|
كيفيّة الوضوء
ـ[114]ـ ويجب في الوضوء النيّة، وهي إرادة الفعل لوجوبه أو ندبه متقرّباً ـ وفي وجوب رفع الحدث أو الاستباحة قولان ـ _______________________________________________ وكذا الصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله) حين سماع اسمه واسمهم، وعند التسميت، وليس ببعيد; للمبالغة في عدم الترك، وعدم معلوميّة دخولها تحت الكراهة. قوله: «ويجب في الوضوء النيّة» إلى آخره: ما عرفتُ وجوب شيء من النيّة التي اعتبرها المتأخّرون على التفصيل المذكور(1)، في شيء من العبادات بشيء من الأدلّة، إلاّ قصد إيقاع الفعل الخاصّ مخلصاً لله. وعدم وجود نصّ دالّ عليها بخصوصها وأجزائها وتفصيلها ومقارنتها، وأنّ تركها على كلّ حال مُبطل ـ مع اهتمام الشارع بالأُمور حتّى المندوبات، مثل تفصيل حال الخلوة والأذان والإقامة وغيرها ـ يدلّ على سهولة الأمر فيها، كما في القبلة. وكذا كون كلام المتقدّمين خالياً عنها ـ على ما قيل(2) ـ وعدمها في تعليم الصلاة خصوصاً في الروايتين المعتبرتين اللتين أكثر أفعال الصلاة مستندة إليهما(3). وكذا باقي العبادات، حتّى ما وجدتُ في عبادة مّا بخصوصها نافلة وفريضة مثل الصلاة وما يتعلّق بها، والصوم والزكاة والخمس والحجّ والجهاد وما يتعلّق بها، وغيرها من الأدعية والتلاوة والزيارة والسلام والتحيّة وردّ التحيّة الواجبة وغيره، إلاّ الأمر المجمل خالياً عن التفاصيل المذكورة. نعم، لابدّ أن لا يفعل العبادة حال الغفلة، ولا لغرض إلاّ امتثالاً لأمر الله; للآية(4) والأخبار(5). ________________________________ (1). لاحظ: روض الجنان 1: 87 ـ 97. (2). قال الشهيد الثاني في روض الجنان 1:89: «وأمّا نيّة الوجوب فلم يعتبرها الشيخ في النهاية وجماعة، منهم المحقّق». (3). وسائل الشيعة 5: 461، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 2 و 3. (4). يعني بها قوله تعالى في سورة البيّنة(98): 5:(وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). (5). وسائل الشيعة 1: 46، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، و: 59، الباب 8. ـ[115]ـ واستدامتها حكماً إلى الفراغ. فلو نوى التبرّد خاصّة، أو ضمّ الرئاء بطل، بخلاف ما لو ضمّ التبرّد. ويقارن بها غسل اليدين، وتتضيّق عند غسل الوجه. ____________________________________________________ وأيضاً إنّ معنى وجوب استدامتها عدم جواز إيقاع شيء من العبادة المنويّة أوّلاً إلاّ لله، ولو فعل لغيره لعصى، ولم يصحّ ذلك المنويّ الذي فعله لغير الله، فإذا كان بحيث يبطل بإبطاله أصل العبادة تبطل أيضاً، وإلاّ: يفعل الجزء الباطل بحيث يصحّ الأصل وإن كان واجباً. ولا فرق بين الضمّ والاستقلال، ولا بين اللازم وغيره. وبالجملة، الأمر المهمّ الضروري الذي لابدّ منه ولا تصحّ بدونه العبادة هو الإخلاص الذي هو مدار الصحّة، وبه تتحقّق العبوديّة والعبادة، وهو صعب وقليل الوجود، كثير المهالك، وتحصيله مثل إخراج اللبن الخالص الصافي من بين الدم والروث، كما أفاده بعض الفضلاء(1)، ونِعم ما أفاد، وفّقنا الله وإيّاكم للعمل الخالص والصالح، وجعلنا من المخلصين، ثمّ أنجانا من الخطر العظيم، فإنّه ليس الناجي إلاّ المخلصون، وهم على خطر عظيم، كما في ظاهر الآية(2) والرواية(3). وأمّا الموصى به الذي أُوصي به دائماً فهو الاحتياط مهما أمكن، وعدم ترك قول ضعيف نادر، ولا ترك رواية ضعيفة في شيء من الأعمال والأفعال، فلا تنسى. قوله: «فلو نوى التبرّد» إلى آخره: الظاهر أنّه تفريع لأصل النيّة، وتتبعها الاستدامة كما في غيره، وقد عرفتَ أنّ الظاهر هو البطلان مطلقاً(4)، وهو مختار المصنّف أيضاً في غير المتن(5)، ووجه الفرق هنا غير ظاهر، فتأمّل. قوله: «ويقارن بها غسل اليدين» إلى آخره: الظاهر أنّه ـ على تقدير وجوب المقارنة بالعبادة على الوجه المعتبر عند الأصحاب، وتسليم استحباب غسل ____________________________ (1). لم نعثر عليه. (2). يعني بها قوله تعالى في سورة ص(38): 83:(إلاّ عِبادكَ مِنْهُمُ المُخْلَصينَ). (3). لعلّ نظره(قدس سره) إلى ما روي في مجموعة ورام 2: 118، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «العلماء كلّهم هَلْكى إلاّ العالمون، والعالمون كلّهم هَلْكى إلاّ المخلصون، والمخلصون على خطر». (4). حيث قال قبل عدّة أسطر: «ولا فرق بين الضمّ والاستقبال». (5). منتهى المطلب 2:15. ـ[116]ـ وغسل الوجه بما يُسمّى غسلاً من قُصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولاً، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضاً من مستوي الخلقة، وغيره يحال عليه. __________________________________________________________ اليدين للوضوء مع تحقّق شرائطه، وكذا غيره من المضمضة والاستنشاق ـ الإجزاء محلّ تأمّل; لأنّ كونه جزءاً مندوباً مع تقدّمه لا يصيّره منه، بحيث يكون الدخول فيه دخولاً فيه، وأيضاً كيف ينوي الوجوب ويقارن بما ليس هو بواجب ويجعله داخلاً فيه. ولهذا ما جوّز تقديمها ومقارنتها لسائر مندوبات الوضوء، مثل السواك والتسمية، إجماعاً على ما نقله في الشرح(1)، وكأنّه لذلك توقّف بعض المحقّقين(2)، كما نقله الشارح(3)، وينبغي عدم التوقّف، وكأنّهم احتاطوا. وبالجملة، الاكتفاء بمجرّد هذا من غير نصّ صريح ولا ظاهر في غاية الإشكال ومناف للاحتياط الموصى به، إلاّ أن تكون حاضرة حال غسل الوجه فيصحّ، ولكن خارج عن البحث. قوله: «وغسل الوجه» إلى آخره: دليل وجوبه الآية(4) والأخبار(5)، وبعضها يدلّ بصريحها مع صحّتها على التحديد المذكور(6)، والظاهر أنّ المراد هو المستوي _____________________________ (1). روض الجنان 1: 96. (2). هو السيّد جمال الدّين أحمد بن موسى بن طاووس(ت 673 هـ ق) في كتابه البشرى، كما حكاه عنه في ذكرى الشيعة 2: 108. (3). روض الجنان 1: 96. (4). يعني بها قوله تعالى في سورة المائدة(5): 6، :(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ...). (5). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (6). يعني: التحديد المذكور في عبارة المتن. الكافي 3:27. باب حدّ الوجه الذي يغسل و...، الحديث 1، الفقيه 1:28، الحديث 88، التهذيب 1:54، الحديث 154، وسائل الشيعة 1: 403، أبواب الوضوء، الباب 17 الحديث 1. ـ[117]ـ ولا يجزئُ منكوساً. ولا يجب تخليل اللحية وإن خفّت أو كانت للمرأة. _____________________________________________________ للمتبادر(1) والكثرة، وغير المستوي يُحال على المستوي بالعقل. وأمّا وجوب الابتداء من الأعلى وعدم جواز النكس فغير واضح الدليل، سيّما عدم جواز النكس في الأثناء بحيث يكسر شعره إلى الفوق، كما وجد في بعض العبارات(2). والأصل، وظاهر الآية(3)، والأخبار(4) دليل الجواز. وفعلهم(عليهم السلام) ذلك لا يدلّ على الوجوب; إذ فعلهم أعمّ، وكونهم في مقام بيان الواجب في تمام فعل الوضوء غير واضح. وقوله(صلى الله عليه وآله): «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به»(5) بعد الوضوء البياني على الوجه المذكور، غير ثابت وواضح، بل الظاهر العدم. وكذا وجوب إيصال الماء على البشرة الظاهرة بين الشعور غير ظاهر الدليل، إلاّ أنّه ادّعى بعض الأصحاب فيه الإجماع(6)، ومع ثبوته ما يبقى للخلاف في وجوب التخليل وعدمه وجه ظاهر، ويحتاج إلى استخراج وجه بعيد، وقد ذكرته في بعض التعليقات(7). والذي يظهر من الأخبار عدم الوجوب; لأنّ الظاهر منها الاكتفاء بإيصال الماء على ظاهر الوجه بكف واحد مع المبالغة، وبكفّين على تقدير عدمها، كما في _______________________________ (1). لم ترد «للمتبادر» في «ش1» وفي الطبعة الحجريّة هكذا: «أنّ المراد هو المتبادر والكثرة». (2). قال الصدوق (رحمه الله) في الفقيه 1: 28، ذيل الحديث 88، «ولا ترد الشعر في غسل اليدين»، وقال الشهيد الثاني في المقاصد العليّة: 89: 1 وفي الاكتفاء فيه(أي: في غسل الوجه) بكون كلّ جزء من العضو لا يغسل قبل ما فوقه على خطّه وإن غسل ذلك الجزء قبل الأعلى من غير جهته، وجه وجيه». (3). المائدة (5): 6. (4). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (5). الفقيه 1: 25، الحديث 76، وسائل الشيعة 1: 438، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 11. (6). ادّعاه الشهيد الثاني في المقاصد العليّة: 88. (7). لم نعثر عليه. ـ[118]ـ وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويدخل المرفقين في الغسل. ولو نكس بطل. ولو كان له يد زائدة وجب غسلها، وكذا اللّحم الزائد تحت المرفق والإصبع الزائدة. _____________________________________________________ حسنة زرارة وبكير عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال زرارة: فقلنا: أصلحك الله، فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع ؟ فقال: «نعم إذا بالغت، واثنتان تأتيان على ذلك كلّه»(1). وأظنّ عدم الوصول إلى ما بين الشعور من المواضع الصغيرة جدّاً بذلك، بل لا يحصل العلم الحقيقي إلاّ بوضعه في الماء والتخليل، كما كان يستعمله بعض الفضلاء غفر الله له ولنا. والبحث في المرفقين مثل الوجه، والظاهر وجوب إدخال المرفق في الغسل ولو كان من باب المقدّمة. وأمّا وجوب غسل اليد الزائدة مع عدم الامتياز مطلقاً، ومعه تحت المرفق، واللحم الزائد فيها، والإصبع الزائدة، فقالوا: ممّا لا خلاف فيه(2)، وذلك غير بعيد وإن كان في بعض الأفراد للنظر فيه مجال، فتأمّل. وأمّا الممتازة فوق المرفق، فظاهر كلام المصنّف وجوبه أيضاً(3) كما نقل عنه(4). ولكنّ الأصل وظهور حمل الآية(5) والأخبار(6) على العرف ينافيه، ويدفع عمومهما الذي هو دليل المصنّف(رحمه الله). والاحتياط لا يترك خصوصاً في غسل الأيدي، والابتداء بالأعلى، وعدم النكس، والتخليل بحيث يصل الماء إلى ما تحت الشعور إذا كان مرئياً. __________________________ (1). الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، الحديث 5، وسائل الشيعة 1: 388، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 3. (2). روض الجنان 1:100. (3). مختلف الشيعة 1: 121، المسألة 74. (4). نقله عنه الشهيد الثاني في روض الجنان 1: 100. (5). يعني بها قوله تعالى في سورة المائدة(5): 6:(... فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ...). (6). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. ـ[119]ـ ومقطوع اليد يغسل الباقي، ويسقط لو قطعت من المرفق. _____________________________________________________ قوله: «ومقطوع اليد يغسل الباقي، ويسقط لو قطعت من المرفق»: الظاهر وجوب ما بقي من محلّ الفرض; للاستصحاب، وعدم سقوط الميسور بالمعسور. وتحمل عليه حسنة محمّد بن مسلم ـ; لإبراهيم ـ المذكورة في التهذيب في الباب الثاني «في صفة الوضوء»، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضّأ ؟ قال: «يغسل ذلك المكان الذي قطع منه»(1). وإن كان الأمر بالغَسل في الرجل خلاف أصل مذهبنا، فيمكن إطلاق ذلك على المسح; لوضوحه تغليباً، أو تقيّة; لعدم(48) القائل بوجوب ما فوق المرفق. وأمّا المرفق فغير معلوم كونه من محلّ الفرض أصالة، خصوصاً ما بقى في العضد بعد قطع الجلد واللحم والطرف الذي في الذراع، والأصل دليل قويّ. وكون(إلى)(2) بمعنى «مع» هنا ممّا لا دليل عليه، ولهذا حمل المصنّف(3) وغيره(4) مثل صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى(عليه السلام) قال: سألته عن رجل قُطعت يده من المرفق كيف يتوضّأ ؟ قال: «يغسل ما بقي من عضده»(5)، على استحباب غسل العضد، لا على وجوب غسل ما بقي من غسل رأس المرفق الواجب غسله _____________________________________________________ (48) تعليل لقوله(قدس سره): «وتحمل عليه حسنة...». ___________________________ (1). ما وجدناها بهذا اللفظ عن أبي جعفر(عليه السلام). نعم، هو منقول في التهذيب 1: 359، الحديث 1078، عن رفاعة، عن أبي عبدالله(عليه السلام). وأمّا المنقول عن أبي جعفر(عليه السلام) فهو هكذا: قال: سألته عن الأقطع اليد والرجل، قال: «يغسلهما». التهذيب 1: 360، الحديث 1085، وسائل الشيعة 1: 480، أبواب الوضوء، الباب 49، الحديث 3 و 4. (2). المائدة(5): 6. (3). مختلف الشيعة 1: 120 المسألة 73. (4). كالشهيد في ذكرى الشيعة 2: 134. (5). الكافي 3: 29، باب حدّ الوجه الذي يغسل و...، الحديث 9، الفقيه 1: 30، الحديث 99، التهذيب 1: 360، الحديث 1086، وسائل الشيعة 1: 479، أبواب الوضوء، الباب 49، الحديث 2. ـ[120]ـ ومسح بشرة مقدّم الرأس أو شعره المختصّ به بأقلّ اسمه. _____________________________________________________ بالأصالة، كما قاله في الشرح(1); للفظ العضد، مع نقل الإجماع على عدم وجوب غسله(2)، وعدم صراحة الخبر في الأمر الذي هو للوجوب. قوله: «ومسح بشرة مقدّم الرأس أو شعره المختصّ به بأقلّ اسمه»: الظاهر عدم الخلاف في وجوب المسح على البشرة مع وضوحها. ومع سترها بالشعر المختصّ. الظاهر لا خلاف أيضاً في الاكتفاء على مسح ذلك الشعر. وظاهر الأخبار(3) بل الآية(4) أيضاً تدلّ على ذلك، وكذا على الاكتفاء بالمسمّى، إلاّ أنّ ظاهر الآية(5) وبعض الأخبار(6) يدلّ على إجزاء مسح أيّ جزء كان من الرأس. ولعلّ الإجماع ـ مؤ يّداً بالوضوء المنقول عنهم(عليهم السلام)(7)، وبصحيحة محمّد بن مسلم في الباب الثاني، قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «امسح الرأس على مقدّمه»(8) وإن كان علي بن الحكم في الطريق، إلاّ أنّ الظاهر أنّه الثقة. وبحسنة زرارة ـ; لإبراهيم ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) إلى قوله: «وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى»(9) ـ دالّ على أنّ المراد جزء من مقدّم الرأس، لا أيّ جزء كان. ____________________________ (1). روض الجنان 1: 101. (2). نقله الشهيد الثاني في روض الجنان 1: 102. (3). وسائل الشيعة 1: 410، أبواب الوضوء، الباب 22 الحديث 1 ـ 3. (4). المائدة (5): 6. (5). المصدر نفسه. (6). وسائل الشيعة 1: 411، أبواب الوضوء، الباب 22، الحديث 4 ـ 6. (7). الفقيه 1: 24، الحديث 74، وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2. (8). لكن في المصدر: «مسح الرأس على مقدّمه». التهذيب 1: 91، الحديث 241، الاستبصار 1: 60، الحديث 176، نعم رواها كذلك في وسائل الشيعة 1: 410، أبواب الوضوء، الباب 22، الحديث 2. (9). الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، تتمّة الحديث 4، وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2. ـ[121]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ ولعلّ المراد بالناصية في الخبر هو مقدّم الرأس; لأنّه أقرب إلى الناصية المشهورة، أو اسم له حقيقة. ويفهم منها وجوب المسح بالبلّة أيضاً، ومن بعض الأخبار(1) أيضاً في الجملة، وقد ادّعي الإجماع على ذلك(2). وأيضاً تدلّ(3) على كون مسح الرأس والرجل اليمنى باليد اليمنى ومسح اليسرى باليسرى، ولعلّ ما قال بالوجوب أحد. وليس الخبر بصحيح بل هو حسن، فلا يبعد الاستحباب. وظاهر الآية والأخبار الأُخر(4) مؤ يّد لعدم الوجوب، وأُوّل بعض ما يدلّ على خلاف ذلك، والاحتياط طريق السلامة. وأيضاً ذهب البعض إلى وجوب مقدار ثلاثة أصابع(5)، ويدفعه ما وقع في صحيحة زرارة وبكير ـ في الكافي والتهذيب ـ: «إذا مسح بشيء من رأسه، أو بشيء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه». وقلنا: فأين الكعبان ؟ قال: «هاهنا»، يعنى: المفصل دون عظم الساق. فقال: هذا ما هو ؟ قال: «هذا عظم الساق»(6)، وغير ذلك من الأخبار(7). ولا يبعد حمل كلام الموجب مقدارَ ثلاث أصابع; للخبر الصحيح(8)، على _________________________ (1). وسائل الشيعة 1:390، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 5 ـ 8، 10 و 11. (2). تذكرة الفقهاء 1: 165، ذكرى الشيعة 2: 138، روض الجنان 1: 113. (3). أي: حسنة زرارة. (4). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (5). كالصدوق في الفقيه 1: 28، ذيل الحديث 88، والمرتضى في مسائل الخلاف، وتبعهما الشيخ في النهاية: 14. وحكاه عنهم الشهيد الثاني في روض الجنان 1: 103. (6). الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، الحديث 5، التهذيب 1: 76، الحديث191، وسائل الشيعة 1: 388، أبواب الوضوء، الباب15، الحديث3. (7). لعلّه أراد ما في التهذيب 1: 90، الحديث 237، وسائل الشيعة 1: 414، أبواب الوضوء، الباب 23، الحديث4. (8). وهو ما روي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابيع»، الكافي 3: 29، باب مسح الرأس والقدمين، الحديث 1، التهذيب 1: 60، الحديث 167، الاستبصار 1: 60، الحديث 177، وسائل الشيعة 1: 417، أبواب الوضوء، الباب 24، الحديث 5. ـ[122]ـ ولا يجزي الغَسل عنه. __________________________________________________________ الاستحباب كالرواية، فإنّ الشيخ المفيد(رحمه الله) قد عبّر في كتابه المقنعة أكثر المستحبّات في آداب الخلوة بالوجوب، والمكروهات بـ «لا يجوز»(1)، كالصدوق(2)، وكأنّه من القائلين بمقدار الثلاثة. قوله: «ولا يجزي الغَسل عنه»: أظنّ أنّ المراد بالغسل الغير المجزي عن المسح الغسلُ الذي لا يتحقّق معه المسح، مثل أن يصبّ الماء من غير إيصال اليد. وكذا أظنّ عدم إجزاء كثرة الماء مع تأخير الإمرار بحيث لم يصدق عليه اسم المسح جزماً، أو مع قصده الغسل مع تحقّقه بإمرار اليد. وأمّا تحقّق أقلّ الجري الذي يجزي في الغسل بإمرار اليد، فلا أظنّ عدم إجزائه عنه مع قصد المسح المطلوب المأمور به في الآية(3) والأخبار(4)، فيجزي وإن سلّم صدق الغسل عليه أيضاً; إذ لا شكّ في صدق المسح على المفروض لغةً وعرفاً وشرعاً. وإجزاء مثله في الغسل أيضاً بدليل خارج غير الآية(5) لم يدلّ على أنّه المراد في الآية، وعلى تقدير كون ذلك يراد من الآية أيضاً لا يمنع الصحّة; لصدق المسح أيضاً، ويكون التقابل(49) باعتبار عدم إجزاء المسح من غير __________________________________________________________ (49) أي: التقابل بين الغسل والمسح في قوله تعالى:(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وقوله:(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(6). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). المقنعة: 39 ـ 42. (2). الفقيه 1: 20، ذيل الحديث 58. (3). المائدة(5): 6. (4). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، و: 418، الباب 25. (5). كرواية جرير الرقاشي في قرب الإسناد: 312، الحديث 1215، وسائل الشيعة 1: 398، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 22. (6). المائدة (5): 6. ـ[123]ـ ويستحبّ المسح مقبلاً، __________________________________________________________ جريان في موضع الغسل، وعدم صدقه عليه مع عدم تحقّق أكثر أفراد الغسل مع المسح ومنافاته له، وبالنيّة والقصد وإن بعد. وأيضاً إيجاب ذلك خلاف الأصل(50)، وإنّه الحرج والضيق، وهو مناف للشريعة السهلة. وأيضاً السكوت عن مثله في الأخبار والآثار يدلّ على العدم، وكذا الأخبار المقيّدة بالبلّة(1)، وعدم تقييد البلّة بالقلّة يفيد ذلك; لعمومها. وأيضاً سكوتهم(عليهم السلام) في بيان الوضوء الواجب(2)، مع أنّ الغالب لا تنفكّ اليد بعد الفراغ من المقدار الذي يحصل به أقلّ الجري ـ وهو ظاهر ـ وإن جفّت اليد بحيث لا يحصل به أقلّ الجري، يبعد حصول مسمّى المسح بالبلّة; لعدم ظهورها على البشرة، يدلّ على ذلك، وإلاّ يلزم الإغراء والتأخير عن محلّ الحاجة، بل ظاهر الآية(3) أيضاً ذلك على ما أشرنا إليه، فافهم. وبالجملة، ظنّي عدم الضرر، وكون ذلك مراد المصنّف وغيره وإن احتمل غير ذلك، والاحتياط واضح لو أمكن; إذ ظنّي لا يغني عن جوعي، فكيف عن جوع غيري. قوله: «ويستحبّ المسح مقبلاً» إلى آخره: لتبادره من الأخبار(4)، وحصول يقين البراءة والخروج من الخلاف وإن كان في كون مثل هذا دليل الاستحباب تأمّل; إذ الاستحباب موجب لحصول ثواب عند الله بالفعل، وملاحظة الفاعل الخروج عن __________________________________________________________ (50) أي: إيجاب المسح الذي لا يكون معه أقلّ الجري خلاف الأصل. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). تقدّم تخريجها في الصفحة 120، الهامش 10، والصفحة 121، الهامش 1. (2). اُنظر: وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (3). المائدة(5): 6. (4). وسائل الشيعة 1: 410، أبواب الوضوء، الباب 22. ـ[124]ـ ولا يجوز على حائل كعمامة وغيرها. ومسح بشرة الرجلين بأقلّ اسمه __________________________________________________________ خلاف شخصيّ لا يستلزم ذلك، إلاّ أن يكون من الشرع دليل على رجحان اختيار الاحتياط. ويمكن جعل مثل الحثّ على التجنّب عن الشبهات والمشتبهات(1) دليلاً، فافهمه(51). وأمّا دليل عدم جواز المسح على حائل إلاّ حال الضرورة، فظاهر وموجود في الأخبار أيضاً(2). والبحث في مسح الرجلين كالرأس، مع زيادة هي أنّ بعض الأخبار دالّ على وجوب استيعاب ظهر القدم بالكفّ كلّه ـ وصرّح المصنّف به في المختلف(3)، بل هو ظاهر الآية(4) أيضاً; إذ المتبادر منها الاستيعاب من الأصابع إلى الكعب ـ وهو حسنة أبي العلاء(5) الآتية. ومثل صحيحة أحمد البزنطي عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو ؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحهما إلى الكعبين إلى ظاهر __________________________________________________________ (51) فإنّ الحثّ والأمر بالتجنّب عن الشبهات والمشتبهات، إرشاديّ لا مولويّّ، حتّى يكون دليلا على الاستحباب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). وسائل الشيعة 27: 154، أبواب صفات القاضي، الباب 12. (2). وسائل الشيعة 1: 455، أبواب الوضوء، الباب 37 الحديث 1، 3 و 5. (3). لم يصرّح العلاّمة بالاستيعاب، ولكنّه بعد نقل خبر ابن بابويه الدالّ على مسح مقدّم الرأس وظهر القدمين، قال: «وهو يعطي استيعاب المسح لجميع ظهر القدم». مختلف الشيعة 1: 126، المسألة 78. (4). المائدة(5): 6. (5). الظاهر أنّه تصحيف، فإنّ الرواية الآتية الدالّة على استيعاب جميع ظهر القدم من الأصابع إلى الكعب هي رواية عبد الأعلى الآتية في الصفحة 121. ـ[125]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ القدم، فقلت: جعلت فداك، لو أنّ رجلاً قال بإصبعين من أصابعه هكذا ؟ فقال: «لا، إلاّ ـ أولا ـ بكفّه»(1)، على اختلاف النسخ. ولا تخفى المبالغة المفهومة من هذا الخبر حيث فهم الاستيعاب أوّلاً من قوله: «فمسحهما»، ثمّ من النهي الصريح بقوله: «لا»، ثمّ من الحصر. (وما ذكره في الذكرى: وقال في المعتبر: لا يجب استيعاب الرجلين بالمسح، بل يكفي المسح من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة، وهو إجماع فقهاء أهل البيت(عليهم السلام).(2) انتهى. لكان القول به جيّداً، والاحتياط معلوم)(3). وأيضاً يفهم استيعاب جميع الأصابع بالمسح من رواية عبد الأعلى، قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): عثرتُ فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع ؟ قال: «يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ، قال الله:(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)(4) امسح عليه»(5)، فافهم. والظاهر أنّه لا ينافيه التبعّض المفهوم من قوله: «بشيء من قدميك»(6); لأنّ كلّ الظهر بعض الرِجل وشيء منه، فيحمل على هذا المقدار; للنهي عن الأقلّ في هذا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). الكافي 3: 30، باب مسح الرأس والقدمين، الحديث 6، التهذيب 1: 91، الحديث 243، الاستبصار 1: 62، الحديث 184، وسائل الشيعة 1: 417، أبواب الوضوء، الباب 24، الحديث 4. (2). ذكرى الشيعة 2: 151، المعتبر 1: 150. (3). ما بين القوسين، هكذا في جميع النسخ التي بين أيدينا: لكنّ الظاهر أنّه أجنبيّ عن هنا بل جزءٌ من قوله: «ولو لا نقل الإجماع من المصنّف في المنتهى» في الصفحة الآتية، فمعنى المتن الآتي في الصفحة الآتية: أنّه لولا نقل الإجماع في المنتهى ولولا ما ذكره في الذكرى لكان القول به جيّداً. (4). الحج (22): 78. (5). الكافي 3: 33، باب الجبائر والقروح والجراحات، الحديث 4، التهذيب 1: 363، الحديث 1097، الاستبصار 1: 77، الحديث 240، وسائل الشيعة 1: 464، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5. (6). التهذيب 1: 90، الحديث 237، الاستبصار 1: 61، الحديث 182، وسائل الشيعة 1: 414، أبواب الوضوء، الباب 23، الحديث 4. ـ[126]ـ من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، __________________________________________________________ الخبر(1)، والوجوبِ في غيره(2)، على أنّ قوله: «بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع»(3) ليس بصريح في أنّ أيّ جزء كان من القدمين يجزي; لاحتمال كون «ما بين كعبيك» إلى آخره، بياناً للشيء الواجب مسحه في القدمين. والعجب ممّن ذهب في الرأس إلى وجوب المقدار المذكور(4)، ما ذهب في الرِجل مع(5) ما ذكرنا. ولولا نقل الإجماع من المصنّف في المنتهى(6) لكان القول به جيّداً، والاحتياط معلوم. وأمّا وجوب أخذ الرطوبة عن الأجفان والمسح بها ـ على ما دلّ عليه الأخبار(7) وكلام الأصحاب(8) ـ والأخبار الصحيحة الواردة في جواز المسح مع النعلين من غير استبطان(9)، يؤيّد عدم الوجوب إلاّ إن أُوّلت بالضرورة، وأنّ لي تأمّلاً في تلك الأخبار، ولهذا أوجب البعض الاستبطان. وأيضاً الظاهر أنّ الأخبار ليست بصريحة في أنّه(عليه السلام) فعل ذلك وكان هناك شراك مانع، وهو خلاف ظاهر الآية والأخبار، بل ظاهرهما الاستيعاب من الأصابع إلى الكعب على ما يفهم، وكذا ظاهر الأصحاب(10). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). يعني: خبر البزنطي المتقدّم تخريجه في الصفحة السابقة، الهامش 1. (2). كظاهر الآية الشريفة(أي: المائدة(5): 6) حيث صرّح في الصفحة 124، بأنّ المتبادر منها وجوب الاستيعاب، وكذا ظاهر قوله(عليه السلام): «ومسح على مقدّم رأسه وظهر قدميه» في الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، الحديث 4، الفقيه 1: 24، الحديث 74، وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2، وكذا رواية عبد الأعلى المتقدّمة في الصفحة السابقة. (3). التهذيب 1: 90، الحديث 237، وسائل الشيعة 1: 414، أبواب الوضوء، الباب 23، الحديث 4. (4). وهو الصدوق والسيّد المرتضى والشيخ في النهاية، وقد تقدّم تخريجه في الصفحة 123، الهامش 2. (5). سقط في الطبعة المحقّقة السابقة، لفظة «مع». (6). منتهى المطلب 2: 69. (7). وسائل الشيعة 1: 407، أبواب الوضوء، الباب 21. (8). كما سيأتي في المتن، الصفحة 129، وكذا في شرائع الإسلام 1: 13، والبيان: 47. (9). وسائل الشيعة 1: 414، أبواب الوضوء، الباب 23، الحديث 4، و: 460، الباب 38، الحديث 11 و 13. (10). راجع: تذكرة الفقهاء 1: 171، المسألة 52. ـ[127]ـ وهما مجمع القدم وأصل الساق. __________________________________________________________ ثمّ الظاهر أنّ الكعب: هو مفصل الساق، كما قال به المصنّف(1)، وادّعى أنّ مراد الأصحاب كلّهم ذلك، وصبّ عباراتهم عليه وإن لم يمكن في البعض، وصحيحة زرارة وبكير المتقدّمة(2) تدلّ عليه، وكذا بعض الأخبار الأُخر(3). وأيضاً يؤيّده كلام بعض أهل اللغة(4)، والاحتياط معه. وإسناد قوله إلى خلاف إجماع الأُمّة(5) على ما في الذكرى(6)، مع قوله به في الرسالة(7)، واعترافه بوجوده عند بعض أهل اللغة والعامّة غير جيّد، وكأنّه أخذ من التهذيب(8)، بل من منتهى(9) المصنّف أيضاً; لأنّهما قالا فيهما مثل قول الذكرى، وحاصلهما أنّ القول بوجوب المسح وبعدم استيعابه، مع تفسير الكعب بما قال به المصنّف، ممّا لم يقل به أحد. وجواب ذلك ظاهر، والاحتياط معه وإن لم يكن دليلاً قويّاً; لاحتمال كون العظم الناتئ أيضاً مَفْصَلاً، أو أنّ التفسير(10) من كلام الراوي، وما رأى رجله(عليه السلام) ووضْعَ يده عليه جيّداً، أو اشتبه عليه. __________________________ (1). منتهى المطلب 2: 74، مختلف الشيعة 1: 125، المسألة 78. (2). تقدّمت في الصفحة 121. (3). الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، الحديث 4، الفقيه 1: 24، الحديث 74، وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2. (4). وهو الفيروز آبادي، كما سيأتي في الهامش 1 في الصفحة الآتية. (5). ذهب العلاّمة في مختلف الشيعة 1:125 ـ 126، المسألة 78، إلى أنّ الكعب هو المفصل بين الساق والقدم، وقال: «ولأنّه أقرب إلى ما حدّده أهل اللغة»، ثمّ ضعّفه الشهيد في ذكرى الشيعة 2: 151، بأنّه قول ثالث. وهنا ردّ المحقّق الأردبيلي ما في ذكرى الشيعة من تضعيف العلاّمة. (6). ذكرى الشيعة 2: 151. (7). الألفيّة(المطبوعة ضمن المقاصد العلية): 441. (8). التهذيب 1: 75، قبل الحديث 189. (9). منتهى المطلب 2: 71. (10). وهو قوله: «يعني المفصل دون عظم الساق» الوارد أثناء صحيحة زرارة وبكير المتقدّمة في الصفحة 121. ـ[128]ـ ويجوز منكوساً كالرأس. __________________________________________________________ والذي أظنّ أنّ المراد بالكعب هنا: المفصل، قاله في القاموس(1)، وإن كان غيره أيضاً موجوداً فيه. وأنّ مقصود المصنّف أنّ المسح يجب إلى المفصل المقابل لظهر القدم، لا إلى العظمين; للرواية بوجوب المسح إلى هنا(2)، سواء كان الكعب ذلك المفصل حقيقة، أو يكون باعتبار المجاورة والمحاذاة. وأمّا باعتبار الناشز فوق القدم، أو على جانبيها، أو لكون الوجوب من باب المقدّمة; لعدم ظهور محلّ انتهاء النابت في ظهر القدم، فلا يرد عليه خلاف الإجماع بهذا الاعتبار أيضاً، والله أعلم. وبالجملة، الاحتياط يقتضي استيعاب ظهر القدم من الأصابع إلى العظمين. والعجب أنّ المصنّف في المنتهى عبّر عن الكعب بالعظم الناتئ على ظهر القدم، كما هو مراد الأصحاب، ثمّ فسّره بالمفصل الذي هو مراده(3). قوله: «ويجوز منكوساً» إلى آخره: لا ينبغي النزاع في جواز المسح مطلقاً منكوساً; لظاهر الآية(4) والأخبار(5)، والأصل، وعدم دليل على الوجوب مقبلاً، مع وجود «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبراً» في الصحيح من الأخبار(6)، بل لا يبعد منه فهم جواز الغَسل كذلك; لأنّ المراد بالمسح إمرار اليد، وهو أعمّ ممّا في الغسل والمسح. وكأنّه لذلك احتجّ السيّد به على جواز النكس في الغسل(7) على ما ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). قال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: 121، «كعب » ما هذا لفظه: «الكعب كلّ مَفصل للعظام، والعظمُ الناشز فوق القدم والناشزان من جانبيها». (2). تقدّم في الصفحة 121، الهامش 7 و 8، و: 125، الهامش 1. (3). منتهى المطلب 2: 71 و 74. (4). المائدة(5): 6. (5). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (6). التهذيب 1: 58، الحديث 161، الاستبصار 1: 57، الحديث 169، وسائل الشيعة 1: 406، أبواب الوضوء، الباب 20، الحديث 1. (7). الانتصار: 99، المسألة 9، رسائل الشريف المرتضى 1: 213. ـ[129]ـ ولا يجوز على حائل كخفٍّ وغيره اختياراً، ويجوز للتقيّة والضرورة. ولو غسل مختاراً بطل وضوؤه. ويجب مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء، فإن استأنف ماءاً جديداً بطل وضوؤه، فإن جفّ أخذ من لحيته وأشفار عينيه ومسحَ به، فإن جفّت بطل. ويجب الترتيب: يبدأ بغسل الوجه، ثمّ اليد اليمنى، ثمّ اليسرى، ثمّ يمسح الرأس، ثمّ الرجلين ولا ترتيب فيهما. __________________________________________________________ نقلوا(1)، فالعجب منه أنّه لا يقول به في المسح(2)، مع أنّه أصرح فيه على تقدير شموله للغسل أيضاً. والبحث في عدم الجواز مع الحائل إلاّ ضرورةً، وعدم جواز الغَسل بدل المسح كما مرّ(3). وكذا مرّ بطلان المسح بالماء الجديد(4). ولو قال المصنّف: «بطل مسحه» بدل قوله: «بطل وضوؤه» لكان أولى، فكأنّ مراده مع الاكتفاء بذلك حتّى يجفّ السابق. ولا شبهة في جواز أخذ البلّة من موضع الوضوء، وتدلّ عليه الأخبار أيضاً(5). وأيضاً لا شكّ في وجوب الترتيب بين الأعضاء، إلاّ في الرجلين; لوجود الدليل في غيرهما فقط، ومحض الفعل(6) ليس بدليل كما مرّ(7). ________________________________ (1). نقله عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 1: 67، المسألة 109، والشهيد الثاني في روض الجنان 1: 111. (2). الانتصار: 115، المسألة 16. (3). مرّ في الصفحة 122 و 124. (4). مرّ في الصفحة 121. (5). وسائل الشيعة 1: 407، أبواب الوضوء، الباب 21، الحديث 1 ـ 3 و 7 ـ 9. (6). يعني: فعلهم(عليهم السلام) في الوضوء البياني. لعلّه أراد ما رواه الصدوق في الفقيه 1: 24، الحديث74، مِن حكاية وضوء الرسول(صلى الله عليه وآله) وفيه: «مَسَحَ على مقدّم رأسه وظهر قدميه ببلّة يساره وبقيّة بلّة يمناه»، رواه الكليني بإسناده عن زرارة وزاد على ذلك: قال أبو جعفر(عليه السلام): «إنّ الله وتر، يحبّ الوتر» إلى أن قال: «وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى». الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، الحديث 4، وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2. (7). مرّ في الصفحة 117. ـ[130]ـ وتجب الموالاة ـ وهي المتابعة ـ اختياراً، فإنْ أخّر فجفّ المتقدِّم استأنف. __________________________________________________________ ودلّ عليه أيضاً عموم القرآن(1) والأخبار(2)، وأبطل الاستدلال بالفعل قوله(عليه السلام): «مقبلاً ومدبراً»(3)، فافهم، والأصل المؤيّد بهذه الأشياء مع الشهرة، دليل قويّ. والعجب من المحقّق الثاني ـ حيث لا يخرج عن الشهرة بدليل قويّ كما يفهم من تتبّع كلامه ـ أنّه خرج هنا عن الشهرة مع وجود مؤيّد قويّ(4). وأيضاً تَركُ الترتيب في تعليم الوضوء المنقول في الأخبار الصحيحة(5) يدلّ على العدم، نعم الاحتياط ذلك، بل ينبغي مسح اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، كما مرّ في حسنة زرارة(6). وأيضاً لا ينبغي النزاع في اشتراط الموالاة في الأعضاء، بمعنى توقّف صحّة الوضوء عليه بمعنى الجفاف لا غير; إذ لا دليل عليه غير وجوب إعادة الوضوء على تقدير التراخي مع الجفاف الواقع في الأخبار(7)، والإجماع، وكذا في عدم وجوب غير ذلك; لأنّ ظاهر الآية(8) والأخبار عامّ، والأصل دليل قويّ. وفي صحيحة معاوية بن عمّار إشارة إلى عدم العقاب بالجفاف أيضاً، فكيف بالتأخير، حيث ما ذمّه(عليه السلام) بالتأخير حتّى جفّ الوضوء، بل اختصر على قوله(عليه السلام):«أعد»(9). ________________________________ (1). يعني به قوله تعالى في سورة المائدة(5): 6:(... فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...). (2). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (3). تقدّم تخريجه في الصفحة 128، الهامش 6. (4). جامع المقاصد 1: 224، حاشية الإرشاد(المطبوعة ضمن حيـاة المحقّق الكركي وآثاره) 9: 19. (5). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (6). مرّ في الصفحة 120. (7). وسائل الشيعة 1: 446، أبواب الوضوء، الباب 33، الحديث 2، 3 و 5. (8). المائدة(5): 6. (9). الكافي 3: 35، باب الشكّ في الوضوء و...