Loading...
error_text
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مكتبة دينية
حجم الحرف
۱  ۲  ۳ 
التحميل المجدد   
موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: ترجمة أبي بصير

ترجمة أبي بصير

ترجمة أبي بصير


أبو بصير ـ كما جاء في كلام مفتاح الكرامة([26]) ـ رجل مشترك بين عبدالله بن محمد الأسدي، وليث بن البختري ـ وهما من الثقات ـ ويوسف بن الحارث ـ وهو من الضعاف ـ ويحيى بن القاسم ـ وهو مردّد بين الضعيف والثقة.
إلاّ أنه مع وجود بعض القرائن والشواهد، يمكن تمييز أبي بصير الثقة عن الضعيف، مثل نقل جماعة منهم ابن مسكان، وقد عدّ النجاشي ذلك من الشواهد على أنّ المراد بأبي بصير ليث البختري أبو بصير المرادي المعدود من الثقات([27]).
وفي «جامع الرواة» عدّ من هذه الجماعة أبان بن عثمان الذي ينقل الرواية عن ليث بن البختري([28]).
كما أن نقل بعض الرواة، مثل ابن أبي عمير، ويونس بن عبدالرحمن، وعبدالله بن المغيرة ـ وهم طبقاً لنقل الكشي من أصحاب الإمامين: الكاظم والرضا(عليهما السلام) وكذا من أصحاب الإجماع([29]) ـ ووجود رواياته في الكتب الأربعة المعتمدة، شاهد آخر على أن المراد بأبي بصير في هذه الروايات هو الثقة، ذلك أن هؤلاء الأجلاء أصحاب شأن أرفع من الرواية عن شخص ضعيف أو مجهول.
وهكذا ما قاله صاحب «مستند الشيعة» من اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره في الروايات التي تروى عن غير الإمام الصادق(عليه السلام)، لا ما يروى عنه([30]).

أما انتقادات الأردبيلي على سند الحديث، فلا بد من القول:

أولاً: إن الأسماء المشتركة في أسانيد الأحاديث تُحمل على الفرد الغالب العادل، والانصراف إلى الفرد الكامل أمرٌ متعارفٌ وشائع.

ثانياً: إن نقل ابن مسكان في هذا الحديث عن أبي بصير شاهدٌ على أنَّ أبا بصير في هذه الرواية هو ليث المرادي الثقة المطمأنّ به.
أما حديثه عن ظهور آية الإرث ـ ومراده منها الآية الثانية عشرة من سورة النساء، والتي جاء فيها: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِن بَعْدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن.. ) ـ

فنعلّق عليه:

أولاً: إن الآية الشريفة في مقام بيان سهم الزوجين في صورة وجود الولد أو فقدانه، وليست ناظرةً أساساً إلى مسألة الردّ، وما زاد على السهمين، أما مسألة عدم الردّ فهي مستفادة من الروايات، وكذلك الحال في تعيين الفرض للبنت، والأب، والأم، والآخرين; فلم تقصد الآية عدم إعطاء باقي التركة لهم في صورة انحصار الوارث بهم، تماماً كما فهم ذلك منها جمهور أهل السنّة، متمسّكين بمفهوم اللقب ـ وهو أضعف المفاهيم ـ للقول بنظرية التعصيب في الإرث، فقالوا: إن الزائد يعطى للعصبة، وهي الوارث اللاحق.

ثانياً: في صورة وجود ظهور في الآية الشريفة، إلاّ أنّ هذا الظهور في حالة وجود وارث غير الزوجين، وكون الإمام أحد الورّاث إلى جانب أحد الزوجين حتى يكون مشمولاً لهذا الظهور، أوّل الكلام، فالإمام لا يقع في مصافّ سائر الورثة، بصريح الروايات الكثيرة: «الإمام وارث من لا وارث له»([31]); ذلك أنّ كلمة «لا» في هذه الأحاديث حرفٌ لنفي الجنس، وعلى أساسه يصبح معنى الحديث: كل من يموت ولا وارث لديه فالإمام هو وارثه، ومن الواضح أنّه مع وجود المرأة، بوصفها وارثاً تعيّن له فرضٌ في القرآن الكريم، لا يمكن اعتبار المتوفى ممّن لا وارث له.

