|
مصباح [ 5 ]
[ في حكم المبطون ]
قال العلاّمة في المختلف: «مسألة: المبطون إذا فجأه الحدث وهو في الصلاة، قال الشيخ(1): يتطهّر ويبني على صلاته(2); لما رواه ابن بابويه في الصحيح، عن محمّد بن مسلم، عن ألامام الباقر (عليه السلام)، قال: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته»(3). وعن الفضيل بن يسار، قال: قلت للباقر (عليه السلام): أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذىً(4) أو ضرباناً، فقال: «انصرف ثمّ توضّأ وابنِ على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً، فإن تكلّمت ناسياً فلا شيء عليك وهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسياً». قلت: وإن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال: «وإن قلّب وجهه عن القبلة»(5). والوجه عندي أنّ عذره إن كان دائماً لا ينقطع فإنّه يبني على صلاته من غير أن يجدّد وضوءً، كصاحب السلس، وإن كان يتمكّن من تحفّظ نفسه بمقدار زمان الصلاة فإنّه يتطهّر ويستأنف الصلاة. ويدلّ على هذا التفصيل: أنّ الحدث المتكرّر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة; لأنّ شرط صحّة الصلاة استمرار الطهارة، وأمّا مع التمكّن من التحفّظ فإنّه يجب عليه الاستئناف; لأنّه يتمكّن من فعل الصلاة كمّلا بطهارة فيجب(6) عليه ما تمكّن منه ممّـا كلّف به»(7). قوله: «الوجه عندي» إلى آخره: حمل الكلام على ظاهره يقتضي اختصاص الحكم الأوّل بالمبطون الذي استمرّ حدثه ولم يجد فترةً أصلا، وحينئذ لم يكن التفصيل مستغرقاً لجميع صور المسألة; لمكان صورة ثالثة، أعني عدم دوام العذر مع الانقطاع زماناً لا يسع الطهارة والصلاة به(8)، فإنّها لا تدخل في كلّ من الشقّين. وحينئذ يتّجه اعتضاد القول بالبناء بالأصل، كما فعله الفاضل الشارح (قدس سره)(9); لأنّ الأصل عدم الاستئناف وبراءة الذمّة عنه، لكنّ الأولى حمل دوام العذر على عدم التمكّن من التحفّظ بقرينة المقابلة; إذ لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في أنّ من دام به البطن واستمرّ(10) من دون تحقّق فترة(11) كصاحب السلس، على أنّ فرض المسألة في كلامه إنّما هو في المبطون الذي فجأه الحدث في الأثناء، والحمل على ما إذا علم المكلّف دوام الحدث الطارئ بعد الطريان بعيد جدّاً مع ندرة الفرض. وبذلك يصحّ ما ذكره المحقّق الشارح من نسبة التفصيل بالتمكّن من التحفّظ وعدمه إلى العلاّمة في المختلف(12)، وحينئذ فلا وجه للاعتضاد بالأصل، كما فعله الشارح(قدس سره); إذ في كلّ من القولين موافقة ومخالفة للأصل. قوله: «لأنّ الحدث المتكرّر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة لأنّ شرط صحّة الصلاة استمرار الطهارة»: ماذكره إنّما يدلّ على البناء بغير طهور إذا استمرّ الحدث، أعني جزء المطلوب. وقد ذكر العلاّمة في المختلف الدليل على الجزء الآخر أيضاً، وهو: أنّ المكلّف يتمكّن من فعل الصلاة كملا بطهارة، فوجب عليه ما تمكّن منه بما كلّف به(13). ولعلّ مرجع الدليل الأوّل إلى الروايات الدالّة على اشتراط الصلاة بالطهور(14); فإنّ كونها مشروطة به يستدعي وجوب إيقاعها بجميع أجزائها مع الطهارة، وهذا إنّما يصحّ إذا استمرّ الحدث من دون حصول فترة، وأمّا إذا فرضنا أنّ المكلّف لا يدوم عذره وينقطع زماناً لا يسع الطهور والصلاة فلا; إذ مع الفرض المذكور لا يجدي الاستئناف نفعاً، وليس تكليفه الاستمرار من غير وضوء; لأنّ الطهارة شرط صحّة الصلاة، وعدم الشرط مستلزم