|
الوصيّة التبرّعيّة من الثلث
أمّا الوصيّة التبرّعيّة، فلا إشكال في أنّها من الثلث، بل لا خلاف فيه إلّا ما يحكى[1] عن عليّ بن بابويه، ونقل عليه الإجماع مستفيضآ أومتواترآ ـ كما قيل[2] ـ ، بل يمكن تحصيله أيضآ بضميمة الإجماعات المنقولة[3] والتتبّع في الفتاوى في المسألة مع انحصار المخالف فيمن عرفت مع أنّ مخالفته غير محقّقة، فإنّ عبارته المحكيّة[4] عنه غير صريحة، قال: فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصيّة، وإن أوصى بماله كلّه فهو أعلم بما فعله، ويلزم الوصيّ إنفاذ وصيّته على ما أوصى[5] . فإنّه يمكن أن يكون المراد من قوله :«وإن أوصى بماله كلّه فهو أعلم» أنّه يردّ وصيّته إليه ولايقبل منه، سيّما بعد قوله :«فهو الغاية في الوصيّة» مشيرآ به إلى الثلث. وحينئذٍ يكون قوله: «ويلزم الوصيّ إنفاذ وصيّته» مستأنفآ، ويمكن حمله على الوصيّة بالواجب الماليّ، حيث إنّه يخرج عن الأصل بلا خلاف. والأولى في توجيه كلامه أن يقال: إنّ مراده صورة الجهل بكون الوصيّة تبرّعيّةً، أو لكون ذمّته مشغولةً، وحينئذٍ يحمل على الصحيح وينفذ في تمام المال؛ لإطلاقات أدلّة وجوب العمل بالوصيّة[6] ، وأنّ (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى آلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)[7] . فلايكون مراده أنّ الوصيّة المعلوم كونها تبرعيّةً أيضآ تنفذ في تمام المال، ويؤيّد هذا قوله :«فهو أعلم بما فعله». ونحن وإن لم نوافقه في ذلک ونقول بجواز الردّ إلى الثلث ما لم يعلم أنّ ذلک بسبب من الأسباب الموجبة للاخراج من الأصل ـ كما سيأتي الإشارة إليه[8] ـ إلّا أنّه كافٍ في التوجيه وخروج المسألة عن كونها خلافيّةً. وفي الرياض : إنّ هذا التوجيه وإن لم يكن ظاهرآ من عبارته فلا أقلّ من مساواة احتماله؛ لما فهموه منها، فنسبتهم الخلاف إليه ليس في محلّه، وعليه نبّه في التذكرة[9] ، فلا خلاف حينئذٍ لأحد في المسألة[10] . هذا، وممّا يؤيّد عدم إرادته من العبارة المذكورة ـ ما نسب إليه[11] ـ عدم نقل ولده عنه ذلک، وتصريحه بعدم جواز الوصيّة بالزائد عن الثلث من غير إشارة إلى خلاف والده، بل عنه في المقنع : إنّه روي عن الصادق7 أنّه سئل عن رجل أوصى بماله في سبيل الله عزّوجلّ فقال: اجعله إلى من أوصى له به وإن كان يهوديّآ أو نصرانيّآ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول :(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ على الذينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[12] ثمّ قال عقيب ذلک :«ماله هو الثلث»[13] ؛ لأنّه لا مال للميّت أكثر من الثلث. وكيف كان، فخلافه غير ثابت، وعلى فرضه غير قادح في دعوى الإجماع الذي مداره على الكشف عن رأي الإمام7، وهو حاصل مع مخالفته في مثل هذه المسألة. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ حكاه عنه العلّا مة في المختلف :6 350، المسألة .125 [2] ـ نقله في الجواهر :28 .281 [3] ـ كما عن الخلاف :4 167، المسألة 52، والغنية :1 306، والمسالک :6 .147 [4] ـ حكاه عنه العلّا مة في المختلف :6 350، المسألة .125 [5] ـ فقه الرضا : .298 [6] ـ وسائل الشيعة :19 337، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب .32 [7] ـ البقرة :2 .181 [8] . سيأتي الإشارة إليه في الصفحة 72 ـ .73 [9] ـ التذكرة :2 481، السطر .15 [10] ـ الرياض :10 .352 [11] ـ نقله العلّا مة في المختلف :6 351، ذيل المسألة .125 [12] ـ المقنع: 481. وعنه في وسائل الشيعة :19 337 / 24722، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 32، الحديث .1 [13] ـ هذه العبارة ليست في المقنع، بل في الفقيه :4 148 / 514، باب وجوب إنفاذ الوصيّة، ذيل الحديث .1
|