|
جولة في النظريات واستعراض لمستنداتها
جولة في النظريات واستعراض لمستنداتها عندما ينحصر وارث الميّت بأحد شخصين: إما الزوج أو الإمام(عليه السلام)، فهناك أقوال عدّة للفقهاء هي: القول الأول: حرمان الإمام من الإرث، وردّ ما فضل أو زاد عن الفرض إلى أحد الزوجين، تحت عنوان «الردّ»، بلا فرق في ذلك بين زمان حضور الإمام المعصوم(عليه السلام) وغيبته. ومن جملة الشواهد على هذه النظرية الرواية الصحيحة الواردة عن أبي بصير، والتي جاء فيها: عن أبي عبدالله(عليه السلام)، قال: قلت له: رجلٌ مات وترك امرأته، قال: «المال لها» قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: «المال له»([2]). ومن القائلين بهذه النظرية الشيخ المفيد في كتاب «المقنعة»، حيث ذكر في هذا المجال: «إذا لم يُوجَد مع الأزواج قريبٌ ولا سببٌ للميت ردّ باقي التركة على الأزواج»([3]). القول الثاني: إنّ ما زاد على فرض الزوجين يرجع إلى الإمام(عليه السلام); بلا فرق في ذلك بين زمان الحضور والغيبة. ومستند هذه النظرية: الأصل، وظاهر الآية، ورواية جميل بن درّاج عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: «لا يكون الردّ على زوج ولا زوجة»([4]). ولا تنسب هذه النظرية إلى فقيه بعينه، إلاّ أنّ العلامة الحلّي في كتاب «قواعد الأحكام» ذكر كلمة: «قيل» لدى سرد هذه النظرية; ممّا يدلّ على أنه لا يلغي احتمال وجود قائل بها ولا يستبعده([5])، وفي كتاب الإيضاح جاء التعبير: «عن بعض أصحابنا: أنه يكون الباقي للإمام»، ممّا يؤيّد من جانبه وجود قائل به([6])، ومنشأ هذا الكلام جملة لسلاّر بن عبدالعزيز في كتاب «المراسم العلوية»([7])، مع أن صاحب مفتاح الكرامة ردّ احتمال وجود قائل مصرّح بهذا الرأي، وذلك لدى قوله: «لم أقف عليه مصرّحاً به لأحد من الأصحاب»([8]). القول الثالث: إذا كان شريك الإمام(عليه السلام) هو الزوج فتعطى إليه التركة بتمامها، بلا فرق في ذلك بين زمان الحضور والغيبة، أما إذا كانت الزوجة فإن الزائد عن فرضها يكون للإمام(عليه السلام) بلا فرق في ذلك ـ أيضاً ـ بين حضور الإمام(عليه السلام) وغيبته. والمستند لهذه النظرية ـ إضافةً إلى الإجماع المحكيّ عن السرائر، والانتصار، والتنقيح([9]) ـ مجموعة من الروايات، ينقل أكثرها أبو بصير([10]). وهذه هي النظرية المشهورة بين الفقهاء. القول الرابع: إن الزوجة ترث تمام ما زاد على فرضها في هذه الحال، في زمان الغيبة، أمّا في عصر الحضور فلا ترث ذلك، على خلاف الحال مع الزوج، فهو يرث مطلقاً تمام المال. ومستند هذه النظرية الجمع بين الأخبار التي دلّ بعضها على حرمان الزوجة من إرث باقي التركة، فيما دلّ بعضها الآخر على إرثها ذلك. ومن جملة أنصار هذه النظرية: الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه([11])، والعلامة الحلي في تحرير الأحكام الشرعية([12])، وإرشاد الأذهان([13])، والشهيد الأول في اللمعة([14])، وكذا ما حكي عن المحقق الثاني، أنه قوّى هذا الرأي في حاشية النافع([15]). ويمكن القول ـ بناءً على ما تقدم ـ: أنّ هناك ثلاثة اتجاهات ترتبط بموضوع إرث الزوجة مازاد على فرضها، وهو الموضوع الرئيس للبحث هنا، وهذه الاتجاهات هي: 1 ـ الإنكار. 2 ـ القبول. 3 ـ القبول أو الرفض المحدودين. الاتجاه الأوّل (الإنكار): أي عدم قبول إرث الزوجة لما زاد عن فرضها، بل نعطي ذلك للإمام وبيت المال. الاتجاه الثاني (القبول): أي القبول بإرثها، كالرجل الذي لا وارث للزوجة غيره، فتأخذ ما زاد على الفرض، فلا اختلاف هنا بين الرجل والمرأة. الاتجاه الثالث (الإنكار والقبول المحدودان): بمعنى أننا لا نقبل إرثها لباقي التركة بالمطلق، كما لا نرفضه بالمطلق، وإنما نقول بإرثها في عصر الغيبة كالرجل، فتملك التركة بتمامها، أما في عصر الحضور فلا تملك إلاّ فرضها، ويكون الزائد للإمام(عليه السلام). __________________________________________ ( [2] ) التهذيب 9: 295، ح1056; الاستبصار 4: 15، ح568. ( [3] ) المقنعة: 691. ( [4] ) وسائل الشيعة 26: 199، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 3، ح8. ( [5] ) قواعد الأحكام 3: 357. ( [6] ) إيضاح الفوائد 4: 237. ( [7] ) المراسم العلوية: 222. ( [8] ) مفتاح الكرامة 8: 180. ( [9] ) المصدر نفسه: 181. ( [10] ) وسائل الشيعة: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 3، 4. ( [11] ) من لا يحضره الفقيه 4: 192. ( [12] ) تحرير الأحكام 5: 39. ( [13] ) إرشاد الأذهان 2: 125. ( [14] ) اللمعة الدمشقية: 225. ( [15] ) مفتاح الكرامة 8: 182.
|