|
مصباح [ 54 ]
[ في استحباب غسل المولود ]
ومن المندوب (1): غسل المولود. ويمتدّ بامتداد التسمية عرفاً، ويعتبر فيه شروط الغسل، على الأقرب. اختلف الأصحاب في هذا الغسل، فالمشهور بينهم هو الاستحباب، وبه قال الشيخان(2)، وأبو الصلاح(3)، وابن البرّاج(4)، وابن زهرة(5)، وابن إدريس(6)، وابن سعيد(7)، والفاضلان(8)، والشهيدان(9)، والصيمري(10)، والكركي(11)، وسائر المتأخّرين(12). [ القائلون بالوجوب:] وقال ابن حمزة: «الغسل الذي يجب على المكلّف إيقاعه في غيره شيئان: غسل المولود بعد الولادة، وغسل الميّت من الناس»(13). وهو نصّ في الوجوب. وفي الذكرى عن الصدوق أنّه أطلق الوجوب على هذا الغسل(14)، وفي التذكرة عزاه إلى رواية الصدوق، وحكى الوجوب عن بعض علمائنا، والاستحباب عن الأشهر(15). وفي المنتهى: إنّ القول بالوجوب متروك(16). وقال في المعتبر: إنّ القائل به شاذّ (17). وفي كشف الالتباس(18)، وكشف اللثام(19)، والذخيرة(20) وغيرها(21) إنّ المشهور هو الاستحباب. وفي الغنية الإجماع على ذلك(22). وظاهر السرائر نفي الوجوب بلا خلاف(23). والأصل في هذا الغسل: ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثّق، عن سماعة، عن الامام الصادق (عليه السلام)، في حديث طويل، قال فيه: «غسل الجنابة واجب، وغسل الحائض واجب، وغسل المستحاضة واجب، وغسل النفساء واجب، وغسل المولود واجب، وغسل الميّت واجب، وغسل من مسّ ميّتاً واجب»(24)، ثمّ ذكر غسل الإحرام وغيره من الأغسال المندوبة بلا خلاف، وأطلق الوجوب على أكثرها. فالقائل بالوجوب أخذ بظاهر إطلاق الواجب على غسل المولود، مع دَرْجه في ما يجب قطعاً. وحَمَله الأكثر على تأكّد الاستحباب، أو مطلق الثبوت، وهو الأظهر; للأصل، وفتوى الأصحاب(25)، والإجماع المنقول(26)، وشذوذ المخالف(27)، وإطباق المتأخّرين على الندب(28)، مع عدم صحّة السند وعدم وضوح الدلالة; فإنّ الوجوب قد أُطلق فيه على ما علم استحبابه، كغسل يوم عرفة، وغسل الزيارة، ودخول البيت، والمباهلة، والاستسقاء، وفيه: «غسل دخول الحرم واجب، ويستحبّ أن لا يدخل إلاّ بغسل»، فلم يبق فيه وثوق بإرادة المعنى المعروف. واستدلّ في الوسائل على هذا الغسل بنحو ما رواه أبو بصير، عن امام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه، عن ألامام عليّ (عليه السلام)، قال: «اغسلوا صبيانكم من الغمر، فإنّ الشيطان يشمّ الغمر، فيفزع الصبيّ في رقاده، ويتأذّى به الكاتبان»(29). وفيه: أنّ الغمر ـ بالتحريك ـ كما في القاموس: «زنخ اللحم وما تعلّق بالبدن من دسمه»(30)، ومع ذلك فالصبيّ غير المولود، والغَسل غير الغُسل، فلا تعلّق للخبر بهذا الحكم، ولعلّه فهم من استحباب غسل الصبيان من الغمر استحباب غسل المولود ممّا يصاحبه من القذر; للأولويّة، وخوف اللحم، خصوصاً على القول بأنّ هذا الغسل لمجرّد إزالة الخبث. [ مناقشة البعض في كونه الغُسل بالضمّ: ] والظاهر من النصّ وعبارات الأصحاب ـ حيث عدّ فيها ذلك من الأغسال ـ أنّه غُسل ـ بالضمّ ـ لا غَسل. قال في المسالك: «إطلاق الغسل يقتضي اعتبار النيّة فيه، والترتيب، وغيرهما من أحكامه، مع احتمال عدمه، وأنّه تنظيف محض له عن النجاسات العارضة له، أو مطلقاً»(31). وقد يلوح ما ذكره(رحمه الله) من الاحتمال من تعليل العلاّمة في النهاية(32) والمنتهى(33)لاستحباب الغسل بخروجه من محلّ الخبث. واحتمل في كشف اللثام أن يكون الغسل هنا بالفتح والضمّ، قال: «وعلى التقديرين فالظاهر عدم اعتبار الترتيب فيه; للأصل، من غير معارض»(34). ولعلّ الوجه فيه ثبوت الترتيب بالإجماع، وهو غير معلوم في مثل هذا الغسل. والأقرب ثبوته; لأنّه المعهود في الغسل، ولتوقّف الامتثال في العبادات التوقيفيّة عليه، والغسل عبادة مطلقاً. والأصل فيما تردّد بين العبادة وغيرها أن يكون عبادة; لعموم ما دلّ على اشتراط النيّة في الأعمال(35). ومنه يُعلم اشتراط النيّة فيه. وفي إجزاء الرمس والاكتفاء به عن الترتيب نظر; إذ لا عموم في دليله بحيث يتناول هذا الموضع. ويشترط فيه تقديم إزالة الخبث، كما في غيره; إذ الأصل عدم إجزاء الصبّ الواحد عن الغَسل والغُسل. [ وقت هذا الغسل:] وأمّا وقت هذا الغسل، ففي الوسيلة: أنّه بعد الولادة(36). وفي المقنعة(37)، والمنتهى(38)، ونهاية الإحكام(39) والذكرى(40)، وفوائد الشرائع(41)، ونكاح التحرير(42): أنّه عند الولادة. وفي الدروس(43)، والإشارة(44)، وجامع المقاصد(45)، والمدارك(46)، والذخيرة(47)، والكفاية(48)، وآداب الولادة من الشرائع(49): وقته حين الولادة، أو حين يولد. وفي ولادة النهاية(50)، والسرائر(51)، والقواعد(52): أنّه إذا ولد استحبّ الغسل. وفي المقنعة(53) والمهذّب(54): إذا وضعته أخذته القابلة ومسحت عنه الدم وغسلته. وهذه العبارات متقاربة، والمستفاد من جميعها اتّصال الغُسل بالوضع، والموجود في النصّ غسل المولود. ومثله سائر العبارات الخالية عن التحديد، وهي كثيرة، ومقتضاه الاكتفاء بما يصحّ معه إضافة الغسل إلى المولود، وهو أوسع من الأوّل، إلاّ أن يراد به الاتّصال الذي يقتضيه الإضافة عرفاً، فيتّحد الجميع. وقال الشهيد الثاني في شرح النفليّة: «والمولود: حين يولد، والظاهر أنّه لا يسقط بالتراخي، لإطلاق النصّ»(55)، ولعلّه أراد بالتراخي ما لا يخرج(56) معه الغسل عن كونه غسل مولود; للقطع بسقوط هذا الغسل مع الفصل الطويل، وبهذا يندفع التنافي بين كلاميه، فإنّ المراد بقوله: «حين يولد»، اتّصاله بالولادة عرفاً، كما قلنا. وفي الحديقة: «إنّ الظاهر جواز تأخيره عن الولادة»(57)، وظاهره جواز التأخير عمداً، لا مجرّد عدم السقوط به. ويوجد في بعض القيود بقاؤه في مثل اليوم واليومين، وليس بذلك البعيد، فقد روي في تسمية المولود الامتداد إلى يوم السابع، وكذا في التهنئة بالولد، وفي أخبار التحنيك والأذان والإقامة والحلق والعقيقة وغيرها من أحكام الولادة وسنن المولود ما يقتضي بالسعة والامتداد إلى السابع. -------------------------------------------------------------------------------- (1). في «ن»: «ومنها». (2). المقنعة: 51، المبسوط 1: 40. (3). الكافي في الفقه: 135. (4). المهذّب 1: 33. (5). غنية النزوع: 62. (6). السرائر 1: 125. (7). الجامع للشرائع : 33. (8). المعتبر 1: 358، تذكرة الفقهاء 2: 144، تحرير الأحكام 1: 88. (9). البيان: 38، ذكرى الشيعة 1: 198، الدروس الشرعيّة 1: 87، روض الجنان 1: 63، مسالك الأفهام 1: 108. (10). كشف الالتباس 1: 340. (11). جامع المقاصد 1: 75. (12). مثل: الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 153، . (13). الوسيلة: 54. (14). ذكرى الشيعة 1: 201. وانظر: الفقيه 1: 78 ـ 79 / 176، باب الأغسال، الحديث 5. (15). تذكرة الفقهاء 2: 144. (16). منتهى المطلب 2: 478. (17). المعتبر 1: 358، وفيه: « وقال شاذّ منّا بوجوبه ». (18). كشف الالتباس 1: 344. (19). كشف اللثام 1: 153. (20). ذخيرة المعاد: 8، السطر 13. (21). كما في التنقيح الرائع 1: 129، مرآة العقول 13: 126، التحفة السنيّة: 289. (22). غنية النزوع: 62. (23). السرائر 1: 125. (24). الكافي 3: 40، باب أنواع الغسل، الحديث 2، الفقيه 1: 78 / 176، باب الأغسال، الحديث 5، التهذيب 1: 108 / 270، باب الأغسال المفترضات والمسنونات، الحديث 2، الاستبصار 1: 97 / 315، باب وجوب غسل الجنابة والحيض...، الحديث 2، وسائل الشيعة 2: 173، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 1، الحديث 3. (25). تقدّم نقل فتواهم في الصفحة السابقة . (26). تقدّم نقله عن الغنية، في الصفحة السابقة. (27). وهو ابن حمزة، كما تقدّم كلامه في الصفحة السابقة. (28). راجع: الصفحة 545. (29). وسائل الشيعة 3: 337، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 27، الحديث 1. (30). القاموس المحيط 2: 104، «غمر». (31). مسالك الأفهام 8: 394. (32). نهاية الإحكام 1: 178. (33). منتهى المطلب 2: 478. (34). كشف اللثام 7: 525، مع تفاوت يسير. (35). انظر: وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات،الباب 5. (36). الوسيلة: 54. (37). المقنعة: 51. (38). منتهى المطلب 2: 478. (39). نهاية الإحكام 1: 178. (40). ذكرى الشيعة 1: 198. (41). حاشية شرائع الإسلام (المطبوعة ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10): 93. (42). تحرير الأحكام الشرعيّة 4: 5. (43). الدروس الشرعيّة 1: 87. (44). إشارة السبق: 72. (45). جامع المقاصد 1: 75. (46). مدارك الأحكام 2: 174. (47). ذخيرة المعاد: 8، السطر 13. (48). كفاية الأحكام 1: 39. (49). شرائع الإسلام 2: 287. (50). النهاية: 500. (51). السرائر 2: 646. (52). قواعد الأحكام 3: 97. (53). المقنعة: 521، وليس فيه: «وغسلته». (54). المهذّب 2: 259. (55). الفوائد المليّة: 72. (56). في «ن»: «ما لم يخرج». (57). حديقة المتّقين (مخطوط): 29 ـ ب . وهذا نصّ كلامه بالفارسيّة: « و غسل مولود، وقولى به وجوب شده است و ظاهراً اگر تأخير بشود از ولادت قصور ندارد ».
|