، الحديث 8، التهذيب 1: 87، الحديث 231، الاستبصار 1: 72، الحديث 221، وسائل الشيعة 1: 447، أبواب الوضوء، الباب 33، الحديث 3. ـ[131]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ وما يوجد في بعض الأخبار من قولهم(عليهم السلام): «أتبع وضوءك بعضه بعضاً» أو «تابع»(1)، فليس المراد به وجوب الموالاة بمعنى عدم جواز التأخير أصلاً، بل المراد وجوب تقديم بعض الأعضاء على البعض، كما يدلّ عليه سوق الأخبار التي وقع فيها الأمر بالمتابعة، كما في صحيحة زرارة وحسنته، قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): «تابع بين الوضوء كما قال الله تعالى، أبدا بالوجه، ثمّ باليدين، ثمّ امسح الرأس والرجلين، ولا تقدّمن شيئاً بين يدي شيء تخالف ما أُمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه، وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل، ثمّ أعد على الرجل، ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ به»(2)، وهو صريح فيما نقول. وكذا حسنة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه، وإن كان إنّما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضّأ»، وقال: «أتبع وضوءك بعضه بعضاً»(3). فقول المصنّف في المنتهى: «المتابعة هي الموالاة»(4) غير مسلّم(5)، ويحتمل _________________________ (1). الكافي 3: 34، باب الشكّ في الوضوء و...، الحديث 4، التهذيب 1: 99، الحديث 259، الاستبصار 1: 74، الحديث 228، وسائل الشيعة 1: 452، أبواب الوضوء، الباب 35، الحديث 9. (2). الكافي 3: 34، باب الشكّ في الوضوء و...، الحديث 5، الفقيه 1: 28، الحديث 89، التهذيب 1: 97، الحديث 251، الاستبصار 1: 73، الحديث 223، وسائل الشيعة 1: 448، أبواب الوضوء، الباب 34، الحديث 1. (3). نفس الهامش 1. (4). قال العلاّمة في منتهى المطلب 2: 116، ما هذا لفظه: «الموالاة هي المتابعة». (5). في «ش 1 »: «ظاهر» بدل «مسلّم». ـ[132]ـ وذو الجبيرة ينزعها أو يكرّر المـاء حتّى يصل البشرة إن تمكّن، وإلاّ مسح عليها. __________________________________________________________ كلام المصنّف أيضاً ذلك، بل حمل في الذكرى على ذلك كلام مَن يقول بوجوب الموالاة(1) بحيث لم يعلم قائل بالموالاة بمعنى المتابعة، بل ما يعلم وجوب الموالاة بمعنى الجفاف أيضاً بمعنى حصول العقاب إلاّ من إبطال العمل عمداً ونحوه لو تمّ. وأمّا الجبائر فأحكامها ظاهرة ممّا قالوها(2)، ولكن دليل وجوبها غير ظاهر، والاستحباب ممكن; لأنّه وقع في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة، كيف يصنع بالوضوء، وعند غسل الجنابة، وغسل الجمعة ؟ قال: «يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر، ويدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله، ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته»(3). ومثله في صحيحة أُخرى له(4)(52). وكأنّه في صحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه ؟ قال: «يغسل ما حوله»(5). وفي حسنة الحلبي ـ; لإبراهيم ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه سُئل عن الرجل يكون به __________________________________________________________ (52) في التعبير بالصحيحة الأُخرى مسامحة; لأنّ الشيخ رواها مرة عن الكليني بإسناده عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج ومرة بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج. والظاهر من اتّحاد الراوي والمرويّ عنه ومورد السؤال فيهما وحدة الصحيحة، والاختلاف الجزئي في المتن غير مضرّ بالوحدة، كما لا يخفى. ____________________________ (1). قال العلاّمة في مختلف الشيعة 1: 133، المسألة 82: «اتّفق علماؤنا على وجوب الموالاة واختلفوا في تفسيرها على معنيين. أحدهما: أنّها المتابعة. والثاني اعتبار الجفاف».وقال الشهيد في ذكرى الشيعة 2: 164: «يمكن حمل كلام الأكثر على اعتبار الجفاف». (2). لاحظ: جامع المقاصد 1: 233 ـ 234، روض الجنان 1: 118. (3). الكافي 3: 32، باب الجبائر والقروح والجراحات، الحديث 1، التهذيب 1: 362، الحديث 1094، الاستبصار 1: 77، الحديث 238، وسائل الشيعة 1: 463، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 1. (4). التهذيب 1: 363، الحديث 1098، وسائل الشيعة 1: 463، أبواب الوضوء، الباب 39، ذيل الحديث 1. (5). الكافي 3: 32، باب الجبائر والقروح والجراحات، الحديث 2، التهذيب 1: 363، الحديث 1096، وسائل الشيعة 1: 464، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 3. ـ[133]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ القرحة في ذراعه، أو نحو ذلك من مواضع الوضوء، فيعصبها بالخرقة ويتوضّأ، ويمسح عليها إذا توضّأ، فقال: «إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها»، قال: وسألته عن الجرح كيف أصنع به في غُسله ؟ قال: «اغسل ما حوله»(1). ولا تدلّ على التفصيل والوجوب; لاشتمالها على قوله: «اغسل ما حوله»، مع عدم الصحّة، والظاهر عدم وجوب شيء آخر في الجرح وعدم الفرق، فتأمّل. وكذا رواية كليب الأسدي، قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل إذا كان كسيراً كيف يصنع بالصلاة ؟ قال: «إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ»(2). ودلالة هذه أوضح، ولكن سندها غير واضح. وكذا خبر حسن بن علي الوشّاء، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الدواء إذا كان على يدي الرجل، أيجزيه أن يمسح على طلي الدواء ؟ فقال: «نعم، يجزيه أن يمسح عليه»(3)، كأنّه صحيح إلى الحسن. فالاستحباب غير بعيد; للجمع إن وجد القائل، إذ إيجاب شيء بمثل هذه ـ مع وجود ما تقدّم والأصل وأخبار أُخر قريب منها(4) ـ بعيد. وفرّق بعض الأصحاب(5) بين الغسل والوضوء، مع وجودهما في صحيحة ابن الحجّاج(6)، وعموم صحيحة عبدالله فيهما(7). ____________________________ (1). الكافي 3: 33، باب الجبائر والقروح والجراحات، الحديث 3، التهذيب 1: 362، الحديث 1095، الاستبصار 1: 77، الحديث 239، وسائل الشيعة 1: 463، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 2. (2). التهذيب 1: 363، الحديث 1100، وسائل الشيعة 1: 465، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 8. (3). التهذيب 1: 364، الحديث 1105، وسائل الشيعة 1: 465، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 9. (4). الفقيه 1: 29، الحديث 94، وسائل الشيعة 1: 464، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 4. (5). لم نعثر عليه، بل قال العلاّمة في منتهى المطلب 2: 130: «لا فرق في المسح عليها(أي: الجبيرة) بين الطهارة الكبرى والصغرى، وهو قول أهل العلم». (6). تقدّم تخريجها في الصفحة السابقة، الهامش 2. (7). تقدّم تخريجها في الصفحة السابقة، الهامش 4. ـ[134]ـ وصاحب السَلَس يتوضّأ لكلّ صلاة، __________________________________________________________ وكذا الفرق بين الجبائر والجروح والقروح واللصوق والطلي مع وجودها في الروايات(1)، لا يخلو عن إشكال، إلاّ أن يكون لإجماع ونحوه، والاحتياط حسن. وأمّا وجوب الوضوء على صاحب السلس عند المصنّف هنا لكلّ صلاة، فلأنّه ثبت أنّ البول موجب، وخرج ما لا يمكن الوضوء عنه، وهو زمان يتخلّل عادةً بين الوضوء والصلاة وفي أثنائها فبقى الباقي، على أنّه موجب، فوجب له الوضوء. ولو كان له فترة تَسَع الصلاة، فغير بعيد إيجاب الصبر، كما قاله في الشرح(2)، مع إمكان جواز الصلاة في أوّل الوقت; لعموم أدلّة الأوقات والصلاة. وكون العذر موجباً للتأخير غير متيقّن; للحرج والضيق. لكن نقل المصنّف في المنتهى عن الصدوق روايةً صحيحةً دالّةً على أنّ حكمَه حكمُ المستحاضة الجامعة بين الصلاتين بغسل، فيتوضّأ للصبح وضوءاً، وللظهرين وضوءاً، وللعشائين وضوءاً، يؤخّر ويقدّم كالمستحاضة(3)، وهو مذهب المصنّف في المنتهى(4)، ومضمون صحيحة علي بن جعفر عن أخيه(عليه السلام)(5)، فليس ببعيد. ولا يبعد تجويز هذا المقدار أو أقلّ منه لوضوء واحد في غير صورة الجمع من باب التساوي أو الأولى، والظاهر والأحوط هو العدم، والمصنّف في المنتهى __________________________________________________________ (1). وسائل الشيعة 1: 463، أبواب الوضوء، الباب 39. (2). روض الجنان 1: 120. (3). نقله في منتهي المطلب 2: 137، اُنظر: الفقيه 1: 38، الحديث 146، التهذيب 1: 348، الحديث 1021، وسائل الشيعة 1: 297، أبواب نواقض الوضوء، الباب 19، الحديث 1. (4). منتهى المطلب 2: 137. (5). لم نعثر على هذه الرواية عن علي بن جعفر(عليه السلام)، ولعلّه أراد ما رواه الصدوق والشيخ بإسنادهما عن حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام)، كما سيسمّيه أيضاً بصحيحة عليّ بن جعفر في الصفحة 132. ـ[135]ـ وكذا المبطون. __________________________________________________________ حكم بوضوء واحد لكلّ صلاة في غير هذه المذكورات; لعدم النصّ وبطلان القياس(1)، وهو الظاهر. وأمّا المبطون، فيحتمل أن يكون مثل السَلس في الحكم المذكور هنا وفي المنتهى(2)، إلاّ أنّه نقل صحيحتين ـ على ما قالوا(3) ـ دالّتين على القطع والبناء(4)، وهما صريحتان في ذلك، فعلى تقديرها وعدم حصول شيء من المبطل بعد ذلك لا يبعد القول بهما، بل يتعيّن. وأمّا مع الحصول فمشكل، وكلامهم خال عنه. والمصنّف جعل حكمهما هنا واحداً، وترك الخبرين مع قوله بصحّتهما، قاله في الشرح(5)، وما قال ذلك في المنتهى، فكأنّه في غيره(6). ورأيت أحدهما في التهذيب(7) غير واضح الصحّة، وهو خبر محمّد بن مسلم، في موضع متّصل إلى الباب الثاني «في آداب الأحداث الموجبة للطهارة»، فكأنّه صحيح في الفقيه(8). والخبر الآخر رأيته صحيحاً في التهذيب في باب «كيفيّة الصلاة من الزيادات»، وهو خبر فضيل بن يسار(9)، ولكن غير صريح في المبطون ولا فيمن أحدث، بل فيمن غمز بطنه. وأيضاً فيه أنّه مثل الكلام سهواً، فهو غير ما تقرّر __________________________________ (1). منتهى المطلب 2: 137. (2). منتهى المطلب 2: 138. (3). قال بصحّتهما العلاّمة في مختلف الشيعة 1: 145، المسألة 98. وصرّح بصحّة رواية الفضيل في منتهى المطلب 5: 273 و 310. (4). الفقيه 1: 237، الحديث 1043، و: 240، الحديث 1060، التهذيب 1: 350، الحديث1036، و 2: 332، الحديث 1370، الاستبصار 1: 401، الحديث 1533، وسائل الشيعة 1: 298، أبواب نواقض الوضوء، الباب 19، الحديث 4، و 7: 235، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9. (5). روض الجنان 1: 121. (6). نفس الهامش 9. (7). التهذيب 1:350، الحديث 1036. (8). الفقيه 1:237، الحديث 1043. (9). التهذيب 2:332، الحديث 1370. ـ[136]ـ ويستحبّ وضع الإناء على اليمين، __________________________________________________________ عندهم، فحمله المصنّف على المبطون(1); للإجماع على بطلان ظاهره(53). واعلم أنّ المصنّف قال في المنتهى ـ في صحيحة علي بن جعفر حيث قال: «تأخذ كيساً»(2)، وحسنة منصور حيث قال(عليه السلام) للسلس: «يجعل خريطة»(3)، و«تجعل فيه قطناً»(4) ـ: «فيها دلالة على وجوب الاستظهار بعدم التعدّي»(5). وهو موجود في غيرهما(6) أيضاً، ولكن ما علم وجوب تغيير الكيس والقطن كما قالوا في المستحاضة(7)، وظاهر الرواية عدم وجوب التغيير. قوله: «ويستحبّ وضع الإناء على اليمين» إلى آخره: دليله غير ظاهر. والمحكي عنه(صلى الله عليه وآله) أنّه كان يحبّ التيامن في طهوره وسائر حالاته كلّها(8)، على تقدير صحّته لا يدلّ على وضعه الإناء على اليمين، وهو ظاهر. وعلى تقدير ثبوتها لا ينبغي __________________________________________________________ (53) يعني: للإجماع على عدم العمل بظاهرة، وذلك لعدم كون الغمز أو وجدان الأذى أو الضربان ناقضاً بالإجماع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). منتهى المطلب 2: 139. (2). لم نعثر عليها. لعلّه أراد ما رواه العلاّمة في منتهى المطلب 2: 137، عن أبي جعفر بن بابويه في الصحيح، عن حريز عن أبي عبدالله(عليه السلام) وفيه: «اتخذ كيساً» بدل «تأخذ كيساً». انظر: الفقيه 1: 38، الحديث 146، التهذيب 1: 348، الحديث 1021، وسائل الشيعة 1: 297، أبواب نواقض الوضوء، الباب 19، الحديث 1. (3). الكافي 3: 20، باب الاستبراء من البول و...