|
مصباح [ 52 ]
[ في استحباب الغسل لمن مسّ ميّتاً بعد تغسيله ]
ومنها: غسل من مسّ ميّتاً بعد تغسيله. كما في التهذيب(1)، والاستبصار(2)، والمفاتيح(3)، وشرحيه(4)، وجامع البهائي(5)، والحديقة(6)، وغيرها(7); لموثّقة عمّـار الساباطي، عن ألامام الصادق (عليه السلام)، قال: «يغتسل الذي غَسَّل الميّت، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغُسل وإن كان الميّت قد غُسّلَ»(8). قال الشيخ: «قوله: وإن كان الميّت قد غُسّل: محمولٌ على ضرب من الاستحباب دون الوجوب»(9)، واستدلّ عليه بالأخبار الكثيرة الدالّة على عدم وجوب الغسل بمسّ الميّت بعد التغسيل (10). وحَمَله بعضُهم على عدم تكامل الغسل(11). واحتمل العلاّمة المجلسي في حواشي التهذيب أن يكون قولُه: «غَسَل» بالتخفيف، من الغَسل دون التغسيل، والغرض دفع توهّم سقوط الغَسل بمسّه بعد إزالة النجاسة العارضة عنه(12). وفي الوجهين بُعد، والحمل على الاستحباب ـ كما قاله الشيخ(13) ـ هو الأقرب. ويشهد له قول ألامام الصادق (عليه السلام) في روايتي حريز بن عبد الله(14)، وعبد الله بن سنان(15)، وقد سألا عمّن أدخل الميّت القبر، هل عليه غسل؟ قال: «لا، إنّما يمسّ الثياب». وفي الحسن، عن سليمان بن خالد، عنه (عليه السلام)، مثل ذلك(16). وروى الشيخ في الصحيح، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السلام)، والصدوق في الفقيه مرسلاً، وفي الخصال حسناً، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: «الغُسل في سبعة عشر موطناً» وعدّها، إلى أن قال: «وإذا غَسَّلت ميّتاً، أو كفّنته، أو مسسته بعد ما يبرد»(17). وبهذا أفتى الصدوق في الهداية(18) والمجالس(19)، لكنّه في الثاني نصّ على وجوب الجميع مع تقييد الأخير بما إذا كان المسّ بعد البرد، قبل التطهير بالغُسل، كما هو المشهور. والوجه في الحديث: الحمل على ثبوت الغسل على من كفّن ميّتاً، بناءً على الغالب من عدم انفكاك التكفين عن المسّ، فيوافق الأخبار المتقدّمة، ويكون المراد به الاستحباب; لأنّ التكفين غالباً إنّما يقع بعد التغسيل، فلا يكون مسّ الكفن موجباً للغسل، أو الأعمّ منه ومن الوجوب، فإنّه قد يتّفق التكفين قبل الغسل، كما إذا تعذّر الغُسل فيجب الغُسل بمسّه وإن تُيُمِّمَ(20) على الأظهر. ولا ينافي ذلك توسّط التكفين في الحديث بين التغسيل والمسّ الموجبين للغُسل مطلقاً; لأنّه مسوق لبيان مواطن الغسل، واجباً كان أو مندوباً، وإن كان في التوسيط المذكور إشعارٌ بالوجوب، خصوصاً مع العطف بِـ «أو» المشعر بكون هذه الثلاثة بمنزلة الشيء الواحد. وفي الحديث وجوه أُخر: أحدها: التخصيص بما إذا تعذّر الغسل، وإن كان قليل الوقوع; لما تقدّم من الإشعار. وكأنّ الصدوق فهم منه هذا المعنى، ولذا حكم بوجوب الغسل في الجميع(21)، وبُعدُه ظاهر. وثانيها: ثبوت الغسل بمجرّد التكفين تعبّداً، وإن لم يتّفق معه المسّ، إمّا على سبيل الندب أو الوجوب، وهو بعيد جدّاً. وثالثها: إنّ «أو» في قوله (عليه السلام): «أو كفّنته» بمعنى الواو، ويؤيّده ما قيل أنّ في بعض النسخ «وكفّنته» بالواو، فيكون ذكر التكفين لمجرّد الاستطراد أو التبعيّة للغسل من غير أن يكون له تأثير في الحكم، وضعفه ظاهر. ورابعها: الحمل على إرادة التكفين; لاستحباب تقديم غسل المسّ عليه، كما نصّ عليه جماعة من الأصحاب في آداب تكفين الميّت(22)، ولاستحباب الغسل لمن أراد أن يكفّن ميّتاً وإن لم يتقدّم منه مسّ، كما هو ظاهر الذكرى(23). وفي النزهة: «وقد روي أنّه إذا أراد أن يغسّل الميّت استحبّ له أن يغتسل قبل تغسيله، وكذلك إن أراد تكفينه»(24). ولم نجد ما ذكره في شيء من الأخبار، ولعلّه حمل هذا الحديث على ذلك، فنسبه إلى الرواية، وهو غير متعيّن لهذا المعنى، بل الظاهر منه قصد السببيّة، وهو متعيّن في المسّ; إذ لا يستحبّ الغسل لمن أراد مسّ الميّت بعد برده بالإجماع، وهو قرينة إرادته في الأوّلَين، مضافاً