|
المراد من المرض
الثالث: لا إشكال في أنّ المراد من المرض الذي يكون التصرّف فيه محلاّ للخلاف هو الذي يكون متّصلا بالموت، فلو تصرّف في حال المرض ثمّ برأ من مرضه ذلک ومات في مرض آخر يخرج من الأصل إجماعآ، ولكن هل المدار على مطلق المرض أو المخوف منه؟ وهل يشمل المرض الذي يبقى سنة أو سنتين أو أزيد؟ وهل يعتبر فيه أن يكون الموت بسببه أو لا، بل يكفي ولو مات فيه بسبب آخر من قتل أو أكل سبع أو لدغ حيّة أو نحو ذلک؟ و ـ على الأوّل ـ هل يعتبر العلم باستناد الموت إلى المرض أو يكفي الاحتمال؟ وأيضآ هل يعتبر أن يكون الموت في خصوص ذلک المرض أو يكفي موته في مرض آخر متّصل بذلک المرض؟ والحاصل: ما العيار والمدار في المرض؟ وهل يلحق به حصول أمارات الموت من غير مرض، كأن يكون في المرماة في الحرب أو تزاحم الأمواج في البحر أو حال الطلق للمرأة أو لا ؟ وكذا لو تصرّف في حال صيرورته مجروحآ إذا مات بذلک الجرح هل هو مرض أو يلحق به أو لا نقول؟ حكي[1] عن الشيخ[2] وتابعيه: أنّ المدار على المرض المخوف. وعن جامع المقاصد[3] متابعته، وذكروا أنّ الأمراض على أقسام: منها: ما يكون الغالب فيها الموت، كالسلّ وحمّى الدقّ وقذف الدم والأورام السوداويّة والدمويّة والإسهال المنتن والدنيّ يمازجه دهنيّة أو براز أسود يغلى على الأرض وما شاكلها ممّا يرجع فيه إلى أهل الخبرة والتجربة من الأطبّاء. ومنها: ما يكون الغالب فيها السلامة، كحمّى يوم والصداع والرمد ونحوها. ومنها: ما يحتمل الأمرين، كحمّى العفن والأورام البلغميّة ونحوها. فالأوّل مخوف ويكون التصرّف فيه محلاّ للخلاف بخلاف الأخيرين. ثمّ إنّهم أطنبوا في أنّه هل يعتبر ـ في تشخيص ذلک وأنّه مخوف أولا ـ شهادة عدلين من أهل الخبرة أويكفي عدل واحد؟ وهل يكفي إخبار الفاسق من أهل الخبرة أولا؟ وهل يكفي شهادة النساء إذا كان المريض امرأة أو لا ؟ وهل يكفي شاهد واحد ويمين أو لا ؟ وأطنبوا فيالبحث عنالأمراض وأنّ أيّها مخوف وأيّها غير مخوف إلى غير ذلک. وذهب المحقّق في الشرائع[4] إلى أنّ المدار على كلّ مرض يتّفق به الموت؛ سواء كان مخوفآ أو لا، وذكر العلّا مة في القواعد[5] أنّ المدار على المرض الذي اتّفق معه الموت؛ سواء كان مخوفاً أو لا . وهذا أعمّ ممّا ذكره المحقّق من حيث شموله ما حصل الموت بسببه وغيره حتّى لو قتله قاتل في حال المرض أو أكله سبع أو نحو ذلک وإن كان يمكن أن يكون مراده خصوص الأوّل فيرجع إلى ما ذكره المحقّق. وفي الجواهر[6] : أنّ المدار على أحد أمرين: المرض الذي يموت به؛ سواء كان مخوفآ أو لا ، وحضور الموت وإن لم يكن بمرض سابق، بل كان التصرّف في حال النزع وتشاغله بخروج روحه. قلت: أمّا ما ذكره الشيخ ومن تبعه فلا دليل عليه؛ إذ ليس في الأخبار إشارة إلى اعتبار كونه مخوفآ، بل الموجود فيها لفظ المريض[7] وغير الصحيح[8] وحضرته الوفاة[9] وعند موته[10] وعند وفاته[11] فلا وجه للاطالة في البحث عن الأمراض وأنّ أيّها إلّا أن يقال باستفادة ذلک من قوله 7 :«عند موته»؛ إذ المراد ظهور أماراته، وهو لايكون إلّا في الأمراض المخوفة. أويقال بعدم صدق المرض عرفآ على غير المخوف. أو يقال: إنّ الأصل هو الخروج من الأصل، والقدر المتيقّن ممّا يخرج من الثلث ما كان في المرض المخوف. وفي الأوّل منع؛ إذ يصدق التصرّف عند الموت مع عدم كون المرض مخوفآ إذا كان التصرّف مقارنآ للموت. وفي الثاني ما لايخفى؛ إذ لا شکّ في صدق المرض على غير المخوف أيضآ. وفي الثالث: أنّ الاقتصار على المتيقّن إنّما هو فيما إذا لم يكن هناک إطلاق وهو موجود، كقوله 7 :«المريض محجور عليه إلّا في ثلث ماله»[12] ، وغير ذلک. ومن ذلک يظهر جواب آخر عن الأوّل فإنّا لو سلّمنا ظهور قوله 7: «عند