، الحديث 5، وسائل الشيعة 1: 297، أبواب نواقض الوضوء، الباب 19، الحديث 2. (4). الظاهر تعلّق هذه العبارة بصحيحة حريز التي سمّاها بصحيحة عليّ بن جعفر، ويدلّ عليه عدم كونها في حسنة منصور وعدم صحّة إرجاع الضمائر إلى الحسنة ووجود ما يقرب منها في الصحيحة المتقدّمة. (5). نقل بالمضمون. منتهى المطلب 2: 138. (6). أي: في غيرهما من الأخبار. اُنظر: وسائل الشيعة 1: 266، أبواب نواقض الوضوء، الباب 7، الحديث 9، و: 298، الباب 19، الحديث 5. (7). لاحظ: النهاية: 28، شرائع الإسلام 1:26، تبصره المتعلّمين: 29. (8). سنن النسائي: 1158، الحديث5069، مسند أحمد 10: 13، الحديث 25722. ـ[137]ـ والاغتراف بها، والتسمية، وتثنية الغسلات، __________________________________________________________ التخصيص بواسع الرأس(1)، بل الظاهر من صحيحة زرارة استحباب وضعه بين يديه(2); لأنّه هكذا حُكي في الوضوء. واستحباب الاغتراف أيضاً محلّ التأمّل. نعم، موجود في فعله(عليه السلام)(3)، فكأنّه اُخذ منه، فافهم. ودليل استحباب التسمية: الأخبار(4)، وينبغي اختيار(بسم الله الرحمن الرحيم); للخبر المذكور في أوائل حجّ الفقيه(5). وأمّا استحباب تثنية الغسلات فغير بعيد; لنقل الإجماع(6)، ووجود قولهم(عليهم السلام) في الأخبار الصحيحة: «الوضوء مثنى مثنى»(7). وحَملُه على التجديد ـ كما فعله الصدوق وأوجب المرّة الواحدة(8); للأخبار الصحيحة الدالّة على المرّة الواحدة(9) ـ بعيد. ولكن يبعد ترك رسول الله(صلى الله عليه وآله) الثانية مع استحبابها، وكذا أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكذا بعض الأئمة(عليهم السلام)، حيث ورد في الصحيح من الأخبار كون وضوئهم مرّة مرّة، حتّى نقل في الكافي في بعض الأخبار: «ما كان وضوء علي(عليه السلام) إلاّ مرّة مرّة»(10)، _____________________________ (1). كما في ذكرى الشيعة 2: 173، جامع المقاصد 1: 229، روض الجنان 1: 122. (2). الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، الحديث 4، الفقيه 1: 24، الحديث 74، وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2. (3). الكافي 3: 24، باب صفة الوضوء، الحديث 1، التهذيب 1: 55، الحديث 157، الاستبصار 1: 58، الحديث 171، وسائل الشيعة 1: 390، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 6. (4). وسائل الشيعة 1: 423، أبواب الوضوء، الباب 26. (5). الفقيه 2: 130، الحديث 551، وسائل الشيعة 1: 393، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 12. (6). نقله ابن إدريس في السرائر 1: 100. (7). التهذيب 1: 80، الحديث 210، الاستبصار 1: 70، الحديث 215، وسائل الشيعة 1: 436، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 5. (8). الفقيه 1: 26، ذيل الحديث 80، و ذيل الحديث 83، الهداية: 79. (9). وسائل الشيعة 1: 437، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 6، 7 و 10. (10). الكافي 3: 27، باب صفة الوضوء، الحديث 9، وسائل الشيعة 1: 441، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 26. ـ[138]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ وقال: هذا دليل على أنّ الوضوء إنّما هو مرّة مرّة; لأنّه(عليه السلام) كان إذا ورد عليه أمران كلاهما لله طاعة أخذ بأحوطهما وأشدّهما على بدنه.(1) انتهى. فيمكن حمل «مثنى مثنى»(2) على الجواز فقط، أو التقيّة لو كانت. والظاهر أنّ الاستحباب أولى، وتركهم في الوضوء قد يكون لعدم توهّم الوجوب، حيث كانوا في بيان الوضوء، كما يظهر من بعض الأخبار(3). وأيضاً من تتبّع وضوءهم(عليهم السلام) حتّى يعلم أنّه ما كان إلاّ مرّة مر(54) ؟ ! والخبر غير واضح الصحّة; لاشتراك عبد الكريم(55). ومع ثبوتها يمكن حمله على وضوئهم(عليهم السلام) عند الناقل لبيان أقلّ الواجب. والشهرة مؤيّدة أيضاً حتّى ادّعي الإجماع(4)، وإن كان يحتمل نقله لعدم الوجوب، كما يظهر من المنتهى(5)، وإن كان __________________________________________________________ (54) ما كان الاستدلال بتتبّع الأشخاص حتّى يصحّ الجواب عنه بقوله: «وأيضاً...» إلى آخره، بل الاستدلال ـ على ما ذكره الكتاب ـ كان بما ورد في الصحيح من الأخبار، بكون وضوءهم مرّة مرّة، فالجواب عنه بنفي التتبّع كما ترى. (55) بين عشرة، سبعة منهم مجاهيل لم تثبت وثاقتهم، واثنان منهم ثقات، وواحد منهم موثّق، لكنّ الظاهر كون عبد الكريم هذا في الخبر هو ابن عمرو بن صالح الخثعمي الموثّق الذي قال فيه النجاشي: «روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن(عليهما السلام)، ثمّ وقف على أبي الحسن(عليه السلام)، كان ثقة ثقة»(6) وذلك لا لما في الوسائل من التصريح بأنه ابن عمرو; لعدم وجود ذلك في المصادر الثلاثة للحديث من الكافي والتهذيب والاستبصار، بل لأنّ نقل أحمد عنه من مميّزاته(7). ______________________________ (1). الكافي 3: 27، باب صفة الوضوء، ذيل الحديث9. (2). التهذيب 1: 80، الحديث 210، الاستبصار 1: 70، الحديث 215، وسائل الشيعة 1: 436، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 5. (3). اُنظر: وسائل الشيعة 1: 436، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 5، 8 و 11. (4). ادّعاه ابن إدريس في السرائر 1: 100. (5). قال العلاّمة في منتهى المطلب 2: 120، : «يحتمل أن يكون المرادُ مَن اعتقد وجوبها(أي:وجوب التثنية)». (6). رجال النجاشي: 245، الرقم 645. (7). تنقيح المقال 2: 160، الرقم 6685. ـ[139]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ الاحتياط مع المرّة; لاحتمال التحريم، ولكن ظاهر الآية(1) والأخبار(2) يدفعه. وعلى كلّ حال ينبغي عدم التجاوز عن المرّتين; لاحتمال التحريم، بل الغرفتين، لا أن يأخذ الغرفات الكثيرة ويسمّيها مرّة واحدة; لوسوسة عدم وصول الماء إلى جميع العضو; لعدم نقل ذلك ولأنّ المتبادر من المرّتين والواحدة هو الكفّ ولوجود الغرفة في بعض الأخبار(3). فإن حصلت الشبهة فينبغي(4) من الملاحظة في الأُولى(5) والإعانة باليد والمبالغة، فإنّ الواحدة تكفي حينئذ، كما يفهم من الأخبار(6)، فالظاهر من منع الصدوق(7) حينئذ [ أن] يكون للغرفة الثانية. وورد في حسنة زرارة وبكير بعد حكاية وضوء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، : فقلنا له ـ أي: لأبي جعفر(عليه السلام) ـ: أصلحك الله، فالغرفة الواحدة تجزي للوجه وغرفة للذراع ؟ فقال: «نعم، إذا بالغت فيها، والثنتان تأتيان على ذلك كلّه»(8)، فيفهم أنّ الغرفة مع المبالغة تجزي، والاثنتان بدونها أيضاً. وأمّا الثالثة فغير ثابت كونها عبادة بالأصل، فيتوقّف مشروعيّتها وكونها عبادة على الدليل الشرعيّ، ولم يثبت. وعموم الآية والأخبار غير ظاهر فيها; لحصول الامتثال قبله. وأيضاً قد ادّعي كونه بدعة(9). ______________________________ (1). المائدة (5): 6. (2). وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (3). الكافي 3: 25، باب صفة الوضوء، تتمّة الحديث 5، التهذيب 1: 81، الحديث 211، الاستبصار 1: 71، الحديث 216، وسائل الشيعة 1: 388، أبواب الوضوء، الباب 15، تتمّة الحديث 3. (4). أي: ينبغي عدم التجاوز عن الغرفتين. (5). في ش 1: «الأقلّ» بدل «الأُولى» والمراد من الأُولى هو الغرفة الأُولى. (6). اُنظر: وسائل الشيعة 1: 388، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 3، و: 440، الباب 31، الحديث 23، و: 443، الباب 32، الحديث 1. (7). الفقيه 1: 26، ذيل الحديث 80 وذيل الحديث 83، الهداية: 80. (8). نفس الهامش 3. (9). ادّعاه الشيخ الصدوق في الفقيه 1: 29، ذيل الحديث 92، والمقنع: 11، والهداية: 80. ـ[140]ـ والدعاء عند كلّ فعل، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء __________________________________________________________ وكون المراد بالثالث، الذي بعد العلم بتحقّق الغسل مرّتين ولو كان بالغرفات الكثيرة، غير ظاهر. نعم، إن ضيّع الماء قبله بحيث ما بقي شيء منه يجري على العضو كلّه، وما حصل العلم بالغسل المعتبر بذلك الماء ولو مع المبالغة، يأخذ الثالثة; إذ ما قبلها في حكم العدم فهي الأُولى. ولكن ينبغي الملاحظة في ذلك لئلاّ تحصل المرّات التي نقل الخلاف فيها(1)، واحتمال الدخول في الإسراف، مع النقل لخصوص منع الإسراف في الوضوء عن أمير المؤمنين(عليه السلام)(2)، على ما هو المشهور. وبالجملة، الاحتياط يقتضي ترك الغرفة الثالثة. وأمّا استحباب الدعاء فمفهوم من بعض الأخبار(3) وإن لم يكن صحيحاً، ودخوله في مطلق الدعاء يكفي لاستحبابه، فكيف مع النقل، سيّما في الكتب الكثيرة المعتبرة، خصوصاً الفقيه المضمون(56). وأمّا استحباب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، فقد ادّعي الإجماع عليه(4)، مع وجود الأمر به في الأخبار(5) المحمولة على الاستحباب; لتركهم(عليهم السلام) ذلك في __________________________________________________________ (56) بضمانه في أولّه(6) بأنّ قصده فيه إيراد الأحاديث التي يفتي بها ويحكم بصحّتها، ويرى حجّيّتها فيما بينه وبين ربّه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). لاحظ: مختلف الشيعة 1: 114، المسألة 70. (2). لم نعثر عليه. نعم، روى في الكافي 3: 22، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء و...، الحديث9، بإسناده عن حريز، عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: «إنّ لله ملكاً يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه». وسائل الشيعة 1: 485، أبواب الوضوء، الباب52، الحديث2. (3). الكافي 3: 70، باب النوادر، الحديث 6، الفقيه 1: 26، الحديث 84، التهذيب 1:53، الحديث 153، وسائل الشيعة 1: 401، أبواب الوضوء، الباب 16، الحديث 1. (4). ادّعاه الشيخ في الخلاف 1: 73، المسألة 20. (5). وسائل الشيعة 1: 428، أبواب الوضوء، الباب 27، الحديث 3 ـ 5. (6). الفقيه 1: 3. ـ[141]ـ مرّة من النوم والبول ومرّتين من الغائط وثلاثاً من الجنابة، _________________________________________________________ بعض الأوقات(1)، مع الأصل. وأمّا كون المرّة للنوم والبول، ومرّتين للغائط، وثلاث للجنابة، فكأنّه لخبر الحلبيّ، قال: سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء ؟ قال: «واحدة من حدث البول، واثنتان من الغائط، وثلاث من الجنابة»(2). وخبر حريز، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «يغسل الرجل يده من النوم مرّة، ومن الغائط والبول مرّتين، ومن الجنابة ثلاثاً»(3). فكأنّ المراد بكون الغسل من البول مرّة أقلّ الاستحباب، وإلاّ فالظاهر أنّه يستحبّ مرّتان أيضاً; لخبر حريز، ومرّتين للغائط، وثلاثاً للجنابة. ولا يبعد كون اختيار المرّتين أولى; لوجود المرّة(57). __________________________________________________________ (57) المعتبرة بنحو اللابشرط عن الزيادة عليها، فإنّها المتفاهم من التخيير بين الأقلّ والأكثر عرفاً، كالتخيير بين المرّة والثلاث في التسبيحات الأربعة على القول به، لاسيّما في المندوبات التي تكون السيرة الفقهيّة، بل فهم العرف فيها على الحمل على مراتب الفضل في تعارض المطلق والمقيّد منها، مع أنّ البناء على حمل المطلق على المقيّد في غيرها ويجمع بينها بذلك، فضلا عن التعارض بالأقلّ والأكثر، وإلاّ(4) فبناءاً على كون اعتبار المرّة بقيد الوحدة وعدم الزيادة عليها، ________________________________ (1). الكافي 3: 12، باب الرجل يدخل يده في الإناء...