|
النصوص الواردة في قتل العمد
ومن الثالث خبر أبي بصير، عن أبي الحسن موسى بن جعفر 7 قال :قلت: فإن هو قتل عمدآ وصالح أو لياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين؟ على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال: «بل يؤدّوا دينه من ديته التي صالح أولياؤه، فإنّه أحقّ بديته من غيره».[1] فلاينبغي الإشكال في الدين مطلقآ ولا في الوصيّة في الدية الخطأيّة. نعم، يشكل في العمديّة من جهة عدم النصّ، إلّا أنّک قد عرفت[2] تعدّي الأصحاب، ولعلّه من جهة التعليل في الخبر الأخير من كونه أحقّ بديته، بل يمكن أن يقال: إنّه بمقتضى القاعدة أيضآ؛ حيث إنّ الدية عوض عن نفس المقتول، فهي إنّما تكون له أوّلا، ولكونه غير قابل للمال أو غير محتاج إليه تدفع إلى وارثه، ويكون التعليل في الخبر شاهدآ على ذلک. ومن ذلک يظهر التعدّي إلى المنجّزات والأقارير أيضآ وإن لم يتعرّض إليه الفقهاء ولم يذكر في خبر من الأخبار، مع إمكان الاستدلال على ذلک بما مرّ[3] في خبر إسحاق: «أنّ رسول الله 9 قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال».[4] إذ الحكم بكونها ميراثآ يقتضي ما ذكرنا من احتسابها من التركة المفروض كون ثلثها للميّت. ويؤيّد ذلک تسالم الأصحاب[5] على كونها إرثآ وأنّها يرثها كلّ مناسب ومسابب وإن كان ممّن لايرث حقّ القصاص. بل يمكن أن يقال: لولا النصّ المذكور والإجماع أمكن الخدشة في كونها ميراثآ حتّى في الخطائيّ؛ لأنّها عوض عن نفس الميّت وجد بعد موته فيكون مختصّآ به يصرف في مصارفه أو يتصدّق عنه؛ لأنّه ليس من متروكاته. هذا كلّه إذا لم يكن الإقرار أو المنجّز من الدين على الميّت، وإلّا كما إذا أقرّ بالدين أو صالح محاباةً في ذمّته أو اشترى بأزيد من ثمن المثل في ذمّته فيمكن التمسّک في خروجها من الدية أيضآ بالأخبار[6] السابقة الحاكمة بقضاء دينه من ديته. ومن ذلک يمكن تتميم المدّعى بعدم القول بالفصل بين هذا القسم من المنجّز والإقرار وغيره ممّا يتعلّق بالعين، فتأمّل. هذا، مضافآ إلى أنّه يمكن أن يقال: إذا ثبت الحكم في الوصيّة ثبت في غيرها أيضآ بمعلوميّة كون مناط الثلث الذي هو للميّت واحدآ في الجميع على ما يستفاد من الأخبار، فإنّ تعبيرها في الجميع واحد، فبعد ذلک كلّه لايبقى مجال الريب في كون الحكم في المنجّز والإقرار أيضآ، كما ذكروه في الوصيّة. ويمكن أن يكون عدم تعرّضهم من جهة التسالم على اتّحاد المناط. وإن أبيت عن ذلک كلّه فأقول : إنّ ذلک كلّه ممّا يورث الشکّ في المطلب، فنرجع إلى عمومات أدلّتها الحاكمة بالنفوذ مطلقآ ومن الأصل؛ إذ القدر المسلّم من الخارج عنها ما إذا لم يخرج من الثلث حتّى مع ملاحظة الدية، فإذا خرج من ثلث المجموع منها ومن التركة نرجع إلى تلک العمومات. ودعوى أنّ ظاهر أخبار الثلث الانصراف إلى الثلث حين الموت كما ترى، خصوصآ بعد معلوميّة أنّ الغرض عدم الضرر على الورثة وأن يكون لهم مثلي ما للمقرّ له أو المتّهب أو الموصى له. وأمّا دية الجناية