|
قلت
ويمكن دعوى السيرة أيضآ على عدم الحجر عن مثلها، مع أنّ الأخبار منصرفة عنها ولا أقلّ من الشکّ، ومقتضى الأصل خروجها عن الأصل، وكذا الكلام في الاستيجار لقراءة القرآن والزيارات المندوبة والحجّ المندوب ونحوها؛ فإنّ المال فيها لم يبذل تبرّعآ، بل بإزاء الأعمال. وهكذا الكلام في التزويج؛ فإنّ البضع عوض عن المهر، وكذا المكاتبة فإنّها معاوضة وإن كان العبد وما يكسبه من مال المولى إلى غير ذلک من أقسام المعاوضات؛ إذ لا أقلّ من الشکّ فيها والأصل يقتضي الخروج عن الأصل. وخرج بالتقييد بعدم كونه لازمآ عليه الواجبات الماليّة، فإنّها خارجة عن الأصل بلا إشكال، كالخمس والزكاة والكفّارة والعتق المنذور والصدقة المنذورة ونحوها إذا كان النذر في حال الصحّة وإن حصل المعلّق عليه في حال المرض وأوقع صيغة العتق أوالصدقة حينه. وأمّا إذا كان النذر في حال المرض فمقتضى القاعدة جريان الخلاف فيه على ما صرّح به بعضهم؛ لأنّ المعاملة المنذورة وإن كانت واجبة، إلّا أنّ نفس النذر من التصرّفات المنجّزة فيجري الخلاف فيه. ويظهر من بعضهم[1] القول بخروجه من الأصل؛ نظرآ إلى كونه بمنزلة الدين بعد وجود أدلّة الوفاء بالنذر. وفيه: أنّ الكلام إنّما هو في مقدار ثبوت الدين؛ إذ القائل بالخروج من الثلث يقول: لايثبت وجوب الوفاء إلّا بمقدار وفاء الثلث، فلم يثبت الدين أزيد من هذا المقدار وإلّا لزم في كونه بمنزلة الدين أن يكون السبب سابقآ على التصرّف في حال المرض وإلّا فيمكن أنيقال بمثله في جميع المنجّزات؛ إذ بعد إيقاع صيغة الوقف أو الهبة أو نحو ذلک يجب الوفاء بها فتصير بمنزلة الدين. ولعلّ نظر القائل إلى أنّ المعاملة المنذورة تكون واجبة عليه، بخلاف ما ذكرنا في النقص من مثل الوقف ونحوه. وفيه: أنّه وإن كان كذلک إلّا أنّا نتكلّم في نفس إيقاع صيغة النذر حسبما عرفت ونحكم بوجوب خروجه من الثلث؛ لأنّ المفروض إيقاعها في حال المرض فتكون من منجّزات المريض وليس هذا واجبآ عليه. هذا، ولو أوجد في حال المرض سبب وجوب منجّز من هبة أوصدقة عليه، ممّا لايعدّ تصرّفآ ماليّآ فالظاهر خروجه من الأصل، وذلک كما إذا نذر الهبة على تقدير دخول الدار مثلا أو على تقدير ضرب زيد فدخل أو ضرب اختيارآ في حال المرض فإنّه يجب عليه الهبة ويخرج من الأصل، فليس حال إيجاد ذلک السبب حال النذر في حال المرض؛ وذلک لأنّ نفس النذر يعدّ تصرّفآ ماليّآ بخلاف إيجاد ذلک السبب، فإنّه ليس من منجّزات المريض في شيء، والهبة وإن كانت منها، إلّا أنّها واجبة عليه. ثمّ إنّه لا فرق في خروج التصرّف الواجب من الأصل بين أن يكون واجبآ عينيّآ أو تخييريّآ، فلو كانت عليه كفّارة مخيّرةً بين الإطعام والصيام والعتق فاختار العتق فهو خارج من الأصل، وكذا لو نذر في حال الصحّة فعل عبادة فعيّنها في حال المرض بالوقف أو العتق. هذا، ودخل بالقيد الأخير النذر أو العهد أو اليمين أو الشرط المتعلّقات بالمال أو الحقّ في حال المرض، فلو نذر الوقف أو الهبة أو العتق فهو محلّ للخلاف حسبما أشرنا إليه. نعم، لو كان النذر واجبآ عليه بالنذر السابق على المرض خرج من الأصل. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ كالسيّد في الانتصار: .173
|