|
الصورة السادسة: اجتماع المنجّز والواجب
وأمّا الصورة السادسة، وهي ما إذا اجتمع المنجّز والواجب. فبناءً على خروج المنجّز من الأصل لاينبغي الإشكال في تقديمه بسبق نفوذه، فلايبقى تركه حتّى يتعلّق بها الدين أو غيره، من غير فرق بين الكفن وغيره. وبناءً على الثلث، فمقتضى القاعدة وإن كان ذلک في مقدار الثلث ـ لأنّ تعلّقه بالثلث إنّما هو في حال الحياة فيكون من حينه، وخروجه من الثلث حين الموت كاشف عن ذلک ولايبقى محلّ لخروج الدين بالنسبة إلى ذلک المقدار ـ إلّا أنّه يظهر من العلّا مة[1] أنّ حاله ـ بناءً على الثلث ـ حال الوصيّة في كونه مؤخّرآ عن الدين ونحوه. وصرّح به الشهيد في المسالک[2] في مسألة من أعتق عبده وعليه الدين إذا لم يكن قيمته بقدره مرّتين ويظهر منه المفروغيّة. بل يظهر من الجواهر أنّ الحكم كذلک حتّى على القول بالأصل، فإنّه في ذيل البحث المذكور ـ بعد ما نقل عن الحلّي الحكم بنفوذ العتق المذكور من الأصل وطرحه لصحيحة عبدالرحمنبنالحجّاج[3] وغيرها، وإسقاطالدين من رأس ـ قال: ولا ريب في ضعفه، بل هو اجتهاد في مقابلة النصّ، وأصحابه الموافقون له في كون المنجّزات من الأصل لا يوافقونه فيما إذا زاحم التنجّز الدين، بل يخصّونه بالنسبة إلى الورثة، وإلّا كانوا محجوجين بهذا الصحيح وغيره، بل لعلّ مقابلته بالقول بالخروج من الثلث المعلوم كون المراد منه بعد خروج الدين تشهد بعد المزاحمة المزبورة. انتهى.[4] أقول: أمّا على القول بالأصل فلا مجال للتأمّل في تقديم المنجّز، كما عرفت؛ إذ عليه يكون المريض كالصحيح في نفوذ التصرّفات. ومن المعلوم أنّ تصرّفه نافذ ومقدّم على الدين وإن كان مستغرقآ، بل ولو كان قصده الإضرار بالديّان والضرار من الدين ؛ إذ غاية الأمر حرمة ذلک. وأمّا المعاملة فصحيحة بعد عدم تعلّق حقّ الديّان في حال الحياة بالمال، فيبقى الدين حينئذٍ بلا وفاء بمقدار المنجّز. وما ذكره صاحب الجواهر من :«أنّ القائلين بكون المنجّز من الأصل لا يوافقون الحلّي»[5] كما ترى. فإنّي لا أظنّ أحدآ منهم استشكل أو احتمل ما ذكره. ولعلّ نظره مقصور على خصوص مسألة العتق من جهة الأخبار الخاصّة وإلّا فلا وجه له؛ إذ لايستفاد من هذه الأخبار حكم غير العتق، مع أنّ الحكم فيه أيضآ بناءً على العمل بها تعبّديّ، ومع الإغماض عن ذلک فغاية الأمر شهادتها على ذلک على القول بالثلث؛ إذ هي ناظرة إليه، فلايستفاد منها الحكم، بناءً على مذهب القائل بالأصل. وأمّا ما ذكره من شهادة مقابلة القول بالأصل للقول بالثلث على المزاحمة المزبورة ففيه: أنّ هذه المعاملة ترجع إلى أنّ المريض هل هو كالصحيح حتّى ينفذ تصرّفاته من الأصل؟ أو لا حتّى ينفذ من الثلث؟ ولا دلالة فيه على أنّ المريض له خصوصيّة مطلقآ حتّى على القول بالأصل، وهذا واضح جدّآ. وأمّا على القول بالثلث فيشكل الحال ممّا عرفت من أنّ مقتضى القاعدة ما ذكرنا. وممّا يظهر من الشهيد[6] وصاحب الجواهر[7] وبعض آخر[8] أنّ كونه كالوصيّة من هذه الجهة من المسلّمات. ويؤيّده ما يظهر منهم[9] من أنّ ثلث الميّت إنّما يلاحظ بعد خروج ما خرج من أصل المال، فما قابل الدين ليس من مال الميّت حتّى يخرج منه المنجّز. وأيضآ يلزم ممّا ذكرنا نفوذ المنجّز وإن استلزم حرمان الوارث بالمرّة، كما إذا كان دينه بمقدار الثلثين وينجّز بما يساوي الثلث أو أزيد ولا أظنّهم يلتزمون به. ولايمكن التفكيک بين ما لو كان الدين مستغرقآ، بحيث يكون المنجّز مزاحمآ للدين فقط وبين ما لم يكن مستغرقآ، بأن يكون مزاحمآ له وبحقّ الورثة بأن يقال: إنّ في الأوّل يحكم بنفوذ المنجّز من الثلث ويقدّم على الدين، وفي الثاني يقدّم الدين أوّلا، ثمّ يلاحظ الثلث والثلثان. وغاية ما يمكن أن يوجّه بما ذكره الجماعة أنّ الأدلّة الدالّة على أنّه ليس للميّت من ماله إلّا ثلثه متساوية النسبة إلى الوصيّة والمنجّز، بل الدليل واحد، وهو ما عرفت من الأخبار السابقة، فكما أنّ في الوصيّة لاتنفذ في ثلثه مع مزاحمة الدين فكذا في المنجّز. لكن فيه أوّلا أن نقول: إنّ هذه الأخبار دالّة على أنّ الثلث له وظاهره ثلث مجموع المال وإنّما هو محجور في الثلثين، فمقتضى ذلک نفوذ جميع تصرّفاته بهذا المقدار حتّى الوصيّة، فكان اللازم تقدّمها على الدين؛ لأنّها تصرّف في ثلثه الراجع إليه قبل تعلّق حقّ الديّان به. ولايضرّ كونه معلّقآ على الموت بعد كون المال المتصرّف فيه له أبدآ ما دام حيّآ، بمعنى أنّ الموت قاطع للملكيّة لا أن تكون موقّتةً ، فتمليكه بمنزلة أكله وإتلافه، إلّا أنّ الإجماع والأخبار دلّت على تقديم الدين عليها ويقتصر على موردهما، فيبقى المنجّز على مقتضى قاعدته. وثانيآ: لو سلّمنا أنّ كون الدين مقدّمآ على الوصيّة بمقتضى القاعدة من حيث كونها تمليكآ بعد الموت الذي هو حال تعلّق حقّ الديّان بالتركة وأنّهما متساويان في التعلّق والدين مقدّم لمكان كونه، نقول: إنّ المنجّز ليس كذلک؛ إذ هو تمليک حال الحياة ومحكوم بالنفوذ من حين وقوعه إذا كان الثلث وافيآ به في علم الله. ويمكن توجيه ما ذكروه بوجه آخر، وهو أنّ ما دلّ على أنّ الدين أوغيره من الواجبات من أصل المال أو من صلبه أو جميعه أو نحو ذلک من التعبيرات الموجودة في الأخبار، معناه أنّه لايلاحظ الثلث الذي للميّت التصرّف فيه إلّا بعد خروجها، وما دامت باقيةً لايعتبر له ثلث. وبعبارة أخرى: مقتضاه أنّ مجموع المال مع قطع النظر عن المنجّز والوصيّة ونحوهما ممّا يخرج من الثلث محلّ لخروج الدين ونحوه، فالثلث أيضآ محلّ لخروجه ولازمه تقديمها عليهما في صورة المزاحمة. لكنّ الإنصاف أنّ مفادها ليس أزيد من أنّه لايعتبر في خروج الدين ونحوه وفاء الثلث، كما يعتبر ذلک في الوصيّة، إلّا أنّه خارج من جميع المال حتّى الثلث الراجع إلى الميّت. نعم مقتضى إطلاق خروجه من الأصل أنّه يخرج حتّى مع الوصيّة والمنجّز أيضآ إلّا أنّ هذا الإطلاق معارض بما دلّ[10] على أنّ للميّت ثلثه وله التصرّف فيه، فإنّ لازمه عدم صرفه في الدين إذا عيّنه لغيره بمنجّز أو نحوه كالإقرار. وكيف كان، فالمسألة محلّ إشكال؛ ممّا عرفت، ومن ظهور إجماعهم على ما ذكره