ثالثاً: إذا كان إخراج الآية الشريفة عن ظهورها مشكلاً، فكيف رفع يده عن ظهور الآية في صورة كون الزوج هو الوارث الوحيد لزوجته، مادحاً الله تعالى على وصوله لهذا الرأي، وهو أن تمام سهم الإرث للرجل حينئذ، قائلاً: «والحاصل أنّ الردّ على الزوج واضحٌ، والحمد لله»([32]).
ومن الواضح، أنه لا يمكن تبرير كثرة الأخبار في خصوص ردّ ما زاد عن سهم الزوج من الإرث، ورفع اليد في المقابل عما يفيده ظاهر الآية الشريفة; ذلك أنّه لا حجية مطلقاً لمخالف القرآن.
وإذا أجيب بأن إشكال مخالفة الأخبار للقرآن يمكن الخروج عنه، وذلك أن النسبة بين آيات
القرآن والأخبار الواردة في مورد الزوج هي نسبة العموم والخصوص المطلق، ومن الواضح أنّ الأخصّ مطلقاً لا يعدّ مخالفاً للقرآن الكريم، وعليه فسبيل حلّ هذه المشكلة هنا هو الجمع بين الأخبار والآية الشريفة، وذلك عبر تخصيص الآية بالخبر..
إذا أجيب بذلك نقول: إنّ هذا الكلام يجري أيضاً فيما نحن فيه تماماً.
ومن الواضح، أنّ تعارض الرواية الصحيحة مع الروايات الدالّة على عدم جواز ردّ ما زاد عن سهم الزوجة من الإرث مطلقاً تعارضٌ ملغ لترجيح الرواية الصحيحة على تلك الروايات; ذلك أنّ الرواية الصحيحة مخالفة لأهل السنّة فتقدّم على تلك الروايات، كما أن التعبير الوارد في ذيل تلك الروايات ـ مبنياً على أنّ الزائد على فرض الزوجة يُعطى للإمام(عليه السلام) ـ لا يخالف رأي أهل السنّة القاضي بلزوم ردّ الزائد عن السهم إلى «بيت المال»، ومع عدم المخالفة لا معنى لادّعائها حتى تقع المعارضة مع الرواية الصحيحة السند، ذلك أنه ليس ثمّة اختلاف فاحش وواضح بين عنواني: «الإمام» و «بيت المال»، فهذان التعبيران ـ ظاهراً ـ قد استخدما في روايات كثيرة تحدّثت عن إرث السائبة، وإرث من لا وارث له، حيث جاء في بعضها تعبير «للإمام»، وفي بعضها الآخر تعبير «بيت المال»، وفي الحقيقة فإن التعبيرين يهدفان إلى أمر واحد وهو أن يعطى المال للإمام حتى يصرفه في مصالح المسلمين، وليس
ذلك سوى بيت مال المسلمين، ذلك أنه من البديهي أنه عندما يوضع مبلغ من المال لدى الإمام فلن يصرفه سوى في هذا السبيل، ومن البعيد جداً القول بتعارض الأخبار المشتملة على هذين العنوانين، سيما والعرف يجمع بينهما عبر الاشتراك في وحدة المراد، كما بيّناه قبل قليل، ومن الواضح أن جمع الأخبار بهذه الطريقة من نوع الجمع العرفي لا التبرّعي.
ومن جملة الأمور التي تؤيّد هذا الاستنتاج كلام الفقيه المقدّس المدقق المحقق الأردبيلي، فيما جاء له حول عبارة الصدوق في «الفقيه» والطوسي في «التهذيب» والشيخ المفيد أيضاً، حول إرث من لا وارث له، حيث يقول: «وكأنَّ الصدوق في الفقيه، ما فرّق بين كونه للإمام وبين كونه مال المسلمين».
ويضيف بعد عدّة أسطر قائلاً: «بل الشيخ أيضاً في التهذيب ما فرّق بين كونه للإمام وبين كونه من بيت مال المسلمين»([33]).

