|
الأمر الخامس: قيمة العين المتصرّفة فيها يحسب من الثلث
إنّما يحسب من الثلث في المنجّز ـ على القول به والوصيّة ـ قيمة العين المتصرّف فيها، مضافآ إلى النقص أو التفويت الحاصل بسبب التصرّف، لا خصوص القيمة فقط. ولو وهب أحد مصراعي الباب أو أوصى به يحسب من قيمته، وما يقابل الهيئة الاجتماعيّة إلّا قيمآ وإن لم تصل إلى المتّهب والموصى له؛ لأنّه نقص حاصل بسبب تصرّفه وليس له من ماله إلّا ثلثه، فهو كما لو أتلفه متلف؛ حيث إنّه يضمن ذلک أيضآ وأنّ قيمة التالف أقلّ؛ لأنّه صار سببآ لفوات المال على المالک. وكذا إذا وهب نصف الدار فحدث في قيمتها نقص بسبب حصول شركة المتّهب. وكذا إذا أعتق جزءآ من عبد أوجارية، فيسري إلى الباقي، فإنّه بمنزلة عتق جميعه. وكذا إذا كان مشتركآ بينه وبين غيره وقلنا بالسراية ـ كما هو أحد القولين ـ فإنّه يضمن حصّة الشريک ويحسب الجميع من الثلث، فإن وفى به فهو، وإلّا فيستعى العبد في الزائد. واحتمل في الجواهر[1] خروج مقدار قيمة السراية من الأصل ـ وإن قلنا: إنّ المنجّز من الثلث ـ بناءً على انعتاق قهريّ تعبديّ. ولازمه كونه في الوصيّة أيضآ كذلک، فالقدر الموصى به من الثلث ومقدار السراية من الأصل. ولكنّک خبير بأنّه حصل بتصرّفه الاختياريّ، فحكمه حكم ذلک التصرّف. هذا إذا كانا متعلّقين بالأعيان. وأمّا لو كان متعلّقهما من المنافع، فإن كان معدودةً من جملة أمواله، كما إذا كانت العين لغيره، بأن ملک منفعة الدار أو البستان أو العبد بالاستيجار ثمّ صالحها في مرضه أو أوصى بها، فالمحسوب أيضآ قيمته ملک المنفعة، كائنةً ما كانت. وإن لم يكن كذلک، بأن كان مالكآ للعين ولمنافعها تبعآ لها فصالحها أو أوصى بها فحينئذ لايحسب قيمتها؛ لعدم كونها من أمواله، بل لابدّ من احتساب النقص الحاصل بسببهما في العين فبقي العين مسلوبة المنفعة في تلک المدّة وغير مسلوبتها، وبحسب التفاوت من الثلث؛ لأنّ المعدود من أمواله حينئذ نفس العين لا منافعها. ودعوى أنّها وإن لم تكن معدودةً من جملة الأموال قبل التمليک إلّا أنّها منها بعده، كما في منفعة الحرّ؛ حيث إنّها لا تعدّ مالا له، لكن لو آجر نفسه يكون منفعته مالا وإلّا لبطل الإجارة؛ لأنّها تمليک للمنفعة، ففي المقام أيضآ نقول: إنّ المنافع ليست مستقلّةً في الماليّة، بل هي تابعة للعين، لكن لو ملكها بصلح أووصيّة صارت من جملة الأموال، ولابدّ من تقويمها واحتسابها من الثلث، مدفوعة بأنّ ذلک لايقتضي إلّا كونها قابلةً للتمليک وصيرورتها مالا لمن تملّكها، ولاتعدّ مالا لمالک العين، بأن يكون بعد هذا التصرّف مالكآ لشيئين، فالمدار في عدّها مالا عدم كونها لمالک العين، من غير فرق بين كونها مضرّرةً أو لا. فلو استأجر عينآ صار مالكآ لمنافعها، وإذا اشتراها بعد ذلک صارت تابعةً للعين، ولايقال: إنّه مالک لشيئين. هذا، ولا فرق فيما ذكر