|
الطائفة الرابعة
الأخبار الواردة في خصوص العتق ممّن عليه دين الدالّة على بطلانه إن لم يكن قيمة العبد بقدر الدين مرّتين وصحّته في سدسه، وهو ثلث ما بقي بعد الدين إذا كان كذلک، وهي صحيحة زرارة أو جميل، عن أبي عبدالله 7: في رجل أعتق مملوكه عند موته وكان عليه دين، فقال 7 : «إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه وإلّا لم يجز»[1] . وموثّقة ابن الجهم :سمعت أبا الحسن 7 يقول في رجل أعتق مملوكآ وقد حضره وأشهد له بذلک وقيمته ستّمائة وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترک شيئآ غيره قال: «يعتق منه سدسه؛ لأنّه إنّما له منه ثلاثمائة درهم وتقضى عنه وصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الطويلة قال :سألني أبو عبدالله 7: «هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟» فقلت: بلغني أنّه مات مولى لعيسى بن موسى فترک عليه دينآ كثيرآ وترک مماليک يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت، إلى أن قال الإمام7: «إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة أوكان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته وأجيزت وصيّته على وجهها، فالآن يوقّف هذا فيكون نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس».[3] ولايخفى أوّلا: أنّ هذه الأخبار أيضآ ظاهرة في الوصيّة، خصوصآ الأخيرة، حيث قال فيها: «لم يتّهم على وصيّته وأجيزت وصيّته على وجهها». مع أنّ صحيحة زرارة لا دلالة فيها على الخروج من الأصل أوالثلث وإنّما تدلّ على أنّ الدين مقدّم على العتق وإن كان العتق سابقآ على الموت. وثانيآ: لو سلّمنا حملها على العتق المنجّز ودلالتها على المطلوب أوكونها أعمّ منه ومن الوصيّة نقول: لايمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه، بل يجب الاقتصار على موردها؛ لكونها على خلاف القاعدة من بطلان العتق المنجّز في صورة عدم كون القيمة ضعفي الدين. ولذا عمل طائفة[4] من القائلين بكون المنجّزات من الأصل بها وجعلوها من الثلث بسببها وردّوا[5] على بن إدريس حيث ردّها وقال : إنّ العتق ينفذ من الأصل، كما هو مقتضى القاعدة[6] . بأنّ ما ذكره اجتهاد في مقابل النصّ. وبالجملة، فالاستدلال بهذه الأخبار لا وجه له، كما لايخفى على من لاحظ تلک المسألة؛ فإنّ الفقهاء عنونوا لها عنوانآ على حدّة، واختلفوا في أنّ هذا الحكم مختصّ بالعتق أو يجري في سائر المنجّزات وأنّه هل يجري في الوصيّة أو لا ؟ وأيضآ منهم من عمل بظاهرها[7] من أنّه لو لم يكن قيمة العبد بقدر الدين مرّتين لم ينعتق منه شيء وإن بقي بعد الدين بقيّة. ومنهم من حكم ببطلانه[8] فيما لم يبق منه شيء بعده وبالصحّة في صورة الزيادة ولو لم تكن بقدر الدين. ومنهم من ردّ أصل الأخبار[9] ؛ لمخالفتها للقواعد، فلا دخل لها ولهذه المسألة بما نحن فيه، ولعلّنا نتعرّض لها فيما سيأتي إن شاء الله[10] . ومن الغريب أنّ صاحب الجواهر مع اعترافه بما ذكرنا من كون هذه المسألة مستقلّة لا ربط لها بما نحن فيه، مستشهدآ بذهاب جمع من القائلين بكون المنجّزات من الأصل إلى العمل بها والحكم بكون العتق في هذه الصورة من الثلث قال : وعلى كلّ حال، فلا ريب في دلالة الصحيح المزبور على المطلوب[11] . مع أنّ تماميّة الاستدلال موقوفة على بيان عدم الفرق بين العتق وغيره، وعدم الفرق بين ما إذا كان عليه دين أو لم يكن، وبين ما إذا كان قيمة العبد أكثر من الدين أو أقلّ. وكلّ هذه لايتمّ إلّا بالإجماع على عدم الفرق، وإلّا فلا دليل غيره على التعدية. ومن المعلوم أنّه لايمكن دعوى الإجماع على ذلک بعد الاعتراف بأنّ جماعة من القائلين بالأصل في المنجّزات قالوا بالثلث في المقام. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ الكافي :7 27، باب من أعتق وعليه دين، الحديث 2 ـ الفقيه 70:3 / 239، باب في العتق وأحكامه، الحديث 21 ـ و :4 166 / 580، بابفيما جاء فيمن أوصى أو أعتق وعليه دين، الحديث 2 ـ التهذيب :9 253 / 197، باب وصيّة الإنسان لعبده وعتقه، الحديث 6 ـ الاستبصار:4 7 / 24، باب الرجل يعتق عبده عند موته وعليه دين، الحديث 1 ـ وسائل الشيعة :19 356 / 24754، كتاب الوصايا، أبواب أحكامالوصايا، الباب 39، الحديث .6 [2] ـ الكافي :7 27، باب من أعتق وعليه دين، الحديث 3 ـ التهذيب :9 199 / 34، باب الإقرار في المرض، الحديث 34 ـ و:9 253 / 196، بابوصيّة الإنسان لعبده وعتقه، الحديث 5 ـ الاستبصار:4 8 / 25، باب الرجل يعتق عبده عند الموت، الحديث 2 ـ وسائل الشيعة :19 354 /24752، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 39، الحديث .4 [3] ـ الكافي :7 26، باب من أعتق وعليه دين، الحديث1 ـ التهذيب :9 252 / 195، باب وصيّة الإنسان لعبده وعتقه، الحديث 4 ـ وسائل الشيعة:19 354 / 24753، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب 39، الحديث .5 [4] ـ منهم المحقّق السبزواريّ في الكفاية :2 51، والسيّد الطباطبائيّ في الرياض :10 .295 [5] ـ ردّ عليه صاحب الجواهر :26 .70 [6] ـ السرائر :3 .199 [7] ـ منهم المحقّق في الشرائع :2 300، والمحقّق السبزواريّ في الكفاية :2 51، وصاحب الجواهر :28 .380 [8] ـ منهم العلّا مة في القواعد :2 469، المحقّق الثاني في جامع المقاصد :10 205، وصاحب الحدائق :22 .538 [9] ـ كالشهيد في كتابي المسالک :6 228 والروضة :5 43، وابن إدريس في السرائر :3 .199 [10] . سيأتي في الصفحة .224 [11] ـ الجواهر :26 .70
|