|
الوجه الرابع
الرابع: الاستصحاب، ويمكن تقريره بوجهين: أحدهما: الاستصحاب التنجيزي، وهو استصحاب نفوذ التصرّفات الثابتة حال الصحّة الذي يرجع إلى بقاء السلطنة الثانية له قطعآ، نظير استصحاب نفوذ تصرّفات الوليّ إذا شکّ في خروجه عن الولاية، واستصحاب صحّة التصرّفات مع الشکّ في الجنون أو نحو ذلک من الموانع إذا شکّ في صيرورته محجورآ للفلس أو للسفه أو نحو ذلک، فإنّه يجري استصحاب الحكم مع الإغماض عن استصحاب الموضوع، فالسلطنة من الأحكام الوضعيّة الثابتة حال الصحّة، فمع الشکّ فيها يجري أصالة بقائها، ولازمه نفوذ التصرّفات. والمناقشة في أنّ الموضوع هو الشخص الصحيح وقد ارتفع مدفوعة بالمنع من ذلک، بل الموضوع هو الشخص المكلّف ولم يعلّق الحكم في شيء من الأدلّة على عنوان الصحيح. ودعوى أنّ الشکّ في ذلک كافٍ؛ إذ لابدّ من العلم ببقاء الموضوع في الاستصحاب مدفوعة بمنع الشکّ أيضآ، بل ندّعي العلم بأنّ الموضوع هو الشخص الخاصّ المالک للمال، كيف، ولو نوقش بمثل هذا في الاستصحاب لزم سدّ بابه؛ إذ كلّ مورد لا محالة قد زال وصف من الأوصاف يحتمل مدخليّته في الحكم. فإن قلت: الشکّ إنّما هو في المقتضي وحجّيّة الاستصحاب إنّما هي في الشکّ في الرافع خاصّة. قلت: أوّلا نمنع ذلک، بل السلطنة ثابتة إلى أن يرفعها رافع من أسباب الحجر. وثانيآ قد بيّن في محلّه عدم الفرق بين الشکّ في المقتضي والشکّ في الرافع في الحجّيّة؛ لصدق النقض في المقامين؛ إذ هو إنّما يكون بلحاظ كون اليقين من حيث هو أمرآ مبرمآ ولا يحتاج إلى اعتبار كون المتيقّن ممّا يحتاج إلى الرافع. الثاني: الاستصحاب التعليقيّ، بأن يقال: كان بحيث لو تصرّف كان نافذآ من أصل ماله، فالأصل بقاؤه ويرجع إلى استصحاب الملازمة بين التصرّفات والنفوذ، ولابأس به، لكن لابدّ من إثبات كون هذه الملازمة من الأحكام الشرعيّة المجعولة لا من الأمور الانتزاعيّة العقليّة، ويمكن منع ذلک. بيان ذلک: أنّ الاستصحاب فرع الثبوت في السابق، ومن المعلوم أنّه لم يقع تصرّف في السابق حتّى يحكم بنفوذه، فلابدّ من استصحاب الملازمة بين وقوعه وبين النفوذ، وكذا في سائر أفراد الاستصحاب التعليقي. وهذه الملازمة قد يكون من المجعولات الشرعيّة، بحيث يصدق على الموضوع أنّه ذا حكم شرعيّ، كما إذا قال: ماء العنب ينجس إذا غلى، بحيث يكون غرضه جعل هذا الحكم الثاني لماء العنب. وقد يكون من الأمور الانتزاعيّة، كما إذا قال: ماء العنب الغالي نجس، فقبل الغليان لا حكم لماء العنب، لكن يصحّ عقلا أن يقال: هذا الماء بحيث لو غلى يصير نجسآ، فهذه الملازمة ليست مجعولة شرعآ. وكذا إذا قال: «المستطيع يحجّ» فقبل الاستطاعة لا حكم للمكلّف. وكذا إذا قال: «يجب على البالغ كذا»؛ إذ قبل البلوغ لا حكم له أصلا، وهكذا مع أنّ للعقل أن ينتزع الملازمة المذكورة، فإن كانت الملازمة مجعولة شرعآ جاز استصحابها وإلّا فلا. وفي المقام يمكن أن يقال: إنّ الشارع لم يجعل للصحيح حكمآ، وهو نفوذ تصرّفه على فرض الإيقاع، بل إنّما جعل النفوذ لموضوع التصرّف فقبله لا حكم له حتّى يستصحب. نعم، السلطنة على التصرّف ثابتة له وليس المقصود استصحابها وإلّا يرجع إلى الوجه السابق. والحاصل أنّه إن أريد استصحاب السلطنة كان من الاستصحاب التنجيزيّ، وإن أريد استصحاب الصحّة على فرض التصرّف فهو ليس من الأحكام المجعولة الشرعيّة فعليک بالتأمّل في جميع ما يكون من هذا القبيل؛ فإنّه كثيرآ ما يشتبه الحال، فالمتعيّن في تقرير الاستصحاب هو الوجه الأوّل، والتمسّک به فرع عدم تماميّة التمسّک بعموم قاعدة السلطنة، وإلّا فلا حاجة إلى استصحابها، كما هو واضح.
|