|
في بيان المختار
والحقّ هو القول الأوّل؛ للاصل بتقريراته والإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وبالسيرة المستمرّة على عدم منع المريض أيّام مرضه عن تبرّعاته مع زيادتها على الثلث وعلى عدم ضبطها بطومار ونحوه، مضافآ إلى الأخبار الخاصّة الناصّة أوالظاهرة: منها الصحيح إلى صفوان الذي هو من أصحاب الإجماع، عن مرازم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله 7 في الرجل يعطي الشيء من ماله في مرضه، «إذا أبان به فهو جائز، وإن أوصى به فهو من الثلث»[1] . ودلالته على المدّعى واضحة؛ إذ المراد من الإبانة، سيّما بقرينة المقابلة، المنجّز. ومنها خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله 7 :الرجل له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: «هو ماله يصنع به ما يشاء إلى أن يأتيه الموت. إنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّآ: إن شاء وهبه وإن شاء تصدّق به وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث، إلّا أنّ الفضل في أن لايضيّع من يعول به ولايضرّ بورثته»[2] . ودلالته أيضآ واضحة، ولايضرّ عدم اختصاصه بحال المرض بعد شموله له بما يقرب من الصراحة؛ إذ المراد من إتيان الموت نفسه لا حضوره، فيكون كناية عن المرض المخوف، كما في الجواهر[3] ؛ إذ هو في كمال البعد من ظاهر اللفظ، وضعف سنده منجبر بالشهرة والإجماعات. ومنها خبر سماعة عنه 7، قال :قلت لأبي عبدالله 7: الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: «هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت»[4] . وهو ظاهر في الموت؛ إذ المراد من جعله لقرابته خصوص المنجّز، خصوصآ بملاحظة الخبر السابق حيث إنّ السماعة هو الراويّ عن أبي بصير، فالظاهر اتّحاد مضمونه مع السابق ولم ينقل الزيادة في هذا الخبر. ومنها موثّق عمّار، عن أبي عبدالله 7، قال :قلت: الميّت أحقّ بماله ما دام فيه الروح يبين به؟ قال: «نعم، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث»[5] . وهو قريب من الثاني في الدلالة، بل أظهر من حيث إنّ قوله: «ما دام فيه الروح» كالنفس في الشمول لحال المرض. ومنها موثّقته الأخرى عنه 7، قال: «الميّت أحقّ بماله مادام فيه الروح يبين به، فإن قال: «بعدي» فليس له إلّا الثلث»[6] . هكذا عن التهذيب[7] ، وعن الفقيه[8] روايته هكذا :«فإن تعّدى فليس له إلّا الثلث» مكان قوله :«فإن قال: بعدي». ومن ذلک قد يخدش في صراحته في الدلالة من أجل أنّ اختلاف النسخة موجب للاجماع؛ إذ المراد من التعدّي التعدّي عن الثلث فيكون منزّلا على الوصيّة ولايشمل المنجّز أو يكون أعمّ، وحينئذ يكون دليلا على القول الآخر إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّهما خبران، ويمكن أن يقال: إنّ المراد من التعدّي التعدّي عن زمن الحياة فيكون تعدّيآ موافقآ للنسخة الأولى، مع أنّ غاية الأمر حصول الإجمال في الذيل، ولايضرّ بدلالة الصدر على أنّه لو أبان أي نجّز كان جائزآ من الأصل. ومنها موثّقته الثالثة عنه 7 :في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه، فقال: «إذا أبانه جاز».[9] ومنها موثّقته الرابعة عنه7: «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح، إن أوصى به كلّه فهو جائز»[10] . ودلالته على المدّعى إنّما هي بلحاظ صدرها، ولا ينافيه كون ذيلها مخالفآ للاجماع؛ إذ لايضرّ طرح بعض الخبر في الاستدلال ببعض الآخر مع إمكان حمله على المنجّز وإرادة المعنى اللغوي من لفظ الوصيّة. ويمكن العمل بظهور صدره بحمل ذيله على إرادة جواز الوصيّة بكلّ واحد من أعيان التركة. ومنها خبره الذي رواه المحمّدون الثلاثة عنه 7: «صاحب المال أحقّ بماله ما دام فيه شيء من الروح يضعه حيث شاء»[11] . ومنها الحسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم، عن أبي شعيب المحاملي عنه 7: «الإنسان أحقّ بماله ما دامت الروح في بدنه»[12] . ودلالته كالسابقين إنّما هو بالظهور من حيث الأعمّيّة من الوصيّة والمنجّز. ومنها خبر إبراهيم بن أبي سهاک[13] ، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله 7، قال: «الميّت أحقّ بماله ما دامت فيه الروح».[14] ودلالته كسوابقه. ومنها مرسلة الكلينيّ؛ قال: «وقد روي أنّ النبيّ9 قال لرجل من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم فعابه النبيّ9 وقال: ترک صبيّة صغارآ يتكفّفون الناس».[15] ورواه الصدوق[16] مسندآ إلّا أنّه؛ قال :«فأعتقهم عند موته». وحينئذ يكون دلالته واضحة ؛ لعدم إمكان حاله على حال الصحّة. ومنها صحيحة محمّد بن مسلم، عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيّة وكان أكثر من الثلث. قال: «يمضى عتق الغلام ويكون النقصان ما بقي».[17] ومنها حسنته في رجل أوصى بأكثر من ثلثه وأعتق مملوكه في مرضه فقال: «إن كان أكثر من الثلث يردّ إلى الثلث وجاز العتق».[18] وجه الدلالة فيهما أنّ الحكم بنفوذ العتق مطلقآ لايصحّ إلّا بكون المنجّز خارجآ من الأصل، وحملهما على إرادة البدأة بالنفوذ من الثلث خلاف الظاهر. ومنها خبر إسماعيل بن همام في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكآ وكان جميع ما أوصى يزيد على الثلث. كيف يصنع في وصيّته؟ قال: «يبدأ بالعتق فينفذه».[19] وتقريب الدلالة على ما ذكره بعضهم أنّه حكم بنفوذ العتق وعدم دخول النقص عليه، فهو دليل على خروجه من الأصل، ولا ينافيه قوله : «يبدأ بالعتق» إذ لمّا ذكر الراويّ أمرين الوصيّة والمنجّز قال الإمام7: يبدأ بالمنجّز؛ لأنّه نافذ من الأصل، لا أنّ المراد: يبدأ به من الثلث، وهو كما ترى. ونحن في غنى عنه بما مرّ. فهذه الأخبار مع تعاضد بعضها ببعض واعتضادها بالشهرة القديمة والإجماعات المنقولة ـ مضافآ إلى الأصول والعمومات، واشتمالها على الإشارة إلى القاعدة العقليّة القطعيّة من تسلّط الإنسان على ماله وأنّه يصنع فيه ما يشاء، واشتمالها على الحسن كالصحيح، وعلى ما هو في سنده بعض أصحاب الإجماع، وعلى الموثّق، بل الموثقّات ـ واضحة المنار في الدلالة على المختار، فلا وجه لما عن المسالک[20] من: أنّها مشتركة في ضعف السند إلّا موثّق واحد عن عمّار، وهو المشتمل على قوله 7: فإن قال «بعدي» فليس له إلّا الثلث. وكذا لا وجه للخدشة في تعدّد أخبار عمّار من جمعه اتّحاد الراويّ في جملة من الطبقات واتّحادالمرويّ عنه فيها؛ فإنّ ذلک لاينافيتعدّدها، مع أنّه علىفرضه لايضرّ بالمدّعى، فإنّ الواحد منها كافٍ في الاستدلال، خصوصآ مع ضمّ سائر الأخبار. وكذا لا وجه للمناقشة في دلالتها بأعمّيّتها من حال المرض وإمكان حملها على حالالصحّة؛ إذ بعضها صريح في حالالمرض وبعضها الآخر كالصريح، فإنّ قوله7: «ما دام فيه الروح» لايمكن أن يحمل على خصوص حال الصحّة، كما لايخفى. ودعوى أنّ الأحقّيّة لاتنافي التوقّف على الإجازة ـ كما ترى ـ كدعوى إمكان حمل ماله في جملة منها على خصوص الثلث؛ إذ هي غير ممكنة بملاحظة بعضها الآخر المشتمل على قوله: «فليس له إلّا الثلث». وبالجملة، لا وجه للمناقشة في الاستدلال بها من حيث هي مع قطع النظر عن أخبار القول الثاني، وسيأتي[21] الجواب عنها. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ الكافي :7 8، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّآ، الحديث 6 ـ وسائل الشيعة :19 273/24573، كتاب الوصايا، أبواب أحكامالوصايا، الباب 10، الحديث .4 [2] ـ الكافي :7 8، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله مادام حيّآ، الحديث 10 ـ التهذيب :9 219 / 93، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث 3 ـالاستبصار :4 121 / 462، باب أنّه لاتجوز الوصيّة بأكثر من الثلث، الحديث 12 ـ وسائل الشيعة :19 273 / 24575، كتاب الوصايا، أبوابأحكام الوصايا، الباب10، الحديث 6 ـ و:19 297 / 24636، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 17، الحديث .2 [3] ـ الجواهر :28 .467 [4] ـ الكافي :7 8، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّآ، الحديث 5 ـ الفقيه :4 149 / 518، باب في أنّ الإنسان أحقّ بماله ما دام فيه شيءمن الروح، الحديث 2 ـ التهذيب :9 219 / 92، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث2 ـ وسائل الشيعة:19 296/ 24635، كتاب الوصايا،أبواب أحكام الوصايا، الباب17، الحديث.1 [5] ـ الكافي :7 8، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّآ، الحديث 7 ـ وسائل