الجماعة، كما يظهر بملاحظة الفروع التي يفرّعونها على القول بكون المنجّز من الثلث، فراجع وتأمّل. ثمّ لايخفى أنّه لايلزم من القول بعدم مزاحمة المنجّز من الدين أن يكون الثلث الذي للميّت معتبرآ في بقيّة المال بعده، بل هو أعمّ من ذلک ومن كونه معتبرآ في مجموع المال من حيث المجموع مع كون الدين مقدّمآ من جهة كونه من الأصل، بل الظاهر هو الثاني، ففي الوصيّة المعلوم كونها بعد الدين أيضآ نقول: إنّ الثلث إنّما هو ثلث مجموع المال، لكن لمّا كان حقّ الديّان شائعآ في تمام المال ومقدّمآ على الوصيّة يزاحم الثلث كما يزاحم حقّ الوارث. ولهذا يصحّ الوصيّة بإخراج الدين أو سائر الواجبات من ثلثه حسبما عرفت. ولو كان الثلث ملحوظآ بعد خروج ما يخرج من الأصل لم يكن معنى لهذه الوصيّة، كما لايخفى. والحاصل، أنّ المستفاد من الأخبار أنّ للميّت ثلث ماله، وهو ظاهر في ثلث المجموع ومع قطع النظر عن كلّ شيء، لكن قد يكون بعض ما يجب إخراجه من المال مقدّمآ على حقّه وإن تصرّف فيه من جهة وجوب إخراج ذلک البعض من صلب المال الذي لازمه ورود النقص عليه بالنسبة أيضآ فيما يظهر من بعض الكلمات من المراد من الثلث ثلث ما بقي بعد الدين وسائر الواجبات منزّل على المسامحة، من جهة أنّه في الغالب ، بل دائمآ لايتفاوت الحال بين اعتباره بعد الدين ونحوه وبين اعتبارها في المجموع والحكم بتقديم الدين وإدخال النقص عليه أيضآ. نعم، بناءً على الأوّل لايبقى مجال للشکّ في كون الدين مقدّمآ على المنجّز في مقام المزاحمة، كما ذكره الجماعة، وبناءً على الثاني يحتمل الأمرين، بل مقتضى القاعدة تقديم المنجّز، ولابدّ من إقامة الدليل على ما تقدّم ، كما عرفت.[11] وأيضآ فيظهر الثمرة بين الوجهين فيما إذا سقط الدين ونحوه بغير الأداء من مال الميّت بإبراء أو أداء متبرّع؛ فإنّه على الأوّل يكون كالمال المتجدّد بعد الموت فيحتاج الحكم بزيادة الثلث به إلى دليل بخلافه على الثاني، فإنّه على القاعدة. وأيضآ إذا كان الدين مستغرقآ لايبقى للميّت ثلث على الأوّل حتّى يخرج منه سائر الوصايا إذا فرض سقوط الدين بخلافه على الثاني. وأيضآ إذا علّق حكم على تعيّن مقدار ثلث هذا الميّت يختلف الحال، كما إذا أوصى رجل بمقدار ثلث هذا الميّت إلى غير ذلک من الثمرات. وكيف كان، فلا ينبغي التأمّل فيما ذكرنا من أنّ المراد منه ثلث المجموع وإن قلنا بتقديم الدين أو نحوه، ودعوى الانصراف إلى ثلث ما بقي بعده ممنوعة. فعلى هذا يقوّى ما ذكرنا من أنّ مقتضى القاعدة تقديم المنجّز في مقدار الثلث حسبما عرفت. ثمّ إنّ كلّ ذلک إنّما كان مع كون المنجّز أو نحوه من الإقرار متعلّقآ بعين من أعيان مال الميّت، وأمّا إذا كان متعلّقآ بذمّته، كما إذا أقرّ بدين أو صالح كلّيّآ في ذمّته فعلى ما ذكره الجماعة يقدّم الدين ويحكم ببطلانه من أصله إذا كان الدين مستغرقآ وبالنسبة إذا لم يكن كذلک. وأمّا على ما ذكرنا فينفذ في مقدار الثلث ـ بناءً على الخروج منه ـ ويقدّم على الدين، لكن بمعنى أنّه لايحكم ببطلانه مع فرض