، الحديث 4، التهذيب 1: 36، الحديث 98، الاستبصار 1: 50، الحديث 143، وسائل الشيعة 1: 429، أبواب الوضوء، الباب 28، الحديث 1. (2). الكافي 3: 12، باب الرجل يدخل يده في الإناء...، الحديث 5، التهذيب 1: 36، الحديث 96، الاستبصار 1: 50، الحديث 141، وسائل الشيعة 1: 427، أبواب الوضوء، الباب 27، الحديث 1. (3). التهذيب 1: 36، الحديث 97، الاستبصار 1: 50، الحديث 142، وسائل الشيعة 1: 427، أبواب الوضوء، الباب 27، الحديث 2. (4). أي: وإن لم تكن المرّة معتبرة بنحو اللابشرط. ـ[142]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ ويفهم من الأوّل(58) التخصيص باليد اليمنى(59) وكون الاستحباب في الإناء الذي يوضع اليد فيه; لقوله(60): «قبل أن يدخلها الإناء». وسنده معتبر، وإن كان مضمراً، وفيه أبو أحمد(61) بن محمّد بن عيسى، __________________________________________________________ فالمرّة كذلك غير موجودة مع المرّتين كما هو الواضح; لانتفاء القيد، والمقيّد منتف بانتفاء قيده، بل المرّتين على ذلك مضادّة مع المرّة، لكنّ الجمع على هذا النحو بين الأخبار المتعارضة بالأقلّ والأكثر وإن كان ممكناً وتماماً، إلاّ أنّه غير تمام عرفاً وبلسان القوم الذي عليه الكتاب والسنّة، لا باللسان العقلي الدقيق البرهاني الفلسفي. ولا يخفى عليك ظهور الثمرة بين هذين النحوين من التخيير ـ مضافاً إلى عدم تحقّق الأقلّ في الأكثر على الجمع الثاني العقلي، أي: التخيير بين الأقلّ بشرط الوحدة والمرّة في الأكثر، وتحقّقه على الأوّل والتخيير العرفي بحمل الأكثر على الأفضل وكون الأقلّ مأخوذاً بنحو اللابشرط ـ في الاكتفاء بالمرّتين في مثل التسبيحات الأربعة، فإنّه صحيح على العرفي بين المرّة والثلاث، وباطل على العقلي بينهما، فتدبّر جيّداً. (58) وهو خبر الحلبيّ المتقدّم. (59) لقول السائل «على يده اليمنى». (60) أي: السائل، لا يخفى أنّ فهم التخصيص والاستحباب من الخبر الأوّل، مع كونهما في سؤال السائل ممنوع; لعدم دلالة ما في السؤال على تخصيص وتقييد في الجواب به، وإن كان عامّاً ومطلقاً، فإنّه لا يكون المورد مخصصاً ومقيّداً لهما، فضلا عن مثل الجواب في هذا الخبر ممّا يكون مختصّاً بمورد السؤال وراجعاً إليه ببيان مرّات الاغتراف بطريق أولى. (61) أي: في سند الأوّل، وهو خبر الحلبيّ، والمراد من قوله: أبو أحمد، هو محمّد بن عيسى بن عبدالله بن سعد الأشعري، أبو علي، أب أحمد، فالأب بمعناه الحقيقي لا بمعناه الكنائي حتّى يحصل الاحتياج إلى معرفة اسمه وأنّه غير موجود في سندَي الخبر، كما فهمه المعلّقون على المجمع المطبوع بطبعة مؤسّسة النشر الإسلامي(1). ولا يخفى عليك ما في تعبيره عن محمّد بن عيسى بذلك، من الإشارة إلى أنّ أحمد بن _______________________________ (1). مجمع الفائدة والبرهان(الطبعة المحقّقة السابقة) 1: 117. ـ[143]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ وهو(62) غير مصرّح بتوثيقه. والثاني(63) خال عن ذلك، ولكن ظاهر سوق الكلام يدلّ عليه، كما أنّ ما ورد في رواية أُخرى: «أين باتت يده»(1) أيضاً مقيّد به(64)، والأصل عدم الاستحباب __________________________________________________________ محمّد عن أبيه، الواقع في السند هو ابن محمّد بن عيسى الأشعري، لا ابن محمّد خالد البرقي، أو ابن محمّد بن الحسن بن الوليد وأمثالهم، كما أنّ فيه الإشارة إلى أنّ المراد ممّا في السند(عن أبيه، عن ابن أبي عمير) هو محمّد بن عيسى بن عبدالله بن سعد الأشعري أب أحمد. (62) أبو أحمد وهو محمّد بن عيسى الأشعري، فليس فيه التصريح بالتوثيق، وإن قال النجاشي فيه: «هو شيخ القميّين»(2) ممّا استفيد منه الوثاقة، فلعلّ ما في الوجيزة «من أنّه ثقة»(3) كان بالنظر إلى أنّ شيخوخة القميّين في عصره كانت تتضمّن ما يفوق الوثاقة. وكيف كان إن لم يكن ثقة لذلك أو لغيره من القرائن، فكون حديثه كالصحاح ومعتبراً، ممّا لا ينبغي الإشكال والكلام فيه، كما أشار الكتاب إلى اعتبار حديثه بقوله: «وسنده معتبر»، إلى قوله: «وهو غير مصرّح بتوثيقه». ثمّ لا يخفى أنّ ما في الوسائل من نقل الكليني الحديث بسنده الصحيح عن الحلبيّ وبلا إضمار وأنّه مثل ما نقله الشيخ(رحمه الله)، ففيه: أنّه ليس فيه التخصيص باليمنى، فليس مثله في ذلك، وبه تظهر دقّة المقدّس في النظر إلى الأخبار، شكر الله مساعيه الجميلة، ولا يصحّ الاعتراض عليه بوجود الخبر مسنداً وبلا إضمار في الكافي ونقل الكليني. (63) أي: خبر حريز; فإنّه خال عمّا يفهم منه التخصيص والاستحباب، فإنّ التخصيص باليد اليمنى وقوله: «قبل أن يدخلها في الإناء»، غير موجود فيه، لا سؤالا ولا جواباً. (64) لكنّ عموم العلّة في قوله(عليه السلام): «لأنّه لا يدري حيث باتت يده، فليغسلها»، حجّة على الإطلاق والشمول، ورافع للتقييد على تسليمه; فإنّ القيد في السؤال، فليس فيه دلالة على ظهور سوق الكلام في التخصيص. فخبر حريز ورواية «أين باتت» حجّتان على الإطلاق وعدم التقييد. ولعلّهما كانا مستند الإرشاد وغيره من استحباب غسل اليدين. _______________________________ (1). الفقيه 1: 31، الحديث 107، التهذيب 1: 39، الحديث 106، الاستبصار 1: 51، الحديث 145، وسائل الشيعة 1: 428، أبواب الوضوء، الباب 27، الحديث 3. (2). رجال النجاشي: 338، الرقم 905. (3). على ما حكي عن الوجيزة في تنقيح المقال 3: 167، الرقم 11210. ـ[144]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ حتّى يثبت، مع أنّ الخبر الذي غير مقيّد به(1) فيه علي بن السندي المجهول. وإثبات الاستحباب مطلقاً ـ أي: ضيّق الرأس أو لا، كما قال في الشرح(65) ـ حتّى يبنى عليه جواز مقارنة النيّة، لا يخلو عن إشكال، مع تردّد المصنّف في المنتهى(66) في كونه(67) من سنن الوضوء وجواز المقارنة. ويفهم من هذه الأخبار استحباب الاحتياط في الطهارة في الجملة، وأنّ الغسل من النجاسة يكفي فيه المرّة، وأنّ الإزالة سهلة تحصل بأيّ نوع من الغسل. وينبغي الاقتصار في الغسل في غير الجنابة على غسل اليد من الزند; للتبادر. وأمّا فيها فرأيتُ في التهذيب في باب «تلقين المحتضرين» ما يدلّ على __________________________________________________________ (65) قال الشهيد الثاني في روض الجنان عند شرح قول المصنّف: «(وغَسل اليدين) من الزندين(قبل إدخالهما الإناء)، والأولى أن يراد به مطلق الإناء، سواء كان ماؤه قليلا أم كثيراً; لعدم تحقّق التعليل بالنجاسة الوهميّة، بل هو تعبّد محض، فيثبت الاستحباب مع تحقّق طهارتهما، لكن مع الكثرة وسعة رأس الإناء يكفي غسلهما فيه، وعلى هذا لا فرق أيضاً بين إمكان وضع اليد في الإناء أو لا، ككونه ضيّق الرأس، فيستحبّ غَسلهما حينئذ قبل الاشتغال بباقي الأفعال، وإن كان الأولى اختصاص الحكم في إيقاع النيّة عنده بالإناء الواسع المشتمل على الماء القليل، كما تقدّم»(2). (66) ففيه في فروع بحث النيّة: «الرابع عشر: قد بيّنا(3) أنّه يستحبّ غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، وهل يستحبّ في غير الإناء ؟ إشكال، فإن قلنا به صحّ إقران النيّة به، وإلاّ فلا»(4). (67) أي: في كون غسل اليدين قبل الوضوء من غير الإناء لا مطلقاً، فإنّه قائل فيه باستحباب غسل اليدين في الوضوء قبل الإدخال في الإناء، وتردّده في غيره كما هو صريح المنتهى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). وهو خبر حريز المتقدّم في الصفحة 141. (2). روض الجنان 1: 123 ـ 124. (3). بيّنه في منتهى المطلب 1: 293. (4). منتهى المطلب 2: 20. ـ[145]ـ والمضمضة، والاستنشاق، __________________________________________________________ استحباب الغسل من الذراع(1) والمراد: من المرفق، يدلّ عليه صحيحة أحمد بن محمّد، قال: سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) عن غسل الجنابة، فقال: «تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك»(2). وقيّده الشارح بقوله: «من الزندين»(3)، ولعلّ مراده في غير الجنابة، ويظهر ذلك من المصنّف في المنتهى(4)، ودليله إطلاق اليد والتبادر. وأمّا استحباب المضمضة والاستنشاق فهو مشهور، وظاهر كلامهم فيهما الاستحباب ثلاثاً ثلاثاً بثلاث أكفّ(5)، ويمكن أن يكون للكمال. وقال في المنتهى: «المضمضة: إدارة الماء في الفم، والاستنشاق اجتذابه»(6). وظاهره عدم حصول الاستحباب بغير ذلك، ويمكن أن يكون للكمال أيضاً، وقد اُدّعي الإجماع على استحبابهما(7). ويدلّ عليه أيضاً بعض الأخبار(8)، وحديث سنن الحنيفيّة المقبول عند العامّة(9) والخاصّة(10)، والأخبار الصحيحة في بحث الصوم(68)، والخبر الصحيح على ما __________________________________________________________ (68) ما فيه من أخبار الصوم متعرّضاً لهما منحصر بمرسلة حمّاد، عمّن ذكره، عن ___________________________ (1). وهو قوله(عليه السلام): «ثمّ اغسل يده ثلاث مرّات كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع». التهذيب 1: 301، الحديث 877، وسائل الشيعة 2: 480، أبواب غسل الميّت، الباب 2، الحديث 3. (2). التهذيب 1: 131، الحديث 363، وسائل الشيعة 2: 230، أبواب الجنابة، الباب 26، الحديث 6. (3). روض الجنان 1: 123. (4). منتهى المطلب 1: 294. (5). كما صرّح به المحقّق الكركي في جامع المقاصد 1: 231، والشهيد الثاني في روض الجنان 1: 125. (6). منتهى المطلب 1: 305. (7). ادّعاه الشيخ في الخلاف 1: 75، المسألة 21، وقال العلاّمة في منتهى المطلب 1: 300، ما هذا لفظه: «قال علماؤنا: المضمضة والاستنشاق متسحبّان غير واجبين في الطاهرتين». (8). وسائل الشيعة 1: 430، أبواب الوضوء، الباب 29، الحديث 1، 2، 4، 11 و 13. (9). سنن النسائي: 1155، الحديث5052، سنن ابن ماجة: 59، الحديث249. (10). الهداية:82 ـ 83، مستدرك الوسائل 1: 325، أبواب الوضوء الباب 27، الحديث 2. ـ[146]ـ وبدأة الرجل بظاهـر ذراعيـه في الأُولى وبباطنهما في الثانية عكس المرأة، والتوضّوء بمدّ. __________________________________________________________ يظهر من كلامهم في بحث الوضوء(1)، وفي الجنابة(2)، والظاهر عدم القائل بالفرق، والجمع بين الأخبار بحمل ما يدلّ على نفيه على نفي الوجوب، وما يدلّ على وجوبهما على الاستحباب، فالقول النادر بعدم استحبابهما بعيد. قوله: «وبدأة الرجل» إلى آخره: ليس في الخبر إلاّ بدأة الرجل بالظهر والمرأة بالبطن(3)، من دون «الأُولى» و«في الثانية بالعكس» كذا قاله في المنتهى(رحمه الله)(4). والمشهور استحباب كون مقدار الماء مدّاً، وهو موجود في بعض الأخبار(5) أيضاً، __________________________________________________________ أبي عبدالله (عليه السلام)، في الصائم يتمضمض ويستنشق ؟ قال: «نعم، ولكن لا يبالغ»(6). وأمّا غيرها من مقطوعة يونس(7) وموثّقة سماعة(8)، فهما في المضمضمة خاصّة، وعلى ذلك فما في الشرح من قوله(رحمه الله): «والأخبار الصحيحة في بحث الصوم»، ففيه ما لا يخفى، فليس في أخبار الصوم خبر صحيح واحد متضمّن لهما، فضلا عن الصحاح، وقد عرفت انحصار الخبر كذلك في مرسلة حمّاد، كما أنّه لم تكن في الاستنشاق رواية ولو واحدة من رأس. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). لعلّه أراد ما روي في الكتب الثلاثة في وصف وضوء أمير المؤمنين(عليه السلام). الكافي 3: 70، باب النوادر من كتاب الطهارة، الحديث 6، الفقيه 1: 26، الحديث 84، التهذيب 1: 53، الحديث 153، وسائل الشيعة 1: 401، أبواب الوضوء، الباب 16، الحديث 1. (2). وسائل الشيعة 2: 225، أبواب الجنابة، الباب 24. (3). الكافي 3: 28، باب حدّ الوجه الذي يغسل و...، الحديث 6، الفقيه 1: 30، الحديث 100، التهذيب 1: 76، الحديث 193، وسائل الشيعة 1: 466، أبواب الوضوء، الباب 40، الحديث 1. (4). منتهى المطلب 1: 308. (5). وسائل الشيعة 1: 481، أبواب الوضوء، الباب 50. (6). الكافي 4: 107، باب المضمضة والاستنشاق للصائم، الحديث 3، وسائل الشيعة 10: 71، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23، الحديث 2. (7). الكافي 4: 107، باب المضمضة والاستنشاق للصائم، الحديث 4، التهذيب 4: 205، الحديث 593، وسائل الشيعة 10: 71، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23، الحديث 3. (8). الفقيه 2: 69، الحديث 290، التهذيب 4: 322، الحديث 991، وسائل الشيعة 10: 71، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23، الحديث 3 و 4. ـ[147]ـ وتكره الاستعانة، والتمندل. وتحرم التولية اختياراً. __________________________________________________________ والظاهر أنّه للإسباغ، مع إدخال ماء غسل اليد والمضمضة والاستنشاق فيه، ونهاية ما يصرف فيه. وقيل: «ماء الاستنجاء أيضاً منه»(1). وأيضاً المشهور كراهيّة التمندل; للخبر(2)، وفي خبر آخر عدم البأس بالذيل(3)، فيمكن تخصيصها بالمنديل; للنصّ(4)، وحمل «عدم البأس»(5) على نفي التحريم، فتعميمها حيث يكره للتجفيف بالشمس ونحوها أيضاً لا يخلو عن بعد. وأمّا دليل تحريم التولية، بل عدم صحّة الوضوء معها، فالظاهر أنّه ظاهر المنقول(6)، والعقل يساعده(69). ولا يبعد كراهة الاستعانة، ولكن بنحو صبّ الماء، على ما وجد في بعض الروايات(7)، مع فتوى الأصحاب(8)، وظهور وجهه عند العقل، وإن لم يكن الخبر صحيحاً صريحاً في الكراهة; لإشعاره بالتحريم. __________________________________________________________ (69) وذلك لأنّ ظاهر الأمر والتكليف في التكاليف والأوامر العباديّة المباشرة، وإتيان المكلّف فعل المأمور به بنفسه، وتعبّد المكلّف مباشرة، فإتيان الغير وتولية المأمور به، ليس بامتثال وإطاعة للأمر عقلا، فلا قربة فيه ويكون باطلا. __________________________________________________________ (1). قاله الشهيد في ذكرى الشيعة 2: 188. (2). الكافي 3: 70، باب النوادر من كتاب الطهارة، الحديث 4، الفقيه 1: 31، الحديث 105، وسائل الشيعة 1: 474، أبواب الوضوء، الباب 45، الحديث 5. (3). التهذيب 1: 357، الحديث 1069، وسائل الشيعة 1: 474، أبواب الوضوء، الباب 45، الحديث 3. (4). الكافي 3: 70، باب النوادر من كتاب الطهارة، الحديث 4، الفقيه 1: 31، الحديث 105، وسائل الشيعة 1: 474، أبواب الوضوء، الباب 45، الحديث 5. (5). التهذيب 1: 364، الحديث 1101، وسائل الشيعة 1: 473، أبواب الوضوء، الباب 45، الحديث 1. (6). وسائل الشيعة 1: 476، أبواب الوضوء، الباب 47. (7). الكافي 3: 69، باب النوادر من كتاب الطهارة، الحديث 1، التهذيب 1: 365، الحديث 1107، وسائل الشيعة 1: 476، أبواب الوضوء، الباب 47، الحديث 1. (8). لاحظ: النهاية: 17، تذكرة الفقهاء 1: 203، ذكرى الشيعة 2: 190. ـ[148]ـ ويجب الوضوء وجميع الطهارات بماء مطلق طاهر مملوك أو مباح. ولو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة، أو تيقّنهما وشكّ في المتأخّر، أو شكّ في شيء منه وهو على حاله أعاد. __________________________________________________________ ولا تنبغي الكراهة في جميع الأُمور حتّى في استقاء الماء من البئر; لعدم الدليل. نعم، لاشكّ أنّه لو فعل بنفسه فهو أحسن وأكثر ثواباً، لكنّ الكراهة بمعنى وقوع نهي من الشارع به للتنزيه فغير ظاهر، بل تدلّ على عدم الكراهة رواية معاوية عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الصحيح، قال: سألته عن الحائض تناول الرجل الماء، فقال: «قد كان بعض نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) تسكب عليه الماء وهي حائض وتناوله الخُمرة(1)»(2)، وهو صحيح في آخر باب الحيض من الكافي. قوله: «ويجب الوضوء» إلى آخره: لاشكّ في وجوب الوضوء وغيره من الطهارة بالماء المطلق المباح الطاهر، والدليل بعض الأخبار(3)، والعقل، والآية في البعض(70)، والخلاف في هذه القيود غير واضح. قوله: «ولو تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة» إلى آخره: دليل الأوّل(71) عدم __________________________________________________________ (70) أي: في بعض الشرائط، وهو طهارة الماء. ففي كتاب الله تعالى في ذيل آية الوضوء والغسل والتيمّم:(وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)(4) الدالّ على شرطيّة طهارة الماء في الوضوء والغسل، وكذا التراب في التيمّم; إذ لا يعقل إيجاد الطهارة بغير الطاهر. (71) أي: وجوب الطهارة مع الشكّ فيها وتيقّن الحدث، الذي يكون إجماعيّاً بين المسلمين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). الخُمرة: سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل. مجمع البحرين 3: 292، «خمر». (2). الكافي 3: 110، باب الحائض تناول الخمرة أو الماء، الحديث 1، التهذيب 1: 397، الحديث 1238، وسائل الشيعة 2: 356، أبواب الحيض، الباب 45، الحديث 1. (3). وسائل الشيعة 1: 483، أبواب الوضوء، الباب 51. (4). المائدة (5): 6. ـ[149]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ زوال اليقين بالشكّ(72)، والاستصحاب، وهو دليل للثالث(1) أيضاً، مع الأخبار وهي: صحيحة زرارة وحسنته عن أبي جعفر(عليه السلام): «إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أغسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه»(2) الخبر، وغيرها ممّا يدلّ على عدم الخروج عن اليقين إلاّ بيقين مثله(3). وأمّا دليل الثاني(73)، فهو التساقط بتعارض تيقّن الطهارة والحدث والشكّ في المتأخّر، مع وجود الأمر بالوضوء عند إرادة الصلاة بالآية(4) والأخبار(5) والإجماع، إلاّ مع يقين الطهارة أو الظنّ المأخوذ من الدليل. __________________________________________________________ (72) المراد منه إمّا قاعدة اليقين، لكنّه بعيد; لما يشترط فيه من اتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك، ومن كون الشكّ سارياً، وزمانهما في المفروض مختلف لا متّحد، كما أنّ الشكّ فيه أيضاً يكون طارئاً لا سارياً كما لا يخفى. وإمّا المراد منه الإشارة إلى كون الحالة السابقة ـ أي: الحدث مثلا في المفروض ـ مظنونة كترجيح طرف احتمالها باليقين السابق، فالعمل على ذلك الظنّ، ففيه المنع صغرىً وكبرىً. أمّا الصغرى فلعدم حصول الظنّ من ذلك، كما يشهد عليه الوجدان، وعليه فرض المسألة. وأمّا الكبرى فلعدم حجّيّة الظنّ، وأنّ الظنّ لا يغني عن الحقّ شيئاً، وكون حجّيّته محتاجة إلى دليل خاصّ، وتعبّد فيه وهو منتف في ذلك الظنّ. (73) أي: وجوب الطهارة، مع تيقّنهما، والشكّ في المتأخّر منهما مطلقاً من غير تقييد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). وهو وجوب الإعادة مع الشك في شيء من الوضوء حال التوضّأ. (2). الكافي 3: 33، باب الشكّ في الوضوء و...، الحديث 2، التهذيب 1: 100، الحديث 261، وسائل الشيعة 1: 469، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 1. (3). وسائل الشيعة 1: 469، أبواب الوضوء، الباب 42. (4). المائدة (5): 6. (5). لم نعثر عليها إلاّ ما في فقه الرضا(عليه السلام): 67، مستدرك الوسائل 1: 342، أبواب الوضوء، باب 38، الحديث 1. وفيه ما هذا لفظه: «وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ». ـ[150]ـ ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث، أو شكّ في شيء منه بعد الانصراف لم يلتفت. __________________________________________________________ وأمّا الرابع ـ وهو عكس الأوّل ـ فدليله دليل الأوّل. وأمّا دليل الخامس ـ وهو الشكّ في شيء منه بعد الانصراف ـ هو أخبار الانصراف(1). ولا ينبغي التفصيل المشهور(74) و البحث الكثير الذي وقع فيما لو تيقّنهما __________________________________________________________ (74) وهو أنّه ينظر إلى الحال السابق عليهما، فإن جهلها تطهّر، وإن علمها أخذ بضدّ ما علمه، وهو الأقوى. واختاره المحقّق الشيخ علي(2)، ويظهر من المحقّق في المعتبر الميل إليه; لأنّه نقل مذهب الثلاثة وتردّد فيه، ثمّ ذكر توجيهه، ثمّ قال: «يمكن أن يقال: ينظر إلى حاله قبل تصادم الاحتمالين، فإن كان حدثاً بنى على الطهارة; لأنّه تيقّن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة، ولم يعلم تجدّد الانتقاض، وصار متيقّناً للطهارة، شاكّاً في الحدث، فيبني على الطهارة، وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهّراً، بنى على الحدث; لعين ما ذكرناه من التنزيل»(3). وما في الذخيرة من الإشكال عليه بقوله: «وفيه نظر; لأنّه وإن علم الانتقال إلى طهارة لا يعلم رفعها، لكنّه يعلم أيضاً وجود حدث لا يعلم رفعه، وصدق الانتقال غير مؤثّر في الفرق، ووجود طهارة لا يعلم رفعها لو كان كافياً للحكم بالطهارة، ويلزم أن يكون متطهّراً في الصورة الثانية أيضاً»(4). ففيه: أنّه لا يعلم وجود حدث لا يعلم رفعه حتّى يجري استصحابه، ويكون معارضاً لاستصحاب الطهارة المتيقّنة، المشكوك انتقاضها; حيث إنّ المعلوم سبب الحدث كالبول مثلا بما هو هو، لا بما أنّه حدث فعلىّ; لاحتمال وقوعه في الصورة الأُولى بعد الحدث الحاصل المتيقّن قبل اليقينين، ومعه لا يكون موجباً للحدث، فإنّه حصول للحاصل. وبالجملة، استصحاب الحدث في الصورة الأُولى غير جار، حتّى يكون معارضاً لاستصحاب الطهارة، لا بالنسبة إلى الحالة السابقة على الحالتين، لارتفاع تلك الحالة باليقين بالطهارة، ولانتقاض اليقين بالحدث فيها باليقين بالطهارة بعدها، فإنّها ناقضة له، سواء حصلت بين الحدثين أو بعدهما، كما هو الواضح الظاهر، ولا بالنسبة إلى الحالة الحاصلة من اليقين ________________________________ (1). وسائل الشيعة 1: 469، أبواب الوضوء، الباب 42. (2). جامع المقاصد 1: 236 ـ 237. (3). المعتبر 1: 171. (4). ذخيرة المعاد: 43. ـ[151]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ وشكّ في اللاحق(1)، لهذا تركته بالكليّة. نعم، لو كان عنده عادةً تفيد العلم يبني عليها. وما قيل: «إنّ هذا الفرد خارج عن البحث»(2) ليس بجيّد; لكونه من البحث في أوّل الأمر، كما قيل في الشكّ في ابتداء عدد الأشواط من الصفا والمروة: بأنه إن كان في المروة والعدد فرد فالابتداء من الصفا، وكذا إن كان زوجاً وهو في الصفا; لأنّ الابتداء منه حينئذ وإن كان بالعكس فباطل; لكون الابتداء من المروة(3). وإلاّ يجب التطهّر جزماً من غير إشكال(75). __________________________________________________________ الثاني بالحدث المعارض مع اليقين بالطهارة; لعدم اليقين بالحدث فيه، فإنّ اليقين متعلّق بسبب الحدث ـ أي البول مثلا بما هو هو ـ لا بما هو حدث; لاحتمال وقوعه بعد الحدث الأوّل، فلم يكن موجباً للحدث; لكونه حصولا للحاصل، وهو كما ترى. وبالجملة، استصحاب الحالة السابقة غير تمام; للعلم بارتفاعها، والحالة الثانية المماثلة لها غير تمام أيضاً; لعدم اليقين بحصولها، وجميع ما ذكرناه دفعاً للإشكال في الصورة الأُولى جار في دفعه في الثانية حرفاً بحرف. (75) ما ذكره المتن من قوله: «نعم لو كان عنده» إلى هنا، راجع إلى ما ذكره العلاّمة في المختلف(4) من اختياره العمل بمثل الحالة السابقة عليهما، مع العلم به ومن الإيراد عليه بخروجه عن مفروض المسألة، وهو الشكّ في التقدّم والتأخّر. والجواب عنه: بأنّ المراد من الشكّ في المسألة أعمّ من الابتدائي والاستمراري، أو أنّه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). الظاهر أنّه أراد ما تفرّعه العلاّمة(رحمه الله) في مختلف الشيعة 1: 142، المسألة 94، حيث قال: «إنّه إذا تيقّن عند الزوال أنّه نقض طهارة وتوضّأ عن حدث و شكّ في السابق، فإنّه يستصحب حال السابق على الزوال، فإن كان في تلك الحال متطهّراً فهو على طهارته; لأنّه تيقّن أنّه نقض تلك الطهارة، ونقضُ الطهارة الثانية مشكوك فيه، فلا يزول عن اليقين...». وأورد عليه الشهيد الأوّل أنّه خروج عن المسألة، كما سيأتي، وينبّه عليه مدّ ظلّه العالي في الحاشية 74. (2). نقل بالمضمون. قاله الشهيد الأوّل(رحمه الله) في ذكرى الشيعة 2: 206. (3). لاحظ: تذكرة الفقهاء: 138، المسألة 497. (4). مختلف الشيعة 1: 142، المسألة 94. ـ[152]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ والكلّ واضح، إلاّ أنّ كلامه ـ قدّس الله روحه العزيز ـ من جهة الاختصار لا يخلو عن إجمال في قوله: «أعاد»(1)، حيث أراد منه فعل الوضوء في غير الشكّ في شيء منه، وفيه الإعادة على المشكوك وما بعده; لما مرّ من وجوب الترتيب(2). ولكن هنا خفاء في أنّ المراد بعدم الالتفات بعد الانصراف ما هو ؟ وظاهر الأصحاب أنّ مجرّد الفراغ من الوضوء يوجب ذلك(3)، وفي بعض الأخبار قيّد بقوله: «إذا فرغ» و «انتقل» و «دخل في شيء آخر»(4) مثل الصلاة وغيره، فهو محلّ تأمّل، وإن كان ظاهر بعض الأدلّة(5) ما ذكره بعض الأصحاب(6). وأيضاً الظاهر أنّ المراد بعدم الالتفات هو الرخصة في الترك، لا أنّه وجب عدم الفعل، وكذا في عدم الطهارة في صورة يقين الطهارة والشكّ في الحدث; للأصل ومطلوبيّة الاحتياط وإن كان تمام الاحتياط في نقض الوضوء ثمّ الاستئناف; لعدم الجزم في النيّة على ما اعتبروه. ويحتمل المنع; لأنّي رأيتُ في التهذيب خبراً أنّه قال: «إيّاك أن تُحدث وضوءاً»(7) في صورة الشكّ في الحدث مع يقين الطهارة. ويحتمل كون المراد على سبيل الإيجاب والحتم، وعدم قبول الرخصة. __________________________________________________________ مختصّ بالابتدائي، كما يظهر من المتن، وإن شئت زيادة التوضيح والبصيرة لذلك فراجع الذخيرة(8)، فإنّها الذخيرة الموضّحة في المسألة، بل في غالب مسائل الإرشاد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). تقدّم في الصفحة 148. (2). مرّ في الصفحة 129 ـ 130. (3). جامع المقاصد 1: 237، روض الجنان 1: 131. (4). وسائل الشيعة 1: 469، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 1، 2 و 5. (5). الكافي 3: 33، باب الشكّ في الوضوء و...، الحديث 2، التهذيب 1: 100، الحديث 261، وسائل الشيعة 1: 469، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 1. (6). لاحظ: ذكرى الشيعة 2: 204، والدروس 1: 94. (7). التهذيب 1: 102، الحديث 268، وسائل الشيعة 1: 472، أبواب الوضوء، الباب 44، الحديث 1. (8). ذخيرة المعاد: 43. ـ[153]ـ ولو جدّد ندباً ثمّ ذكر بعد الصلاة إخلال عضو جُهل تعيينه أعاد الطهارة والصلاة، إلاّ مع ندبيّة الطهارتين، ولو تعدّدت الصلاة أيضاً أعاد الطهارة والصلاتين. __________________________________________________________ وأمّا قوله: «ولو جدّد ندباً» إلى آخره: العبارة مجملة، والمقصود ظاهر، كما قاله الشارح(1)، ووجهه أيضاً ظاهر على ما حرّروه(2).(3) ولكن جعلهم مبناه على اعتبار الوجه وعدم اعتبار الرفع والاستباحة في النيّة(4)، غير واضح; لأنّه على تقدير القول بأنه لابدّ من نيّة الوجوب والاستباحة أو الرفع في الوضوء، معلوم أنّه ما ينويه في المجدّد; إذ يعتقد حصولهما بغيره، فكيف ينويهما ؟ ! ومع نيّتهما أيضاً ما ينفع; لأنّه ما قصد وما اعتقد، بل لا يتخيّل محقّقاً إلاّ أن يقصد على تقدير عدمهما بالأولى، لكنّه بعيد. والظاهر أنّ الندب غير موجّه حينئذ، إلاّ أن يريدوا أنّه لابدّ من الوجوب ومن أحدهما في النيّة بحيث يكون مطابقاً للواقع، كما هو الظاهر، لا بمجرّد الذكر والتلفّظ، وذلك لا يمكن مع ندبيّتهما، وكذا مع وجوبهما فيصحّ البناء أيضاً. ولكنّ الثاني خلاف الظاهر; إذ مذهب المصنّف هنا اعتبار أحدهما(5)، فيمكن أن يكون ذاهباً إلى كون المجدّد رافعاً وأنّ اعتبار أحدهما إنّما هو في غير المجدّد، وهو الظاهر; إذ معلوم مشروعيّة المجدّد وكونه وضوءاً شرعيّاً مع امتناع اعتبار أحدهما في نيّته، كما مرّ(6). وينبغي الحدث ثمّ الوضوء حتّى يتحقّق كونه رافعاً، ولم يكن مثل المجدّد، فتأمّل. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). روض الجنان 1: 131. (2). أي: جعلوا منبى قوله: «أعاد الطهارة والصلاة» على اعتبار الوجه مثل الوجوب والندب في الطهارة، ومبنى قوله: «وإلاّ مع ندبيّة الطهارتين على عدم اعتبار الرفع والاستباحة، وإلاّ لم يصحّ مع ندبيّتهما أيضاً وكذا مع وجوبهما، فتأمّل فيه. منه(قدس سره) كما في النسخة الحجرية و «ش 1». (3). لاحظ: منتهى المطلب 2: 147، نهاية الإحكام 1: 61 ـ 62، جامع المقاصد 1: 239 ـ 240. (4). لاحظ: روض الجنان 1: 131 و 132. (5). أي: اعتبار الاستباحة أو الرفع، كما صرّح به في منتهى المطلب 2: 14، ومختلف الشيعة 1: 105، المسألة 65. (6). مرّ قبل عدّة أسطر. ـ[154]ـ ولو تطهّر وصلّى وأحدث، ثمّ تطهّر وصلّى، ثمّ ذكر إخلال عضو مجهول أعاد الصلاتين بعد الطهارة إن اختلفتا عدداً، وإلاّ فالعددَ. __________________________________________________________ ولأنّه(1) على تقدير القول بعدم اشتراط الوجه، فيمكن أنّه إذا قصد خلاف الوجه الذي عليه، لم يصحّ; لأنّ نيّة الندب لِمَن يجب عليه الوضوء، لم تصحّ وإن قلنا إنّ الوجه لا يعتبر. والفرق بين عدم الاعتبار فقط وتجويز ضدّه أيضاً كثير. ولكن قد يُفهم ذلك من الشرائع(2)، وصرّح به المحقّق في بعض تحقيقاته(3)، ونقل عن المعتبر أيضاً(4)، وذلك غير بعيد هنا مع عدم العلم. وأمّا مع العلم فمشكل، بل يشكل إمكان تحقّقه من المكلّف، فتأمّل. ثمّ إنّ الظاهر في المسألة صحّة الصلاة والطهارة مطلقاً; لاعتقادي أنّ التجديد ـ وإن فعله باعتقاد التجديد وصحّة الأُولى ووجوبها، وندبيّة الثانية وعدم قصد الرفع ـ رافع على ما ظهر من علّة شرعه. ويكفي ذلك خصوصاً إذا كان للفاعل شعور به، مع أنّ الإعادة تكليف شاقّ(76)، والأصل عدمه، والشريعة السهلة تقتضي خلافه، سيّما إذا وقع بعد العبادات الكثيرة، مثل الحجّ والصلاة، والظاهر عدم القائل بالفرق. وعلى تقدير عدم رافعيّة المجدّد فيمكن عدم البطلان; لعدم العلم بالوضوء الباطل بعينه ـ المستلزم لبطلان الوضوء الثاني والصلاة، والأصل الصحّة وعدم __________________________________________________________ (76) توسعة في مفهوم الشاقّ ومصداقه، والتوسعة إلى هذا الحدّ وإن كانت محلاّ للمنع; لعدم صدق الحرج عرفاً في الإعادة ما لم تكن كثيرة، لكن عدم وجوبها موافق مع السهولة في الشريعة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). عطف على قوله: «لأنّه على تقدير القول...» في السطر الثالث من الصفحة السابقة. (2). حيث قال المحقّق في شرائع الإسلام 1: 16: «فإن اقتصرنا على نيّة القربة، فالطهارة والصلاة صحيحتان، وإن أوجبنا نيّة الاستباحة، أعادهما». (3). أجوبة المسائل الطبريّة (المطبوعة ضمن الرسائل التسع): 317 ـ 318، المسألة 15. (4). المعتبر 1: 140، ونقله عنه الشهيد الثاني في روض الجنان 1: 133. ـ[155]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ الإعادة ـ ولبناء ما فعل على الصحّة، ولكونه مأموراً بالفعل حين الفعل، والأمر للإجزاء، ولعدم الاعتبار بالشكّ في المبطل بعد الفعل، والأصلُ عدم كونه من الأوّل، وعدم تحقّق الثاني، فيمكن أن يتعيّن بطلانه، فتأمّل فيه. ولصدق أنّه الوضوء من غير تقييد بعدم المجدّد وكونه منهيّاً بأيّ وجه. بل ظاهرها(1) عدم النيّة مطلقاً; لإيجاب غسل الوجه، وإلاّ فترك النيّة غير مستحسن. وكذا تركهم ـ صلوات الله عليهم ـ النيّة في تعليم العبادات خصوصاً الوضوء(2). وأيضاً يدلّ عليه نحو الصحيحة المنقولة في الكافي في باب «مقدار الماء» عن محمّد بن مسلم وزرارة، قال: «إنّما الوضوء حدّ من حدود الله، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه»(3)، وغير ذلك من الأخبار(4). ولولا خوف خرق الإجماع، لأمكن القول بعدم النيّة على الوجه المذكور، كما هو مقتضى الأدلّة. ونَقَل الشارح في شرح الرسالة عدم ذكرها عن المتقدّمين(5)، وحمل دليل النيّة الواردة في عموم الأخبار(6) على قصده لله لا أن يقصد غير عبادة أو عبادة لغير الله تعالى بفعله مع الشعور عند الفعل، بحيث لو سُئل لأجاب أنّه فعله عبادة لله من غير مكث وتحصيل بالفعل سيّما للعوام، ولا على الأُمور الدقيقة التي فهمها المتأخّرون(رحمهم الله)(7). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). يعني بها قوله تعالى في سورة المائدة(5): 6:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ...). (2). اُنظر: وسائل الشيعة 1: 387، أبواب الوضوء، الباب 15. (3). الكافي 3: 21، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء و...، الحديث 2، وسائل الشيعة 1: 484، أبواب الوضوء، الباب 52، الحديث 1. (4). كرواية الفضل بن شاذان في عيون الأخبار 1: 111، الباب 34، ضمن الحديث 1، وسائل الشيعة 1: 367، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 9. (5). لم نعثر عليه في المقاصد العليّة، ولكنّه موجود في روض الجنان 1: 89. (6). وسائل الشيعة 1: 46، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5. (7). لاحظ: الألفيّة(رسائل الشهيد الأوّل): 168. ـ[156]ـ ....................................................................................... __________________________________________________________ وقد مرّ بعض الشواهد على ذلك في بحث النيّة(1)، وسيجيء أيضاً(2)، وهي كثيرة تجدها من مثل الزيارات، والمصافحة، والسلام، والجواب، والهديّة، والهبة، والوقف، والعتق عند البعض(3)، مع كونها مستحبّة وموجبة للثواب. وكذا مندوبات الصلاة، والوضوء، بل سائر أفعالها غير الأوّل، فإنّ الإنسان حال الفعل قد يكون غافلاً بالكليّة، مع أنّ كلّ جزء مثل القراءة والركوع والسجود فعل على حدة. والقول بأنّ نيّة الكلّ كافية، ـ بالحقيقة ـ التزام بعدم النيّة على الوجه الذي ذكروه، ولهذا اعتبر البعض الاستدامة الفعليّة(4)، فيلزم وجوبها واشتراطها إلاّ مع التعذّر. نعم، لا أستبعد إيجاب بعض هذه التفاصيل لمن تفكّر وتدبّر حين الفعل أنّ الوضوء قد يكون واجباً وقد يكون ندباً، فيخطر بباله أنّه أ يّهما يفعل، فلابدّ أن يميّزه، وكذا في الرفع وعدمه والأداء ونقيضه. لكن حينئذ يشكل ببعض الصفات الاُخر، مثل أنّه واجب كفائي أو عيني بدليل آية أو خبر أو غير ذلك، ولكن لا قائل بملاحظة ذلك، فالأولى السكوت عن ذلك كلّه ومراعاة الاحتياط في الجملة، والإخلاص في العبادة وترك الكسل والاشتغال بما لا يعني، وفّقنا الله وإيّاكم لما يحبّه ويرضاه بكرمه ولطفه. وبالجملة، هذا الذي فهمته. اللّهمّ لا تؤاخذني بما فهمته وإن كنتُ مقصّراً وكان باطلاً في الواقع، فإنّ جودك وكرمك يسعني ويجرّؤني، والحمد لله ربّ العالمين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1). مرّ في الصفحة 114. (2). سيجيء في الجزء الثاني، كتاب الصلاة، أفعال الصلاة، النيّة. (3). وهو السيّد المرتضى في الانتصار: 372، المسألة 215. (4). وهو الشهيد في القواعد والفوائد 1: 93.
|