|
المقدمة
المقدمة
ثمّة في القانون المدني (الإيراني) مادّة تتعلّق بإرث الزوج والزوجة، يوافقها رأي مشهور فقهاء الشيعة، جاء في هذه المادة: «عندما لا يكون هناك وارث آخر غير الزوج أو الزوجة، يأخذ الزوج تمام تركة زوجته المتوفاة، أما المرأة فتأخذ ـ في هذه الحال ـ نصيبها، فيما تظلّ بقية تركة الزوج محكومةً بحكم المال الذي لا وارث له»([1]). وبمجرّد ملاحظة هذه المادة القانونية يسارع إلى الذهن سؤال عن سبب هذا الاختلاف وعدم المساواة في الحكم؟ فإذا كنّا نمنح الزوج ـ عندما يكون هو الوارث الوحيد لزوجته ـ مازاد على سهمه من الإرث، فلماذا لا يُتخذ هذا الإجراء نفسه في حقّ الزوجة، فتأخذ بدورها تمام الإرث الذي بناه زوجها بمساعدتها ووقوفها إلى جانبه، بل يظلّ محكوماً بحكم المال الذي لا وارث له؟ لا نجد جواباً مقنعاً للإنسان الباحث عن العدالة يسكته ويهدّؤه، من هنا، يضطرّ الفقيه الذي يرى الإسلام قائماً على العدالة، والعدالة قائمةً عليه أن يتّجه ناحية مستند هذا الحكم، فهل مستنده حكم الشرع، والشريعة هي التي أرادت ذلك، وهناك مصالح دقيقة وعميقة رصدت له، أم أن منشأ هذا الحكم استنباط فريق من الفقهاء امتزج بحكم الشرع فأنتج هذا الحكم المذكور؟ وإذا ما كان مستند هذا الحكم مجرد اجتهاد فقهي فمن الضروري حينئذ تغييره وتبديله. من الواضح أنه لا يمكن للفقيه أو الحقوقي أن يطلق العنان لنفسه في السعي وراء العدالة، بل لا بدّ أن تكون مُثُلُه العليا متبلورةً داخل نظامه الفقهي أو الحقوقي، وأغلب القواعد المتصلة بالإرث صريحة في أنه لا توجد إمكانية لإجراء تعديلات فيها على أساس من المصالح، وليس هناك فقيه يكرّ ويفرّ في هذا الباب. أما ما بعثنا على أن لا نعرض عن البحث في هذا الموضوع فهو المدارك والمستندات التي اعتُمدت هنا، والتي نراها بحاجة إلى إعادة قراءة ودراسة فقهية معمّقة، رغم أنّ إعادة قراءة مثل هذه الأحكام يحتاج إلى أن نشير إلى بعض النقاط اللازمة: النقطة الأولى: لا شك في أنّ رأي الفقيه وفتواه إنما يكون حجةً عقليةً وشرعية على من اتّبعه على نحو اللزوم والوجوب. النقطة الثانية: لا ريب في ضرورة شكر وتقدير التراث العظيم الذي تركه لنا الفقهاء السابقون ـ قدس الله أسرارهم ـ كما وتقدير الجهود المضنية التي بذلوها في سبيل حفظ الدين والفقه وصيانتهما فـ «الفضل لمن سبق». النقطة الثالثة: لا بدّ من التمييز بين رأي الفقيه وبين الشريعة الواقعية، وهذه ضرورة لازمة، إذ بدونها لا يمكن القيام بأيّ تغيير في النظام الفقهي، وكذا الحقوقي، بمعنى أنه ما دام هذا التصوّر راسخاً في الأذهان، مهيمناً عليها، أي اعتقاد التطابق والتماهي بين الشريعة والسنّة من جهة وفتوى الفقيه من جهة ثانية، فسوف تظل الشريعة الحقيقيّة رهينةً ومنحصرة بفتوى الفقيه، فتكون أيّ مخالفة نظرية أو عملية له مخالفةً لأحكام الله تبارك وتعالى، ومن ثم ستكون أيّ محاولة مغايرة في هذا المجال تعدّياً على حريم لا يجوز التعدّي عنه، وهذا ما سيفقدنا أيّ قدرة على الإصلاح أو التغيير في الفقه الإسلامي، بل سيعني ذلك انسداد باب الاجتهاد أو موت البحث والتحقيق، والختم على الفقه بختم النهاية، وتعطيل الحوزات العلمية ـ صانها الله من الحدثان ـ والحال أنه لا بدّ لنا أن نقرّ بأنّ قسماً كبيراً من المصادر الشرعية قد اختلط بمرور الأيام بفتاوى الفقهاء السابقين حتى صارت إعادة قراءتها أمراً معضلاً ومشكلاً، وصارت الأحكام الناتجة عن الاستنباطات العقلية والأفكار الخاصّة بالفقهاء وقيمهم ومفاهيمهم لمدّة زمنية طويلة مزيجاً مع الشرع، مما جعل مخالفتها مخالفةً له، لا مخالفة لنظر ورأي وفتوى. النقطة الرابعة: إنّ الحركة داخل النظام الفقهي، ومراعاة المصادر والموازين الاجتهادية الصحيحة، مع الإقرار بالاجتهاد الحراكي الحيّ مع الزمان والعصر، من ضرورات العصر ومتطلّباته; ذلك أن المناخات الجديدة والتحوّلات الحديثة صارت بحاجة إلى اجتهاد يقبل بتأثير عنصري الزمان والمكان، وتأثيرهما يحتاج بدوره إلى معرفة بالاجتماع والمجتمع، والإقرار بتأثيرات الفتاوى اجتماعياً على حياة الناس، وهو ما يمكنه أن يقدّم إجابات عديدة جداً للمشكلات المستجدّة، وهي المشكلات التي يؤدي أخذها بعين الاعتبار إلى بث روح جديدة في الفقه، وفتح أفق جديد له، أما تجاهل ذلك كلّه فلن يجرّ سوى إلى التخلّف عن الحركة المتواصلة الدؤوبة للمجتمع كلّه. والحمد لله __________________________________________ ( [1] ) المادة: 949 ق. م.
|