موته» فيما إذا ظهر أمارات الموت إلّا أنّ الأخبار الأخر المطلقة كافية؛ إذ لاتنافي بينها وبينه حتّى يحمل المطلق على المقيّد. وبالجملة، لا دليل على اعتبار المخوفيّة في المرض. وأمّا ما ذكره المحقّق والعلّا مة ففيه: أنّه يكفي مجرّد المرض الذي يتّفق معه أو بسببه الموت؛ إذ الأخبار لاتنصرف إلى مطلق المريض ولو كان مثل الرمد ونحوه، مع أنّه قد يطول المرض سنين عديدة، ويتّفق في آخره الموت ومثله يشكل الحكم بكونه محلاّ للبحث، سيّما إذا لم يكن شديدآ، بحيث يتمكّن المريض معه من الدخول والخروج والعمل بإطلاق قوله 7 :«المريض محجور عليه إلّا في ثلثه» مشكل، خصوصآ مع أنّه مرسل، والظاهر أنّه مضمون الأخبار وإنّما نقل بالمعنى. وأمّا القول الأخير فيرد على شقّه الأوّل ما ورد على المحقّق والعلّا مة. وعلى شقّه الأخير: أنّ الظاهر قيام الإجماع على اعتبار المرض وأنّ تصرّفات الصحيح خارجة عن الأصل وإن كانت قريبة من الموت. نعم حكي[13] عن ابن الجنيد إلحاق وقت المرماة في الحرب والطلق وتزاحم الأمواج بالمرض، وكذا ما إذا قدّم لاستيفاء القود أو ليقتل رجمآ في الزنا أوقطع الطريق أو كان أسيرآ في يد عدوّ من عادته قتل الأسير، ونحو ذلک ممّا كان في حالة كان الغالب فيها التلف. والتحقيق أن يقال: المدار على مجموع الأمرين من المرض وصدق حضور الموت، فمثل الأمراض المزمنة التي تطول سنين عديدة لايكون محـلّا ً للبحث إلّا إذا كان التصرّف في آخرها، وكذا مثل وجع السنّ ونحوه؛ إذ لايصدق معه المرض وحضور الموت وإن كان الموت بسببه ولا يضرّ انقلاب المرض إلى مرض آخر إذا صدق معه حضور الموت، وأمّا مثل المرماة ونحوها، فإن لم يكن إجماع على عدم إلحاقه كان الأقوى الإلحاق؛ لشمول الأخبار، إلّا أنّک قد عرفت أنّ الظاهر قيام الإجماع وخلاف ابن الجنيد لايعتدّ به، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ المراد من حضور الوفاة وعند موته ونحوهما الفرد الغالب، وهو ما كان بالمرض. وكيف كان، فالمرجع في ذلک هو العرف وحكمهم بكون التصرّف في حال مرض الموت، والظاهر عدم صدقه إذا كان الموت بغير ذلک المرض، كقتل القاتل ولدغ الحيّة وإن كانا في حال المرض، والظاهر صدق ذلک إذا كان مجروحآ ومات بذلک الجرح، فإنّه يصدق عليه مرض الموت، فتدبّر. ثمّ إنّ التصرّف في حال التشاغل بخروج الروح صحيح وإن كان ملحقآ بالميّت في بعض الأحكام، كعدم قبول توبته وعدم قبول إسلامه إذا كان كافرآ، وعدم القود به إذا قتله قاتل، فإنّ المدار في التصرّف على الشعور والقصد، فمتى كان موجودآ صحّ وإن لحق بالميّت في أحكام أخر، فتدبّر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ حكاه الشهيد في المسالک :6 .313 [2] ـ المبسوط :4 .44 [3] ـ جامع المقاصد :11 .97 [4] ـ الشرائع :2 .312 [5] ـ القواعد :2 .529 [6] ـ الجواهر :28 .468 [7] ـ وسائل الشيعة :19 300 / 24644، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 17، الحديث .10 [8] ـ لمنعثر على نفس العبارة المذكورة في المصادر الروائيّة. [9] ـ وسائل الشيعة :19 357 / 24755، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب40، الحديث 1 ـ و:9 255 / 11961، كتاب الزكاة، أبوابالمستحقّين للزكاة، الباب 21، الحديث .1 [10] ـ وسائل الشيعة :19 272 و276، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 10، الحديث 3، والباب11، الحديث .6 [11] ـ لمنعثر على نفس العبارة المذكورة في المجامع الروائيّة. [12] ـ لم نظفر على مصدر حديثيّ له، وإنّما أرسله فخر المحقّقين في الإيضاح :2 595 وبعده الكركي في جامع المقاصد :11 96 و.97 [13] ـ حكاه عنه الشهيد في المسالک :6 316 و صاحب الجواهر :28 .469
|