|
الوجه الأوّل
أحدها: القاعدة المستفادة من الكتاب والسنّة من أنّ «الناس مسلّطون على أموالهم»[1] ، فإنّ مقتضاه نفوذ تصرّف المريض من غير توقّف على إجازة الورثة؛ إذ لا شکّ أنّ المال باقٍ على ملكيّته مادام فيه الروح، والمراد من السلطنة أعمّ من التكليفيّ والوضعيّ، فلا يقال: إنّ السلطنة معلومة، ولا تجدي؛ لأنّ الكلام في الإمضاء الشرعيّ. فإن قلت: مرجع الشکّ في المقام إلى الشکّ في شرطيّة صحّة المعاملة بإجازة الوارث أو مانعيّة ردّه والعموم المذكور لايفي بنفي ذلک، بل هو مثبت لأنحاء السلطنة على الوجوه الثابتة في الشرع، مثلا إذا شکّ في جواز بيعه لماله فهو دالّ على جوازه، لكن بعد كون ذلک البيع واجدآ لجميع الشرائط فاقدآ لجميع الموانع. وكذا بالنسبة إلى غيره من أنحاء التصرّفات. وأمّا إذا شکّ في كون التصرّف على الوجه الفلانيّ ماضيآ شرعآ أو لا، فلايجوز التمسّک في جوازه بالعموم المذكور، وهذا ما يقال من أنّ هذا العموم ليس مشرّعآ لمعاملة مشكوک الشرعيّة، ولذا يورد على من تمسّک به لإثبات صحّة المعاملات أو لنفي اعتبار العربيّة أو الماضويّة أو الترتيب أو نحو ذلک، كاعتبار القبض في الرهن والوقف بأنّه لايثبت مشروعيّة المعاملة المعاطاتيّة، وإنّما يدلّ على جواز المعاملة ونفوذها بعد العلم بمشروعيّتها من حيث هي بدليل آخر، ففي المقام أيضآ إذا شككنا في صحّة التصرّف مع عدم إجازة الوارث أو مع منعه فلايمكن إثباتها بالعموم المذكور. قلت: أوّلا نمنع عدم جواز التمسّک به لنفي الشرائط والموانع المشكوكة؛ إذ هو دالّ على التسلّط على أنحاء التصرّفات. ومن المعلوم أنّ الهبة مثلا من جملتها كالأكل والشرب وهما مؤثّران في نظر العرف للنقل والانتقال، فإذا شکّ في اعتبار شيء منهما شرعآ يقال: إنّه مسلّط بمقتضى العموم على هذا النحو من التصرّفات، ولازمه عدم شرطيّة ما شکّ في شرطيّته. نعم، لو اخترع معاملة لم تكن معدودة من التصرّفات العرفيّة ولا الشرعيّة، فالعموم لايثبت صحتها؛ لأنّه في الحقيقة إثبات للموضوع لا الحكم، وهو مثبت للحكم بعد إحراز موضوعه. وهذا بخلاف ما إذا كان الشکّ في الشرطيّة أو المانعيّة؛ فإنّ الموضوع محرز عرفآ، وهو المعاملة العرفيّة المشكوک اعتبار شيء فيها شرعآ. وثانيآ نقول: فرق بين المقام وما ذكر من الشکّ في الشرطيّة والمانعيّة في سائر المقامات؛ فإنّ المعاملة في المقام واجدة لجميع ما يعتبر فيها وإنّما الشکّ في توقّف تأثيرها على إمضاء الغير وعدمه، ولازم التوقّف عدم سلطنة المالک على ماله بخلاف سائر المقامات، فإنّه لايلزم من توقّف المعاملة على الصيغة أو العربيّة عدم سلطنة المالک؛ إذ أمرهما بيده فاعتبار الشارع لهما في صحّة المعاملة غير منافٍ للسلطنة بخلاف اعتبار إجازة الغير. والحاصل أنّ توقّف المعاملة على إمضاء الغير منافٍ للسلطنة. وأمّا توقّفها على شرط اختياريّ للمالک فلا ينافي سلطنته. فإن قلت: المفروض أنّ المعاملة جائزة للمريض ولازمة في حقّه، ولذا لايجوز له فسخها ما دام حيّآ، فالسلطنة التكليفيّة والوضعيّة ثابتة له وإن قلنا بتوقّفها في حقّ الوارث على الإجازة، وهو لا ينافي سلطنته؛ وذلک كما في صحّة المعاملة ولزومها بالنسبة إلى الأصيل في بيع الفضوليّ ـ فإنّها لا تنافي التوقّف على إجازة المالک في الطرف الآخر، فكما أنّ سلطنته على بيع ماله لا ينافي عدم النفوذ على الطرف الآخر، فكذا في المقام. قلت: مقتضى السلطنة الوضعيّة نقل ماله إلى من أراد نقله إليه واقعآ، وعلى فرض التوقّف على إجازة الوارث لم يحصل النقل الواقعيّ وإن كانت المعاملة لازمة في حقّه، مع أنّ اللزوم في حقّه لم يكن إلّا ظاهريّآ. ونمنع عدم جواز التصرّف المخالف إذا علم عدم إجازة الوارث وعدم الصحّة الواقعيّة، فسلطنة الوارث على الردّ أو عدم الإجازة منافية لسلطنته. وأمّا ما ذكر من أنّ سلطنة الأصيل لا ينافي عدم النفوذ على الطرف الآخر فلا دخل له بالمقام؛ إذ الأصيل إنّما يكون مسلّطآ على ماله دون مال الطرف الآخر فسلطنته معارضة لسلطنته. وأمّا في المقام الوارث لا يكون مالكآ للمال، فلو كان مسلّطآ على المنع يكون مسلّطآ على مال الغير، فالتوقّف على إمضاء الطرف الآخر في الفضولي لاينافي سلطنة الأصيل، والتوقّف في المقام على إجازة الوارث ينافي سلطنة المريض والعموم ينفيه، فلايتوهّم أنّ لازم التمسّک بالعموم في المقام إمكان التمسّک به لنفي التوقّف على إجازة المالک في بيع الفضوليّ بدعوى أنّ مقتضاه تسلّط الأصيل على بيع ماله. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ عوالي اللئالي :1 222 / الحديث 99 ـ و:1 457 / الحديث .198
|