|
مدخل
تثبت الولاية على الأطفال غير البالغين سنّ التكليف الشرعي للأب، وإذا ما مات الوالد، يقع تساؤل هنا: هل تنتقل هذه الولاية والإدارة للأم أم هناك من يقوم مقام الأب في ذلك غيرها؟
يتّفق مشهور الفقهاء على أنّ حقّ الولاية على الأطفال الصغار يثبت بعد وفاة الأب للجدّ والد الأب، وإذا ما كان الجدّ ميتاً أيضاً، يصل الأمر إلى الأمّ لتولّي أمور أولادها. موضوع رسالتنا هذه يدور حول حقّ الولاية للأمّ على الصغار غيرالبالغين بعد وفاة الأب،ولكي تتّضح صورة المسألة، لابدّ ـ بدايةً ـ من الإشارة إلى بعض الأمور: 1 ـ تختلف الولاية أو القيمومة عن الحضانة، فالحضانة تعني مراقبة شؤون الطفل ومتابعة أموره بما يعود إلى سلامته البدنية وحفظه وحمايته، يكتب صاحب الجواهر في تعريفها: «هي ولاية وسلطنة على تربية الطفل وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه، وجعله في سريره، وكحله، وتنظيفه، وغسل خرقه وثيابه ونحو ذلك»(1). أما الولاية، فترتبط بشؤون التصرّف في أموال الطفل وأموره الحقوقية، وكذلك بزواجه قبل البلوغ، بل حتّى بعده في بعض الأحيان والحالات، وكذا ما يرتبط بالقرارات المتّخذة بشأن تعليمه وتربيته. 2 ـ تثبت الحضانة للأمّ في زمان خاص، وينتقل هذا الحقّ بعد ذلك إلى الأب، وعلى تقدير كون الأب ميتاً، يكون الحقّ ـ بدلاً عنه ـ للأم(2). 3 ـ لابدّ لنا في دراسة مسألة قيمومة الأمّ فقهياً من تحديد الموقف أمام السؤال الذي يطالبنا بتعيين الأصل الأوّلي والقواعديّ المعتمد على مستوى الكلّيات والأصول الإلهية في الموضوع. وحيث كانت القيمومة مناخاً للتصرّف في بدن الصغار وعملهم وأموالهم، تُثبتُ مثل هذا الحقّ للقيّم عليهم، فمن البديهي في صورة الشك الحكمُ بعدم جواز مثل هذا التصرّف; إذ الأصل عدم ولاية أحد على أحد ولا سلطنة له عليه، وهذا الأصل سيشكل حائلاً أمام ثبوت هذه القيمومة، وطبقاً لذلك لن يكون هناك فرقٌ بين الصغير والكبير، فالمبدأ الأوّلي يقضي بعدم سلطنة أيّ إنسان على أيّ إنسان آخر، في روحه وماله وبدنه، وهذا الأصل يتَّفق عليه الفقهاء كافّة، كما ذكره الشيخ مرتضي الأنصاري (1281هـ) في كتاب «المكاسب»، لدى بحثه عن مناصب الفقيه(3). وعليه، فالأصل الأولي هو عدم نفوذ التصرّفات المالية في أموال الآخرين، وهذا هو مقتضى الاستصحاب العدميّ أيضاً، وهو أصلٌ يجري بعينه في التصرّفات البدنية والمالية في حقّ الولد الصغير، وبعبارة أخرى: خلق الله تعالى الناسَ بحيث لا سلطة لأحد منهم على غيره، ذلك أنّ أصالة عدم وجوب إطاعة الغير الأوّلية من الأصول الفقهيّة المسلّمة. وبناءً عليه، فإذا لم نتمكّن من استفادة قيمومة المرأة الأمّ على الولد بعد موت الأب من الأدلّة(4)، أو إمكان تصرّفها بمال الصغير بوصفها قيّماً عليه، فإن مقتضى هذه الأصول عدم قيمومتها، تماماً كما يثبت بذلك عدم قيمومة الخال والعمّ والحاكم الشرعي أيضاً، وبذلك أيضاً تثبت ـ على هذا المستوى عينه ـ عدم ولاية الجدّ للأب. 4 ـ إنّ محل الخلاف والنزاع في مسألتنا هنا صورة كون المرأة كالأب أمينةً على ولدها، ومن أهل التدبير والدراية بشؤون رعاية الطفل ومصالحه، وإلاّ فلو افتقرت إلى أحد هذين الشرطين لا تصلها حينئذ الولاية على أولادها، تماماً كما لو فرضنا الأبَ فاقداً لأحد هذين الشرطين; فإنه لن يكون صاحب ولاية حينئذ. وعليه، فجهة البحث هنا تكمن في أنه هل تفرض الأمومة عدم القيمومة أم لا؟ وأخذاً بعين الاعتبار التوضيحات المتقدمة نرى أن للأمّ ضمن الشروط السالفة ولايةً على الأولاد الصغار بعد وفاة الأب، وأنّ ولايتها مقدّمةٌ على ولاية الجدّ والد الأب. __________________________________________ (1) النجفي، جواهر الكلام 31: 283. (2) المصدر نفسه 31: 293. (3) المكاسب 3: 546. (4) ولاية الأب خارجةٌ عن الأصل الأولي:انطلاقاً من ثبوت أدلة خاصّة عليها، وبحثنا هنا يقع بعد إثبات هذه الولاية للأب.
|