إلى تبادره من نفس العبارة، كما أشرنا إليه. وأكثر هذه الوجوه تأتي في عبارة المجالس(25)، وأوجهها الأوّل. وقال المحقّق في المعتبر: «وقال ابن بابويه: وإذا غسّلت ميّتاً، أو كفّنته، وربما احتجّ برواية محمّد بن مسلم عن أحدهما، قال: الغسل في سبعة عشر موطناً»، وساق الحديث حتّى قال: «وإذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته. والرواية صحيحة السند، وقد ذكرها الحسين بن سعيد وغيره، غير أنّ إيجاب الغسل بتكفينه نادر، والعامل به قليل»(26). وفيه: أنّ الرواية غير متعيّنة للإيجاب، وكذا كلام ابن بابويه، إلاّ في المجالس، والقول بالاستحباب لا يَقدح فيه ندرة القائل وقلّة العامل، إلاّ أن يشتهر المنع، وهو هنا غير معلوم. وفي كشف اللثام ما يقتضي أنّ المحقّق حمل الرواية على إرادة التكفين(27)، وكلامه المنقول ظاهر في خلاف ذلك. -------------------------------------------------------------------------------- (1). التهذيب 1: 456 / 1373، الزيادات في تلقين المحتضرين، ذيل الحديث 18. (2). الاستبصار 1: 100 / 328، باب وجوب غسل الميّت....، ذيل الحديث 8. (3). مفاتيح الشرائع 1: 53. (4). مصابيح الظلام 4: 93، شرح مفاتيح الشرائع (مخطوط): . (5). جامع عبّاسي: 12. (6). حديقة المتّقين (مخطوط): 30 ـ الف. (7). كما في كشف اللثام 1: 159، النخبة المحسنيّة: 97، التحفة السنيّة: 289. (8). التهذيب 1: 456 / 1373، باب الزيادات في تلقين المحتضرين، الحديث 18، الاستبصار 1: 100 / 328، باب وجوب غسل الميّت....، الحديث 8 ، وسائل الشيعة 3: 295، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، الحديث 3. (9). التهذيب 1: 456، الزيادات في تلقين المحتضرين، ذيل الحديث 18 / 1373. (10). التهذيب 1: 456 / 1374 ـ 1375، الزيادات في تلقين المحتضرين، الحديث 19 ـ 20. (11). احتمل هذا الحمل المحدّث العاملي في وسائل الشيعة 3: 296، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 3، ذيل الحديث 3. (12). ملاذ الأخيار 3: 226. واحتمله أيضاً الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 159. (13). في التهذيب والاستبصار، وقد تقدّم تخريجهما في الصفحة السابقة. (14). الكافي 3: 160، باب غسل من غسّل الميّت...، الحديث 1، وفيه: « لا غسل عليه، إنّما...»، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 14. رواه أيضاً الشيخ في التهذيب 1: 113 / 283، باب الأغسال المفترضات والمسنونات، الحديث 15، الاستبصار 1: 99 / 321، باب وجوب غسل الميّت...، الحديث 1. (15). الكافي 3: 161، باب غسل من غسّل الميّت...، الحديث 8، وسائل الشيعة 3: 297، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 4، الحديث 4. (16). الفقيه 1: 98 / 448، باب المسّ، الحديث 49، وسائل الشيعة 3: 292، كتاب الطهارة، أبواب غسل المسّ، الباب 1، الحديث 10. (17). الخصال: 508، باب السبعة عشر، الحديث 1، الفقيه 1: 77 / 172، باب الأغسال، الحديث 1، التهذيب 1: 120 / 302، باب الأغسال المفترضات والمسنونات، الحديث 34، وسائل الشيعة 3: 304 و 305 و307، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 1، الحديث 4 و 5 و 11. (18). الهداية: 90. (19). أمالي الصدوق: 515، المجلس 93. (20). في «ل»: «يمّم». (21). أمالي الصدوق: 515، المجلس 93. (22). نصّ على أفضليّة الغسل أو استحبابه الشيخ في المبسوط 1: 179، والمحقّق في شرائع الإسلام 1: 31، والعلاّمة في إرشاد الأذهان 1: 231، والشهيد في الدروس الشرعيّة 1: 110، والبيان: 27، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد 1: 389، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 1: 196 ـ 197. (23). ذكرى الشيعة 1: 198. (24). نزهة الناظر: 16، مع تفاوت يسير. (25). أمالي الصدوق: 515، المجلس 93. (26). المعتبر 1: 360. (27). كشف اللثام 1: 159.
|