المزاحمة، لا أنّه مقدّم في مقام الأداء من التركة، فهو في عرض سائر الديون. فلو كان الجميع زائدآ على مقدار التركة يدخل النقص عليه بالنسبة ؛ وذلک لأنّ مقتضى نفوذه ليس أزيد من ذلک، وذلک كما إذا قلنا بكونه من الأصل وكان عليه دين آخر فإنّه يزاحمه ويدخل النقص عليهما بالنسبة، وهذا واضح. ثمّ إنّ ما ذكر من تقديم الدين على المنجّز ـ بناءً على ما ذكره الجماعة ـ والحكم بنفوذه في ثلث ما بقي بعد الدين أو تقديم المنجّز عليه مطلقآ ـ حسبما ذكرنا أنّه مقتضى القاعدة ـ إنّما هو إذا كان المنجّز المزاحم له غير العتق. وإن كان عتقآ في حال المرض ففي جملة من الأخبار أنّه لاينفذ منه في غير ما قابل الدين أيضآ إلّا إذا كان قيمته ضعف الدين، كصحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الطويلة المتقدّمة[12] ، وصحيحة زرارة عن أحدهما8 في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين، قال: «إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه، وإلّا لم يجز».[13] وصحيحة أخرى[14] : «إذا ملک المملوک استعى».[15] فمقتضى هذه الأخبار أنّه لو لم يكن قيمة العبد ضعف الدين، بحيث يبقى نصفه بعد خروجه لايحكم بالنفوذ أصلا، بل إن كان مستغرقآ فيصرف تمامه في الدين، وإلّا فيكون الزائد كلّه للوارث ؛ سواء قلنا بكون المنجّزات من الأصل أو الثلث. وإن كان بقدر الضعف فيحكم بنفوذه في ثلث ما بقي، وهو السدس، ويسري إلى الباقي ويستعى للدين والورثة. وقد عمل بها جماعة[16] ؛ لكونها معتبرةً من حيث السند والدلالة، فلابأس بتخصيصها للقواعد. وعن الحلّي طرحها[17] والحكم بنفوذ العتق وإن بقي الدين بلا وفاء؛ بناءً على مذهبه من كون المنجّزات من الأصل. وعن العلّا مة[18] طرحها والحكم بنفوذ العتق في ثلث ما بقي بعد الدين وإن كان قليلا؛ بناءً على مذهبه من كونها من الثلث وأنّها بمنزلة الوصيّة في أنّها لاتزاحم الدين. وتبعه جماعة[19] ؛ لكون الأخبار المذكورة مخالفةً للقواعد الدالّة على وجوب الإنفاذ، إمّا من الأصل أو من ثلث مجموع المال أو ثلث ما بقي. ثمّ من جملة العاملين بها من خصّ الحكم بالمنجّز وجعل الوصيّة على مقتضى القاعدة من النفوذ في ثلث ما بقي، كالمحقّق في الشرائع[20] ؛ لكونها خاصّة به، وإلحاق الوصيّة قياس. وعن جماعة، كالشيخين[21] وابن البرّاج[22] وغيرهم[23] طرد الحكم إلى الوصيّة أيضآ، ولعلّه لتساويهما في الأحكام، بناءً على الثلث، مع أنّها أولى بهذا الحكم من المنجّز، حيث إنّه محلّ الخلاف في خروجه من الأصل أو الثلث، وأيضآ أنّه تصرّف حال الحياة الذي لم يتعلّق حقّ الديّان بالمال بخلافها، وإذا كان حكمه عدم النفوذ في صورة قصور القيمة عن الضعف فهي أولى. هذا، والحقّ وجوب العمل بها وإن قلنا بكون المنجّزات[24] ولايضرّ مخالفتها للقواعد بعد كونها أخصّ منها وصحّتها من حيث السند والدلالة وعدم الإعراض المسقط لها عن الحجّيّة ؛ إذ ما قيل من إعراض المشهور عنها غير معلوم بعد ما عرفت من عمل الشيخين وتابعيهم والمحقّق بها. نعم، يمكن أن