|
القول في شرائط الوضوء
(مسألة 1) : شرائط الوضوء اُمور : منها: طهارة الماء ، وإطلاقه ، وإباحته ، وطهارة المحلّ المغسول والممسوح ، ورفع الحاجب عنه . والأحوط اشتراط إباحة المكان ـ أي الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسح ـ وكذا إباحة المصبّ إن عُدّ الصبّ تصرّفاً في المغصوب عرفاً ، أو جزءاً أخيراً للعلّة التامّة ، وإلاّ فالأقوى عدم البطلان ، بل عدم البطلان مطلقاً فيه وفي غصبيّة المكان لايخلو من قُوّة ، وكذا إباحة الآنية مع الانحصار([1]) ، بل ومع عدمه أيضاً إذا كان الوضوء بالغمس فيها ، لابالاغتراف منها . وعدم المانع من استعمال الماء ؛ من خوف مرض ، أو عطش على نفسه أو نفس محترمة ، ونحو ذلك ممّا يجب معه التيمّم ، فلو توضّأ والحال هذه بطل([2]) . (مسألة 2) : المشتبه بالنجس بالشبهة المحصورة ، كالنجس في عدم جواز التوضّؤ به ، فإذا انحصر الماء في المشتبهين ، يتيمّم للصلاة حتّى مع إمكان أن يتوضّأ بأحدهما ويصلّي ، ثمّ يغسل محالّ الوضوء بالآخر ، ثمّ يتوضّأ به ويعيد صلاته ثانياً . (مسألة 3) : لو لم يكن عنده إلاّ ماء مشكوك إضافته وإطلاقه([3]) ، فلو كان حالته السابقة الإطلاق يتوضّأ به ، ولو كانت الإضافة يتيمّم ، ولو لم يعلم الحالة السابقة يجب الاحتياط بالجمع بين الوضوء والتيمّم . (مسألة 4) : لو اشتبه مضاف في محصور ، ولم يكن عنده ماء آخر ، يجب عليه الاحتياط بتكرار الوضوء على نحو يعلم التوضّؤ بماء مطلق ، والضابط أن يزاد عدد الوضوءات على عدد المضاف المعلوم بواحد . (مسألة 5) : المشتبه بالغصب كالغصب لايجوز الوضوء به ، فإذا انحصر الماء به تعيّن التيمّم . (مسألة 6) : طهارة الماء وإطلاقه شرط واقعيّ يستوي فيهما العالم والجاهل ، بخلاف الإباحة ، فلو توضّأ بماء مغصوب مع الجهل بغصبيّـته أو نسيانها صحّ وضوؤه ؛ حتّى أنّه لو التفت إلى الغصبيّة في أثنائه صحّ ما مضى من أجزائه ، ويتمّ الباقي بماء مباح . وإذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى ، هل يجوز المسح بما في يده من الرطوبة ، ويصحّ وضوؤه أم لا ؟ وجهان ، بل قولان . ولايبعد التفصيل بين كون ما في اليد أجزاءً مائيّة تُعدّ ماءً عرفاً ، وكونه محض الرطوبة التي كأنّها من الكيفيّات عرفاً ، فيصحّ في الثاني دون الأوّل . وكذا الحال فيما إذا كان على محالّ وضوئه رطوبة من ماء مغصوب ، وأراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل جفاف الرطوبة . (مسألة 7) : يجوز الوضوء والشرب وسائر التصرّفات اليسيرة ـ ممّا جرت السيرة عليه ـ من الأنهار الكبيرة([4]) من القنوات وغيرها وإن لم يعلم رضا المالكين ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين . نعم مع النهي منهم أو من بعضهم يُشكل الجواز . وإذا غصبها غاصب يبقى الجواز لغيره دونه . (مسألة 8) : لو كان ماء مباح في إناء مغصوب ، لايجوز الوضوء([5]) منه بالغمس فيه مطلقاً ، وأمّا بالاغتراف منه فلايصحّ مع الانحصار به ، ويتعيّن التيمّم . نعم لو صبّه في الإناء المباح صحّ ، ولو تمكّن من ماء آخر مباح ، صحّ بالاغتراف منه ؛ وإن فعل حراماً من جهة التصرّف في الإناء . (مسألة 9) : يصحّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة ، بل في البيت المغصوب إذا كانت أرضه مباحة . (مسألة 10) : لايجوز الوضوء من حياض المساجد والمدارس ونحوهما ؛ في صورة الجهل بكيفيّة الوقف ، واحتمال شرط الواقف عدم استعمال غير المصلّين والساكنين منها ولو لم يزاحمهم . نعم إذا