|
القول في مسوّغاته
(مسألة 1) : مسوّغات التيمّم اُمور : منها: عدم وجدان ما يكفيه من الماء لطهارته ، غسلاً كانت أو وضوءً ، ويجب الفحص عنه إلى اليأس ، وفي البرّية يكفي الطلب ـ غَلوة سهم في الحَزنة ، وغَلوة سهمين في السهلة ـ في الجوانب الأربعة مع احتمال وجوده في الجميع ، ويسقط عن الجانب الذي يعلم بعدمه فيه ، كما أنّه يسقط في الجميع إذا قطع بعدمه فيه ؛ وإن احتمل وجوده فوق المقدار . نعم لو علم بوجوده فوقه وجب تحصيله إذا بقي الوقت ولم يتعسّر . (مسألة 2) : الظاهر عدم وجوب المباشرة ، بل يكفي استنابة شخص أو أشخاص يحصل من قولهم الاطمئنان ، كما أنّ الظاهر كفاية شخص واحد عن جماعة مع حصول الاطمئنان من قوله . وأمّا كفاية مطلق الأمين والثقة فمحلّ إشكال([1]) . (مسألة 3) : لو كانت الأرض في بعض الجوانب حَزنة وفي بعضها سهلة ، يكون لكلّ جانب حكمه من الغَلوة والغَلوتين . (مسألة 4) : المناط في السهم والقوس والهواء والرامي([2]) هو المتعارف المعتدل . وأمّا المناط في الرمي فغاية ما يقدر الرامي عليه([3]) . (مسألة 5) : لو ترك الطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم وصلّى ، وصحّت صلاته وإن أثم بالترك([4]) ، والأحوط القضاء([5]) ، خصوصاً فيما لو طلب الماء لعثر عليه . وأمّا مع السعة فتبطل صلاته وتيمّمه فيما لو طلب لعثر عليه ، وإلاّ فلايبعد الصحّة لو حصلت نيّة القربة منه . (مسألة 6) : لو طلب بالمقدار اللازم فتيمّم وصلّى ، ثمّ ظفر بالماء في محلّ الطلب أو في رحله أو قافلته ، صحّت صلاته ، ولايجب القضاء أو الإعادة . (مسألة 7) : يسقط وجوب الطلب مع الخوف ـ على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به ـ من سَبُع أو لُصّ أو غير ذلك ، وكذلك مع ضيق الوقت عن الطلب . ولو اعتقد الضيق فتركه وتيمّم وصلّى ، ثمّ تبيّن السعة([6]) ، فإن كان في مكان صلّى فيه فليجدّد الطلب مع سعة الوقت ، فإن لم يجد الماء تجزي صلاته ، وإن وجده أعادها . ومع عدم السعة فالأحوط تجديد التيمّم([7]) وإعادة الصلاة ، وكذا في الفروع الآتية التي حكمنا فيها بالإعادة مع عدم إمكان المائيّة . وإن انتقل إلى مكان آخر ، فإن علم بأنّه لو طلبه لوجده ، يُعيد الصلاة([8]) وإن كان في هذا الحال غير قادر على الطلب وكان تكليفه التيمّم . وإن علم بأنّه لو طلب ما ظفر به صحّت صلاته ولايعيدها . ومع اشتباه الحال ففيه إشكال ، فلا يُترك الاحتياط بالإعادة أو القضاء . (مسألة 8) : الظاهر عدم اعتبار كون الطلب في وقت الصلاة ، فلو طلب قبل الوقت ولم يجد الماء لايحتاج إلى تجديده بعده ، وكذا إذا طلب في الوقت لصلاة فلم يجد يكفي لغيرها من الصلوات . نعم لو احتمل تجديد الماء بعد ذلك الطلب ، مع وجود أمارة ظنّية عليه ـ بل مطلقاً على الأحوط ـ يجب تجديده . (مسألة 9) : إذا لم يكن عنده إلاّ ماء واحد يكفي الطهارة ، لايجوز إراقته([9]) بعد دخول الوقت ، ولو كان على وضوء ولم يكن عنده ماء لايجوز إبطاله ، ولو عصى فأراق أو أبطل صحّ تيمّمه وصلاته ، وإن كان الأحوط قضاؤها ، بل عدم جواز الإراقة والإبطال قبل الوقت ـ مع فقد الماء حتّى في الوقت ـ لايخلو من قوّة([10]) . (مسألة 10) : لو تمكّن من حفر البئر