يستشكل فيها بأنّها مجملة من حيث احتمال إرادة خصوص المنجّز بها ومن العتق عند الموت، واحتمال إرادة الوصيّة؛ لأنّه يعبّر عنها بذلک غالبآ في الأخبار، واحتمال إرادة الأعمّ. وأيضآ من حيث احتمال اختصاصها بما إذا لم يكن للميّت مال آخر ليكون المدار على مالكيّته العبد لسدسه الذي هو سدس مجموع التركة، كما هو ظاهر عنوان الفقهاء وأعمّيّتها منه ومن فرض كون المجموع من قيمة العبد ومال آخر للميّت بقدر الدين مرّتين، بحيث يكون المدار على مالكيّته لما يساوي سدس المجموع وإن كان أزيد من سدس نفسه، كما يستفاد من ذيل صحيحة عبدالرحمن، حيث قال: «إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة أكثر ولم يتّهم الرجل على وصيّته وأجرت وصيّته على وجهها».[25] أو يكون المدار على مالكيّته لسدسه وإن كان أقلّ من سدس مجموع المال، كما هو مقتضى الصحيحة الأخيرة، بأن يكون قيمته بقدر الدين وكان للميّت مال آخر يساوي نصف قيمته، فإنّ ثلث الباقي عن الدين حينئذٍ سدس مجموع التركة، ومع ذلک. فالإنصاف عدم العدول عنها، والفتوى بمقتضاها في المقامين من الوصيّة والمنجّز: إمّا لظهورها في الأعمّ؛ لأنّ العتق عند الموت يصدق على الأمرين وظاهر في القدر المشترک مع أنّ الصحيحة الأخيرة كالصريحة في الأعمّ؛ حيث جعل المدار على مالكيّة العبد لسدسه من غير فرق سبب ذلک، وإمّا لأنّ صحيحة عبدالرحمن محمولة على الوصيّة أو ظاهرة فيها بقرينة ما في ذيلها من قوله 7 :«ولم يتّهم الرجل على وصيّته... إلخ». والصحيحة الثانية[26] ظاهرة في المنجّز. هذا مضافآ إلى الأولويّة المتقدّمة، وما في ذلک من معارضة هذه الأخبار بصحيحة الحلبي، قال: قلت لأبي عبدالله 7 رجل قال: إن متّ فعبدي حرّ، وعلى الرجل دين. فقال 7: «إن توفّي وعليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد، وإن لم يكن بثمن العبد استعى العبد في قضاء دين مولاه، وهو حرّ إذا أوفى».[27] حيث إنّها دالّة بإطلاقها على انعتاقه متى زادت قيمته عن الدين، وهو الموافق لما تقرّر من القواعد، فلا وجه لإلحاق الوصيّة بالمنجّز؛ إذ من الجائز اختلاف حكمها في مثل ذلک، كما اختلف في كثير من الأحكام. فيه: إنّ إطلاق هذه الرواية منزّل على صورة كون الزيادة بقدر الدين فتقيّدها صحيحة عبدالرحمن. نعم، ما ذكره حقّ على ما بني عليه من اختصاص الأخبار المتقدّمة بالمنجّز؛ إذ على هذا لا وجه لإلحاق الوصيّة بعد مثل هذا الإطلاق. فثمّ اللازم قصر الحكم على صورة كون التركة منحصرة في العبد؛ لأنّها القدر المتيقّن من الأخبار وكلمات العلماء المفروض أنّ الحكم على خلاف القواعد، مع أنّه يمكن دعوى ظهور الأخبار ـ خصوصآ صدر صحيحة عبدالرحمن ـ في ذلک، فلو كان له مال آخر يرجع إلى القواعد، فتدبّر. تتمّة: لو اشتبه المتقدّم والمتأخّر أو التقدّم وعدمه في المنجّزات أو الوصايا فمقتضى القاعدة القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل؛ إذ لا معيّن غيرها، من غير فرق بين العلم بتاريخ بعضها وعدمه؛ إذ لايثبت التأخّر