|
دليل القول الرابع
دليل القول الرابع أما دليل القول الرابع، فهو أنه مقتضى الجمع بين الروايات المتعارضة في المسألة والتي احتوت الروايات الدالة على أن ردّ ما زاد عن الإرث إلى الإمام مختصّ بزمان الحضور، أما الروايات الدالّة على ردّ الباقي إلى الزوجة فتختصّ بزمان غيبة الإمام (عليه السلام). وسبب هذا الحمل والجمع ظهور أخبار الردّ إلى الإمام في الانحصار بعصر الحضور، انطلاقاً من الأمر الوارد فيها بحمل الباقي إليه (عليه السلام)، كما جاء في خبر ابن الصحاف([38])، أو ورود تعبير «والدفع إلى الإمام» فيها، كما في خبر محمد بن مروان([39])، أو استخدام كلمة «إلينا»، كما جاء في رواية محمد بن مسلم عن الإمام الباقر(عليه السلام)([40])، أو أمر الإمام للعلوي بالتصدّق بالباقي على من يراه محتاجاً([41])، طبقاً لما جاء في مكاتبة الإمام محمد التقي (عليه السلام)، فإنّ ظاهر هذه الروايات أو صراحتها في الاختصاص بزمان حضور الإمام (عليه السلام) لا يحتاج إلى بيان. أما الروايات الثلاث التي نقلها أبو بصير عن الإمام الباقر (عليه السلام) في مورد ردّ الباقي للإمام (عليه السلام)، فرغم ظهورها في العموم وكونها شاملةً لزماني الحضور والغيبة، إلاّ أن سياق الأخبار الأربعة المختصّة بزمان الحضور تمنع عن التمسّك بالإطلاق الموجود في هذه الروايات، كما أن شمّ السياق يقتضي هذا الاستنتاج أيضاً، ذلك أن مجموع الروايات السبع ناظر لحكم مسألة واحدة، كما أن مضمونها جميعاً واحدٌ أيضاً، بل الظاهر أنّ الروايات الثلاث روايةٌ واحدة; لاتِّحاد الراوي والمروي عنه، والسائل والمسؤول، كما ووحدة مضمونها أيضاً، وفقط هناك خبر وهيب بن حفص هو الخبر المختلف عنها بسبب حصول التقطيع، كما أنّ في الروايتين الأخيرتين اختلافاً طفيفاً. وبالمجموع، ومع الأخذ بعين الاعتبار سياق الروايات الأربع، لا يمكن التمسّك بإطلاق هذه الروايات الثلاث، سيما مع وحدتها; ذلك أنه إذا لم يكن سياق الأخبار قرينةً على تقييد هذا الإطلاق بزمان الحضور فلا شك أنه سيحصل شك في القرينيّة، وفي هذه الحال أيضاً لا يمكن العمل بالإطلاق; ذلك أنّ الأخذ بالإطلاق مشروطٌ بالعلم بعدم القرينة على الخلاف، ومع عدم تمامية هذا الإطلاق نغدو مضطرّين لجعل أخبار ردّ ما زاد إلى الإمام مختصةً بزمان حضوره (عليه السلام)، فيما نقيّد ـ في المقابل ـ الأخبار الآمرة بردّ الزائد للزوجة بعصر الغيبة. وفي الحقيقة، فإن العلاقة بين الروايات التي تطلق ردّ ما زاد إلى الزوجة، والأخبار التي تجعل الزائد زمان الحضور للإمام (عليه السلام) هي علاقة المطلق والمقيد، حيث لا تعارض بين الطرفين، ويمكن بالجمع العرفي وحمل المطلق على المقيد رفع إشكال الجمع التبرعي في المقام. شبهة أخرى وثمّة إشكال آخر حول هذا النوع من الجمع بين الروايات، ورد في كتاب السرائر([42])، والمسالك([43])، والروضة([44])، ومجمع الفائدة([45])، وغيرها من الكتب وهو «أن السؤال المذكور في الرواية جاء بصيغة الماضي، مما يجعل انسجامه مع حضور الإمام (عليه السلام)، وإمكان دفع الزائد إليه وحمله على السؤال في زمان الغيبة ـ الأمر الذي حصل بعد مائة وخمسين عاماً أخرى ـ بعيداً جداً». وفي سياق الجواب نقول: إن سؤال شخص مثل أبي بصير ليث المرادي ـ وهو معدود في زمرة كبار الفقهاء والمحدّثين ـ عن موارد فرضية، وعن أحكام مسائل ستقع في الأزمنة اللاحقة ليس بعيداً، بل البعيد أن يحصر فقيه كبير مثل أبي بصير سؤالاته بزمانه وزمان حضور الإمام(عليه السلام) __________________________________________ ([38]) وسائل الشيعة 26: 202، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 4، ح2. ([39]) المصدر نفسه، ح7. ([40]) المصدر نفسه، ح5. ([41]) المصدر نفسه، ح1. ([42]) السرائر 3: 243. ([43]) مسالك الأفهام 13: 75. ([44]) الروضة البهية 2: 306.
|