|
مقدّمة المحشّي
ـ[7]ـ
مقدّمة المحشّي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله الذي أنار سبيل الأنام بالعقول الهادية، وأضاء مشارق الحياة بالبراهين الساطعة، وجمع للإنسان خير الدنيا والآخرة، فجعله في أحسن تقويم، ثمّ هداه بالعقل والنقل، فأورده مجمع البحرين فجعلهما يلتقيان فيخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، والفائدة والبرهان، وشرح صدور صفوة عباده بإيضاح الحلال والحرام، ورفع درجات العلماء الأعلام حتّى جعل أقدامهم على أجنحة الملائكة الكرام، وأجزل جوائزهم حتّى فضّل مدادهم على دماء الشهداء. والصلاة والسلام من الله وملائكته وأنبيائه ورسله والمؤمنين جميعاً على رسوله الذي أحكم قواعد الإرشاد فطهّر من دنس الجهالة والغواية خواطر الأذهان، محمّد المصطفى، مجمع كمالات الأولياء، ومعدن عقول الأنبياء، وعلى آله الأطهار الكرماء، ومصابيح الليلة الدجناء، عليّ أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأولادهما الشرفاء العظماء، لاسيّما قائمهم خاتم الأوصياء. أمّا بعد، فيقول العبد الجاني، والحقير الفاني، المتعطّش إلى فيض ربّه المتعالي، الراجي عفو خالقـه الباقي، يوسف بن محمّد علي، المولود في قريـة(ينگ آباد جرقوية) قرية من قرى أصفهان، والراجي من ربّه جوار الأئمّة(عليهم السلام) مدفناً، والمغفرة والرحمة والرضوان من الله ملتمساً ومرجوّاً والجنّة مسكناً: لمّا وقفت منذ زمان يزيد على أربعين سنة على «شرح الإرشاد» للعالم الربّاني، والفاضل الصمداني، الحبر المحقّق، والمولى المدقّق، صاحب الكرامات المشهورة، والفضائل المأثورة، مجدّد فقه العترة الطاهرة في رأس المائة العاشرة، الأجلّ الأمجد مولانا المقدّس أحمد، قدّس الله فسيح تربته، وأسكنه بحبوحة جنّته، رأيته كتاباً ممتازاً، ـ[8]ـ وسفراً منفرداً عن غيره من الكتب الفقهيّة، بجودة التتبّع والتحقيق، والدقّة في المباحث والمسائل والتفريع على الاُصول، ممّا لم يكن في الكتب المتقدّمة عليه حتّى في ما يكون للفاضلَين والشهيدين وثاني المحقّقَين، ولا في المتأخّرة عنه ممّا يكون للنراقيّين والسيّدين ـ صاحبي المدارك والرياض ـ والفاضل الهندي والمحقّق الكبير النجفي صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم الأنصاري، وغيرهم ممّن تدور عليهم رحى الفقه والتحقيق والتدقيق من متأخّري المتأخّرين من الفقهاء العظام والنجباء الكرام. فإنّه(قدس سره) لم يكتفِ بمِشية الفقهاء المتقدّمين عليه، كما فعله المتأخّرون عن شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي إلى زمان المحقّق، كالعلاّمة، وابنه، والشهيدين، وغيرهم ممّن مشى مشيهم، ولا بما فعله المتأخّرون عنه، فإنّ جلّهم بل كلّهم مشى مشيه، إلاّ سبطه المحقّق والفقيه المجدّد والنحرير الحرّ، ابن إدريس(قدس سره) الذي خرق الجوّ الراهن، وقام بالتأمّل في كلمات الشيخ ونقد آراءه، فجزاهما الله عن الإسلام وفقهه خير الجزاء. فإنّ المحقّق الأردبيلي(قدس سره) قد أضاف إلى طريقتهم أُسلوباً خاصّاً، نشأ من كمال الدقّة في الاستنباط من الأدلّة وفي فقه