لعدم المشروط، وسقوط التكليف به بالنظر إلى المشروط لا يقتضي سقوطه بالنسبة إلى بعضها; إذ سقوط شرط الخاصّ لا يستلزم سقوط شرط العامّ. وأيضاً فهو خروج عن مدلول الرواية الصحيحة السند، الصريحة الدلالة(15) من دون معارض، مع اعتضاده بالشهرة بين الأصحاب وروايات أُخر، منها: موثّقة محمّد بن مسلم المذكورة(16)، والعلاّمة في التذكرة(17) حملها على ما بقي من الفرائض لا من الفريضة الواحدة، وهو بعيد جدّاً. ومنها: صحيحة الفضيل بن يسار، عن ألامام الباقر (عليه السلام): أكون في الصلاة... الحديث(18). وهذه الرواية استدلّ بها الشيخ على الحكم المشهور على ما نقله في المختلف(19). ويؤيّده رواية أبي سعيد القمّـاط: أنّه سمع رجلا يسأل ألامام الصادق (عليه السلام) عن رجل وجد في بطنه غمزاً، أو أذىً، أو عصراً من البول، وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فقال: «إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضّأ، ثمّ ينصرف إلى مصلاّه الذي كان يصلّي فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام»، قال أبو سعيد: قلت: فإن التفت يميناً أو شمالا، أو ولّى عن القبلة؟ قال: «نعم، كلّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنّما عليه أن يبني على صلاته»(20). -------------------------------------------------------------------------------- (1). في المصدر: بعض علمائنا، وفي هامشه: في نسختي « م و ب »: قال الشيخ. (2). راجع: المبسوط 1: 130. (3). الفقيه 1: 363 / 1044، باب صلاة المريض...، الحديث 11، وسائل الشيعة 1: 298، كتاب الطهارة، أبواب نواقص الوضوء، الباب 19، الحديث 4. (4). في المصدر: أو أزاً. (5). الفقيه 1: 367 / 1061، باب صلاة المريض...، الحديث 28، مع اختلاف يسير، وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9. (6). في المصدر و « ن »: فوجب. (7). مختلف الشيعة 1: 145 ـ 146، المسألة 98. (8). « به » لم يرد في « د » و « ل ». (9). هو المحقّق الخوانساري في مشارق الشموس: 155، السطر 29. (10). «واستمرّ» لم يرد في «ش». (11). في «ش»: الفترة. (12). راجع: مشارق الشموس: 154 ـ 155. (13). مختلف الشيعة 1: 146، المسألة 98، نقل بالمضمون. (14). التهذيب 1: 52 / 144، باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة، الحديث 83، الاستبصار 1: 55 / 160، باب وجوب الاستنجاء من الغائط والبول، الحديث 15، وسائل الشيعة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 1. أيضاً راجع: وسائل الشيعة 1: 372، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1. (15). وهي صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في الصفحة 173. (16). لم يذكرها المؤلّف سابقاً، وهي ما رواها الشيخ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: « صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ مابقي ». التهذيب 1: 373 / 1036، الزيادات في الأحداث غير الموجبة للطهارة، الحديث 28، وسائل الشيعة 1: 298، كتاب الطهارة، أبواب نواقص الوضوء، الباب 19، الحديث 4. (17). تذكرة الفقهاء 1: 206. (18). تقدّمت في الصفحة 173. (19). مختلف الشيعة 1: 145، المسألة 98. ولم نجد استدلال الشيخ بهذه الرواية في كتبه. (20). التهذيب 2: 381 / 14683، الزيادات في أحكام السهو، الحديث 56، بتفاوت يسير، وسائل الشيعة 7: 237، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 11.
|