جرت السيرة والعادة على وضوء غيرهم منها من غير منع منهم صحّ . (مسألة 11) : الوضوء من آنية الذهب والفضّة ، كالوضوء من الآنية المغصوبة على الأحوط ، فيأتي فيها التفصيل المتقدّم([6]) ، ولو توضّأ منها جهلاً أونسياناً ، بل مع الشكّ في كونها منهما ، صحّ ولو بنحو الرمس أو الاغتراف مع الانحصار . (مسألة 12) : إذا شكّ في وجود الحاجب قبل الشروع في الوضوء أو في الأثناء ، لايجب الفحص ، إلاّ إذا كان منشأ عقلائيّ لاحتماله ، وحينئذ يجب حتّى يطمئنّ بعدمه . وكذا يجب فيما إذا كان مسبوقاً بوجوده . ولو شكّ بعد الفراغ في أنّه كان موجوداً أم لا ، بنى على عدمه وصحّة وضوئه . وكذا إذا كان موجوداً وكان ملتفتاً حال الوضوء ـ أو احتمل الالتفات ـ وشكّ بعده في أنّه أزاله ، أو أوصل الماء تحته أم لا ، بنى على صحّـته . وكذا إذا علم بوجود الحاجب وشكّ في أنّه كان موجوداً حال الوضوء ، أو طرأ بعده . نعم لو علم بوجود شيء في حال الوضوء ممّا يمكن أن لايصل الماء تحته ـ وقد يصل وقد لايصل ـ كالخاتم ، وقد علم أنّه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل ، أو علم أنّه لم يحرّكه ، ومع ذلك شكّ في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا ، يُشكل الحكم بالصحّة([7]) ، بل الظاهر وجوب الإعادة . (مسألة 13) : لو كان بعض محالّ الوضوء نجساً فتوضّأ ، وشكّ بعده في أنّه طهّره قبل الوضوء أم لا ، يحكم بصحّـته ، لكن يبني على بقاء نجاسة المحلّ ، فيجب غسله للأعمال الآتية . نعم لو علم بعدم التفاته حال الوضوء يجب الإعادة على الظاهر([8]) . ومنها: المباشرة اختياراً ، ومع الاضطرار جاز بل وجب الاستنابة ، فيوضّئه الغير وينوي هو الوضوء ، وإن كان الأحوط نيّة الغير أيضاً . وفي المسح لابدّ من أن يكون بيد المنوب عنه وإمرار النائب ، وإن لم يمكن ، أخذ الرطوبة التي في يده([9]) ومسح بها ، والأحوط ـ مع ذلك ـ ضمّ التيمّم لو أمكن . ومنها: الترتيب في الأعضاء ؛ فيقدّم الوجه على اليد اليمنى ، وهي على اليسرى ، وهي على مسح الرأس ، وهو على مسح الرجلين . والأحوط تقديم اليمنى على اليسرى ، بل الوجوب لايخلو من وجه([10]) . ومنها: الموالاة بين الأعضاء ؛ بمعنى : أن لايؤخّر غسل العضو المتأخّر ؛ بحيث يحصل بسببه جفاف جميع ما تقدّم . (مسألة 14) : إنّما يضرّ جفاف الأعضاء السابقة إذا كان بسبب التأخير وطول الزمان ، وأمّا إذا تابع عرفاً في الأفعال ، ومع ذلك حصل الجفاف بسبب حرارة الهواء أو غيرها ، لم يبطل وضوؤه . (مسألة 15) : لو لم يتابع في الأفعال ، ومع ذلك بقيت الرطوبة من جهة البرودة ورطوبة الهواء ؛ بحيث لو كان الهواء معتدلاً لحصل الجفاف ، صحّ([11]) . فالعبرة في صحّة الوضوء بأحد الأمرين : إمّا بقاء البلل حسّاً ، أو المتابعة عرفاً . (مسألة 16) : إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوؤه ، وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ، ثمّ تبيّن الخلاف . (مسألة 17) : لو لم يبق من الرطوبة إلاّ في اللحية المسترسلة ففي كفايتها إشكال([12]) . وكذا إن بقيت في غيرها ممّا هو خارج عن الحدّ ، كالشعر فوق الجبهة ، بل هو أشكل . ومنها: النيّة : وهي القصد إلى الفعل ، ولابدّ من أن يكون بعنوان الامتثال أو القربة . ويعتبر فيها الإخلاص ، فلو ضمّ إليها ما ينافيه بطل ، خصوصاً الرياء ، فإنّه إذا دخل في العمل على أيّ نحو أفسده . وأمّا غيره من الضمائم : فإن كانت راجحة لايضرّ ضمّها ، إلاّ إذا كانت هي المقصودة بالأصل ، ويكون قصد امتثال الأمر الوضوئي تبعاً ، أو تركّب الداعي منهما بحيث يكون كلٌّ منهما جزءاً للداعي ، وكذا لو استقلّ الداعيان على الأحوط([13]) . وإن كانت مباحة ـ كالتبرّد ـ يبطل بها ، إلاّ إذا دخلت على وجه التبعيّة ؛ وكان امتثال أمره هو المقصود الأصلي . (مسألة 18) : لايعتبر في النيّة التلفّظ ، ولا الإخطار في القلب تفصيلاً ، بل يكفي فيها الإرادة الإجماليّة المرتكزة في النفس ؛ بحيث لو سئل عن شغله يقول : أتوضّأ ، وهذه هي التي يسمّونها بالداعي . نعم لو شرع في العمل ، ثمّ ذهل عنه وغفل بالمرّة ؛ بحيث لو سئل عن شغله بقي متحيّراً ولايدري ما يصنع ، يكون عملاً بلا نيّة . (مسألة 19) : كما تجب النيّة في أوّل العمل ، كذلك يجب استدامتها إلى آخره ، فلو تردّد أو نوى العدم وأتمّ الوضوء على هذه الحال بطل ، ولو عدل إلى النيّة الاُولى قبل فوات الموالاة ، وضمّ إلى ما أتى به مع النيّة بقيّة الأفعال ، صحّ . (مسألة 20) : يكفي في النيّة قصد القربة ، ولا تجب نيّة الوجوب أو الندب ؛ لا وصفاً ولا غاية ، فلايلزم أن يقصد : أنّي أتوضّأ الوضوء الواجب عليَّ ، بل لو نوى الوجوب في موضع الندب أو العكس اشتباهاً ، بعدما كان قاصداً للقربة والامتثال على أيّ حال ، كفى وصحّ . (مسألة 21) : لايعتبر في صحّة الوضوء نيّة رفع الحدث ، ولا نيّة استباحة الصلاة وغيرها من الغايات ، بل لو نوى التجديد فتبيّن كونه مُحدثاً صحّ الوضوء ، ويجوز معه الصلاة وغيرها . ويكفي وضوء واحد عن الأسباب المختلفة وإن لم يلحظها بالنيّة ، بل لوقصد رفع حدث بعينه صحّ وارتفع الجميع . نعم لوكان قصده ذلك على وجه التقييد ؛ بحيث كان من نيّـته عدم ارتفاع غيره ، ففي الصحّة إشكال([14]) . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ يأتي الكلام فيه في المسألة الثامنة . [2] ـ على الأحوط في المرض دون غيره ، وإن كانت الصحّة مطلقاً لاتخلو من وجه . [3] ـ كون الإطلاق كالإباحة شرطاً علمياً لايخلو من وجه . [4] ـ الظاهر عدم الاختصاص بها ، فإنّ السيرة جارية في الصغار أيضاً . [5] ـ لكنّ الصحّة لاتخلو من قوّة مطلقاً ؛ سواء كان بالغمس أو بالاغتراف ، مع الانحصار أو عدمه ؛ لجواز اجتماع الأمر والنهي وصحّة التقرّب بالحرام ، مع اختلاف الجهة، ولعدم استلزام الحرام حرمة مقدّمته حتّى يكون الوضوء من حيث التصرّف حراماً أوّلا ، وكون حرمته غيرياً ثانياً . [6] ـ مرّ الكلام في المسألة الثامنة . [7] ـ لكنّ الصحّة لاتخلو من قوّة ؛ لجريان قاعدة الفراغ ، قضاءً لإطلاق أخبارها ، وما في موثّقة بكير بن أعين من قوله(عليه السلام) : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (وسائل الشيعة 1 : 471 / 7) محمول على الحكمة . [8] ـ لايجب على الأظهر . [9] ـ أو غيرها من أعضاء الوضوء . [10] ـ غير تامّ ، والأقوى جواز مسحهما معاً . نعم الأحوط عدم تقدّم اليسرى على اليمنى . [11] ـ بل بطل ؛ لأنّ الجفاف إنّما جعل أمارة وكاشفاً عن عدم التتابع العرفي ، فلا خصوصية له حتّى يحكم بالصحّة مع العلم بعدم التتابع . [12] ـ المناط في مانعية الجفاف ما كان منه مضرّاً بالتتابع العرفي ، من دون فرق بين مسترسل اللحية أو الأطراف الخارجة عن الحدّ وغيرهما ، ممّا لايكون غسله واجباً في الوضوء . [13] ـ لا محصّل لاستقلال الداعيين ، بل الظاهر عدم معقوليّته ؛ لأ نّه جمع بين الضدّين في الداعي . [14] ـ بل منع؛ لعدم قابلية الأمر الجزئي للتقييد، إلاّ أن يرجع إلى التناقض في القصد، وهو كما ترى.
|