من عدم احتساب قيمتها بين كونها مثل ثمرة البستان ونحوها ممّا تؤول إلى العين بعد الوجود وكونها مثل خدمة العبد وسكنى الدار ممّا لا تؤول إلى العين. وممّا ذكرنا ظهر فيما ذكره في الشرائع[2] من تقويم نفس المنفعة وإخراجها من الثلث مطلقآ، وما عن العلّا مة في القواعد[3] من الفرق بين مثل لبن الشاة وغيرها، فحكم بتقويم نفس اللبن؛ لكونه راجعآ إلى العين بعد الوجود، أي يصير عينآ خارجيّآ. هذا، ويظهر ممّا مرّ حال ما إذا أوصى برقبة العين دون منافعها بأن ألقاها للورثة، فإنّه يلاحظ النقص الحاصل في المال، مضافآ إلى قيمة العين، فتدبّر. ثمّ إنّ هذا كلّه إذا كانت المنفعة المملّكة موقّتةً، كشهر أو سنة أو أزيد، وأمّا إذا كانت مؤبّدةً، بأن أوصى بخدمة العبد أبدآ، ففي المسالک[4] في كيفيّة تقويمها وإخراجها من الثلث أوجه، في الجواهر[5] أقوال: أحدها: تقويم العين بمنافعها وخروج المجموع من الثلث لخروجها بتمليک جميع منافعها عن التقويم. ثانيها: إنّ المعتبر تفاوت ما بين قيمتها بمنافعها ومسلوبةً، كما في الموقّتة. ثالثها: تقويم المنافع وعدم احتساب نفس العين على واحد من الموصى له والوارث، وهو الأوسط. قلت: ويمكن إرجاع الأوّل إليه أيضآ؛ لأنّ مقتضى تعليله فرضه فيما لو لم يكن المعيّن المسلوبة قيمته أصلا، لا مثل العبد الموصى بخدمته؛ حيث إنّه يمكن عتقه في كفّارة وغيرها، ولا مثل البستان ممّا يكون الانتفاع بالأعيان والأشجار إذا يبست، ونحو ذلک. وأمّا الوجه الأخير ففساده ظاهر. ثمّ إنّه لا إشكال ولا خلاف في أنّ نفقة العبد الموصى بخدمته مدّةً معيّنةً على الورثة؛ لأنّها تابعة للملک، وهو ملكهم، وأمّا في المؤبّدة فأوجه أو أقوال: أحدها: إنّها عليهم أيضآ لذلک، وهو الحقّ. ويندفع الضرر بإمكان عتقه وبيعه ونحو ذلک لتسقط عنهم. الثاني: إنّها على الموصى له؛ لأنّه منتفع به، ومن له الغنم فعليه الغرم. الثالث: إنّها من بيت المال، وضعفها ظاهر. هذا، وفي الجواهر : لو لم يكن له غير العبد الذي أوصى بخدمته مؤبّدآ مضت وصيّته في ثلثه خاصّةً، لكن يعطى من المنفعة مدّةً يقابل مقدار الثلث، ثمّ يردّ إلى الورثة أو يكون له منها ما يقابل الثلث مؤبّدآ ولو عشر المنفعة أو أقلّ، وجهان: أقواهما الثاني[6] . قلت: لكن لا طريق إلى تعيّن ذلک، والأوجه أن يقال: بالمهاياة، فتدبّر. ثمّ إنّه لم يتعرّض للموقّتة إذا لم تخرج من الثلث، ولعلّ مختاره فيها الوجه الأوّل، مع أنّه يمكن الاستشكال فيه بأنّ كلّ جزء يفرض من المنفعة، فللوارث فيه حقّ، فلا وجه لتقديم جانب الموصى له في الاستيفاء إلّا أن يظهر من الموصي إرادة ذلک، فتدبّر. -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ الجواهر :28 .311 [2] ـ الشرائع :2 .296 [3] ـ القواعد :2 .468 [4] ـ المسالک :6 .195 [5] ـ الجواهر :28 .338 [6] ـ الجواهر :28 .340
|