|
القول المختار
والأقوى من هذه الوجوه هو الوسط، فيكون من الأصل مطلقآ، بناءً على المختار في المنجّزات؛ وذلک لعمومات أدلّة النذر[1] ، ولا مخصّص لها إلّا ما قد يتخيّل من أحد وجهين: أحدهما: أن يقال إنّه داخل في عنوان الوصيّة أو التدبير فيلحقه حكمهما من الخروج من الثلث. وفيه: أنّه داخل تحت عنوان النذر لاتحتهما. ومجرّد كونه مقتضيآ اقتضاءهما ومفيدآ ثمرتهما لايوجب دخولهما فيهما. الثاني: أن يقال إنّه يشمله عموم ما دلّ على «أن لا مال للميّت إلّا الثلث»؛ إذ المراد منه إمّا أن يكون أنّ كلّ تصرّف منه يكون أثره بعد الموت ولو اتّفاقآ فهو من الثلث، كما لو علّق على أمر آخر غير الموت واتّفق حصول المعلّق عليه بعده، أو يكون خصوص ما إذا كان تصرّفه متعلّقآ بما بعد موته، كما في الوصيّة والتدبير، فعلى التقديرين يشمل المقام والفرض أنّه بناءً على الثاني الذي هو القدر المتيقّن منه أيضآ يشمل المقام، فلابدّ أن يكون من الثلث. وفيه: أنّه منصرف إلى خصوص الوصيّة والتدبير لا كلّ تصرّف فيما بعد الموت لا أقلّ من الشکّ في الشمول، فيؤخذ بعمومات النذر. وممّا ذكرنا ظهر وجه القول بالخروج من الثلث مطلقآ والجواب عنه. وأمّا وجه القول الأوّل فهو ما ذكره من أنّه بمنزلة الدين لمكان وجوبه. وفيه: أنّ الدين الخارج من الأصل، وهو ما كان دينآ قبل التصرّف لا ما يحصل بنفس التصرّف، وإلّا لزم دخول جملة من المنجّزات في الدين، فما ذكره اشتباه محض، ولعلّه لذا ذكر ذلک البعض بعد ما ألحقه بالدين أنّ الإنصاف عدم خلوّه من الإشكال. ثمّ إنّ هذا كلّه إذا كان النذر بصيغة «لله عليّ عتق عبدي أوصدقة مالي بعد وفاتي» بأن يكون من نذر النتيجة والغاية. وأمّا إذا كان من نذر السبب، بأن يقول: «لله عليّ أن أدبّر عبدي أوأجعل مالي صدقة بعد موتي» فهل يخرج من الأصل أو الثلث؟ مقتضى القاعدة خروجه من الثلث كما أشرنا إليه سابقآ[2] ؛ إذ هو داخل تحت التدبير أو الوصيّة، والنذر قد تعلّق بإنشائهما وبعد حصوله، فيلحقه حكمهما. ومجرّد وجوب هذا الإنشاء لايجعله ملحقآ بالواجبات، كما لايخفى. ولا فرق بين كون النذر في حال الصحّة أو المرض، وكذا بين كون الوفاء به بالإنشاء في حال الصحّة أو المرض، لكن يظهر من بعضهم خروجه من الأصل. فعن التحرير : أمّا التدبير الواجب بالنذر وشبهه فلا يجوز فيه الرجوع ويخرج من صلب المال.[3] وعن الدروس[4] ما عرفت من عبارته المتقدّمة ونسبته إلى الأصحاب. والمسألة مبنيّة على أنّه هل يجوز الرجوع في التدبير أو الوصيّة المنذورة أو لا؟ فإن قلنا بجواز الرجوع، كما يظهر من المحكيّ عن المسالک[5] ـ وقد عرفت نقله[6] عن ابن نما[7] ـ فيكون من الثلث؛ لأنّه حينئذ كالوصيّة والتدبير من غير نذر. وإن قلنا بعدم جواز الرجوع ـ كما اختاره الشهيد[8] ونسبه إلى ظاهر الأصحاب في عبارته المتقدّمة[9] ـ فيكون حاله حال نذر النتيجة من الخروج عن الأصل إن كان في حال الصحّة، ومجيء الخلاف في المنجّزات إن كان في حال المرض وخروجه من الأصل مطلقآ على قول ذلک البعض. وإن كان في حال المرض وقلنا إنّ المنجّزات من الثلث؛ لإلحاقه بالدين، ومقتضى القاعدة جواز الرجوع؛ لأنّ متعلّق النذر لم يكن إلّا إنشاء التدبير أو الوصيّة، وقد وقع فحصل الوفاء، فلا يجب الالتزام به، بل يجري عليه أحكامهما، نظير ما لو اشترط التوكيل في ضمن عقد لازم أونذره، فإنّه يجوز له العزل بعد ذلک. نعم، لو كان من قصده التدبير الذي لا رجوع فيه اتّبع؛ لأنّه المنذور حينئذ، بمعنى أنّه يرجع إلى نذر عدم الرجوع فلا يجوز الرجوع ويخرج من الأصل. هذا، ولكنّ الإنصاف أنّه لو قلنا بعدم جواز الرجوع أيضآ لايخرج من الأصل؛ لأنّ غاية الأمر أنّه تدبير لايجوز الرجوع فيه أو وصيّة كذلک، وبمجرّد ذلک لايخرج عن حكمهما من الخروج من الثلث، فهو نظير ما إذا أوصى لزيد بمال ثمّ نذر أن لايرجع في هذه الوصيّة، فإنّه لاينبغي التأمّل في عدم خروجه من الأصل، فتدبّر . هذا، ولو نذر معلّقآ على أمر فمات قبل حصول المعلّق عليه فإن كان من نذر السبب فقد عرفت سابقآ[10] أنّه لايتعلّق بماله شيء؛ لعدم الاستقرار في ذمّته وهو واضح. وأمّا لو نذر النتيجة فمات قبل حصول المعلّق عليه، كأن قال: «لله عليّ عتق عبدي لو شفى الله مريضي» فهل يبطل بالموت أو ينعتق بعد حصول الشفاء وإن مات قبله؟ وجهان مبنيّان على أنّه هل يخرج العبد عن ملكه بمجرّد هذا النذر ـ كما هو ظاهر بعضهم[11] في نذر الأضحيّة ـ أو يتعلّق به حقّ العبد أو الفقراء فيما إذا نذر مالا لهم أو لايخرج عن ملكه ولا يتعلّق به حقّ؟ فعلى الأوّلين ينعتق بالموت؛ لعدم تعلّق الإرث به، وعلى الثالث يبطل؛ لأنّه إذا مات دخل المال في ملک الورثة بمقتضى الإرث، فلايبقى الموضوع حتّى يحصل الانعتاق، كما أنّه على الأوّلين لايجوز له التصرّف في المنذور قبل حصول المعلّق عليه، وعلى الثالث يجوز له ولو بما يوجب انتفاء الموضوع. هذا، ويمكن القول بعدم تعلّق الحقّ وأنّه لابدّ مع ذلک من إبقاء المال إلى أنينكشف الحال، فلا يجوز له التصرّف قبل الموت بما يوجب انتفاء الموضوع، وعلى الورثة الصبر؛ وذلک لأنّه إنشاء النذر والالتزام بكون العبد حرّآ أوالمال للفقراء، ومجرّد كون الأثر تعبّديّآ لايقتضي جواز الرجوع ولا الانتقال إلى الوارث، فهو نظير بيع ماله مع كون المشتري فضوليّآ، فإنّه قبل إجازة المالک لايجوز للبائع الرجوع؛ لأنّه أصيل، فتأمّل؛ فإنّه يمكن منع اللزوم في البيع وما نحن فيه ليس من قبيله، بل من قبيل ما إذا كانت المعاملة تامّةً وكان الأثر متأخّرآ، جعلا أو شرعآ. نعم، يمكن أن يجعل من قبيل المقام بيع الصرف والسلم بالنسبة إلى القبض؛ فإنّ القبض شرط في التأثير، ومع ذلک لايجوز الفسخ قبله عند بعضهم مع أنّ القبض من فعل المتعاقدين ويكون بيدهما وما نحن فيه أولى منه بذلک من حيث إنّ حصول المعلّق عليه ليس بيد الناذر، فالأقوى اللزوم وعدم دخوله في ملک الورثة ووجوب الصبر إلى انكشاف الحال. ومن ذلک يظهر أنّ مقتضى القاعدة لزوم الوصيّة بالنسبة إلى الموصي وعدم جواز رجوعه فيما أوصى وأنّ جواز الرجوع إنّما هو لدليل خاصّ، لا لأنّ المال بعد باقٍ في ملكه ولم يخرج عنه. وبالجملة، فمقتضى القاعدة وجوب الالتزام بما ألزم على نفسه، ووجوب الوفاء به بالنسبة إلى نفسه وغيره وإن كان الأثر متأخّرآ عن زمان الإنشاء شرعآ أو جعلا ولو لم يخرج المال عن ملكه، بل يمكن أن يقال: إنّه يتعلّق به الإرث على نحو كونه ملكآ للمورّث، بمعنى أنّه لاينافيه الخروج عن ملكه بعد حصول المعلّق عليه. هذا كلّه إذا كان متعلّق النذر عينآ خاصّآ، وكذا الحال إذا كان شائعآ في تمام المال، بأن يكون كلّيّآ في المعّين، كما إذا قال: «لله عليّ أن يكون مائة دينار من مالي للفقراء أن شفى الله مريضي». نعم، لو قال: «لله عليّ أن يكون لزيد في ذمتي مائة دينار لو شفى الله مريضي» فهو نظير نذر المسبّب في أنّه لايجب الإخراج من ماله لو مات قبل الشفاء؛ لأنّه لايبقى له ذمّة بعد الموت. ويمكن بعيدآ أن يقال بوجوب الإخراج وأنّ القدر المسلّم أنّه لايعقل التكليف بعد الموت. وأمّا الحكم الوضعيّ، بمعنى ثبوت المال في الذمّة فهو معقول، فهو نظير ما لو ألقى حجرآ ثمّ مات قبل وصوله إلى كوز الغير وكان كسر الكوز بعد موته، فإنّه يحكم بضمانه ويؤخذ العوض من ماله قطعآ، فإذا كان المفروض كون نذره من نذر الغاية والنتيجة، لا السبب فيتعلّق نفس المال بذمّته ويجب إخراجه من ماله، فتدبّر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ وسائل الشيعة :23 239، كتاب النذر والعهد، الباب .1 [2] . سبق الإشارة إليه في الصفحة 76 و .77 [3] ـ التحرير :4 .221 [4] ـ الدروس :2 .232 [5] ـ حكاه عنه صاحب الجواهر :34 220، والشهيد في المسالک :10 .388 [6] ـ عرفته في الصفحة: 81 . [7] ـ نقله عنه الشهيد في الدروس :2 .232 [8] ـ الدروس :2 .232 [9] ـ تقدّمت عبارته في الصفحة 81 . [10] . عرفته في الصفحة 41 ـ .43 [11] ـ كالشيخ في الخلاف :6 55، المسألة 16، والعلّا مة في المنتهى :11 272 و.312
|