بلا حرج وجب على الأحوط([11]) . ومنها: الخوف من الوصول إليه من اللُّص أو السَّبُع أو الضياع أو نحو ذلك ؛ ممّا يحصل معه خوف الضرر على النفس أو العِرض أو المال المعتدّ به ؛ بشرط أن يكون الخوف من منشأ يعتني به العقلاء . ومنها: خوف الضرر من استعماله ؛ لمرض أو رمد أو ورم أو جرح أو قرح ، أو نحو ذلك ممّا يتضرّر معه باستعمال الماء ؛ على وجه لا يُلحق بالجبيرة وما في حكمها ، ولا فرق بين الخوف من حصوله أو الخوف من زيادته وبُطء بُرئه ، وبين شدّة الألم باستعماله على وجه لايتحمّل للبرد أو غيره . ومنها: الخوف باستعماله من العطش على الحيوان المحترم . ومنها: الحرج والمشقّة الشديدة التي لا تتحمّل عادة في تحصيل الماء أو استعماله وإن لم يكن ضرر ولا خوفه ، ومن ذلك حصول المنّة التي لا تتحمّل عادة باستيهابه ، والذلّ والهوان بالاكتساب لشرائه . ومنها: توقّف حصوله على دفع جميع ما عنده ، أو دفع ما يضرّ بحاله ، بخلاف غير المضرّ ، فإنّه يجب وإن كان أضعاف ثمن المثل . ومنها: ضيق الوقت عن تحصيله أو عن استعماله . ومنها: وجوب استعمال الموجود من الماء في غسل نجاسة ونحوه ؛ ممّا لايقوم غير الماء مقامه ، فإنّه يتعيّن التيمّم حينئذ ، لكن الأحوط صرف الماء في الغسل أوّلاً ، ثمّ التيمّم . (مسألة 11) : لا فرق في العطش الذي يسوغ معه التيمّم بين المؤدّي إلى الهلاك ، أو المرض ، أو المشقّة الشديدة التي لا تتحمّل وإن أمن من ضرره . كما لا فرق فيما يؤدّي إلى الهلاك بين ما يخاف على نفسه أو على غيره ؛ آدميّاً كان أو غيره ، مملوكاً كان أو غيره ممّا يجب حفظه عن الهلاك ، بل لايبعد التعدّي إلى من لايجوز قتله وإن لايجب حفظه([12]) كالذمّي . نعم الظاهر عدم التعدّي إلى ما يجوز قتله بأيّ حيلة ، كالمؤذيات من الحيوانات ، ومن يكون مهدور الدم من الآدمي ، كالحربي والمرتدّ عن فطرة([13]) ونحوهما ، ولو أمكن رفع عطشه بما يحرم تناوله كالخمر والنجس ، وعنده ماء طاهر ، يجب حفظه لعطشه ، ويتيمّم لصلاته ؛ لأنّ وجود المحرّم كالعدم . (مسألة 12) : لو كان متمكّناً من الصلاة مع الطهارة المائيّة ، فأخّر حتّى ضاق الوقت عن الوضوء والغسل ، تيمّم وصلّى ، وصحّت صلاته وإن أثم بالتأخير ، والأحوط ـ احتياطاً شديداً ـ قضاؤها أيضاً . (مسألة 13) : لو شكّ في مقدار ما بقي من الوقت ، فتردّد بين ضيقه حتّى يتيمّم ، أو سعته حتّى يتوضّأ أو يغتسل ، يجب عليه التيمّم ، وكذا لو علم مقدار ما بقي ولو تقريباً ، وشكّ في كفايته للطهارة المائيّة ، يتيمّم ويصلّي . (مسألة 14) : لو دار الأمر بين إيقاع تمام الصلاة في الوقت مع التيمّم ، وإيقاع ركعة منها مع الوضوء ، قدّم الأوّل على الأقوى ، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بالقضاء مع المائيّة . (مسألة 15) : التيمّم لأجل ضيق الوقت مع وجدان الماء ، لايستباح به إلاّ الصلاة التي ضاق وقتها ، فلاينفع لصلاة اُخرى ولو صار فاقد الماء حينها . نعم لو فقد في أثناء الصلاة الاُولى([14]) لايبعد كفايته لصلاة اُخرى ، والأحوط ترك سائر الغايات ـ غير تلك الصلاة ـ حتّى إذا أتى بها حال الصلاة ، فلايجوز مسّ كتابة القرآن على الأحوط([15]) . (مسألة 16) : لا فرق بين