|
مصباح [ 13 ]
[ في استحباب تأخير غسل الجمعة إلى الزوال ] كلّما قرب من الزوال كان أفضل. وهذه العبارة بعينها عبارة الفقه الرضوي(1)، وبها وقع التعبير في كثير من كتب الأصحاب، كرسالة الشيخ الفقيه عليّ بن بابويه(2)، والمقنعة(3)، والنهاية(4)، والمبسوط(5)، والخلاف(6)، والمهذّب(7)، والسرائر(8)، والشرائع(9)، والنافع(10)، والمعتبر(11)، والمنتهى(12)، والتذكرة(13)، والتحرير(14)، ونهاية الإحكام(15)، والقواعد(16)، والروض(17)، وغيرها(18). وظاهر الخلاف(19)، والتذكرة(20) الإجماع على ذلك. ويؤيّده التعليل المتقدّم(21); فإنّ الطهر معه أبقى والجسد أطهر وأنقى. وفي الفقيه(22)، والمراسم(23)، والذكرى(24)، والبيان(25)، والفوائد المليّة(26): أفضله ما قرب من الزوال، وهو محتمل لإرادة الأوّل وبيان الأفضل على الإطلاق، وهو ما اتّصل بالزوال، أو وقع قبيله، وهذا لازم للأوّل. وفي الفقه الرضوي بعد العبارة المتقدّمة قال: «وأفضل أوقاته قبل الزوال»(27). ويدلّ عليه أيضاً: ما تقدّم من قول ألامام الباقر (عليه السلام) في حسنة زرارة: «وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال»(28)، وقول ألامام الرضا (عليه السلام) في صحيحة الحميري: «كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح»(29); فإنّ الغالب في الرواح إلى الجمعة قرب الزوال، وما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال: «من اغتسل يوم الجمعة ثمّ راح فكأ نّما قرّب بدنة»(30)، على أقرب الوجهين فيه، وهو إرادة الرواح عقيب الغسل. وقد ينافي ذلك كلّه: ما روي من استحباب البكور إلى المسجد يوم الجمعة، كصحيحة عبد الله بن سنان، عن ألامام الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّكم تتسابقون إلى الجنّة على قدر سبقكم إلى الجمعة»(31)، ورواية جابر بن يزيد الجعفي، عن ألامام الباقر (عليه السلام)، أنّه كان يبكّر إلى المسجد يوم الجمعة حتّى يكون الشمس قدر رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك»(32). وعنه (عليه السلام) في قوله تعالى: (فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ)(33) قال: «اعملوا وعجّلوا فإنّه يوم مضيّق على المسلمين»، ثمّ قال: «والله لقد بلغني أنّ أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانوا يتجهّزون للجمعة يوم الخميس»(34). واستحباب البكور يقتضي الغسل; إذ المراد التبكّر بعد التهيّؤ، ومنه الغسل. ولأنّ البكور لا يكاد يجتمع مع تأخير الغسل غالباً، وحمل استحباب التأخير على صورة إمكان الجمع تخصيص بالفرد النادر. وقد صرّح أبو الصلاح في فصل صلاة الجمعة من الكافي باستحباب التبكير بعد الغسل، قال: «ويستحبّ لكلّ مسلم تقديم دخول المسجد لصلاة النوافل بعد الغسل، وتغيير الثياب، ومسّ النساء، والطيب، وقصّ الشارب والأظافير»(35). ونحو ذلك قال في المفاتيح أوّلا، ثمّ خصّ استحباب تقديم الغسل بمريد البكور(36)، وفيه أنّ الإرادة لا تقتضي الترجيح. والأقرب استحباب تقديم الغسل لمن تيسّر له البكور; لما عرفت من أنّ البكور المطلوب ما كان بعد التهيّؤ التامّ، ولما رواه الشهيد الثاني ـ طاب ثراه ـ في رسالة أعمال الجمعة، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال: «من اغتسل يوم الجمعة، ثمّ بكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يَلْغُ، كان له بكلّ خُطوة عملُ سَنَة، أجرُ صيامها وقيامها»(37). ويؤيّده ما رواه فيه أيضاً عنه (عليه السلام) أنّه قال: «من اغتسل يوم الجمعة ومسّ من طيب امرأته ـ إن كان لها ـ ولبس من صالح ثيابه، ثمّ لم يتخطَّ رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة كان كفّارةً لما بينهما» (38). وعنه (صلى الله عليه وآله): «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهّر ما استطاع من طهر، ويتدهّن بدهن من دهنه، ويمسّ من طيب بيته، ويخرج فلا يفرِّقُ بين اثنين، ثمّ يصلّي ما كتب له، ثمّ يُنصِتُ إذا تكلّم الإمام، إلاّ غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأُخرى»(39). وأمّا ما دلّ على استحباب تأخير الغسل، فالظاهر حمله على من لم يستطع البكور، كما هو الغالب في أحوال الناس. ولو قدّم الغسل على البكور ثمّ تمكّن منه عند الزوال، فالأقرب