عليه بعد الموت ـ كقطع رأسه حيث إنّ فيه مائة دينار على ما دلّ عليه جملة من الأخبار[7] والجناية على سائر أطرافه بما يوجب الدية أو الأرش على ما ذكروه في باب الديات ـ فيظهر من تلک الأخبار أنّها لاتصل إلى الوارث، بل هي للميّت يحجّ بها عنه أويتصدّق بها عنه؛ ففي حسن سليمان[8] بن خالد الطويل، عن أبي عبدالله 7 بعد الحكم بأنّ في قطع رأس الميّت مائة دينار وأنّه مثل دية الجنين في بطن أمّه وأنّ دية الجنين لورثته قال :«وأنّ هذا إذا قطع رأسه أو شقّ بطنه فليس لورثته، إنّما هي له دون الورثة». قلت: وما الفرق بينهما؟ فقال: «إنّ الجنين مستقبل مرجوّ نفعه وأنّ هذا قد مضى وذهبت منفعته، فلمّا فعل به بعد موته صارت ديته بتلک المثلة له لا لغيره، يحجّ بها عنه، أو يفعل بها من أبواب الخير والبرّ صدقةً أوغيرها».[9] وفي مرسل محمّد بن الصباح، عن أبي عبدالله 7 أيضآ ـ وهو أيضآ طويل ـ بعدما سئل عن أنّها لمن هي؟ قال 7: «ليس لورثته فيها شيء، إنّما هذا شيء صار إليه في بدنه بعد موته يحجّ بها عنه أو يتصدّق بها عنه أو يصرف في سبيل من سبل الخير».[10] وقد عمل بهما الأصحاب، بل عن الخلاف[11] والغنية[12] عليه الإجماع. نعم، عن المرتضى[13] والحلّي[14] أنّها تكون لبيت المال، ولعلّه لخبر إسحاق بن عمّار قال للصادق 7: «فمن يأخذ ديته؟ قال الإمام 7: هذا لله».[15] أولأنّها عقوبة جناية لا دليل على تعيّن مصرفها. ويمكن حمل الخبر على الدفع إلى الإمام 7 ليصرفه في مصارف الميّت فلا ينافي ما مرّ. وأمّا التعليل المذكور فعليل؛ إذ قد عرفت الدليل، وحينئذ فمقتضى القاعدة جواز أو وجوب قضاء دينه منها؛ لأنّه أحوج إليه من التصدّق عنه ووجوب إنفاذ أقاريره ومنجّزاته ووصاياه. وهذا إذا كانت في ذمّته واضح؛ إذ الظاهر أنّ إقراره وكذا تصرّفه المنجّز المتعلّق بذمّته ـ كما إذا صالح في ذمّته أو نذر كذلک أو نحو ذلک ـ يوجبان شغل ذمّته وإن لم يكن الثلث وافيآ بهما. وعدم إمضاء الوارث لايقتضي بطلان الإقرار والتصرّف بالنسبة إلى الزائد عن الثلث مطلقآ، بل غاية الأمر عدم النفوذ عليه فقط، وإلّا فذمّة الميّت مشغولة واقعآ أو ظاهرآ. ولذا يجوز أن يتبرّع عنه متبرّع وأن يؤدّى من بيت المال ونحو ذلک، فحينئذ إذا حصل له مال بعد الموت ـ كالدية المفروضة ـ يجب صرفه فيها. وأمّا الإقرار والمنجّز المتعلّقان بالعين، وكذلک الوصيّة، فيشكل وجوب إخراج ما زاد عنها عن الثلث من الدية المذكورة؛ لأنّ الظاهر بطلانه إذا لم يجز الورثة، ولا دليل على وجوب دفع المال إلى الوارث عوضآ عمّا زاد على الثلث حتّى ينفذ تصرّف الميّت أو إقراره بتمامه مع احتمال ذلک أيضآ، فتدبّر. بقي شيء، وهو أنّ ما ذكر من وجوب إنفاذ التصرّف المنجّز أوالمعلّق ـ مادام الثلث وافيآ به وإن حصل النقصان في التركة ـ إنّما هو إذا كان متعلّقآ بالعين المعيّن أو بالذمّة، فإنّ النقصان في الثلث الذي هو للميّت لايؤثّر نقصانآ فيه إذا كان وافيآ به بعد النقصان أيضآ. وأمّا إذا كان متعلّقه حصّةً مشاعةً ـ كأن أوصى بربع ماله مثلا، فتلف منه شيء بعد الوفاة ـ فلا إشكال في أنّ النقص وارد عليه وإن كان الثلث أزيد منه؛ لأنّه مقتضى الإشاعة، وهذا واضح. إنّما الكلام في أنّه إذا أوصى بكلّيّ ـ كمائة دينار مثلا ـ فهل ينزّل على الإشاعة حتّى يرد النقص عليه أيضآ، بأن يكون الوصيّة المذكورة راجعةً إلى الوصيّة بربع المال إذا فرض كونه أربعمائة أو لا حتّى يجب إنفاذه ما دام الثلث وافيآ به؟ وفيه وجهان مبنيّان على معقوليّة تمليک الكلّيّ الخارجيّ، لا على جهة الإشاعة، لا كما يستفاد من خبر الأطنان[16] المذكور في باب البيع أو لا. فيكون الحكم في بيع الصاع من الصبرة على خلاف القاعدة من جهة الخبر المشار إليه. وتمام الكلام موكول إلى ذلک المقام. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ الفقيه :4 83 / 264، باب القود ومبلغ الدية، الحديث 27 ـ وسائل الشيعة :29 123 / 35306، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس،الباب 59، الحديث 2. [2] ـ عرفته في الصفحة .171 [3] ـ لم نعثر عليه في الصفحات السابقة. [4] ـ التهذيب :9 425 / 385، باب ميراث المرتدّ ومن يستحقّ الدية من ذوي الأرحام، الحديث 16 ـ وسائل الشيعة :26 41 / 32447، كتابالمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 14، الحديث .1 [5] ـ أنظر المسالک :13 44، والجواهر :39 .46 [6] ـ تقدّمت في الصفحة 172 و .173 [7] ـ أنظر: وسائل الشيعة :29 324، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب .24 [8] ـ في المصادر: حسين بن خالد. [9] ـ الكافي :7 349، باب الرجل يقطع رأس ميّت، الحديث 4 ـ الفقيه :4 117 / 404، باب ما يجب على من قطع رأس ميّت، الحديث 1 ـالتهذيب :10 316 / 438، باب دية عين الأعور ولسان الأخرس، الحديث 18 ـ الاستبصار :4 298 / 1121، باب في دية من قطع رأسالميّت، الحديث 9 ـ وسائل الشيعة :29 325 / 35699، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 24، الحديث .2 [10] ـ الكافي :7 347، باب الرجل يقطع رأس ميّت، الحديث 1 ـ التهذيب :10 313 / 430، باب دية عين الأعور ولسان الأخرس، الحديث10 ـالاستبصار :4 295 / 1113، باب دية من قطع رأس الميّت، الحديث 1 ـ وسائل الشيعة :29 324 / 35698، كتاب الديات، أبواب دياتالأعضاء، الباب 24، الحديث .1 [11] ـ الخلاف :5 299، المسألة .137 [12] ـ الغنية :1 .415 [13] ـ الانتصار: .272 [14] ـ السرائر :3 .419 [15] ـ الفقيه :4 118 / 407، باب مايجب على من قطع رأس ميّت، الحديث 4 ـ التهذيب :10 315 / 434، باب دية عين الأعور ولسان الأخرس،الحديث 14 ـ الاستبصار :4 297 / 1117، باب في دية من قطع رأس الميّت، الحديث 5 ـ وسائل الشيعة :29 326 / 35700، كتابالديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 24، الحديث .3 [16] ـ التهذيب :7 149 / 549، باب الغرور والمجازفة، الحديث 20 ـ وسائل الشيعة :17 365 / 22759، كتاب التجارة، أبواب عقد البيعوشروطه، الباب 19، الحديث .1
|