عدم الماء رأساً ، ووجود ما لايكفي لتمام الأعضاء ـ وكان كافياً لبعضها ـ في الانتقال إلى التيمّم ، ولو تمكّن من مزج الماء ـ الذي لايكفيه لطهارته ـ بما لايخرجه عن الإطلاق ، ويحصل به الكفاية ، فالأحوط وجوبه([16]) . (مسألة 17) : لو خالف من كان فرضه التيمّم فتوضّأ أو اغتسل ، فطهارته باطلة على الأحوط([17]) ، وإن كان فيه تفصيل ، ولو أتى بها في مقام ضيق الوقت بعنوان الكون على الطهارة ـ أو لغايات اُخر ـ صحّت ، كما تصحّ أيضاً لو خالف ودفع ثمناً عن الماء مضرّاً بحاله ، أو تحمّل المنَّة والهوان أو المخاطرة في تحصيله ونحو ذلك ؛ ممّا كان الممنوع منه مقدّمات الطهارة لانفسها ، وأمّا لو كانت بنفسها ضرريّة([18]) أو حرجيّة فالظاهر بطلانها . نعم لو كان الضرر أو الحرج على الغير فخالف وتطهّر ، فلايبعد الصحّة . (مسألة 18) : يجوز التيمّم لصلاة الجنازة والنوم مع التمكّن من الماء ، إلاّ أنّه ينبغي الاقتصار في الأخير على ما كان من الحدث الأصغر ، ولابأس بإتيانه رجاءً للأكبر أيضاً . كما أنّ الأولى فيه الاقتصار على صورة التذكّر ـ لعدم الوضوء ـ بعد الدخول في فراشه ، وفي غيرها يأتي به رجاءً ، كما أنّ الأولى في الأوّل قصد الرجاء في غير صورة خوف فوت الصلاة . -------------------------------------------------------------------------------- [1] ـ وإن كانت الكفاية غير بعيدة . [2] ـ بل الرمي أيضاً . [3] ـ على الأحوط الأولى . [4] ـ على الأحوط . [5] ـ بل لايخلو من وجه . [6] ـ فلايبعد صحّة صلاته، وإن كان الأحوط ما في المتن . [7] ـ وإن كان الأقوى عدم لزومه ، وكذا إعادة الصلاة . [8] ـ على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب الإعادة . [9] ـ على الأحوط فيه وفي الفرع الذي بعده . [10] ـ على الأحوط . [11] ـ بل الأقوى . [12] ـ بل يجب بمثل إعطائها الماء ، وإن كان وجوب الحفظ بأنواع اُخر ومراتب اُخرى محلّ كلام وبحث ، وتفصيله في محلّه . [13] ـ في المثالين إشكال ؛ لأنّ احترام الأخير مربوط بالحكومة ، وإلاّ فدمهم ونفسهم محترم بالنسبة إلى البقية ، ولذا لايجوز لغير الحكومة قتلهما . وأ مّا الأوّل فلا دليل على عدم احترامه من رأس . نعم ، إذا كان في حال الحرب فلا احترام له ، لكن عدم الاحترام فيه غير مختصّ بالحربي ، بل شامل لكلّ محارب في جبهة الحرب ، فالخوف عليهم مسوّغ للتيمّم ، ويشهد، بل يدلّ على ذلك عموم ما في صحيحة ابن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أ نّه قال : «إن خاف عطشاً فلايهريق منه قطرة ، فليتيمّم بالصعيد ، فإنّ الصعيد أحبّ إليّ»، (وسائل الشيعة 3 : 388 / 1) بل ربما ظهر من إطلاق كثير من الأصحاب تقديم حال الرفيق المحترم النفس ولو ذمّياً أو معاهداً وإن لم يضرّ تلفه به ولعلّه لاحترام النفس ، وأ نّه من ذوي الأكباد الحارّة وسهولة أمر التيمّم ، بل قضيّة إطلاق بعضهم الرفيق تناوله للحربي والمرتدّ ونحوهما . [14] ـ وبعدها بلا فصل ، بحيث لم يسع الوقت للتوضّي أو الاغتسال به . [15] ـ الظاهر أنّه بحكم الطاهر إلى تمام الصلاة. [16] ـ بل لايخلو من قوّة . [17] ـ بل على الأقوى . [18] ـ فيه إشكال، ولاتبعد الصحّة في بعض مراتب الضرر.
|