الشيعة :19 299 / 24641، كتاب الوصايا، أبواب أحكامالوصايا، الباب 17، الحديث .7 [6] ـ الاستبصار :4 122، باب أنّه لاتجوز الوصيّة بأكثر من الثلث، الحديث 13 ـ وسائل الشيعة :19 278/24591، كتاب الوصايا، أبواب أحكامالوصايا، الباب 11، الحديث .12 [7] ـ التهذيب :9 221 / 99، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث .9 [8] ـ الفقيه :4 137 / 477، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف، الحديث .2 [9] ـ التهذيب :9 223 / 107، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث 17 ـ الاستبصار :4 121 / 461، باب أنّه لاتجوز الوصيّة بأكثر من الثلث،الحديث 11 ـ وسائل الشيعة :19 300 / 24644، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 17، الحديث .10 [10] ـ الكافي :7 7، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّآ، الحديث 2 ـ التهذيب :9 220 / 96، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث 6 ـالاستبصار :4 121 / 459، باب أنّه لاتجوز الوصيّة بأكثر من الثلث، الحديث 9 ـ وسائل الشيعة :19 281 / 24598، كتاب الوصايا، أبوابأحكام الوصايا، الباب 11، الحديث .19 [11] ـ الكافي :7 7، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّآ، الحديث 1 ـ الفقيه :4 149 / 517، باب في أنّ الإنسان أحقّ بماله ما دام فيه شيءمن الروح، الحديث 1 ـ التهذيب :9 218 / 91، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث1 ـ وسائلالشيعة 297:19/ 24638، كتاب الوصايا،أبواب أحكام الوصايا، الباب17، الحديث .4 [12] ـ الكافي :7 8، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيّآ، الحديث 9 ـ التهذيب :9 219 / 94، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث 4 ـوسائل الشيعة :19 299 / 24642، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 17، الحديث .8 [13] ـ هكذا في النسخة التي عندنا، ولكنّ الصحيح أبي السمال، واسم أبي السمال محمّد بن الربيع (رجال النجاشي: 21، الرقم 30)، وإبراهيمهذا ثقة واقفيّ، ويظهر من الشيخ (رجال الشيخ: 441، الرقم 6305) ذيل ترجمة محمّد بن حسّان بن عرزم أنّ إبراهيم ولد أبي بكر، وهوولد بن أبي السمال. قال العلّا مة في (الخلاصه: 314، الرقم 1230): إبراهيم بن أبي السمال بالسين المهملة واللام واقفيّ لاأعتمد علىروايته. وقال النجاشي: إنّه ثقة. (رجال النجاشي: 314)، وفي المقام تعليقة محقّقة على الكافي :7 7، ذيل الحديث 3، فعلى طالبها الأخذمنها. [14] ـ الكافي :7 7، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله، الحديث 3 ـ التهذيب :9 219 / 95، باب الرجوع في الوصيّة، الحديث 5 ـ وسائل الشيعة:19 297 / 24637، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 17، الحديث .3 [15] ـ الكافي :7 9، باب أنّ صاحب المال أحقّ بماله ما دام حيآ، ذيل الحديث 10 ـ وسائل الشيعة :19 299 / 24643، كتاب الوصايا، أبوابأحكام الوصايا، الباب17، الحديث .9 [16] ـ الفقيه :4 137 / 478، باب ما يجب من ردّ الوصيّة إلى المعروف، الحديث 3 ـ علل الشرائع: 566 / .2 [17] ـ الكافي :7 17، باب من أوصى بعتق أو صدقة، الحديث 4 ـ الفقيه :4 157 / 546، باب الوصيّة بالعتق والصدقة، الحديث 4 ـ التهذيب :9227 / 122، باب الوصيّة بالثلث و...، الحديث 11 ـ وسائل الشيعة :19 399 / 24840، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب ،67الحديث .1 [18] ـ الكافي :7 16، باب من أوصى بعتق أوصدقة، الحديث 1 ـ التهذيب :9 254 / 200، باب وصيّة الإنسان لعبده و...، الحديث 9 ـ وسائلالشيعة :19 400 / 24843، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 67، الحديث .4 [19] ـ الكافي :7 17، باب من أوصى بعتق أو صدقة، الحديث3 ـ الفقيه :4 158 / 547، باب الوصيّة بالعتق أوالصدقة، الحديث 5 ـ التهذيب :9254 / 202، باب وصيّة الإنسان لعبده و...، الحديث 11 ـ الاستبصار :4 135 / 510 باب من أوصى بحجّ و...، الحديث 3 ـ وسائل الشيعة:19 400 / 24841، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 67، الحديث .2 [20] ـ المسالک :6 .308 [21] ـ سيأتي في الصفحة 130 و مابعدها.
|