|
ممنوعيّة المريض عن التصرّف في الزائد لايستلزم ثبوت حقٍّ
ثانيهما: أنّ الممنوعيّة عن التصرّف في الزائد لايستلزم ثبوت حقّ للوارث في عين مال المريض، بحيث يكون تصرّفه فيه تصرّفآ في متعلّق حقّ الغير، بل هو أعمّ من ذلک ومن أن يكون تعبّدآ شرعيّآ، وإن كان الحكمة في جعل الحكم كذلک مراعاة جانب الوارث والتوفير عليه، فالمال باقٍ على الطلقيّة للمورّث ما دام فيه الروح، كما في الوصيّة؛ حيث إنّ ممنوعيّته من التصرّف على الزائد عن الثلث لايدلّ على ثبوت حقّ للوارث في المال مادام حيّآ، وجواز الإجازة حال الحياة على القول به لايستلزم ثبوت الحقّ. وعلى هذا، فلو أسقط الوارث حقّه عن المال لايؤثّر شيئآ؛ لعدم الحقّ له، فله بعد ذلک الردّ بخلاف ما لو قلنا بثبوت الحقّ له، فإنّ إسقاطه يوجب النفوذ. وممّا ذكرنا من عدم ثبوت الحقّ وأنّ المنع تعبّد شرعيّ يظهر أنّ ثبوت المنع في المنجّزات لايستلزم المنع عن الإقرار فيما زاد على الثلث وبالعكس إذا لم نجعل الإقرار من المنجّزات؛ إذ التعبّد إذا ثبت في واحد من المقامين لاينفع في المقام الآخر، بخلاف ما إذا كان كاشفآ عن ثبوت الحقّ، فإنّ اللازم عليه الاطّراد، كما لايخفى. ويكشف عمّا ذكرنا أنّ الإجماع منعقد على الممنوعيّة في الوصيّة مع الخلاف في المقام ومسألة الإقرار. ولو كان المنع كاشفآ عن ثبوت الحقّ لم يكن لذلک وجه إلّا أن يقال: إنّا إذا جعلنا ذلک من باب ثبوت الحقّ للوارث فلا ندّعي الحقّ المطلق من جميع الجهات، بل نقتصر على مقدار ما ثبت من الدليل. وعلى هذا، فلا يظهر الثمر من جعله من باب الحقّ أو الحكم إلّا في السقوط بالإسقاط وعدمه. ولعلّه إلى هذا ينظر صاحب الجواهر1، حيث إنّ بعد أن أيّد القول بالثلث بالنصوص الواردة في الإقرار المتضمّنة لنفوذه من الثلث مع التهمة وبدونها من الأصل قال: ولولا تعلّق حقّ الوارث في الجملة بحيث لايمضى الإقرار عليه لم يكن وجه للنفوذ من الثلث ولا ينافيه النفوذ من الأصل مع عدم التهمة؛ إذ لعلّه تعلّق لايمتنع من الإقرار مع عدم التهمة؛ فإنّ تعلّق الحقوق بالنسبة إلى ذلک مختلف؛ إذ قد عرفت عدم منع تعلّق حقّ الغرماء من الإقرار بالدين السابق في المفلّس عند المصنّف وغيره. وعلى كلّ حال فلا ينكر ظهور هذه النصوص، يعني نصوص الإقرار في تعلّق حقّ الورثة في الجملة بالتركة حال المرض، وهو لايتمّ إلّا بناءً على ما ذكره.[1] انتهى. والإنصاف عدم كون المنع في المقام من الحقّ في العين، بل هو تعبّد شرعيّ. نعم، لانضايق عن ثبوت حقّ الإجازة والردّ للوارث بالنسبة إلى تصرّف المريض، وأمّا ثبوت الحقّ له في ماله حال حياته فلا. ويمكن دعوى ثبوت الحقّ في العين بعد الموت، فله الردّ لينتقل إليه والإجازة ليبقى على ملكيّة من ملّكه الميّت وكونه حقّآ في الجملة، وبالنسبة إلى بعض المقامات دون بعض بعيد، فالتفكيک بين المقامات دليل على التعبّديّة وعدم كونه من باب الحقّ؛ لما عرفت من أنّ لازمه الاطّراد. وما ذكره صاحب الجواهر[2] من عدم منع الغرماء من الإقرار بالدين السابق ممنوع. ولذا قوّى جماعة[3] عدم سماع ذلک الإقرار في حقّهم. ولازم من حكم بسماعه منع تعلّق حقّهم بالمال وجعله من باب التعبّد على حسبما ذكرنا في المقام، فتأمّل وراجع. هذا، ولصاحب الجواهر كلام آخر ينافي ما نقلنا منه في الجملة. قال في آخر مسألة الإقرار في حال المرض : الذي تقتضيه الضوابط كونه من الأصل مطلقآ، لكنّ النصوص أخرجت عنها صورة التهمة، لا أنّ مقتضاها الخروج من الثلث باعتبار تعلّق حقّ الورثة. وخرجنا عنها في صورة المأمونيّة بالنصوص؛ إذ الظاهر من النصّ والفتوى عدم تعلّق حقّ للوارث في العين حال الحياة. انتهى[4] . بقي شيء، وهو أنّه ـ بناءً على القول بالخروج من الثلث ـ هل للمريض أن يتصرّف على وجه لايطّلع عليه الوارث، كأن يعطي مقدارآ من ماله لشخص على وجه التبرّع؟ بمعنى أنّه: هل يأثم لو فعل ذلک أو لا ؟ الظاهر عدم الإثم؛ بناءً على ما ذكرنا من عدم تعلّق حقّ الوارث بالمال حال الحياة، فلو وهب جميع ماله، بحيث لايطّلع عليه أحد لا إثم عليه؛ إذ الخروج من الثلث وإن كان من الأحكام الوضعيّة، ولا دخل للعلم والجهل فيها إلّا أنّه ليس متعلّقآ لتكليفه، بل له التصرّف في ماله كيف شاء. وإن كان لو اطّلع عليه الوارث له الردّ فيما زاد على الثلث، فهذا من ثمرات ثبوت الحقّ وعدمه، فتدبّر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ الجواهر :26 .78 [2] ـ ذكره في الجواهر287:25، ولكن قوّى عدمالنفوذ، والقائل بعدم منعالغرماء: المحقّق فيالشرائع.106:2 [3] ـ منهم العلّا مة في المختلف :5 468، مسألة 126، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد :5 234، والشهيد في المسالک :4 .92 [4] ـ الجواهر :26 .83
|