البُعد من الرحمة الإلهية ليس دليلاً على الحرمة، بل قد ينسجم مع الكراهية، وشاهد ذلك ما جاء في بعض الروايات من وروده في مورد المكروهات، مثل: «لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، والنائم في بيته وحده»(38)، وكذا: «إنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور»(39) و«لعن رسول الله النائحة والمستمعة»(40). الرواية الثالثة: ما عن ياسر الخادم، عن الامام الرضا(عليه السلام) قال: «سألته عن الميسر، قال: التَّفَلُ من كلِّ شيء، قال: الخُبز والتَّفَلُ ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم وغيره»(41). والرواية مرسلة، مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة ياسر الخادم(42). الرواية الرابعة: صحيحة معمّر بن خلاد: «وكل ما قومر عليه فهو ميسر»(43). الرواية الخامسة: عن أبي جعفر(عليه السلام)، قيل: «يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ما الميسر؟ فقال: كلّ ما تقومر به، حتى الكعاب والجوز»(44). وقد بيّن الشيخ الأنصاري الاستدلال هنا على الشكل التالي: «والظاهر أنّ المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن»(45). ووجه الاستدلال بهاتين الروايتين هو: أنه حيث أطلقت المقامرة على مطلق المسابقة على العوض والرهن، فهذا الحديث عام في الدلالة على الحرمة حينئذ. إلاّ أنَّ ضعف هذا الاستدلال واضحٌ جداً، ذلك أنَّ المقامرة ظاهرة في المسابقات القائمة على العوض بآلات المقامرة نفسها، لا مطلق المغالبة، هذا فضلاً عن أنّ خبر جابر ضعيف السند بعمرو بن شمر الضعيف(46). وطبقاً لما تقدّم ـ وعلى نحو الاختصار ـ استدلّ بعدة وجوه في هذه الروايات: 1 ـ عمومية القمار، وأنّ هذا النحو من المسابقات من مصاديق القمار، وقد قلنا بأنّ القمار يُطلق فقط على اللعب برهن لكن بآلات القمار. 2 ـ إنَّ لعن الملائكة دليلٌ على الحرمة، وقد رددنا هذا الادّعاء. 3 ـ برواية «حتى الكعب والجوز» يُستدلّ على أنّها في مقام بيان حرمة مطلق المسابقة بأيّ شيء، وقد أجبنا بأنّ أقصى ما تريد هذه الرواية بيانه أنَّ في المسابقات بمثل هذه الأشياء إشكال، إلاَّ أنَّه لا ربط لها بالأعمال والأفعال مثل: المصارعة، والخط، ومسابقات حفظ القرآن وقراءته، هذا مضافاً إلى أنّ هذه الأخبار ضعيفة السند عموماً. __________________________________________ (34) العاملي، وسائل الشيعة 27: 413. (35) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث 11: 172. (36) العاملي، وسائل الشيعة 27: 413. (37) الإمام الخميني، المكاسب المحرّمة 2: 33. (38) العاملي، وسائل الشيعة 5: 333. (39) النوري، مستدرك الوسائل 2: 452.(40) المصدر نفسه: 453. (41) العاملي، وسائل الشيعة 17: 167. (42) المامقاني، تنقيح المقال 3: 307. (43) العاملي، وسائل الشيعة 5: 323.(44) الكليني، الكافي 5: 122. (45) الأنصاري، المكاسب المحرّمة: 48. (46) الخوئي، معجم رجال الحديث 13: 106.
|