عدم استحباب الإعادة; لعدم ثبوت شرعيّته، وكذا لو قدّمه من غير تبكّر(40). ولو تمكّن من الجمع بين التبكّر(41) بلا غسل والغسل آخر الوقت ففي استحبابه جمعاً بين الفضيلتين نظر; لعدم حصول البكور المطلوب، واستحباب تقديم الغسل لمن يتيسّر له البكور. وقد يترجّح(42) تأخير الغسل مطلقاً وإن تمكّن من البكور إلى المسجد; لإطلاق الأدلّة المتقدّمة. وحَكَم معظم الأصحاب باستحباب تأخيره من غير تفصيل(43)، فيخصّ استحباب البكور بعد الغسل بما إذا لم يتمكّن منه في آخر الوقت، وهو بعيد جدّاً، والأظهر ما قلناه. -------------------------------------------------------------------------------- (1). فقه ألامام الرضا(عليه السلام): 175. (2). من المفقودات، ولم نعثر على حكاية قوله. (3). المقنعة: 159. (4). النهاية: 104. (5). المبسوط 1: 40. (6). الخلاف 1: 220، المسألة 188. (7). المهذّب 1: 101. (8). السرائر 1: 124. (9). شرائع الإسلام 1: 36. (10). المختصر النافع: 15. (11). المعتبر 1: 354. (12). منتهى المطلب 2: 469. (13). تذكرة الفقهاء 2: 139. (14). تحرير الأحكام 1: 87. (15). نهاية الإحكام 1: 175. (16). قواعد الأحكام 1: 178. (17). روض الجنان 1: 60. (18). كما في إصباح الشيعة: 87، وكشف الالتباس 1: 339، ومشارق الشموس: 42، السطر 26، والمصباح (للكفعمي): 11. (19). الخلاف 1: 221، المسألة 188. (20). تذكرة الفقهاء 2: 139. (21). في رواية العلل، المتقدّمة في الصفحة 334. (22). الفقيه 1: 111، باب غسل يوم الجمعة و...، ذيل الحديث 2 / 227. (23). المراسم: 77. (24). ذكرى الشيعة 1: 197. (25). البيان: 37. (26). الفوائد المليّة: 69. (27). فقه ألامام الرضا(عليه السلام): 129، ولكنّها وردت قبل العبارة السابقة، وليست بعدها. (28). تقدّم تخريجه في الصفحة 348. (29). تقدّم تخريجه في الصفحة 346. (30). تقدّم تخريجه في الصفحة 345. (31). الكافي 3: 415، باب فضل يوم الجمعة وليلته، الحديث 9، التهذيب 3: 5 / 6، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها، الحديث 6، وسائل الشيعة 7: 385، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها، الباب 42، الحديث 1. (32). الكافي 3: 429، باب نوادر الجمعة، الحديث 8، التهذيب 3: 266 / 660، الزيادات في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها، الحديث 42، وفيهما: « حين تكون الشمس »، وسائل الشيعة 7: 348، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها، الباب 27، الحديث 2. (33). الجمعة (62): 9. (34). الكافي 3: 415، باب فضل يوم الجمعة وليلتها، الحديث 10، التهذيب 3: 258 / 620، الزيادات في باب العمل في ليلة الجمعة ويومها، الحديث 2، وسائل الشيعة 7: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة وآدابها، الباب 31، الحديث 1. (35). الكافي في الفقه: 152. (36). مفاتيح الشرائع 1: 22. (37). رسالة خصائص يوم الجمعة (المطبوعة ضمن رسائل الشهيد الثاني) 1: 275، فيه: «من اغتسل يوم الجمعة وغسّل» إلى آخره، مستدرك الوسائل 2: 504، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 3، الحديث 13. ورواه من طريق الجمهور سنن ابن ماجة: 183، باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة، الحديث 1087. (38). رسالة خصائص يوم الجمعة (المطبوعة ضمن رسائل الشهيد الثاني) 1: 271، وفيه: «ومسّ من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثمّ خرج حتّى يأتي المسجد ولم يتخطّ رقاب الناس، ثمّ ركع ما شاء اللّه أن يركع وأنصتَ إذا خرج الإمام كان كفّارةً لما بينها وبين الجمعة التي قبلها »، مستدرك الوسائل 2: 504، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 3، الحديث 13. (39). رسالة خصائص يوم الجمعة (المطبوع ضمن رسائل الشهيد الثاني) 1: 271، وفيه: «ويدّهن بدُهن من دهنه»، مستدرك الوسائل 2: 504، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 3، الحديث 13. (40). في «د»: تبكير. (41). في «د»: تبكّر. (42). في «ش» و «د»: ترجح. (43). الظاهر أ نّ مراد المؤلّف حكمهم بأفضليّة قرب الغسل من الزوال، وقد تقدّم في الصفحة 349 وما بعدها ذكر الكتب التي ورد فيها هذا الحكم.
|