وبعد نقله روايةً عقب هذا الكلام يقول: «لعلّ نظر الشيخ والصدوق إلى ما ذكرناه من التأويل من أنه وليّ المسلمين وبيته بيت مال المسلمين أو بيت مالهم بيته(عليه السلام)، وكأنَّ ذلك مراد الشيخ المفيد أيضاً; حيث قال أولاً: إنه للإمام، ثم ذكر أنّه بيت مال المسلمين، فتأمل»([34]).
ومن جملة المؤيّدات الأخرى ما أورده الشيخ الطوسي في كتاب «الخلاف» حيث قال: «إذا خلّفت المرأة زوجها ولا وارث لها سواه، فالنصف له بالفرض، والباقي يعطى إيّاه وفي الزوجة الربع لها، بلا خلاف، والباقي لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما مثل الزوج يردّ عليها، والأخرى الباقي بيت المال»([35])، ونظير هذا الكلام ما جاء لسلار الديلمي في كتاب «المراسم العلوية»([36])، ولا ننقل عبارته لشبهها بعبارة «الخلاف».
ومن الواضح أنّ الرواية الأخرى التي تجعل ما فضل عن فرض المرأة لبيت المال هي مجموعة الروايات التي دلّت على إعطاء الباقي للإمام(عليه السلام)، فالردّ للإمام والردّ لبيت المال عنده واحد، فهما تعبيران لمعنى واحد، أو معنى واحد في قالب تعبيرين اثنين.

وإضافةً إلى ما تقدّم، ذكر الشيخ الطوسي في «المبسوط» ما يدلّ دلالةً واضحة على عدم الخلاف بين الشيعة والسنّة في تحويل المال الذي لا وارث
له إلى الإمام الظاهر العادل، مع أنّ أهل السنّة قد عقدوا رأيهم على أنّ هذا المال يكون لبيت مال المسلمين.

يقول الطوسي: «فأمّا إذا لم يخلف أحداً فإن ميراثه للإمام، وعند المخالفين لبيت المال، على ما بيّناه، على اختلافهم أنه على جهة الفيء أو التعصيب، فإذا ثبت هذا، فإن كان الإمام ظاهراً سلّم إليه، وإن لم يكن ظاهراً حفظ له كما يحفظ سائر حقوقه، ولا يسلّم إلى أئمة الجور مع الإمكان، فمن سلّمه مع الاختيار إلى أئمة الجور كان ضامناً، ومن قال: إنه لبيت المال يرثه جميع المسلمين، قال: إن كان إمام عدل سلّمه إليه، وإلاّ فهو بالخيار»([37]).
أما لو لم نوافق على هذا الرأي وما تقدّم من ترجيح صحيحة وموثقة أبي بصير على الروايات المعارضة لها، وقلنا بالفرق بين الردّ إلى الإمام والتحويل إلى بيت مال المسلمين، واعتبرنا تمام روايات المسألة مخالفةً لأهل السنّة، فسيغدو الرأي
الرابع هو التالي من الآراء المتقدمة، أي أن الزوجة ترث في زمان الغيبة مازاد على فرضها، أما في زمان الحضور فلا ترث سوى الفرض.
__________________________________________
( [26] ) مفتاح الكرامة 8: 179.
( [27] ) رجال النجاشي: 321.
( [28] ) جامع الرواة 2: 395.
( [29] ) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 322، الرقم: 1050.
هذا وأصحاب الإجماع اصطلاح مأخوذ من كلام الكشي، حيث ذكر في رجاله عدداً من رجال الحديث، معتبراً أن أصحابنا الإمامية أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وعليه فبلوغ السند إليهم صحيحاً يوجب الحكم باعتبارها وصحتها، قال: «أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء».
( [30] ) مستند الشيعة 19: 395.
( [31] ) وسائل الشيعة 27: 248، ح5.
( [32] ) مجمع الفائدة والبرهان 11: 430.
( [33] ) المصدر نفسه 11: 466.
( [34] ) المصدر نفسه 11: 466 ـ 468.
( [35] ) الطوسي، الخلاف 4: 116.
( [36] ) المراسم العلوية : 222.
( [37] ) الطوسي، المبسوط 4: 70.
العنوان اللاحق العنوان السابق




جميع الحقوق محفوظة لموقع آية الله العظمى الشيخ الصانعي .
المصدر: http://saanei.org