بالأصل، والحكم ليس معلّقآ على عدم التقدّم وعدم التأخّر، وهذا فيما لو كان المتأخّر لغوآ بالمرّة ـ كما في المنجّزات الواردة على محلّ واحد ـ واضح. وفيما لو كان كذلک واحد مؤثّر في حدّ نفسه وكان الشکّ في بطلانه بلحوق لاحق، كما في الوصايا الواردة على محلّ واحد، حيث يكون لاحقه رجوعآ عن السابق، يصير نظير مسألة الشکّ في المتقدّم والمتأخّر في مسألة الطهارة والحدث، فيجري ما ذكروه هناک. ولكنّ الحقّ عدم جريان الأصل، وتمام المسألة في محلّ آخر. وحكي[28] عن الشيخ في المبسوط[29] في الوصيّتين العمل بهما بالنسبة. ولا وجه له إلّا دعوى أنّ المال مشتبه بين شخصين والعدل يقتضى ذلک، كما لو تداعيا عينآ، ولازمه القول بذلک في المنجّز أيضآ، فتدبّر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ القواعد :2 .469 [2] ـ المسالک :6 .227 [3] ـ تقدّمت في الصفحة 136، الرقم .1 [4] ـ الجواهر :26 .69 [5] ـ الجواهر :26 .70 [6] ـ المسالک :6 .304 [7] ـ الجواهر :28 .470 [8] ـ كابن فهد الحلّي في المهذّب البارع :2 .516 [9] ـ كالشهيد في المسالک :6 .226 [10] ـ وسائل الشيعة :19 271، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب .10 [11] ـ عرفته في الصفحة .217 [12] ـ تقدّمت في الصفحة 136، الرقم .1 [13] ـ الكافي :7 27، باب من أعتق وعليه دين، الحديث 2 ـ الفقيه :3 70 / 239، باب في العتق وأحكامه، الحديث 21 ـ التهذيب :9 253 / ،197باب وصيّة الإنسان لعبده وعتقه...، الحديث 6 ـ وسائل الشيعة :19 356 / 24754، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا، الباب ،39الحديث .6 [14] ـ هي صحيحة حفص بن البختري. [15] ـ التهذيب :9 199 / 33، باب الإقرار في المرض، الحديث 33 ـ وسائل الشيعة :19 353 / 24749، كتاب الوصايا، أبواب أحكام الوصايا،الباب 39، الحديث 1. وفي المصادر «استسعى» بدل «استعى». [16] ـ منهم الشيخين في المقنعة: 676 والنهاية: 545، والمحقّق في الشرائع :2 .300 [17] ـ نقله عنه في الجواهر :28 380، السرائر :3 .199 [18] ـ المختلف :6 331، المسألة .109 [19] ـ منهم الشهيد في المسالک :6 227، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد :10 .205 [20] ـ الشرائع :2 .300 [21] ـ في المقنعة: 676، والنهاية: .610 [22] ـ المهذّب :2 .108 [23] ـ كالمحقّق السبزواريّ في الكفاية :2 .51 [24] ـ هكذا في النسخ، والظاهر أنّه سقط هنا شيء، ويحتمل أن يكون هكذا: وإن قلنا بكون المنجّزات من الأصل. [25] ـ تقدّمت في الصفحة 136، الرقم .1 [26] ـ أي: صحيحة زرارة، تقدّمت تخريجها في الصفحة 223، الرقم .2 [27] ـ الفقيه :3 70 / 240، باب في العتق وأحكامه، الحديث 22 ـ التهذيب :9 253 / 198، باب وصيّة الإنسان لعبده وعتقه...، الحديث 7 ـالاستبصار :4 9 / 28، باب الرجل يعتق عبده عند موته، الحديث 5 ـ وسائل الشيعة :19 353 / 24751، كتاب الوصايا، أبواب أحكامالوصايا، الباب 39، الحديث .3 [28] ـ حكاه عنه في السرائر :3 .196 [29] ـ المبسوط :4 .42
|