الحديث والسنّة، وذلك بحيث إنّه يُذكّر ويبيّن في غير واحد من المباحث أنّ الرواية الفلانيّة تدلّ على كذا وكذا من الأحكام والفوائد والقواعد إلى حدّ ربّما يرتقي عددها إلى أزيد من عشرة، وذلك مثل ما ذكره في كتاب الوكالة توضيحاً لصحيحة محمّد بن عيسى من الأحكام، بل وأزيد من عشرين حكماً، مثل ما ذكره في كتاب القضاء بياناً لمقبولة ابن حنظله. كما أنّ ذلك ناشئ من التمسّك بالعقل في استنباط الأحكام كثيراً، بحيث تبلغ مواردها إلى ثلاثمائة مورد تقريباً. ومن التمسّك بقاعدة السهولة، مضافاً إلى قاعدة نفي الحرج وغيرها من القواعد كثيراً، ممّا يبلغ عددها إلى أكثر من ثلاثمائة مورد تقريباً. هذا، ولقد أجاد أُستاذ الكلّ في الكلّ الوحيد البهبهاني(قدس سره) في بيان عظمة الكتاب وتعريفه بقوله: «فلعمري لم أرَ في مصنّفات أصحابنا المتقدّمين، ولا في مؤلّفات علمائنا المتأخّرين، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، مؤلّفاً يشبهه في جمعه وتحريره، أو يدانيه في تحقيقه وتحبيره، فللّه درّه(قدس سره); فلقد أتى بالشيء العجاب، بل بما يحيّر لبّ ذوي الألباب، ولا عجب ممّن كانت تخدمه ملائكة الرحمن، وكان يخاطبه الإمام صاحب الزمان، ـ[9]ـ وتلقّى المسائل شفاهاً من الإمام، عليه أفضل الصلاة والسلام، فجزاه الله عنه وعن رسوله وعن أئمّته وعن الكتاب والسنّة وعنّا خير جزاء المحسنين، إنّه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، رؤوف رحيم، عطوف كريم»( ). ثمّ إنّه مع ما في الكتاب من تلك الجهات الممتازة المنحصرة به، أحببت وأردتُ أن اُعلّق عليه ما يبدو في نظري، وسعة فكري، توضيحاً لبعض عباراته الغامضة، وتبييناً لبعض المسائل والاصطلاحات ممّا قد راج في لسان الفقهاء منذ مائتي سنة إلى هذا الزمان، مثل القدر المتيقّن في مقام التخاطب والحكومة والورود وأمثالها، وإشارةً إلى وجه بعض ما فيه من الأمر بالتأمّل أو الفهم، وبياناً للترجمة الكافية لبعض رجال الحديث ممّن أشار إليه أو إلى ترجمته، وتحقيقاً في بعض مسائله نقضاً وإبراماً، مع حفظ ما للفقهاء العظام من طريقتهم وسنّتهم في الاستنباط التي وصلت إلينا من السلف إلى الخلف. ومع التوجّه والعناية الخاصّة فيه إلى عدم كون المستنبط مخالفاً لأُصول الإسلام ودعائمه التي عليها العقل والكتاب والسنّة، بل ضرورة الاعتقاد من العدل والقسط والإنصاف والإحسان، وعدم الظلم والتعدّي وتساوي أبناء البشر في الحقوق، وعدم التمييز فيها لا من جهة الأُمور غير الاختياريّة كاللّون والأُنوثة والذكورة وغيرها، ولا في اللّسان ككونه عربيّاً أو أعجميّاً، ولا في الجغرافيّة والمكان من كونه من أهل مكّة أو المدينة، شرّفهما الله تعالى، أو من شرق العالم وغربه، ولا في المذهب والملّة والاعتقاد. وهذا الأصل من الأُصول العالية في الإسلام، وممّا جذبت الناس إليه، ومن مصاديق الدعوة الحسنة، وما يُرى فيه من الاختلاف في بعض الحقوق فليس نفياً للتساوي والعدل، بل نفياً للتشابه والتماثل الذي يكون نفيه وعدمه عين العدل كما لا يخفى، ويظهر من المباحث في المسائل. قم المقدّسة ـ يوسف الصانعي
|